منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 07 - 09 - 2022, 11:53 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

موسى وهارون والحديث الختامي




الحديث الختامي



ختم الرب حديثه مع موسى النبي بتحديد اسمي العاملين للخيمة وكل أدواتها، وأخيرًا أكد له وصية تقديس يوم الرب، وسلمه اللوحين قبل أن ينزل للشعب.
1. العاملون في الخيمة
[1 -11].
2. تقديس يوم الرب
[12 -17].
3. تسليمه اللوحين
[18].
1. العاملون في الخيمة:

بعدما أوصى الله موسى بعمل الخيمة وأدواتها وحدد له تفاصيلها وأراه نموذجًا حيًا ليُقيم الخيمة على مثاله، لم يترك له الحرية في اختيار من يقوم بالعمل وإنما حدد له بصلئيل بن أوري بن حور من سبط يهوذا وملأه من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة، وجعل معه أهولياب بن أخيساماك من سبط دان يسنده في العمل، كما طلب تشغيل كل إنسان حكيم القلب في الشعب. ويلاحظ في هذه الوصية الآتي:
أ. اختار الله أناسًا سبق فأعطاهم حكمة في العمل، وها هو قد ملأهم من روحه بالحكمة والفهم والمعرفة،

وهكذا كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [تلتحم حكمة العبد التي وهبه الله له طبيعيًا بالحكمة السماوية التي تسنده في بناء بيت الرب.
لم يتجاهل الله الحكمة الطبيعية لأنها هي أيضًا من عنده، بل قدسها بروحه القدوس الذي يسند ويعين.
ب. إن كان الله قد اختار بصلئيل وملأه من روحه... [3] تأكيدًا بضرورة تدخل الله نفسه في اختيار الراعي، فقد اختار معه أيضًا أهولياب لكي يسنده. وكأن العمل الرعوي يقوم على روح الشركة والحب والمشورة، وليس بروح فردي. فالكاهن أو الخادم، أيًا كانت رتبته، سرّ نجاحه ليس في عمله الفردي وإنما في عمله مع أخوته بالروح الواحد.
ج. يقول الرب: "وفي قلب كل حكيم القلب جعلت حكمة ليصنعوا كل ما أمرتك" [6]. وكأن الله يعلن لموسى النبي أن يلتزم بتشغيل كل الطاقات، فقد وهب الله وسط الشعب حكماء القلب يسندون الرعاة في العمل الكرازي الرعوي.
د. يلاحظ في كل العاملين أن يدّ الله هي التي تتدخل في اختيار العاملين في كرمه إما بتحديد الأسماء علانية أو بطريقة غير مباشرة بتحديد سمات العاملين. هذا ما أكده السيد المسيح إذ سألنا أن نصلي لكي يرسل رب الحصاد فعلة لحصاده. ولهذا يصرخ الكاهن في كل قداس إلهي (القداس الباسيلي)، قائلًا: "الذين يُفصِّلون معه (أي مع الأب البطريرك) كلمة الحق باستقامة أنعم بهم يا رب على بيعتك يرعون قطيعك بسلام".
2. تقديس يوم الرب:

من بين كل الوصايا والشرائع التي سلمها الله لموسى، اختار الرب هذه الوصية "تقديس يوم الرب" لتكون الوصية الختامية، وقد سبق لنا الحديث عنها في شرحنا الأصحاح العشرين.
هنا نلاحظ قول الرب لموسى: "سبوتي تحفظونها" [13]. لم يقل "السبوت" ولا قال "سبوتكم" بل نسبها لنفسه، قائلًا: "سبوتي". فإن كان السبت يعني "الراحة". فإننا بحفظ يوم الرب نستريح نحن فيه، إذ نلتقي بالله سرّ راحتنا الحقيقة، وفي نفس الوقت يستريح الله فينا، إذ يجد له موضعًا في قلبنا، نحن موضوع سروره ولذته. لهذا يدعوها هكذا: "سبوتي"، أي "راحتي".
ترى ماذا تكون هذه السبوت التي نحفظها إلاَّ السيد المسيح نفسه، الذي فيه وحده نجد راحتنا، وفيه يجد الآب راحته. فيه نستريح نحن إذ نجده الصديق والفادي والمخلص الذي يدخل بنا إلى حضن أبيه، وفيه يجد الآب راحته حيث صالحه معنا.
عن السبوت أيضًا يقول: "لأنه علامة بيني وبينكم في أجيالكم لتعلموا أني أنا الرب الذي يقدسكم" [13].

فالسيد المسيح هو علامة العهد والمصالحة بيننا وبين الآب، فيه ننعم بالتقديس، إذ هو ربنا وقدستنا. ولهذا السبب كانت العقوبة قاسية للغاية: "من دنسه يقتل قتلًا، إن كان من صنع فيه عملًا تقطع تلك النفس من بين شعبها" [14]. من يزدري بالسيد المسيح يحرم من أبديته ويموت إلى الأبد، ويفقد عضويته في الملكوت الأبدي.

