شهادة بطرس ورئاسته للكنيسة
الاحد الواحد والعشرون من السنة (متى 16: 13-20)
النص الإنجيلي ((متى 16: 13-20)
13 ولَمَّا وصَلَ يسوعُ إِلى نواحي قَيصَرِيَّةِ فيلِبُّس سأَلَ تَلاميذَه: ((مَنِ ابنُ الإِنسانِ في قَولِ النَّاس؟)) 14 فقالوا: ((بَعْضُهم يقول: هو يوحَنَّا المَعمَدان، وبَعضُهمُ الآخَرُ يقول: هو إِيليَّا، وغيرُهم يقول: هو إِرْمِيا أَو أَحَدُ الأَنبِياء)). 15-فقالَ لَهم: ((ومَن أَنا في قَولِكم أَنتُم؟)). 16 فأَجابَ سِمعانُ بُطرس: ((أَنتَ المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ)). 17 فأَجابَه يسوع: ((طوبى لَكَ يا سِمعانَ بْنَ يونا، فلَيسَ اللَّحمُ والدَّمُ كشَفا لكَ هذا، بل أَبي الَّذي في السَّمَوات. 18 وأَنا أَقولُ لكَ: أَنتَ صَخرٌ وعلى الصَّخرِ هذا سَأَبني كَنيسَتي، فَلَن يَقوى عليها سُلْطانُ الموت. 19 وسأُعطيكَ مَفاتيحَ مَلَكوتِ السَّمَوات. فما رَبَطتَهُ في الأَرضِ رُبِطَ في السَّمَوات. وما حَلَلتَه في الأَرضِ حُلَّ في السَّمَوات). 20ثُمَّ أَوصى تَلاميذَه بِأَلاَّ يُخبِروا أَحَداً بِأَنَّهُ المسيح.
مقدمة
يُسلط النص الإنجيلي الأضواء على شهادة بطرس، باسم التلاميذ، بلاهوت المسيح وتنصيبه من قبل يسوع رئيسا للكنيسة لإدارتها الخارجية كنائب له على الأرض، ولرعايتها (يوحنا 21: 15-17) ليضمن لها الوحدة والرسوخ (متى 7: 24). ومن هنا تكمن اهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته.
أولا: وقائع النص الانجيلي (متى 16: 13-20)
13 ولَمَّا وصَلَ يسوعُ إِلى نواحي قَيصَرِيَّةِ فيلِبُّس سأَلَ تَلاميذَه: ((مَنِ ابنُ الإِنسانِ في قَولِ النَّاس؟ ))
تشير عبارة "نواحي" في الأصل اليوناني μέρη (معناها إقليم) الى منطقة لها وحدة سياسية وإدارية. أمَّا عبارة "قَيصَرِيَّةِ فيلِبُّس" فتشير الى مدينة بُنيت عند ينابيع الأردن عند سفح جبل حرمون (جبل الشيخ) على بعد 32 كم شمالي بحيرة طبرية قرب الحدود اللبنانية. وكانت تدعى قديما باسم "بعل جاد" (أي إله الحظ) (يشوع 11: 17) ثم أسماها اليونانيون "بانيون" نسبة الى اسم إله من آلهة اليونانيين يدعونه "بان"، ومنه انبثق اسمها الحالي بانياس. وقد اعطى اوغسطس قيصر هذه المدينة الى هيرودس سنة 20 ق.م. فبنى فيها معبدا من الرخام الأبيض على اسم الإمبراطور قيصر، وكان يُدعى اوغسطس في هذا المكان ابن الاله. وفي سنة 2 أو 3 ق.م جدَّد هيرودس فيلبس، رئيس الربع، ابن هيرودس الكبير بناء المدينة ووسَّعها وزيَّنها وغيَّر اسمها من قيصرية الى قيصرية فليبس إكراما لقيصر طيباريوس، امبراطور روما واضيفت الى اسمه تمييزا عن قيصرية البحرية (ستراتونيس) الواقعة على الشاطئ الغربي للبحر الأبيض المتوسط بين يافا وعكا والتي كانت مركز الحكومة الرومانية آنذاك (اعمال الرسل 23: 33). ثم أسمّها هيرودس أغريبا " نيرونياس" اكراما للإمبراطور نيرون. وكانت قَيصَرِيَّةِ فيلِبُّسآخر المدن التي زارها المسيح في جهة الشمال في فلسطين (مرقس 8: 27). وبعد ذلك صارت قيصرية مركزا اسقفية ولا تزال فيها آثار مهمة. وكان هذا المكان مناسباً لنوجيه يسوع سؤاله الى تلاميذه "مَن أَنا في قَولِ النَّاس؟" حتى يُزيل من اذهانهم ان القيصر هو ابن الإله، ويكشف لهم عن حقيقة ذاته ورسالته ان " يسوع المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ " (متى 16: 15). أمَّا عبارة " ابن الانسان" فتشير الى يسوع المسيح الذي هو إنسان مثل سائر الناس كما ورد في حزقيال "يا ابنَ الإِنسان " (حزقيال 2: 1) وهو أيضا ذاك الآتي على سحاب السماء في اليوم الآخر ليدين الخاطئين ويُخلص الابرار (دانيال 7: 13). وورد لُقب يسوع "ابن الانسان" في الاناجيل فقط، وعلى لسان يسوع ما عدا مرتين أحدهما في سفر اعمال الرسل (7: 56) والأخرى في سفر الرؤيا (1: 13 و14: 14). وأطلقت الجماعة المسيحية الاولى هذا اللقب على يسوع لتُييِّن ان يسوع يستبق الدينونة بسلطانه مخلصاً الخاطئين (متى 9: 6) وفاتحا الزمن المسيحاني (متى 12: 8) وهذا اللقب، بارتباطه بالوصف النبوي لعبد الله المتألم، فإنه يوحّد بين الصليب والمجد (مرقس 8: 31). أمَّا عبارة "مَنِ ابنُ الإِنسانِ في قَولِ النَّاس؟" فتشير الى سؤال يسوع حيث يستجوب فيه التلاميذ حول هويّته الشخصيّة مما يلمّح الى اهتمام يسوع بما يقول الناس عن هويته، وليس شكّاً بنفسه وإنما استطلاع أفكارهم عنه.
14 فقالوا: ((بَعْضُهم يقول: هو يوحَنَّا المَعمَدان، وبَعضُهمُ الآخَرُ يقول: هو إِيليَّا، وغيرُهم يقول: هو إِرْمِيا أَو أَحَدُ الأَنبِياء)).
تشير عبارة " فقالوا " الى تعداد التلاميذ بالآراء التي سبق ان نُقلت الى هيرودس حول ابن الانسان (لوقا 9: 7-8). وهذه تتعلق بالماضي القريب إلى حد ما: إيليا وارميا ويوحنا المعمدان (متى 16: 16). أمَّا عبارة "يوحنا المعمدان" فتشير الى ذكره الذي ظل عالقا في القلوب في الكنيسة الأولى، لان بعض اليهود اعتقدوا ان إيليا عاد في شخص يوحنا المعمدان (مرقس 11: 13). او يشير الى راي هيرودس انتيباس أَميرُ الرُّبْعِ الذي سَمِعَ بِذِكْرِ يَسوع، " فقالَ لِحاشِيَتِه: "هذا يُوحنَّا المَعمَدان، إِنَّه قامَ مِن بَينِ الأَموات، ولِذلكَ تَعمَلُ فيهِ القُدرَةُ على إِجراءِ المُعجِزات "(متى 14: 2) ؛ وفي انجيل لوقا "كانَ الشُّعبُ يَنتَظِر، وكُلٌّ يَسأَلُ نَفسَه عن يوحَنَّا هل هو الـمَسيح" (لوقا 3: 15)؛ أمَّا عبارة " إِيليَّا" فتشير الى ابن الانسان الذي هو إيليا النبي الذي رُفع الى السماء (2ملوك 2/11-13) حيث ان كثير من اليهود كانوا يتوقعون مجيئه قبل مجيء المسيح في الأزمنة الاخيرة بناء على نبوءة ملاخي "هاءَنَذا أُرسِلُ إليكم إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبلَ أَن يأتي يَومُ الرَّبِّ العَظيمُ الرَّهيب " (ملاخي 3: 23). فالعالم اليهودي كان ينتظر مجيئه. أمَّا عبارة " إِرْمِيا" فتدل على ارميا الذي كان اليهود يشيرون اليه بالنبي الذي كان في اليهودية منذ ست مئة سنة قبل الميلاد والمُتنبَّئ عنه "يُقيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِثْلي مِن وَسْطِكَ، مِن إِخوَتكَ، فلَه تَسْمَعون"(تثنية الاشتراع (18: 15)، لذلك زاده متى الإنجيلي. أمَّا عبارة " أَحَدُ الأَنبِياء" فتشير الى أحد الأنبياء الاولين قام من الموت باعتبار يسوع نبياً. كما يشهد على هذا الامر متى الإنجيلي (21: 11) ومرقس (6: 15) ولوقا (7: 16). إذ أن موسى تنبأ بأن نبيا مثله سيأتي لهم (تثنية الاشتراع 15:18). وبكلمة اعتبر الناس يسوع انه من عظماء الرجال. وهذا ما يقوله اليوم أيضا أناس كثيرون ان يسوع هو رجل نادر، لا مثيل له. ولكن كلمة نبي يأخذ كامل معناه في الايمان المسيحي. ان يسوع جاء في خط الأنبياء، ولكن ما يطلبه يسوع يفوق ما يطلبه الأنبياء. يطلب تعلقا بشخصه، لا بتعليمه فقط؛ فالنبي يحمل الكلمة، أمَّا يسوع فهو الكلمة بالذات. وأن الأنبياء يُعتبرون حلقة وصل يسير بهم الله بالتاريخ الى كماله، وأمَّا المسيح هو من به نصل الى الكمال وهو الكمال نفسه كما صرّح " أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة" (يوحنا 14: 6). ونَحن كَيف نَنظُر إلى المَسيح؟ هَل نَنظُر إلى يسوع كنَبيّ بَين أنبياء آخَرين؟
15 فقالَ لَهم: ((ومَن أَنا في قَولِكم أَنتُم؟))
تشير عبارة "ومَن أَنا في قَولِكم أَنتُم؟" الى سؤال يسوع موّجه الى تلاميذه عن رأيهم الخاص للكشف عن المكانة التي يحتلها يسوع في قلوبهم. وهي المرة الأولى التي تحدّى يسوع تلاميذه عندما سألهم للتعبير بوضوح عن آراءهم الخاصة تجاهه. ونقل هنا يسوع السؤال من المستوى العام "مَنِ ابنُ الإِنسانِ في قَولِ النَّاس؟" الى المستوى الشخصي "مَن أَنا في قَولِكم أَنتُم؟"، ويعلق القديس كيرلس الكبير" إن يسوع كان يهيّئ تلاميذه لآلامه حتى لا يتشكّكوا فيه". السيد المسيح يهتم جداً كيف نعرفه نحن خاصته. فالقرار في الايمان في يسوع لا يعتمد على الأكثرية لكن على الاقتناع الشخصي. من هو يسوع لنا ولحياتنا؟ وهل له مكان يسوع في حياتنا؟
16 فأَجابَ سِمعانُ بُطرس: ((أَنتَ المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ)).