ركز الربّ في هذا الأصحاح على السبت كعهد أبدي [16-17]، لأنه يخص حياتنا الأبدية.
3. تسليمه اللوحين:

سلم الرب موسى لوحي الشريعة اللذين من الحجر والمكتوبين بأصبع الله، أي بالروح القدس، الذي أوحى بالكتاب المقدس كله.
هذان اللوحان ينكسران خلال غضب الإنسان وضعفه ليحل محلهما لوحان جديدان يشيران إلى حلول النعمة عوض حرف الناموس، كقول الإنجيلي يوحنا: "لأن الناموس بموسى أعطى أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صار" (يو 1).




العجل الذهبي



1. إقامة العجل الذهبي:

كان الشعب في مصر يعبد التيوس ويزني وراءها (لا 17: 7، يش 24: 14، خر 20: 8)، فاعتادوا أن يعبدوا إلهًا منظورًا مجسمًا أمامهم. وكان وجود موسى النبي قدامهم يقدم لهم على الدوام أعمال الله العجيبة الملموسة قد غطى إلى حين على حاجاتهم إله مجسم قدام أعينهم. لهذا إذ غاب موسى عنهم سألوا هرون، قائلين: "قم إصنع لنا إلهًايسير أمامنا، لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه" [1].

إنهم لم يقصدوا تجاهل الله الذي أخرجهم من أرض مصر، لكنهم أرادوا أن يعبدوا خلال العجلالذي في قلبهم، يظهر ذلك من قول هرون: "غدًا عيد للرب (يهوه)" [5].
ومع ذلك فإننا لا نتجاهل أن ما صنعوه هو أثر عبادتهم القديمة للعجل، والتي كانت لا تزال في داخلهم،

إذ يقول القديس مارافرام السرياني:
[أستُبعد موسى عنهم إلى حين حتى يظهر العجل الذي كان قدامهم، فيعبدوه علانية، هذا الذي كانوا يعبدونه خفية في قلوبهم!].

كما قال: [أُخذ موسى عنهم لكي تظهر عبادة الأوثان التي كانت داخلهم].
والحق إنهم كانوا بلا عذر، فإن كان موسى قد تأخر، لكن أعمال الله خلال موسى لم تتوقف، كان المن ينزل عليهم كل صباح، والصخرة كانت تتبعهم، وعمود النور في الليل يرشدهم وعمود السحاب يظلل عليهم نهارًا... إنهم بلا عذر.

يعطي سفر التثنية تعليلًا آخرًا لهذا الانحراف، وهو اهتمام باللذة الجسدية خلال الأكل والشرب واللهو، إذ يقول: "سمنت وغلظت واكتسبت شحمًا... ذبحوا لأوثان ليست لله... الصخرة الذي ولدك تركته ونسيت الله الذي أبدأك" (تث 32: 15-18).
ويرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن الترف والسكر هما جذبا الشعب إلى عبادة الأوثان. وكما أن "عيسو خلال النهم فقد بكوريته وصار قاتلًا لأخيه".

ويستشهد القديس جيروم على قول الكتاب "جلس الشعب للأكل والشرب ثم قاموا للعب" [6] على أثر النهم في إثارة الخطايا قائلًا: [إذ تحدث في البطن تخمة تثور عندئذ بقية الأعضاء

كما يعلق على هذا الحدث قائلًا: [لقد ضاع تعب أيام كثيرة كهذه خلال الشبع لمدة ساعة

وأيضًا قال: [بجسارة كسر موسى اللوحين إذ عرف أن السكارى لا يقدرون أن يسمعوا كلمة الله].
أخيرًا، فإن هذا الشعب يمثل الطبيعة البشرية الفاسدة التي تُريد أن تقيم لنفسها إلهًا حسب أهوائها. تُريد إلهًا يرضي ضمائرها الشريرة ويترك لشهوات جسدها العنان، ولا تريد صليبًا وآلامًا!
2. غضب الله على شعب موسى:

إذ اختار الشعب لنفسه إلهًا آخرًا حسب أهوائه الشريرة لم يحتمل الرب أن ينسب هذا الشعب لنفسه، فلم يعد بعد يدعوه "شعبي" بل نراه يقول لموسى النبي: "اذهب إنزل، لأنه قد فسد شعبك الذي أصعدته من أرض مصر" [7].
ويعلق العلامة أوريجانوس على ذلك قائلًا: [كما أن الشعب عندما لا يخطئ يحسب شعب الله، ولكنه إذ يخطئ لا يعود يتحدث عنه كشعب له، هكذا أيضًا الأعياد، عندما تكرهها نفس الله يدعوها أعياد الخطاة، مع أنه عندما قدم الشريعة الخاصة بها دعاها أعياد الرب].
لقد غضب الله على ما بلغ إليه الإنسان، ومع ذلك يفتح الباب أمام موسى ليشفع فيه، إذ يقول له: "رأيت هذا الشعب، وإذ هو شعب صلب الرقبة، فالآن أتركني (وحدي) ليحمي غضبي عليهم وأفنيهم، فأصيرك شعبًا عظيمًا" [9-10]. ففي قوله: "أتركني" يترك له مجالًا للتشفع وإعلان حبه لشعبه، أي ممارسته لعمله الأبوي.
وبالفعل تشفع موسى عن شعبه لدى الله مقدمًا له ثلاث حجج، الأولى يذكر أنه شعبه الذي اهتم به قديمًا فأخرجه بقوة عظيمة ويد شديدة [11]، والثانية أن العدو يشمت بهزيمة أولاده فيقول: "أخرجهم بخبث ليقتلهم في الجبال ويفنيهم عن وجه الأرض" [12]، والثالثة يذكره بمواعيده لآبائهم إبراهيم وإسحق ويعقوب عبيد الرب، الذين أقسم الله لهم بنفسه أن يبارك نسلهم ويهبهم أرض الموعد [3].
أمام دالة موسى النبي يقول الكتاب "ندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه" سنترك الآن الحديث عن قلب موسى المحب الأبوي، لكنني أود أن أوضح أن الله ليس كسائر البشر يخطئ فيندم، إنما يحدثنا هنا بلغة بشرية، بالأسلوب الذي نفهمه، حين نقدم توبة نسقط تحت مراحم الله ورأفاته فلا نسقط تحت العقوبة (الشر).
3. غضب موسى وكسر اللوحين:


موسى النبي الذي لم يحتمل كلمات الرب على شعبه فتشفع فيهم حتى ندم الرب عما كان سيفعله بهم إذ نزل إلى سفح الجبل لم يحتمل رؤية الشعب وهو يرقص حول العجل، فحمى غضبه وطرح اللوحين من يديه وكسرهما [19]. على جبل المعرفة دخل موسى في الأمجاد وتسلم الوصية الإلهية، لكنه إذ نزل إلى سفح الجبل كسر اللوحين، هكذا يليق بنا أن نبقى دائمًا مرتفعين وصاعدين من مجد إلى مجد، أما النزول عند السفح فيجعلنا نكسر الوصية فنسقط تحت الغضب!
لقد تنبأ بموسى حتى في غضبه، فبكسره للوحين أعلن حال البشرية الساقطة تحت لعنة الناموس بسبب كسرها للوصية، وها هي تنتظر عمل النعمة الإلهية عوض الناموس، كقول القديس يوحنا: "لأن الناموس بموسى أعطى أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" (يو 1). وقد جاء في رسالة برناباس: [طرح موسى اللوحين عن يديه، وانكسر عهدهما لكي يقوم عهد يسوع المحبوب مختومًا في قلبنا على الرجاء الذي ينبع من إيماننا به].
بكسر اللوحين الحجريين ظهر ثقل الناموس ولعنته على البشرية العاجزة عن تنفيذه، لهذا كان لا بُد من رفع هذا الحجر أي حرف الناموس القاتل، لتحل محله نعمة السيد المسيح.
هذا ما أوضحه القديس أغسطينوس في تفسيره الرمزي لكلمات السيد المسيح: "ارفعوا الحجر" عند إقامة لعازر من القبر، إذ يقول: [ماذا تعني الكلمات "ارفعوا الحجر"؟ إنها تعني: اكرزوا بالنعمة. لأن الرسول بولس يدعو خدمة العهد الجديد خدمة الروح لا الحرف، إذ يقول "لأن الحرف يقتل ولكن الروح يحيي" (2 كو 3: 6). الحرف الذي يقتل كالحجر الذي يحطم. لهذا يقول: ارفعوا الحجر. ارفعوا ثقل الناموس، واكرزوا بالنعمة. لأنه لو أعطى ناموس قادر أن يحيي لكان بالحقيقة يتحقق البر بالناموس. لكن الكتاب أغلق على الكل تحت الخطية ليعطي الموعد بإيمان يسوع المسيح للذين يؤمنون ].
4. سحق العجل الذهبي:

يقول الكتاب: "ثم أخذ العجل الذي صنعوا وأحرقه بالنار وطحنه حتى صار ناعمًا وذراه على وجه الماء وسقى بني إسرائيل" [20].
لماذا تصرف موسى هكذا؟
لقد أحرق العجل بالنار وسحقه وذراه على الماء لكي يشرب الشعب من هذا الماء الممتزج بالمسحوق علامة على أن كل إنسان يلتزم بأن يشرب ثمار خطاياه، وذلك كما أمرت الشريعة أن تشرب المرأة المشتبه في أمرها أنها حملت من رجل غير رجلها وليس من شاهد عليها أن تشرب ماء اللعنة المرّ، فإن كانت بريئة تلد ولا يصيبها ضرر، وإن كانت قد تنجست يورم بطنها ويسقط فخذها وتصير لعنة وسط شعبها (عد 5: 11-28).