تشير عبارة "فأَجابَ" الى جواب بطرس الفوري بالنيابة عن التلاميذ بسبب طبعه المُتسرِّع. اما عبارة "سِمعانُ بُطرس" فتشير الى اسم مركب سمعان اسم عبراني שִׁמְעוֹן معناه ((مستمع))، وبطرس في اللغة اليونانية Πέτρος) وهي مشتقة من كلمة آرامية ((كيفا)) معناها صخرة أو حجر (متى 16: 18). وكان اسم أبيه يونا (متى 16: 17) واسم أخيه اندراوس، واسم مدينته بيت صيدا. (يوحنا 1: 42 ومتى 16: 18) وكانت مهنته صيد السمك التي كان بواسطتها يحصل على ما يعيل عائلته المقيمة في كفرناحوم كما يستدل من زيارة يسوع لحماته وشفائها من الحمّى (متى 8: 14 و15). وبعد القيامة، يخبرنا الجزء الأول من سفر الأعمال أن بطرس حقق ما أنبأ المسيح عنه ((وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي))، فقد نشط بطرس لقيادة أعضاء الكنيسة الأولى بعد صعود يسوع فكان على راس الجماعة المسيحية الأولى: خطب في الجموع باسم الرسل يوم العنصرة موضِّحا معنى حلول الروح، وكيف انه من الآن يكون الخلاص بالإيمان بابن الله لمغفرة الخطايا ودعا الجموع الى الإيمان والمعمودية، يوم العنصرة (أعمال الرسل 2: 14-36). وهو الذي قاد التلاميذ إلى سدّ الفراغ في عدد الرسل (1عمال الرسل 1: 15) بانتخاب بديل ليهوذا، وقبل الوثنيين في الكنيسة، وتفقد الكنائس في كل مكان. وبعد ان مكث في أورشليم وأنطاكية، ذهب الى روما، أصبح أول اسقٍف عليها. اما عبارة " أَنتَ المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ " فتشير الى إعلان بطرس بالمسيح الذي لا يجد مصدره في قوّة بطرس، ولا في قداسته الشخصيَّة ولا في قوَّة إرادَته أو في حِكمَته الإنسانيَّة، إنما هذا الإعلان نابع عن إيمانه الثابت نتيجة ِخُضوعه ِلمَشيئته الله وتأثير الروح القدس في قلبه. فتح بطرس ذاته لما كشفه الآب له وأُدرك عمق شخصية يسوع ليس فقط كانسان إنما كابن الله الحي. فكان بطرس من هؤلاء البسطاء الذين كشف الله لهم اسرار الملكوت كما جاء في صلاة يسوع: "أَحمَدُكَ يا أَبَتِ، رَبَّ السَّمَواتِ والأَرض، على أَنَّكَ أَخفَيتَ هذه الأَشياءَ على الحُكَماءِ والأَذكِياء، وكَشفتَها لِلصِّغار (متى 11: 25). أمَّا عبارة "المسيح " في ألأصل اليوناني Χριστὸς وفي العبرية הַמָּשִׁיחַ "المشيح" (المكرس بالمسحة) فتشير الى ذاك الذي أختاره الله ومسحه وارسله مخلصا، وقد تحدث عنه الأنبياء ومهّدوا له السبيل، ومنهم يوحنا المعمدان. المسيح هو الذي كان اليهود ينتظرونه مخلصًا. وكلمة المسيح تعني الممسوح من الله. وكانت المسحة في العهد القديم هي للملوك ورؤساء الكهنة والأنبياء فقط (لوقا 76:1). فيسوع هو المسيح الملك والكاهن والنبي. وفي انجيل مرقس ورد مرة واحدة أنَّ إنسانا اعترف بأن يسوع هو المسيح، لان لهذا اللقب رؤية دينية وطنية وسياسية، ولهذا لم يستعمله يسوع إلاّ أثناء محاكمته (مرقس 14: 61-62)؛ لأنه اعتبره خطراً لفهم رسالته. فيسوع هو ليس فقط المسيح المنتصر، بل أيضا المسيح المتألم الذي سفك دمه لخلاص النفوس. وقد روى لوقا ان يسوع قد أُعلن مسيحا على لسان الملائكة (لوقا 1: 32) وسمعان (لوقا 2: 26) والشياطين (لوقا 4: 41)، لكن بطرس هو التلميذ الذي أطلق على يسوع هذا اللقب. كان اليهود يضيفون الى هذا اللقب معنى قومياً وسياسياً (لوقا 22: 67) وسيظل تلاميذ يوحنا المعمدان زمنا طويلا يتساءلون هل معلمهم هو المسيح (اعمال الرسل 13: 25). ان سمعان بطرس تحقق بألوهية المسيح واعترف بذلك جهاراً، وكان أول من اعتراف بيسوع على انه المسيح، لكن الناس لم يكونوا بعد مستعدِّين لهذا الإعلان بسبب آرائهم المادية والسياسية عن الملكوت. وتبرهن كل اعمال يسوع منذ شرع بتتميم وظيفته على انه المسيح أي المسوح لإتمام الوظائف الكبرى لشعبه باعتبار انه نبي وكاهن وملك كما أنبا الأنبياء (مزمور 2: 2). وهو يخص البشرية جمعاء. وأمَّا القديس مرقس قد أعلن ان يسوع هو المسيح قائلا " أَنتَ المسيح" (مرقس 8: 29)، المسيح أي الممسوح كرئيس كهنة سيقدم ذبيحة نفسه. ولوقا الإنجيلي أعلن بطرس ان يسوع هو "مسيحُ الله (لوقا 9: 20) أي مسيح النبوءات الموعود به في الكتاب المقدس والذي ينتظرونه. أمَّا عبارة " ابنُ اللهِ الحَيّ " فتشير الى عبارة متأصلة في العهد القديم "أَنَّا أَكونُ لَه أبًا وهو يَكون لِيَ ابنًا" (2صموئيل 7: 14 ومزمور 2: 7 و98: 27)، وقد قيلت في الملائكة والشعب اليهودي والمسيح. وهذه العبارة دلَّت عل علاقة خاصة مع الله ومبنيّة على اختياره من اجل مهمة يُكلف بها أبناءه. ولكن المسيحيون شدَّدوا من خلال هذا اللقب على ميزة فريدة وخاصة بشخص يسوع. فهو في علاقة بنوية مع الله لا مثيل لها، والذي يُعدَّ اليه برسالة لا نظير لها في سبيل خلاص الناس (متى 1: 21 و2: 15). وهنا يُعبّر بطرس عن حدس إيمانه وإيمان التلاميذ، فلا يكتفي بجواب غير وافي حول شخصية يسوع بل يكشف أنه هو المسيح المخلص. أمَّا عبارة " الحَيّ" فتشير الى الله كما ورد في النص اليوناني ὁ υἱὸς τοῦ θεοῦ τοῦ ζῶντος، وتدل أيضا على المسيح ابن الله الحي حسب الآراميّة בֶּן־אֱלהִים חַיִּיםأي الله المتجسد بصورة إنسان (ابن الله) الذي سكن بيننا (الحي بيننا) (يوحنا 1: 14). وصُف الله بالحي تمييزاً له عن آلهة الوثنيين (يشوع 3: 10) وإشارة الى انه حاضر بين الناس وقادر على معرفة أحزانهم ويعتني بهم ويهب لهم الحياة والقوة. وهذا اللقب عظيم ولائق بالمسيح. لقد سبق نَتَنائيلَ وقال هذا قبل بطرس، "راِّيي، أَنتَ ابنُ الله، أَنتَ مَلِكُ إِسرائيل" (يوحنا 1: 49)، ولكن نَتَنائيلَ كان يقصدها بطريقة عامة كما يقولون إسرائيل ابن الله. ولذلك لم نسمع أن السيد طَّوَّب إيمان نَتَنائيلَ كما فعل مع بطرس. فقد أعلن بطرس ايمانه بيسوع في انجيل متى بقوله " المسيح ابن الله الحي" إشارة للاهوت يسوع ، فهو الله المُتجسد. والكنيسة تؤسَس على هذا الإيمان الذي نطق به بطرس، "المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ". هل نحن نشهد مع بطرس بان المسيح " هو ابن الله الحي وكلمته القدوس؟
17 فأَجابَه يسوع: ((طوبى لَكَ يا سِمعانَ بْنَ يونا، فلَيسَ اللَّحمُ والدَّمُ كشَفا لكَ هذا، بل أَبي الَّذي في السَّمَوات.