ويعلق القديس أغسطينوس على تصرف موسى النبي في العجل قائلًا: [رأس العجل هو سر عظيم، إذ هو رأس لجسد أناس أشرار يتشبهون بالعجل في أكلهم العشب، إذ يطلبون الأمور الأرضية كل يوم، لأن كل جسد كالعشب (إش 40: 6)].
ألقاه (موسى) في النار حتى يزول شكله، ثم سحقه جزءًا جزءًا حتى يباد قليلًا قليلًا، وألقاه في الماء وقدمه للشعب لكي يشرب. ماذا يعني هذا إلاَّ أن المتعبدين للشيطان قد صاروا جسدًا متمثلًا به؟! وذلك كما أن الذين يعترفون بالمسيح يصيرون جسد المسيح، فيقال لهم: أنتم جسد المسيح وأعضاؤه" (1 كو 2: 27).
يرى القديس أغسطينوسأن الشعب شرب هذا التمثال بسحقه وتذريته على الماء فاستهلكه، إشارة إلى إبادة جسد الشيطان بواسطة الإسرائيليين، إذ يخرج منهم الرسل الذي يكرزون بين الأمم فيفقدون الشيطان أعضاءه.
5. تأديب موسى للشعب:

رأى موسى الشعب وقد تعرى بسبب شره، وصار هزءًا بين مقاوميه [25]. لقد تشفع عن الشعب قبل أن يرى بعينيه الشر وقبل الرب شفاعته [14]، لكنه في نفس الوقت أمر بحزم كل الذين للرب - بني لاوي - أن يقتلوا أخوتهم الذين خارج أبواب خيامهم، فقتلوا في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل [28]. لقد أخطأ الشعب، وكان لا بُد من التأديب. فالذين دخلوا خيامهم في خجل من خطيتهم نادمين نجوا من السيف، والدليل على ذلك أنهم إذ اجتمعوا بموسى في اليوم التالي قال لهم: "أنتم قد أخطأتم خطية عظيمة، فأصعد الآن إلى الرب لعلى أكفر خطيتكم" [20]، أما الذين لم يبالوا بما فعلوا وكانوا خارج خيامهم فقتلوا.

6. شفاعة موسى:

طلب الله من موسى أن يتركه ليحمي غضبه عليهم فيقتلهم [10] ويصيره شعبًا عظيمًا، ولكن القلب الأبوي رفض أن يترك شعبه -مهما بلغت قسوة قلوبهم- بل تشفع فيهم بقوة، إذ قال: "الآن إن غفرت خطيتهم وإلاَّ فامحني من كتابك الذي كتبت" [32]... وبقيت هذه الشفاعة ينبوعًا حيًا يستقي منه الرعاة والخدام الحب الأبوي إلى يومنا هذا. وفيما يلي بعض تعليقات الآباء على هذه الشفاعة:
[قال (الله لموسى) "أصيرك شعبًا عظيمًا" (خر 32: 10)، لكنه لم يقبل، بل التصق بالخطاة وصلى من أجلهم. كيف أصلي؟ إنها علامة الحب يا إخوتي! كيف صلى؟ لاحظوا أن تصرفه كان كمن يحمل حنان الأم، الأمر الذي أتحدث عنه كثيرًا.
لقد هدد الله الشعب الذي دنس المقدسات، لكن قلب موسى اللطيف ارتعب، معرضًا نفسه لغضب الله بسببهم، إذ قال: "يا رب، والآن إن غفرت خطيتهم وإلاَّ فامحني من كتابك الذي كتبت" [32]. بهذا نظر إلى عدل الله ورحمته في نفس الوقت. فبكونه عادلًا لا يهلك الإنسان البار (أي موسى)، وبكونه رحيمًا يغفر للخطاة].
[يا لقوة الحب! يا لكماله الذي يفوق كل كمال!
العبد يكلم سيده بكل حرية، طالبًا العفو عن الشعب أو يهلك مع الجموع].
[يا لعظم كماله، فإنه يود أن يموت مع الشعب ولا يخلص بمفرده!].
[يقول: سهل عليّ أن أهلك معهم عن أن أخلص بدونهم!

حقًا إنه حب حتى الجنون، إنه حب بلا حدود!
ماذا تقول يا موسى؟
أما تبالي بالسموات...؟ نعم، فإني أحب الذين أخطأوا في حقي!
أتصلي أن يُمحى اسمك؟ نعم، فإنه ماذا أقدر أن أفعل أمام الحب؟!].
[لقد نطق بهذا لكونه صديقًا لله، يحمل طابعه (الحب)!].
[هكذا كان الاهتمام الأول للرجال العظماء النبلاء إنهم لا يطلبون ما لأنفسهم بل كل واحد ما لقريبه. بهذا ازدادوا ضياءًا وبهاءًا!
لقد صنع موسى عجائب وآيات كثيرة عظيمة، لكن أمر واحد جعله عظيمًا هكذا هو حديثه الطوباوي مع الله قائلًا: "إن غفرت خطيتهم وإلاَّ فامحني..." ].
[ماذا فعل موسى؟
أليس هذا هو الذي هرب بسبب خوفه من مصري واحد (فرعون) وذهب إلى منفى؟ ومع هذا فإن هذا الهارب الذي لم يحتمل تهديدات إنسان واحد، إذ ذاق عسل الحب بكل نبل ودون التزام من أحد تقدم ليموت مع محبوبيه قائلًا: "إن غفرت خطيتهم وإلاَّ فامحني من كتابك الذي كتبت" [32]].
[هكذا هي أحشاء القديسين، أنهم يحسبون الموت مع أولادهم أعذب من الحياة بدونهم ].
يرى الآباء أيضًا أن موسى النبي كان متأكدًا من حب الله الذي يقبل شفاعته ولا يعرض حياته للموت،

فيقول القديس أغسطينوس: [إذ عرف أنه يفعل ذلك أمام الرحيم الذي لن يمحِ اسمه قط إنما يغفر لهم من أجله ].

ويقول القديس أمبروسيوس: [لم يمحِ الله اسمه، بل فاضت عليه النعمة، إذ لم يوجد فيه شر ].
خلال هذا العمل صار موسى مثلًا حيًا للحب والوداعة والحلم حتى أن القديس يوحنا ذهبي الفميرى في ظهوره مع إيليا عند تجلي السيد المسيح أمام تلاميذه، كان إعلانًا عما يجب أن يكون عليه التلاميذ من سمات فيحملون وداعة موسى وحلّمه الذي صرف غضب الله عن شعبه،وحزم إيليا وغيرته الذي طلب أن تحلّ المجاعة ثلاثة سنين ونصف للتأديب.

أما عن فاعلية شفاعة موسى في شعبه فيعلق عليها القديس يوحنا الذهبي الفمقائلًا: [حقًا إن صلوات القديسين لها قوتها العظيمة بشرط توبتنا وإصلاحنا لنفوسنا. فإنه حتى موسى الذي أنقذ أخاه وستمائة ألف رجل من غضب الله لم يستطيع أن يخلص أخته ].
وفي حديث القديس جيروم عن شفاعة القديسين يقول: [إن كان رجل واحد أي موسى كسب صفحًا من الله عن ستمائة ألف رجل حرب، واستفانوس الشهيد المسيحي توسل طالبًا المغفرة عن مضطهديه، فهل عندما يدخل هؤلاء بحياتهم إلى المسيح تكون قوتهم أقل من هذا؟!].
أخيرًا، مع قبول شفاعة موسى للشعب يقول الله لموسى: "والآن اذهب إهدِ الشعب إلى حيث كلّمتك. هوذا ملاكي يسير أمامك، ولكن في يوم افتقادي أفتقد منهم خطيتهم" [34]، فضرب الرب الشعب، لأنهم صنعوا العجل [35].
لقد قبل شفاعة موسى النبي فلا يفنيهم، بل يعطي العون حتى تتم وعوده مع الشعب، لكنه ليس بدون شرط، فإنهم إذ قبلوا الخطية حين يفتقدهم بالخلاص أيضًا يفتقد فيهم الخطية أي يؤدبهم، لذلك ضربهم بالتأديب حتى يعود ويعلن عمله الخلاصي في حياتهم.
حب الله أو رحمته لا تتعارض مع عدله، إن كان يغفر لكنه لا يقبل الاستهتار ولا يتحد مع الإنسان وهو بعد في خطيته. ولعله قصد بقوله "أفتقد فيهم خطيتهم" إشارة إلى دفعه ثمن الخطية وقبوله الموت عنهم في يوم افتقاده لهم على الصليب، حتى يعبر بهم أرض الموعد الحقيقية.


تجديد العهد



سقوط الشعب وعبادته للعجل الذهبي لم يكن بالأمر الهيِّن، لذا رأينا الله يسرع بإنزال موسى إليهم مصرحًا له أن يتركه ليفنيهم، فتشفع موسى لديه، وإذ عاد موسى إلى أسفل الجبل رأى الشعب ساقطًا في الخطية كسر اللوحين وقام بتأديب الشعب بمرارة، ثم عاد يشفع فيهم من جديد طالبًا إما أن يخلص مع شعبه أو يهلك هو معه، وقبل الرب الشفاعة... وكان لا بُد من الدخول في مناقشات جديدة تنتهي بتجديد العهد الذي كسرّ الشعب بخطيته، وتجسم في كسر اللوحين. هذا ما نراه في الأصحاحين الثالث والثلاثين والرابع والثلاثين.