تشير عبارة "طوبى لَكَ" الى تهنئة يسوع لبطرس لأجل اعترافه بالإيمان به، أنه المسيح ابن الله؛ وهذا الايمان هو بفضل الله الذي أظهر له نعمة سامية ليقر بذلك. وهذا ما قاله بولس الرسول " ولا يَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يَقول: ((يَسوعُ رَبٌّ)) إِلاَّ بِإِلهامٍ مِنَ الرُّوحِ القُدُس. (1 قورنتس 12: 3). ويعلق البابا لاون الكبير "طوبى لك، يا بطرس لأنّ أبي هو الذي علّمك؛ فلم تضللّك الأفكار الأرضيّة، بل تكفّل الوحي السماوي بتعليمك" "(العظة الرابعة في ذكرى سيامته). وهذا الإيمان اساس ملكوت المسيح. ويُعلق القديس هيلاريوس أسقف بواتيه "طوبى لذاك الذي يُمدَح لإدراكه وفهمه الذي فوق الرؤيا بالعيون البشريّة، وصار مستحقًا أن يكون أول من اعترف بلاهوت المسيح". ولم يكن تطويب يسوع مقصورا على بطرس وحده، بل كان له أولا ثم لكل التلاميذ، لان سؤال المسيح كان للاثني عشر، وكان جواب بطرس عن نفسه وعن بقية الرسل. أمَّا عبارة "سِمعانَ بْنَ يونا " فتشير الى مناداة يسوع الى بطرس باسمه العائلي الأرضي بدون الاسم الجديد الروحي الذي عزم يسوع على تسميته بطرس. أمَّا عبارة " ابن يونا" في الأصل اليوناني Βαριωνᾶ مشتق من العبرية בַּר־יוֹנָה أي ابن يونان ويونان هي الصيغة السريانية والعربية، ولفظة يونا יוֹנָה معناها حمامة) فيشير الى الروح القدس أو نعمة الله أي عطيّة الروح، لأن بطرس اجبر على الذهاب الى حيث لا يريد. كما قال له يسوع المسيح “الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكَ: لَمَّا كُنتَ شاباً، كُنتَ تَتَزَنَّرُ بِيَديكَ، وتَسيرُ إِلى حَيثُ تشاء، فإِذا شِخْتَ بَسَطتَ يَدَيكَ، وشَدَّ غَيرُكَ لكَ الزُّنَّار، ومَضى بِكَ إِلى حَيثُ لا تَشاء " (يوحنا 21: 18). أمَّا عبارة "فلَيسَ اللَّحمُ والدَّمُ " فتشير الى الانسان بكامله بصفته كائناً مفطورا على ضعف الطبيعة البشرية كما ورد في تعليم سيراخ "فكَماٍ أَنَّ أَوراقَ شَجَرهٍ كثيفةٍ تارةَ تَسقُطُ وتارةً تَنبُت كذلِكَ أَجْيالُ اللَّحْمِ والدَّم: بَعضُهم يَموتُ وبَعضهم يُولَد" (يشوع بن سيراخ 14: 18). ولم يُعلن بطرس عن هوية يسوع بقوته البشرية او من إنسان آخر، بل بإرشاد روح الله الآب له. لا تأتي معرفة الربّ بالعلم والعقل فقط، بل إلى نّور الايمان الّذي يفيض من أبينا السّماوي وينير بصير الانسان، وإلى محبّته الّتي تنسكب في قلبه. ولا أحد يعرف يسوع المسيح إلّا باختبار الإيمان. أمَّا عبارة "كشَفا لكَ هذا" فتشير الى مصدر كلمات بطرس الذي هو ليس من بطرس نفسه إنما هو الوحي الإلهي (متى 11: 25-27)، اي إعلان إلهي يُشرق به الآب بروحه القدّوس على بطرس. وقد بيَّنت مواقف بطرس انه لم يُدرك هذا الوحي في عمقه، لكنه سيفهَمه ويفهمه الرسل فيما بعد على ضوء القيامة (متى 16: 22-23). لا تأتي قول بطرس منه بل من إيمانه، والإيمان ليس ثمرة براهين او ممارسة، بل ثمرة وحي كما جاء في تعليم بولس الرسول: " ما أَبْعدَ غَورَ غِنى اللهِ وحِكمَتِه وعِلمِه! وما أَعسَرَ إِدراكَ أَحكامِه وتَبيُّنَ طُرُقِه! فمَنِ الَّذي عَرَفَ فِكْرَ الرَّبّ أَو مَنِ الَّذي كانَ لَه مُشيراً "(رومة 11: 33-34))؛ أمَّا عبارة " كشَف" في الأصل اليوناني ἀπεκάλυψέν (معناها أظهر الحقيقة) فتشير الى الوحي: لا يكشف الإنسان شيئاُ مهماً سوى لأصدقائه الشخصيّين فهو علاقة ثقة واختيار ولقاء كما ورد في سفر النبي عاموس، " لِأَنَّ السَّيِّدَ الرَّبَّ لا يَفعَلُ شَيئاً ما لم يَكْشِفْ سِرَّه لِعَبيدِه الأَنْبِياء "(عاموس 3، 7). وقد أكد يسوع هذه الحقيقة بقوله لتلاميذه " لا أَدعوكم خَدَماً بعدَ اليَوم لِأَنَّ الخادِمَ لا يَعلَمُ ما يَعمَلُ سَيِّدُه. فَقَد دَعَوتُكم أَحِبَّائي لأَنِّي أَطلَعتُكم على كُلِّ ما سَمِعتُه مِن أَبي" (يوحنا 15: 15). أمَّا عبارة "أَبي الَّذي في السَّمَوات " فتشير الى الله الذي سمح لبطرس ان يسبر غور شخصية المسيح اللامتناهية. أن المسيح هنا يؤكد ناسوته، والآب يُعلن لبطرس لاهوت المسيح، وهذا هو إيمان الكنيسة أن ابن الله تجسَّد وتأنَّس، الله ظهر في الجسد كما ورد في تعليم بولس الرسول " قد أُظهِرَ في الجَسَد وأُعلِنَ بارّاً في الرُّوح وتَراءَى لِلمَلائِكَة وبُشِّرَ به عِندَ الوَثَنِيِّين وأُومِنَ بِه في العالَم ورُفِعَ في المَجْد" (1 طيموتاوس 16:3).
18 وأَنا أَقولُ لكَ: أَنتَ صَخرٌ وعلى الصَّخرِ هذا سَأَبني كَنيسَتي، فَلَن يَقوى عليها سُلْطانُ الموت.