1. عتاب إلهي مع الشعب:

لقد قبل الله شفاعة خادمه موسى، وأكد له أنه يبقى أمينًا بالرغم من عدم أمانة الناس، إذ يقول له: "اذهب إصعد من هنا أنت والشعب الذي أصعدته من أرض مصر إلى الأرض التي حلفت لإبراهيم وإسحق ويعقوب قائلًا لنسلك أعطيها" [1]. إنه يحقق وعوده حسبما تعهد مع آبائهم، لكنه يغيِّر طريقة تحقيقها، إذ نلاحظ في حديثه:
أ. لا زال يحمل ألمًا من جهة هذا الشعب، فلا يدعوه "شعبي" ولا يتحدث بلغة الصداقة الأولى... ربما لكي لا يستسهل الشعب الخطية، ويستغل محبة الله ومراحمه.
ب. لا يعود يحلّ في وسطهم بنفسه، إذ يقول: "وأنا أرسل أمامك ملاكًا... فإني لا أصعد في وسطك لأنك شعب صلب الرقبة، لئلا أفنيك في الطريق" [3]. أنه يرسل "ملاكًا" للدفاع عنهم ومساندتهم مع إرشادهم، وهذا غير الملاك الذي تحدث عنه في الأصحاح الثالث والعشرون الذي هو الأقنوم الثاني إذ يقول "لأن اسمي فيه" (23: 21). فإن الله قد انسحب من وسط الشعب، لأنه أي شركة بين الله والإنسان صلب الرقبة (3: 5). الله لا يقبل ولا يمكن أن تتحق الشركة هكذا، والإنسان أيضًا لا يحتمل، إذ يقول: "قل لبني إسرائيل أنتم شعب صلب الرقبة؛ إن صعدت لحظة واحد في وسطكم أفنيكم" [5]؛ وكأنه من رحمة الله عليهم ألاَّ يصعد في وسطهم وهم بعد في خطيتهم!
ج. فتح الرب باب الرجاء أمام موسى والشعب بحديثه عن التوبة قائلًا: "ولكن الآن أخلع زينتك عنك فأعلم ماذا أصنع بك" [5]، وكأنه يقول لهم: اخلعوا اتكالكم على ذواتكم، واتركوا شهوات جسدكم واعطوني فرصة للعمل في وسطكم!

2. مسكن موسى كخيمة اجتماع:

ناح الشعب ونزعوا زينتهم عنهم [4-6] كعلامة لحزنهم المقدس وتوبتهم، لكن الله لم يعد يجتمع مع موسى داخل المحلة التي تنجست بهذه الخطية البشعة والتزم موسى أن يأخذ خيمة وينصبها إلى خارج المحلة بعيدًا، ودعها خيمة الاجتماع [7].
هذه ليست خيمة الاجتماع التي أمر الله موسى بصنعها فإنها لم تكن بعد قد صنعت لكنها خيمة موسى الخاصة بعبادته، أي مخدع صلاته، خرج بها بعيدًا عن الشر حتى يلتقي بالله داخلها ويكلمه "وجهًا لوجه كما يكلم الرجل صاحبه" [11].
هذا لا يعني أن موسى رأى وجه الله، لكن العبارة هنا تعني أن الله كان يحدث موسى مباشرة وبصوت مسموع واضح وليس كما كان مع الشعب إذ يقفون بعيدًا جدًا كلٌ في باب خيمته ويرون عمود السحاب نازلًا عند باب خيمة الاجتماع. لقد دخل موسى خلال حبه لله ولشعبه في صداقة خاصة مع الله.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إذ كان موسى وديعًا وحليمًا جدًا كما قيل عنه "وكان حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (12: 13)، لهذا كان مقبولًا لدى الله وموضع حبه حتى قيل أنه كان يتحدث مع الله وجهًا لوجه وفمًا لفم كمن يحدث صديقه].
بهذه الخيمة هيأ الله الشعب لخيمة الاجتماع التي يقيمها موسى حسب الأمر الإلهي، إذ كانوا يرون مجد الله عند باب الخيمة، فكانوا يسجدون كل واحد في باب خيمته، بل إنهم صاروا يهابون موسى، فإذا خرج إلى الخيمة يقف كل واحد في باب خيمته وينظرون وراء موسى حتى يدخل الخيمة [8]. لقد أدركوا قدسية اللقاء مع الله وقدسية خدام الله!
وكما تتلمذ يشوع الشاب على يدي موسى خاصة على جبل المعرفة المقدس، إذ رافقه هناك لكنه لم يرتفع معه على قمته (خر 24: 13) هنا صار يتلمذه على روح العبادة، إذ يقول "وإذا رجع موسى إلى المحلة كان خادمه يشوع بن نون لا يبرح داخل الخيمة" [11]. فالتلمذة لا تقف عن المعرفة ولكن يلزم أن تمتزج بالحياة التعبدية التقوية.
لعل ترك يشوع في الخيمة كان لمساندة موسى أيضًا، فإذا ما خرج موسى من الخيمة للخدمة بقى يشوع في الخيمة يصلي من أجله، وكأن الكرازة والعبادة متكاملان، لا نجاح للخدمة إلاَّ بروح الصلاة والعبادة.
ويرى الأب أفراهاتأن عدم مفارقة يشوع بن نون للخيمة تعني التزامه بحياة البتولية، فالخيمة في ذلك لم يكن يخدم بها نساء أو تقترب إليها امرأة، فإذا أرادت النساء الصلاة يصلون عند الباب ولا يدخلونها، أما يشوع فبقى في الخيمة يكرس حياته كلها للعبادة غير منشغل حتى بالحياة العائلية.
3. استعطاف الله:

عرف موسى النبي كيف يتعامل مع الله بروح الاتضاع مع دالة الحب والجرأة... كان نهازًا للفرص، لا يترك فرصة إلاَّ ليدخل بالأكثر إلى الأحضان الإلهية يغتصب لنفسه ولشعبه رحمة وحبًا! لهذا يقول الرب نفسه: "ملكوت السموات يغصب والغاصبون يختطفونه" (مت 11: 12).
بعد أن غفر الله خطية هذا الشعب الشنيعة، وعاد الله يتحدث مع موسى وجهًا لوجه في خيمة الاجتماع المؤقتة خارج المحلة، بدأ موسى يعاتب الرب في جرأة مع اتضاع: "أنظر، أنت قائل ليّ أصعد هذا الشعب وأنت لم تعرفنيّ من ترسل معي، وأنت قد قلت عرفتك باسمك.
ووجدت أيضًا نعمة في عينيك..." [12]. كأن موسى يقول للرب، هل تحتاج أن أستعطفك على شعبك؟ من الذي أرسل الآخر؟! أنت الذي أمرتني باصعاد هذا الشعب، فهل تتركني؟! لقد قلت ليّ أنك عرفتني باسمي وإنني وجدت نعمة في عينيك، إذن فلتسمع ليّ ولا تتركني في القيادة بمفردي.
في دالة يقول لله "أنظر" [12]، وفي دالة يقول له "أنت قلت عرفتك باسمك" وفي الترجمة السبعينية "عرفتك فوق الكل". الله يعرف الجميع، لأنه عالم بكل شيء، لكن المعرفة هنا ليست الفهم والإدراك إنما معرفة القبول والصداقة، كما يقول الرسول أن الرب يعرف الذين هم له (2 تي 2: 19)، أما الذين يفعلون الشر فيقول لهم الرب: لا أعرفكم (مت 7: 23).
مرة أخرى في دالة الحب الحقيقي يقول له "علمني طريقك لكي أعرفك" [13]، فإن كنت أنت كإله قد عرفتني باسمي وأنعمت عليّ بهذا، فاسمح ليّ أن أعرف طريق معاملات حبك مع شعبك لكي أعرفك أنا أيضًا! كما تعرفني باسمي، أريد أن أعرفك باسمك ليست معرفة الفهم والإدراك بل معرفة الحب والصداقة!
مرة أخرى في دالة يكرر في حديثه مع الله كلمت "شعبك" [13، 16]، ثلاث مرات، كأنه يقول له إن كنت تدعوه "الشعب" فهو منسوب لك، وأنت أيها الرب قد خصصته لك، وكل الشعوب تعرف ذلك.
أخيرًا بعد دخوله إلى هذه الدالة العظيمة يقول الرب: "إن لم يسر وجهك فلا تصعدنا من هنا" [15]. لن نقبل عنك بديلًا، ولن نسترح بدونك! أمام هذا الحب وهذه الدالة يقول الرب لموسى: "وجهي يسير فأربحك... هذا الأمر أيضًا الذي تكلمت عنه أفعله!" [14، 17]. من يقدر أن يغتصب قلب الله هكذا حتى يشتاق الله أن يريحه، وما يتكلم به العبد يفعله الخالق؟!
ليتنا في كل عمل وقبل كل تصرف نصرخ مع موسى، قائلين: "إن لم يسر وجهك فلا تصعدنا من هنا". وجه الله هنا إشارة إلى الأقنوم الثاني الذي تأنس فصار بيننا يقود حياتنا ويصعد بنا إلى أحضان الآب.
4. الصداقة الإلهية:

لم تقف طلبات موسى من إلهه؛ حقًا قد عادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل أن يخطئ الشعب بعبادته العجل، ووعد الله أن يفعل ما طلبه موسى، ويسير وجهه في وسطهم، لكن موسى يطمع في عطايا الله اللانهائية، فقد سأل في جرأة "أرني وجهك" [18].
تشجع موسى فسأل الله، طالبًا منه ما لم يتجاسر أحد من قبل على طلبه إذ التهب قلبه بنار الحب الإلهي أراد أن يرى الله كما هو... ماذا يكون؟! أراد أن يتعرف على ذاك الذي لا يدرك ويرى غير المنظور...

فكانت إجابة الرب له هكذا: "أجيز كل جودتي قدامك، وأنادي باسم الرب قدامك، وأتراءف على من أتراءف وأرحم من أرحم... لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش" [19-20].
كأن الله يُجيب موسى: لقد سألت أمرًا أنت لا تحتمله، فأنا لا أبخل على خليقتي، أني أقدم لك كل إحساناتي وخيراتي وأعلن اسمي لك وأتراءف وأرحم، أقدم كل شيء للإنسان، أما وجهي فلا يقدر الإنسان أن يراه ويعيش! إن هذه الرؤيا المجردة الكاملة للاهوت هي فوق كل طاقة بشرية!
في قول موسى "أرني وجهك" إعلان واضح أن معرفتنا لله لا تأتي بحكمة بشرية، إنما بقوة الله،