تشير عبارة " وأَنا أَقولُ لكَ " في اليونانية "κἀγὼ δέ σοι λέγω الى التبادل في قول مع بطرس، أي كما قلتَ أنتَ كذلك "أنا أقول لك"؛ أمَّا عبارة "صخر" في اليونانية بطرس Πέτρος وفي الآرامية כֵיפָא” كيفا" (صخر)، وفي العربية صفا فتشير الى سمعان بطرس نفسه وذلك بحسب النّصّ الآراميّ الأصليّ " אנת הו כאפא ועל הדא כאפא אבניה לעדתי" وهي قريبة من التّرجمة" السّريانيّة البسيطة. واستخدم المسيح مرّتين نفس الكلمة "كيفا"، وهي تعني "صخر" بحيث يتّضح جليًّا أنّ المقصود هو بطرس. أطلقه المسيح على سمعان، اسم "كيفا" (صخر) فأصبح اسم علم لسمعان بطرس (يوحنا 1: 42). الاسم القديم هو سمعان والجديد هو بطرس وتغيير اسمه دلالة على رمز للموت والولادة الجديدة. والواقع ان الوحي لبطرس في كشف ابن الله الحي الذي أصبح إنسانًا، يؤدي الى تغيير في بطرس فلا بد له أن يموت ويُولد من جديد. ويُعلق القديس اوغسطينوس " يسوع لم يقل له أنت صخرة Petra بل أنت بطرس Petrus، فإن الصخرة كانت المسيح (1 قورنتس 10: 4)، التي اعترف بها سمعان كما لو اعترفت الكنيسة كلها، لذلك دُعي "بطرس". فقد أقام يسوع كنيسته التي هي ملكوته على الصخرة التي هي الإيمان بالمسيح المُعلن للقدّيس بطرس، والواقع أنّ بطرس هو الصخر ويسوع "صخرة الصّخرة" كما كتب القديس أوغسطينوس، لأن الصخرة التي تبنى عليها الكنيسة هي المسيح الربّ نفسه (1قورنتس 4:10). والسيّد المسيح هو حجر الزاوية (1بطرس 6:2). وأمَّا القديس ايرونيموس فيعلق "لقد أعطى لسمعان الذي آمن بالمسيح الصخرة أن يُدعى بطرس "الصخرة". هذه الكلمة "صخر" لم تستعمل ابدا قبل ذلك كاسم علم، لا عند اليهود ولا عند اليونانيين، إنها فكرة ابتكرها يسوع. والاسم يُحدِّد هوية الشخص عند الساميين. ومن هذا المنطلق، فانَّ بطرس هو الحجر الاساسي للكنيسة وله اولوية بين الرسل كما يبدو من كلام بولس له " بَعدَ ثَلاثِ سَنَوات صَعِدتُ إِلى أُوَرَشَليمَ لِلتَّعرُّفِ إِلى صَخْر، فأَقَمتُ عِندَه خَمْسةَ عَشَرَ يَومًا "(غلاطية 1: 18). وجاء في تعليم بطرس الرسول ان المؤمنين هم الكنيسة المَبْنيَّة على أساس الرسل والانبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية كما صرّح بطرس الرسول "اقتربوا مِنه فهو الحَجَرُ الحيُّ الَّذي رَذَلَه النَّاس"(1بطرس 2: 4). المسيح هو الصخرة التي هي أساس الكنيسة كما يؤكد ذلك بولس الرسول "هذه الصَّخرَةُ هي المسيح " (1 قورنتس 10: 4). ويعلق البابا القدّيس لاوُن الكبير " أنت صَخْرٌ لأنّك صلب وتستمدّ الصلابة من قوة المسيح وتحصل على عظمته بمجرّد أنّك تشاركه بها"(العظة الرابعة في ذكرى سيامته). أمَّا عبارة "سَأَبني كَنيسَتي" الى المسيح أساس وبانٍ للكنيسة، والكنيسة هي من عمل يسوع المسيح، في الكنيسة يقيم يسوع وفيها يعمل بروحه. فمشروع الكنيسة مشروعه. وبطرس صار أسقف رومة، رئيس الكنيسة، وان اولويته هذه ورثها خلفاؤه الباباوات. أمَّا عبارة كنيستي" في الأصل اليونانيἐκκλησία وهي ترجمة لكلمة عبرية "كاهال" קְהִלָּתִי كما ورد في السبعينية ومعناها الجماعة. ولم ترد كلمة كنيسة في انجيل متى الا مرتين (متى 18: 17)؛ وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها يسوع عن الكنيسة. ويدل هذه اللفظ على الجماعة الجديدة التي أسَّسها يسوع على الرسل، وصار بطرس صخرتها وقاعدتها "التي رسالتها هي ان تخلق مشروع الله العظيم الرامي الى جميع البشر باسرها في عائلة واحدة في المسيح "كما يعلق البابا بندكتس. قال يسوع كنيستي ولا كنائسي، وذلك لان كنيسة المسيح الجامعة الرسولية هي وحدة روحية مقدسة تسمو على الطائفية والعنصرية والعرقية، حيث ان الكنسية ليست محصورة بأمة او زمان او مكان بل هي مجموعة من الذين اغتسلوا بدم المسيح ولبسوا ثوب برِّه وتجدَّدوا بروحه واتحدوا مع المسيح بالإيمان واعتمدوا باسمه. الكنيسة هي الارتباط الحي بالمسيح الذي هو راسها الوحيد (قولسي 1: 18). وقد سُمِّيت الكنيسة أيضا " بيت الله" (1 طيموتاوس 3: 5) و"هيكلا مقدسا" (أفسس 2: 21). وقد عرّف المجمع الفاتيكاني الثاني الكنيسة أنها " شعب الله". أمَّا عبارة "فَلَن يَقوى عليها سُلْطانُ الموت" فتشير الى قوى الشر التي لن تنتصر على كنيسة المسيح وهي تعجز عن إهلاكها، كما تشير أيضا الى الموت الذي لن ينتصر على المؤمنين قط، لان جميع اعضاء الجماعة المسيحية سيقومون مع المسيح في النهاية، وإن هم ماتوا، فلن يقوى عليهم سلطان الموت. وعد يسوع الكنيسة هنا أيضا الوقاية من المشورات والمؤامرات والمقاصد الشريرة التي تهدف الى هلاك الكنيسة وفسادها. ويعلق البابا القدّيس بيوس العاشر " إننا نشعر بالأمان التام ضمن حصن الكنيسة المقدّسة. فمواعيد الرّب يسوع لا تُخَيِّب أبدًا مَن ينتظرها "(الرّسالة العامة: التّذكار الفَرِح، ( Iuncunda sane)، بتاريخ 12 آذار 1904). أمَّا عبارة " سُلْطانُ الموت " في الأصل اليوناني "πύλαι ἅ|δου " (معناها ابواب الجحيم ) فتشير الى قدرة مثوي الأموات (أيوب 38: 17) و "أَبْوابِ المَوت"( مزمور 9: 14) " . إنَّ كلمة "ἅ|δου " تعني حرفيا القبر وفي العبرية שְׁאוֹל (شيول). وصُورتا الجحيم هنا قلعة ذات أبواب (أشعيا 38: 10)؛ وكانت الابواب قديما للمدن المسوَّرة مكان اجتماعات للمشورة والحكم (2 صموئيل 15: 2) ولإجراء الاعمال المختلفة مكان مجلس شيوخ البلد (امثال 1: 23،) و "بابِ بَيتِ الرَّبّ" (أرميا 36: 10). وهي تدل على السْلطة والقدرة، فمن يسيطر على أبواب المدينة يسيطر على المدينة كلها. لا يستطيع “سُلْطانُ الموت" ان يحجز في الموت أعضاء الكنيسة التي أسسها يسوع. وإن هم ماتوا، فهو لا يحتفظ بهم، لأنهم يقومون مع المسيح. "سلطان الموت " أي قوى الشر لن تنتصر على الكنيسة، ولا الموت قادر أن يسود على المؤمنين، بل هم سيقومون من الموت في الأبدية. فالكنيسة أزليّة، مهما كانت الظروف والاضطهادات والبدع والهرطقات والانقسامات وآفات العصر مثل الإجهاض، والمخدرات والزواج المثلي، والإرهاب، والعنف، ومنطق الموت، فالكنيسة ستبقى موجودة حية ومنتشرة في أرجاء المسكونة كلها. هل أعطانا يسوع اسما خاصا بنا نجد فيه هويّتنا ودعوتي الخاصّة لنشارك في الكنيسة وبناء العالم الجديد؟
19 وسأُعطيكَ مَفاتيحَ مَلَكوتِ السَّمَوات. فما رَبَطتَهُ في الأَرضِ رُبِطَ في السَّمَوات. وما حَلَلتَه في الأَرضِ حُلَّ في السَّمَوات)).
تشير عبارة "وسأُعطيكَ" الى وعد يسوع لبطرس ورفقائه الرسل، لان بطرس سبق الى الإقرار، فأكرمه المسيح بان جعله اول من يفتح كنيسته لليهود وللأمم. أعطاه يسوع سلطة شرعية لا تنفصل عن سلطة الاثني عشر لكن يفوقهم كافة "الحَقَّ أَقولُ لَكم: ما رَبطتُم في الأَرضِ رُبِطَ في السَّماء، وما حَلَلتُم في الأَرضِ حُلَّ في السَّماء "(متى 18: 18). امَّا عبارة "مَفاتيحَ مَلَكوتِ السَّمَوات" فتشير الى سْلطة تفسير الشريعة في الدين اليهودي. وهنا تقوم هذه السْلطة على الاعتراف ان يسوع هو ابن لله. وتظهر هذه السْلطة خاصة في مغفرة الخطايا، وتمكين دخول ملكوت الله. فهذا الملكوت يرتبط الى حدٍ ما بالكنيسة. وبينما يقول آخرون ان المفاتيح هي سْلطة إعلان مغفرة الخطايا (يوحنا 20: 23)، يقول البعض الآخر أن المفاتيح هي فرصة تمكن الناس من دخول ملكوت الله بتقديم رسالة الخلاص (اعمال الرسل 15: 7-9). وجاء في توبيخ يسوع ان الكتبة والفريسيين يظنون انهم يقبضون على مفاتيح الملكوت لكنهم يحاولون ان يمنعوا البعض من الدخول اليه كما قال يسوع "الوَيلُ لَكم أَيُّها الكَتَبَةُ والفِرِّيسيُّونَ المُراؤون، فإِنَّكم تُقفِلونَ مَلكوتَ السَّمَواتِ في وُجوهِ النَّاس، فَلا أَنتُم تَدخُلون، ولا الَّذينَ يُريدونَ الدُّخولَ تَدَعونَهم يَدخُلون" (متى 23: 13-14). فالمفاتيح هي السلطة على فتح كنيسة المسيح وتوزيع كنوزها على الذين هم اهلا لأخذها (لوقا 11: 52). ويقّلد يسوع مفاتيح كنيسته التي بناها وخلّصها بسفك دمه على الصليب الى بطرس ورسله وخلفائه. اما عبارة "مَلَكوتِ السَّمَوات" فتشير الى كنيسة المسيح حيث شُبِّهت هنا بقصر وشُبه حق الإدخال اليها او الإخراج منها او المنع منها بالمفاتيح. أمَّا عبارة "فما رَبَطتَهُ في الأَرضِ رُبِطَ في السَّمَوات. وما حَلَلتَه في الأَرضِ حُلَّ في السَّمَوات" فتشير الى سلطان الربط (رومة 7: 2) والحل (1 قورنتس 7: 27)، اي التحريم والتحليل، المنع وإعلان السماح، والفصل من الجماعة الدينية او القبول فيها ثانية، والامر والنهي، وتفسير ما هو مسموح وما هو ممنوع في شريعة موسى. قام بطرس بفتح الكنيسة المسيحية لليهود (أعمال الرسل 2: 38-41) وفتح الكنيسة ايضا للأمم (أعمال الرسل 10: 48) واخرج منها الخائنين كحنانيا وسفيرة (اعمال الرسل 5: 3-5: 9) وسيمون الساحر (أعمال الرسل 8: 21). وهذه الآية تحقق نبوءة أشعيا (أشعيا 22: 22) التي تجعل مفاتيح السماوات من اختصاص المسيح وحده كما جاء في رؤية يوحنا “وأَجعَلُ مِفْتاحَ بَيتِ داُودَ على كَتِفِه يَفتَحُ فلا يُغلِقُ أَحَد ويُغلِقُ فلا يَفتَحُ أَحَد"(أشعيا 22: 22)، وهذه النبوءة تردَّدت في سفر الرؤيا "مَن عِندَه مِفْتاحُ داوُد، مَن يَفتَحُ فلا أَحَدَ يُغلِق، ويُغلِقُ فلا أَحَدَ يَفتَح" (رؤيا 3: 7). ولكن الحل والربط مُنح لسائر الرسل كما مُنح لبطرس بدليل قول يسوع " الحَقَّ أَقولُ لَكم: ما رَبطتُم في الأَرضِ رُبِطَ في السَّماء، وما حَلَلتُم في الأَرضِ حُلَّ في السَّماء" (متى 18: 18). وأرسل الرسل هذا السلطان بإرشاد الروح القدس في مجمع اورشليم وحكموا بجواز مخالطة اليهود للأمم والغاء التمييز بين الحلال والحرام في الأطعمة وابطال الختان (أعمال الرسل 15: 10، 20، 28، 29). المسيح يصادق على ما يُعمل باسمه على الأرض. اما عبارة " حُلَّ في السَّمَوات" فتشير الى ما توافق عليه السماء، معنى ذلك ان المسيح اعطى رسله سلطانا غير عادي لكي يُعصموا من الغلط في احكامهم الدينية التي التزمت الكنيسة بها فانهم كانوا ملهمين بالروح القدس بدليل قوله تعالى " فَمتى جاءَ هوَ، أَي رُوحُ الحَقّ، أَرشَدكم إِلى الحَقِّ كُلِّه " (يوحنا 16: 13).
20 ثُمَّ أَوصى تَلاميذَه بِأَلاَّ يُخبِروا أَحَداً بِأَنَّهُ المسيح.
لا تشير عبارة "بِأَلاَّ يُخبِروا أَحَداً بِأَنَّهُ المسيح" الى استنكار يسوع للقب "المسيح" بل حفظ السر في حوزة التلاميذ الى ما بعد قيامة الرب وتحذير لهم بإفشائه قبل أوانه بسبب ملابسات هذا اللقب في الأوساط اليهودية بان المسيح لم يكن قائدا عسكريا بل عبدا متألما، لأنه عندما اعترف التلاميذ بان يسوع هو المسيح، لم يكونوا على علمٍ بعد بكل ما يُعنيه ذلك من آلام وموت. لم يرفض يسوع لقب المسيح، لكنه نهى بشدة ان يُخبر به (لوقا 9: 21). فسر المسيح لم يُكشف الاّ في الآلام (مرقس 14: 61-62). لذلك بعد قيامة يسوع، اخذ التلاميذ إعلان ان يسوع هو المسيح كما جاء في عظة بطرس الأولى " فَلْيَعْلَمْ يَقينًا بَيتُ إِسرائيلَ أَجمَع أَنَّ يَسوعَ هذا الَّذي صَلَبتُموه أَنتُم قد جَعَلَه اللهُ رَبًّا ومَسيحًا"(اعمال الرسل 2: 36). ومن هذا المنطلق، يتوجب على المسيح ان يموت ثم يقوم كي تنكشف هويته. لهذا لم يسمح المسيح لتلاميذه أن يعلنوه، بل طلب منهم الصمت، فلا بدّ من انتظار حدث الصليب والموت والقيامة لكي ما يقدروا أن يعلنوا هويّته الحقّة، هويّة الميت والقائم من بين الأموات حبّاً بالبشر والحاضر في حياة التلاميذ عبر القيامة. وتدل هذه الآية ان جميع التلاميذ اشتركوا جميعا في اعتراف بطرس بلاهوت المسيح.
ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (متى 16: 13-20)
بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي (متى 16: 13-20)، نستنتج انه يتمحور حول هوية يسوع الحقيقية: ابن الانسان وابن الله معا وحول رئاسة بطرس على الكنيسة.
1) هوية يسوع
بعد أن حذّر السيّد المسيح التزام تلاميذه من رياء تعليم الفريسيين والصدوقيين (متى 16: 5-12) توجّه مع تلاميذه الى قيصرية فيلبس (بانياس اليوم). وهناك طرح عليهم سؤالين حول هويته أحدهما غير مباشر: "مَنِ ابنُ الإِنسانِ في قَولِ النَّاس؟ " (متى 16: 13) والسؤال الآخر مباشر لهم "مَن أَنا في قَولِكم أَنتُم؟ " (متى 16: 15). فأَجابَ سِمعانُ بُطرس: ((أَنتَ المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ)). (متى 15: 16). يسوع هو ابن الانسان وهو ابن الله.
ا) يسوع ابن الانسان
شرع يسوع في ذلك الوقت يُعدَّ التلاميذ لقبول تعاليم يصعب عليهم التسليم بها، كيف لا، وهو من أعسر التعاليم فهما وابعدها منالآ. وهو أنه ينبغي ان يتألم ويموت لتتميم عمل الفداء، ومن هذا المنطلق، افتتح يسوع كلامه بسؤال طرحه على تلاميذه "مَنِ ابنُ الإِنسانِ في قَولِ النَّاس؟ " (متى 16: 13)، وبهذا السؤال أبرز جانبًا هامًا في إيماننا به يسوع "ابن الإنسان" تأكيدًا لتأنُّسه. ويطلق يسوع على نفسه عادة في الاناجيل لقب ابن الانسان. ومن المحتمل ان يكون قد اختار هذا اللقب بسبب التباسه. وقد وردت هذه العبارة في الاناجيل سبعين مرة. ولقب "ابن الانسان" في الأصل اليوناني τὸν υἱὸν τοῦ ἀνθρώπου هي ترجمة للفظة العبرية والآرامية בַר אֱנָשׁ، أي ابن البشر، وتظهر في معظم الأحيان كمرادفة للإنسان كما جاء في المزامير " لِتَكُن يَدُكَ على رَجُلِ يَمينكَ على ابن الإِنسانِ (בֶּן־אָדָם) الَّذي أَيَّدتَه لَكَ" (مزمور 80: 18). انه " ابن آدم"، عضو من أعضاء الجنس البشري.
لمَّح دانيال النبي في لقب "ابن الانسان" الى صورة ذلك الشخص السماوي الغامضة الذي يتولى السلطان الدينونة في آخر الازمنة. "فإِذا بِمِثلِ آبنِ إِنسان آتٍ على غَمامِ السَّماء فبَلَغَ إِلى قَديمِ الأَيَّام وقُرِّبَ إِلى أَمامِه. وأُوتِيَ سُلْطاناً ومَجداً ومُلكاً فجَميعُ الشُّعوبِ والأُمَمِ والأَلسِنَةِ يَعبُدونَه وسُلْطانُه سُلْطانٌ أَبَدِيّ لا يَزول ومُلكُه لا يَنقَرِض"(دانيال7: 13-14)،
وعاد التقليد الرؤيوي اليهودي اللاحق لسفر دانيال الى رمز "ابن الانسان" حيث رأى فيه كائناً عجيبا غامضاً، مقيماً بجوار الله، حائزاً على البِّر ومُعلناً عن خيرات الخلاص المدخّرة لنهاية الأزمنة حيث يستوي على عرش مجده، كديّان للجميع ومُخلص الابرار ومنتقم لهم، وهم سوف يحيون بالقرب منه بعد قيامتهم من بين الأموات.
وربط يسوع من خلال لقب "ابن الانسان" الصورة الاسكاتولوجيا (آخر الأزمنة) "تَرى ابنَ الإِنسانِ آتِياً على غَمامِ السَّماء في تَمامِ العِزَّةِ والجَلال" (متى 24: 30) مع النظرة اليهودية الرؤيوية "سَوفَ يَأتي ابنُ الإِنسانِ في مَجدِ أَبيهِ ومعَه مَلائكتُه، فيُجازي يَومَئِذٍ كُلَّ امرِئٍ على قَدْرِ أَعمالِ" (متى 16: 27).