إذ يقول القديس اكليمندس الإسكندري: [اقتنع موسى أن الله لا يُعرف بالحكمة البشرية... والتزم أن يدخل في الظلام الكثيف (السحاب) حيث كان صوت الله، ليبلغ إلى الأفكار الخاصة بوجود الله غير المدرك ولا منظور. الله ليس في ظلام ولا في مكان، إنما هو فوق المكان والزمان وفوق كل السمات.
كما يقول: [بقوله هذا أشارة بكل وضوح أن الله لا يمكن أن نتعلم عنه بواسطة إنسان، ولا أن نعبر عنه بكلمات، لكننا نعرفه خلال قوته(433)].
الله الذي لا يرى يعلن ذاته داخل النفس قدر ما تستطيع أن ترى، لكن جوهر لاهوته لا يقدر أحد أن يعاينه، إذ لا يعرف أحد الآب كما هو إلاَّ الابن (مت 11: 27، يو 6: 46)،
ويرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن جميع الرؤيا التي تمتع بها الآباء والأنبياء هي من قبيل تنازل الله، معلنًا ذاته قدر ما يحتملون، حتى الخليقة السماوية بجميع طغماتها ترى الله هكذا. الابن وحده هو الذي يعرف جوهر الآب، وقد تجسد لا ليعلن الجوهر الإلهي إنما ليعلن عن ذاته خلال الناسوت.
عندما سأل فيلبس السيد المسيح: أرنا الآب وكفانا، أجابه السيد: "من رآني فقد رأى الآب" (يو 14: 8).
كانت إجابة السيد كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [أشبه بهذا: يستحيل عليك أن تراه أو تراني. لأن فيلبس ظن أنه يعرف الله خلال النظر، وحسب نفسه أنه قد عرف المسيح برؤيته له، فأراد أن يعرف الآب هكذا. لكن يسوع أوضح له أنه لم يَرَ بعد حتى المسيح نفسه].
إننا نراه هنا خلال عمله فينا، نتمثل به فنصير خاصته وأصدقاء له، بهذا نعاينه لا في جوهر لاهوته لكن خلال علاقة الحب والشركة معه.

يقول القديس إكليمندس الإسكندري: [من الواضح أنه لا يقدر أحد في هذه الحياة أن يدرك الله بوضوح، لكن أنقياء القلب يعانون الله (مت 5: 8)، إذ يبلغونه خلال الكمال النهائي ].
أخيرًا أجاب الرب موسى سؤاله بقوله: "هوذا عندي مكان، فتقف على الصخرة، ويكون متى اجتاز مجدي إني أضعك في نقرة من الصخرة وأسترك بيدي حتى أجتاز، ثم أرفع يدي فتنظر ورائي، وأما وجهي فلا يرى" [21-23].
هذا الحديث يُشير إلى التجسد الإلهي، فقوله "هوذا عندي مكان، كأنما يعني، لقد حققت طلبك بالقدر الذي تحتمله، فإني أحملك إلى سرّ التجسد فتقف على الصخرة، أي ترتكز على السيد المسيح (الصخرة الحقيقية). أما قوله تنظر ورائي فيُشير إلى نهاية الأزمنة حيث يجتاز الله على العالم معلنًا حبه فنرى الله خلال التجسد الإلهي، كمن هو في سترة يد الله (المسيح) يرى مجد اللاهوت (في نقرة من الصخرة)، فيقول مع الرسول يوحنا: "ورأينا مجد مجدًا كما لوحيد من الآب" (يو 1: 14).
وللقديس باسيليوس تفسير روحي لإجابة الرب، إذ يقول: [ماذا يعني بقوله عندي مكان سوى الرؤيا في الروح؟ التي لما صار موسى فيها استطاع أن يرى الله ظاهرًا له بطريقة تمكنه من التعرف عليه. هذا هو المكان الخاص بالعبادة الحقيقية، فقد قال: "إحترز من أن تصعد محرقاتك في كل مكان تراه، بل في المكان الذي يختاره الرب" (تث 12: 13). إذن ما هي المحرقة الروحية؟ ذبيحة التسبيح. في أي مكان نقدمها إلاَّ في الروح القدس؟! ممن تعلمنا هذا؟ من المسيح نفسه القائل: "الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق" (يو 4: 23). ولما رأى يعقوب هذا المكان قال: "حقًا إن الرب في هذا المكان" (تك 28: 16). الروح هو مكان القديسين، والقديسون هم مكان خاص بالروح، إذ يقدمون أنفسهم لسكن الله ويسمون هيكل الله. وذلك كما يتحدث بولس عن السيد المسيح قائلًا أنه يتكلم في حضرة الله، كذلك يتكلم في الروح بالأسرار والروح يتكلم أيضًا فيه].






رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
زي موسي وهارون
تذمروا على موسى وهارون
مريم النبية أخت موسى وهارون
مريم أخت موسى وهارون
يتحدث موسى وهارون إلى فرعون


الساعة الآن 07:19 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024