وقبل البلوغ الى هذه الحالة في مجيء يسوع ديانا، يجب ان يمرَّ ابن الانسان بحالة العبد المتألم الذي يموت من اجل الآخرين حيث يصعب على الناس خلالها ان يتعرّفوا عليه حتى يؤمنوا به (يوحنا 9: 35). وهكذا ربط يسوع أيضا من خلال لقب "ابن الانسان " مع دعوة عبد الرب المتألم. ان يسوع جاء ليُحقق خلال حياته الأرضية دعوة عبد الرب الذي نبذه الناس وقرّروا بقتله، حتى ينال المجد من الله، ويُخلص الجماهير. وفي هذا الصدد صرّح يسوع أن ابن الانسان تحمَّل كل آثامنا من أجل خلاصنا كما صرَّح يسوع "إنَّ ابنَ الإِنسانِ سَيُسْلَمُ إِلى أَيدي النَّاس، فيَقتُلُونَه"(متى 17: 22-23). فلقب "ابن الانسان" حلّ محل آنذاك لقب "المسيح"، لانَّ لقب المسيح سابق لأوانه (مرقس 8: 29-31) وأبرز المزيد من التطلعات الزمنية لرجاء إسرائيل. وعليه يشير لقب "ابن الانسان "في الاناجيل الى كلمات يسوع بالذات.
لقب ابن الانسان، بالإضافة الى ذلك، يُجسّد الابرار المُضطهدين حيث جاءت القيامة تنصيبا ليسوع بصفته ابن الانسان، ومُحقِّقة ما أنبا به يسوع مراراً " أَنتُم الَّذينَ تَبِعوني، متى جلَسَ ابنُ الإِنسانِ على عَرشِ مَجدِه عِندما يُجَدَّدُ كُلُّ شَيء، تَجلِسونَ أَنتم أَيضاً على اثنَي عَشَرَ عَرْشاً، لِتَدينوا أَسباطَ إِسرائيلَ الاثَنيْ عَشَر" (متى 19: 28)؛ وفي موضع آخر قال يسوع " وتَظهَرُ عِندَئِذٍ في السَّماءِ آيةُ ابنِ الإِنسان. فتَنتَحِبُ جميعُ قبائِلِ الأَرض، وتَرى ابنَ الإِنسانِ آتِياً على غَمامِ السَّماء في تَمامِ العِزَّةِ والجَلال." (متى 24: 30). ولذلك جاز ليسوع ان يكون تجسيداً لجميع المضطهدين وجميع الصغار والمساكين الذين أصبح واحدا منهم " كُلَّما صَنعتُم شَيئاً مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه "(متى 25: 40).
وفي بداية المسيحية نظرت الجماعة المسيحية الأولى التي هي من أصل يهودي الى عمل يسوع انطلاقا من لقب "ابن الانسان" في سفر دانيال (7: 13-14)، وكانوا يرون في المصلوب ذلك الذي به تمّت دينونة البشر " فتَأتِيَكُم مِن عِندِ الرَّبِّ أَيَّامُ الفَرَج ويُرسِلَ إِلَيكُمُ المسيحَ المُعَدَّ لَكم مِن قَبْلُ، أَي يسوع، ذاكَ الَّذي يَجِبُ أَن تَتَقبَّلَه السَّماءُ إِلى أَزمنَةِ تَجديدِ كُلِّ ما ذَكَره اللّهُ بِلِسانِ أَنبِيائِه الأَطهار في الزَّمَنِ القَديم" (اعمال الرسل 3: 20-21).
وبعد ذلك، خسر اللقب بُعدَه مع الجماعات المسيحية اليونانية (الهلنيَّة)، وحلَّت محله لقب "ابن الله"، ولقد لعب بولس دورا كبيرا في هذا التطور. وبسبب السْلطة الخارقة التي يطالب بها يسوع كابن الانسان، انطلاقا من نصوص دانيال استطاع المسيحيون ان ينسبوا اليه لقب ابن الله. وهذا ما يستند اليه سلطانه ويُمكنه ان يرسل تلاميذه الى العالم كله (متى 28: 16-20).
ولمَّا جاء آباء الكنيسة، فهموا لقب ابن الانسان حرفياً: فقالوا: أنه الانسان ممثل الإنسانية، ولكن، لم يكن هذا ما عناه المسيحيون الاولون في اورشليم، وما كان يُهمهم هو الاصل السماوي لابن الانسان والعمل الإلهي التي يُتمّه. لقد سال يسوع تلاميذه من هو ابن الانسان لكي يقودهم الى الإقرار بما هو أسمى من ذلك وهو لقب " بن الله".
ب) يسوع ابن الله
كي نفهم لقب يسوع "ابن الله "لا بد َّمن البحث مفهوم ابن الله بحسب شهادة بطرس الصادرة عن الوحي الإلهي وعلاقة هذا اللقب في موت المسيح وقيامته وتجسده وكيف فهم بولس الرسول هذا اللقب
مفهوم ابن الله
في العهد القديم قيلت عبارة "ابن الله" في الملائكة والشعب اليهودي والمسيح المنتظر (2 صموئيل 7: 14، مزمور 2: 7)، وتشير هذه العبارة الى علاقة خاصة مع الله واختياره من اجل الرسالة التي يعهد بها الله "أبنائه". وانطلقت المسيحية من هذه المعطيات، فشدَّدت على المميزة الفريدة الخاصة بشخص يسوع. فهو الذي يقيم مع الله علاقة بنوية لا مثيل لها، والذي عُهد اليه برسالة لا نظير لها وهي خلاص الناس (متى 1: 21).
وتحدّث يسوع بالإضافة الى ذلك، بعبارات واضحة عن العلاقات بين الابن والآب: تقوم بينهما وحدة في العمل والمجد (يوحنا 5: 19، 23) يمنح الآب كل ما له لابنه لأنه يحبه "إِنَّ الآبَ يُحِبُّ الابن فجَعَلَ كُلَّ شيءٍ في يَدِه "(يوحنا 3: 35)، ويعطيه سْلطة إحياء الموتى "فكَما أَنَّ الآبَ يُقيمُ الموتى ويُحيِيهِم فكَذلِكَ الِابنُ يُحيِي مَن يَشاء."(يوحنا 5: 21) وسْلطة القضاء "لِأَنَّ الآبَ لا يَدينُ أحَداً بل أَولى القَضاءَ كُلَّه لِلاِبْن"(يوحنا 5: 22) وعندما يرجع يسوع الى الله، ويُمجِّد الآب الابن لكي يمجِّده الابن كما جاء في صلاة يسوع الكهنوتية " يا أَبتِ، قد أَتَتِ السَّاعة: مَجِّدِ ابنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابنُكَ (يوحنا 17: 1).
شهادة بطرس
لم يكتف بطرس ان يعلن ان يسوع نبياً؛ أي ذاك الذي يحمل الكلمة، بل هو الكلمة. ولم يكتف ان يعلنه "ابن الانسان" أي يسوع الناصري الانساني الذي يخلص البشر، بل هو المسيح ابن الله". شهد بطرس باسم التلاميذ جميعاً انطلاقا من قوة إيمانه وبنعمة خاصة من الروح القدس أن يسوع هو " المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ" (متى 16: 16). لقد صدر هذا الاعتراف عن ايمان حق. فالإيمان مثل إيمان بطرس هو اساس ملكوت المسيح. بطرس لم يتعلق بتعاليم السيد المسيح فحسب انما بشخصه. وفي شهادة بطرس " المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ" (متى 16: 16) تفخيم واستعمال التعريف، بالإضافة الى تطويب يسوع لبطرس، يحملنا على ان نرى في هذه الشهادة كمال الإيمان المسيحي. كما اكتشفه الرسل شيئا فشيئا بعد القيامة. وقد أعلن الآب بنفسه هوية ابنه قائلا: " هذا هُوَ ابنِيَ الحَبيبُ الَّذي عَنه رَضِيت" (متى 3: 17)
شهادة صادرة عن الوحي
تؤكد تطويبة يسوع لبطرس "طوبى لَكَ يا سِمعانَ بْنَ يونا، فلَيسَ اللَّحمُ والدَّمُ كشَفا لكَ هذا، بل أَبي الَّذي في السَّمَوات (متى 16: 17) بأننا أمام وحي من الآب وفي الجملة شهادة بطرس " المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ" (متى 16: 16) تفخيم واستعمال التعريف، بالإضافة الى تطويب يسوع لبطرس، يحملنا على ان نرى في هذه الشهادة كمال الإيمان المسيحي. كما اكتشفه الرسل شيئا فشيئا بعد القيامة.
الالام والقيامة وابن الله:
لا يكفل للمسيح لقب ابن الله مصير مجد ارضي، بل لزاما على المسيح كابن الانسان ان يموت حتى يصل الى مجده كما جاء في الانجيل " وبَدأَ يسوعُ مِن ذلِكَ الحينِ يُظهِرُ لِتَلاميذِه أَنَّه يَجِبُ علَيهِ أَن يَذهَبَ إِلى أُورَشَليم ويُعانِيَ آلاماً شَديدة مِنَ الشُّيوخِ وعُظَماءِ الكَهَنَةِ والكَتَبَة ويُقتَلَ ويقومَ في اليومِ الثَّالث"(متى 16: 21). ولن يُكشف هذا اللقب حقيقته إلاّ بالآلام والقيامة. ولدى موت المسيح تبدّد كل التباس، فاعترف فيه قائد المائة " كانَ هذا الرَّجُلُ ابنَ اللهِ حَقّاً!" (مرقس 15: 39). وفي مخاطبته الله الذي يدعوه " أَبَّا، يا أَبَتِ" (مرقس 14: 36)، ظهرت ألفة عميقة بين الله والمسيح، وهذ الآلفة تتطلب "المعرفة" المتبادلة الكاملة والمشاركة الشاملة " قد سَلَّمَني أَبي كُلَّ شَيء، فما مِن أَحَدٍ يَعرِفُ الابنَ إِلاَّ الآب، ولا مِن أَحدٍ يَعرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْن ومَن شاءَ الابنُ أَن يَكشِفَه لَه "(متى 11: 25-27). وهكذا يعطي يسوع المعنى كاملا على التصريحات الالهية " أَنتَ ابنِيَ الحَبيب، عَنكَ رَضيت " (مرقس 1: 11).
التجسد وابن الله
تتجلى عقيدة التجسُّد بكل ابعادها. فقد أرسل الله ابنه الواحد الى العالم ليخلص العالم " ما ظَهَرَت بِه مَحبَّةُ اللهِ بَينَنا هو أَنَّ اللهَ أَرسَلَ ابنَه الوَحيدَ إِلى العالَم لِنَحْيا بِه" (1 يوحنا 4: 9). وهذا الابن الواحد هو الذي أخبر عن الله " إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه"(يوحنا 1: 18) ويمنح البشر الحياة الابدية التي تأتي من الله "إنَّ اللهَ وَهَبَ لَنا الحَياةَ الأَبدِيَّة وأَنَّ هذهِ الحياةَ هي في ابنِه. مَن كانَ لَه الابنُ كانَت لَه الحَياة. مَن لم يَكُنْ لَه ابنُ الله لم تَكُنْ لَه الحَياة"(1 يوحنا 5: 11-12) والعمل المطلوب هو الايمان بالابن "عَمَلُ اللهِ أَن تُؤمِنوا بِمَن أَرسَل" (يوحنا 6: 29) من يؤمن بالابن له الحياة الأبدية "أَنَّ كُلَّ مَن رأَى الِابنَ وآمَنَ بِه كانَت له الحياةُ الأَبَدِيَّة وأَنا أُقيمُه في اليَومِ الأَخير" (يوحنا 6: 40) ومن لم يؤمن به يحكم عليه "مَن آمَنَ بِه لا يُدان ومَن لم يُؤمِنْ بِه فقَد دِينَ مُنذُ الآن لِأَنَّه لم يُؤمِنْ بِاسمِ ابنِ اللهِ الوَحيد" (يوحنا 3: 8).
ابن الله في رسائل بولس
يصبح موضوع ابن الله في رسائل بولس الرسول نقطة انطلاق لاهوتي أكثر عمقاً كما جاء في تعليمه " لَمَّا تَمَّ الزَّمان، أَرسَلَ اللهُ ابنَه مَولودًا لامرَأَةٍ، مَولودًا في حُكْمِ الشَّريعةْ" (غلاطية 4: 4) لكي يتم بموته الصلح بيننا وبينه "فإِن صالَحَنا اللهُ بِمَوتِ َابِنه ونَحنُ أَعداؤُه، فما أَحرانا أَن نَنجُوَ بِحَياتِه ونَحنُ مُصالَحون!" (رومة 5: 10). ان الحياة المسيحية هي حياة في الايمان بابن الله الذي احبنا وضحّى بنفسه من أجلنا كما اختبرها بولس الرسول " فإِنِّي أَحْياها في الإِيمانِ بِابنِ اللهِ الَّذي أَحبَّني وجادَ بِنَفْسِه مِن أًجْلي" (غلاطية 2: 20).
نستنتج مما سبق ان لقب " ابن الله " يكتسب في انجيل متى معناً قوياً، لا مجرد مرادف للمسيح ابن داود، انما يضفي على سائر القاب يسوع كل معناها. فإذا كنا في حيرة، يجب ان نعلنه على مثال بطرس " أَنتَ المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ " (متى 16: 16). وعلينا ان نراه مع "قائدُ المِائةِ والرِّجالُ الَّذينَ كانوا معَهُ يَحرِسونَ يسوع، فإِنَّهم لَمَّا رَأَوا الزِلزالَ وما حَدَث، خافوا خَوفاً شديداً وقالوا: كان هذا ابنَ اللهِ حقّاً"(متى 27: 54).
2) رئاسةبطرس للكنيسة
على أثر شهادة بطرس بإيمانه ان يسوع " هو ابن الله الحي"، أقامه يسوع رئيسا للكنيسة كما تبيّن النقاط التالية:
أطلق يسوع على "سمعان" اسم "صخر"، "أَنا أَقولُ لكَ: أَنتَ صَخرٌ " (متى 16: 18). فإعلان الإيمان مِن قِبَل بطرس بالمسيح الإله، يُقابِله إعلان المسيح بإيمانِه بِقُدرةِ بطرس على الثبات رُغم ضُعف الطبيعة، فالمسيح يُقَوّي بطرس ويُثَبِّته ويَجعَل مِنهُ الصّخرة الأساس لِلكَنيسة، ويبقى هو القوَّة التي تُعطي بطرس هذا الثَبات.
ورئاسة الكنيسة موجّهه الى بطرس وحده لان إيمانه بالمسيح كان كالصخرة التي لا تتزعزع، حيث التسمية تدل على مهمة جديدة كما في كل مرة يحصل تغيير اسم في العهد القديم. ويُذكّر اسم " صخر" بـ"حجر الأساس" الذي يدل على المسيح كما تنبأ عنه أشعيا (أشعيا 8: 14). وحصل سمعان بطرس على مُهمة تجعله أساس الجماعة، وهي على هذه الصخر سيبني يسوع "كنيسته". هنا أعلن يسوع لبطرس انه هو المكلّف بحماية الإيمان، وممارسة العدالة من خلال الإيمان وإدارة الكنيسة على ضوء هذا الإيمان.
ولفظة كنيسة تذكر بكلمة "كاهال" קְהִלָּתִי العبرية (معناها كنيستي) كما ورد في السبعينية التي تعني الجماعة، وهي تعني جماعة الله، ولكن الجديد هنا هو استعمال ضمير المتصل المتكلم "ي" قال يسوع " كنيستي. "أَنتَ صَخرٌ وعلى الصَّخرِ هذا سَأَبني كَنيسَتي" (متى 16: 18)، وبذلك أضفى على الكلمة عمقا ومعنى جديداً، ولذلك ستكون جماعة الله بعد اليوم الجماعة التي يدعوها يسوع المسيح، الجماعة التي يبنيها على الصخر وهو بطرس. فالكنسية عي عمل المسيح ابن الله، فيها يُقيم، وفيها يعمل بروحه.
وبفضل النعمة المرتبطة باسمه الجديد "صخر" الذي يعبّر عن المهمّة المعينة له، يشترك سمعان بطرس في هذه الصفات التي يُنسبها الكتاب المقدس الى الله ومسيحيه، الا وهي الصلابة التي تدوم والأمانة التي لا تتزعزع. وهذا ما يُبين مركزه الفريد. ولا يرجع اختيار بطرس الى شخصيته، إنما على الرسالة التي عهد المسيح إليه بها، والتي تمَّمها في الأمانة والحب (يوحنا 21: 15-17). ويعلق البابا القدّيس لاون الكبير "اختار الرّب يسوع المسيح بطرس ليسهر على نداءات الشعوب كلّها، وعلى قيادة الرسل وآباء الكنيسة أجمعين. أنه قائدٌ بشخصه في حين أنّ الرّب يسوع المسيح يقودهم أيضًا بصفته الرأس"(العظة الرابعة في ذكرى سيامته). فالكنيسة تستطيع ان تعتمد على صلابة إيمان بطرس الذي يقوم بمهمة رئيسية فيها.
وبالإضافة الى ذلك، قد سلّم يسوع الى بطرس المفاتيح، “سأُعطيكَ مَفاتيحَ مَلَكوتِ السَّمَوات. فما رَبَطتَهُ في الأَرضِ رُبِطَ في السَّمَوات. وما حَلَلتَه في الأَرضِ حُلَّ في السَّمَوات" (متى 16: 19)، جعل يسوع من بطرس رئيساً على الكنيسة على ما ورد في نبوءة أشعيا " وأَجعَلُ مِفْتاحَ بَيتِ داُودَ على كَتِفِه يَفتَحُ فلا يُغلِقُ أَحَد ويُغلِقُ فلا يَفتَحُ أَحَد" (أشعيا 22: 22) وسلمه ذلك السلطان الذي تولاه بحسب ما ورد في رؤية يوحنا " ما يَقولُ القُدُّوسُ الحَقّ، مَن عِندَه مِفْتاحُ داوُد، مَن يَفتَحُ فلا أَحَدَ يُغلِق، ويُغلِقُ فلا أَحَدَ يَفتَح" (رؤيا 3: 7). والواقع إن عبارة "الربط والحل" تعبر في مفهوم الربانيين عن السْلطة، إمَّا لوضع القوانين، وإما للفصل عن الجماعة والضم اليها عن طريق الإدانة والمغفرة. ومن هذا المنطلق، فان سلطان المفاتيح الذي سُلم الى بطرس، لا بل الى مجمل الجماعة أيضا (متى 18: 18)، هو سلطان روحي يستمد أهميته من الله الذي يصادق عليه.
وأخيرا، يؤكد إعلان يسوع "أَنا أَقولُ لكَ: أَنتَ صَخرٌ وعلى الصَّخرِ هذا سَأَبني كَنيسَتي" على دور بطرس الذي لعبه في الايام الاولى للكنيسة (متى 4/18، 17/1) وتستند الكنيسة الكاثوليكية الى هذا النص وتبني عليه تعليمها القائل بأن بطرس هو رئيس الكنيسة وان خُلفاءه الباباوات يرثون رئاسته.
ويشهد آباء الكنيسة ان المسيح أقام الكنيسة على بطرس، ويعترفون له على الرسل جميعهم بالرئاسة الاولى، وهم بذلك على اتفاق مع الوعد الذي قطعه له المسيح بها. فقد وصف القديس اغناطيوس الانطاكي وتلميذ الرسل، كنيسة روما "الكنيسة التي ترأس جماعة المسيحية كلها". وشهد القديس ايرينيوس، أسقف ليون في فرنسا، لكنيسة روما بقوله: "الى هذه الكنيسة يجب أن ترجع كل الكنائس بسبب سيادتها العليا ولأن تقليد الرسل حُفِظَ فيها". وسمّى العلامة ترتليانوس الافريقي أسقف روما "الحبر الاعظم" و"أسقف الاساقفة". وان "الكنيسة: بُنيت عليه بطرس"، وأضاف مؤكِّدا رئاسة بطرس على الكنيسة بقوله "كنيسة روما تراس امّة المحبة، أي الكنيسة جمعاء، وإنه يلزم ان تقود الكنائس في ايمان". واقليمندس الاسكندري ُيسمي القديس بطرس "المختار، المصطفى، الاول في التلاميذ، الذي دفع المسيح لنفسه وله الجزية" (متى 17: 25). ويدعوه القديس كيرلس الاورشليمي: "رأس الرسل وامامهم" (التعليم المسيحي 19:2). ويذكر القديس لاون الكبير "ان بطرس قد اختير ليكون وحده في العالم كله رئيسا لكل الشعوب المدعوة، ولكل الرسل، ولكل آباء الكنيسة" (العظة 2:4). واما القديس كبريانس الافريقي فيعلق قائلا "لقد بنى المسيح الكنيسة على واحد" (في وحدة الكنيسة 6)، ووصف كنيسة روما "الكنيسة الرئيسية التي هي مصدر الاتحاد الكهنوتي". وأمَّا القديس أوغسطينوس العلامة الافريقي فقد قال "روما تكلمت فقضي الأمر". وحيث بطرس هناك الكنيسة. يقول القديس أمبروسيوس "حيث بطرس فهناك الكنيسة". وهكذا يُعتبر أساقفة روما خلفاء للقديس بطرس وخداما لوحدة الكنيسة الجامعة. ويقول البابا القديس يوحنا بولس الثاني "إنّ أسقف روما هو أسقف الكنيسة التي لا تزال موسومةً بشهادتيّ بطرس وبولس".
وقابل آباء الكنيسة كثيرون في جهادهم ضد الآريوسيه، بين الصخرة التي عليها بنى المسيح كنيسته والايمان بألوهة المسيح الذي اعترف به بطرس، دون ان يقطعوا فيما بين الاثنين من صله بشخص بطرس. فالإيمان الذي اعترف به بطرس كان الداعي لاختيار المسيح له أساسا تقوم عليه الكنيسة.
ونستنتج مما سبق أن الأولوية والسلطان الأعظم هما للحبر الروماني. بنى السيّد المسيح كنيسته على بطرس وحده، وإليه عهد برعاية خرافه، وإن كان فوَّض بعد قيامته للرسل سلطاناً مثل الذي أعطاه لبطرس. الكنيسة الكاثوليكية استندت إلى قول المسيح لبطرس "أَنتَ صَخرٌ وعلى الصَّخرِ هذا سَأَبني كَنيسَتي" وبنت عليها تعاليمها القائل بأن خلفاء بطرس هم من يرثون الرئاسة، ويعلق البابا إنّوقنطيوس الثالث (بابا روما من 1198 إلى 1216) " لقد طلب الربّ من بطرس الإيمان عندما أودعه مفاتيح ملكوت السماوات والمحبّة عندما أودعه خرافه. وعلى صخرة الإيمان هذه بُنيت الكنيسة. لقد نال بطرس بهذا شرفين: لقد أصبح أساس الكنيسة ورئيسها " (العظة رقم 21). ويكفل بطرس استمرارية التواصل بين يسوع كما عاش على الأرض، والجماعة الكنسية، إذ صار بطرس وكيلا ونائبا عن المسيح على الكنيسة، فكان له سلطان شرعي لا ينفصل عن سلطان الاثني عشر (متى 18: 18)، لكن يفوقهم كافة.
ويعتقد التقليد الارثوذكسي بان جميع الاساقفة المعترفين بالإيمان القويم هم خلفاء بطرس وخلفاء الرسل نظراً لما قاله يسوع لبطرس " أَنتَ صَخرٌ وعلى الصَّخرِ هذا سَأَبني كَنيسَتي، فَلَن يَقوى عليها سُلْطانُ الموت" (متى 16: 16) حيث ان حلامه موجَّه الى بطرس كنائب عن سائر الرسل. والرئاسة هي أيضا الى جميع الرسل معا. وجاء أيضا في تعليم بولس الرسل "بُنيتُم على أَساسِ الرُّسُلِ والأَنبِياء، وحَجَرُ الزَّاوِيَةِ هو المسيحُ يسوعُ نَفْسُه" (أفسس 2: 20 4). وقد صرَّح انه واحد من الرسل وشريك المجد الذي سيُعلن " فالشُّيوخُ الَّذينَ بَينَكم، أَعِظُهم أَنا الشَّيخُ مِثلَهم والشَّاهِدُ لآلامِ المسيح ومَن لَه نَصيبٌ في المَجْدِ الَّذي يُوشِكُ أَن يَتَجَلَّى " (1 بطرس 5: 1). وكان بطرس في مجمع الكنيسة الاول في اورشليم كسائر الأعضاء وكان الرئيس يعقوب (اعمال الرسل 15: 13)
أمَّا مفسرو الاصلاح فلا ينكرون ما كان لبطرس من مكانة ودور مميّز في نشأة الكنيسة، لكنهم لا يرون ان المسيح أقامه رئيسا على جميع الرسل ورأسا منظورا للكنيسة كلها، بتقليده إياه مباشرة وشخصيا رئاستها، فهم لا يعترفون بمنصب البابا، وإنما يقولون بان المسيح فوّض ملْ السلطة الروحية مباشرة الى الكنيسة، وبواسطة الكنيسة الى القديس بطرس، بحيث ان القديس بطرس كان الخادم الاول للكنيسة التي اختارها لها. ويُبرِّرون ذلك بأن سْلطة البابا تتعارض مع تعاليم الكتاب المقدس، ومن اجل ذلك لا يوجد كرسي بابوي في الكنائس البروتستانتية.
وماذا ينتظر منا يسوع اليوم؟ انه لا يزال يطرح السؤال: " مَن أَنا في قَولِكم أَنتُم؟". يريد يسوع الايمان به والوحدة بيننا. لنقتفي خطى بطرس ونعترف بإيمان ان يسوع هو ربنا ومسيحنا الذي مات وقام من أجلنا ليُدخلنا في ملكوته السماوي.
الخلاصة
عندما سأل السيد المسيح سؤاله "من ابن الإنسان في قول الناس"، ردَّد التلاميذ ما يقوله الناس، فمثلًا هيرودس قال إنه يوحنا المعمدان (متّى 2:14). وهناك من قالوا إنه إيليا أي أنه سابق المسيح (ملاخي 5:4)، وآخرون تصوروا أنه واحد من الأنبياء، لأن موسى تنبأ بأن نبيا مثله سيأتي لهم (تثنية الاشتراع 15:18).
لم يُكَوِّن بطرس رأيه عن السيّد المسيح من كلام الناس، بل الربّ كشفه لهُ. وبناء على هذا الوحي، شهد بطرس بلاهوت المسيح، ويسوع منحه مهمة رئاسة الكنيسة. لقد اقام المسيح بطرس صخرا لجماعته، كما ورد في نبوءة أشعيا "اسمعوا لي أَيُّها المُتَّبِعونَ لِلبِرّ المُلتَمِسونَ لِلرَّبّ أُنظُروا إِلى الصَّخرِ الَّذي نُحِتُّم مِنه وإِلى المَقلعَ الَّذي آقتُلِعتُم مِنه" (أشعيا 51: 1) وكلفه برسالة ينبغي ان يفيد منها جميع الشعب.
وعهد يسوع الى بطرس، الذي اعترف بان يسوع هو ابن الله الحي رسالة جمع بني البشر في جماعة تمنح لها المساعدة والحياة الابدية. والكنيسة المُقامة على بطرس تضمن الانتصار على قوى الشر، التي هي سلطات الموت. وهي تعتمد على إيمان بطرس الذي يقوم بمهمة رئيسية في الكنيسة. فلا بدَّ لبطرس ان يكون حاضرا على الدوام من خلال خليفته من اجل توصيل حياة المسيح الى المؤمنين دون توقف. ويعلق البابا القدّيس بيوس العاشر بوصية الى المؤمنين "وجهّوا خطوات نفوسكم نحو صلابة هذه الصخرة كما في البداية: فعلى هذه الصخرة بنى مخلّصنا الكنيسة في العالم أجمع كما تعلمون بحيث لا تتعثر القلوب الطيبّة التي تتبع خطاها"(الرّسالة العامة: التّذكار الفَرِح، (Iuncunda sane)، بتاريخ 12 آذار 1904).
دعاء
أيها الاب القدوس، يا من اوحيت الى بطرس ان يعترف ان ابنك يسوع هو " المسيح ابن الله الحي" فنال سْلطة الرئاسة في الكنيسة، هبنا نعمة الايمان في العيش في حضن الكنيسة في الوحدة مع يسوع المسيح من خلال البابا خليفة القديس بطرس فلا تقوى علينا قوى الشر بل نبق في الأمان والسلام. آمين.
الأب لويس حزبون - فلسطين