"أعوّم كل ليلة سريري، وبدموعي أبل فراشي" [6].
"كل ليلة": ما أن ارتكب الخطية حتى صار في ظلمة كأنه في ليل، يرقد في فراشي الشهوات الدنسة الجسدانية. لهذا صار يبكي طالبًا مراحم الله. ناح داود بالليل على فراشه، حيث يرقد مع قلبه، ولم تشهد عينٌ ما حُزنه وآلامه، إنما تراه عين الله الذي كله عين (يرى الكل).
*أي شيء يمكن غسله بمجرد (صب ماء عليه)، بينما "البلل" يعني غمس الشيء بأكمله في الماء؛ هذا هو ما تشير إليه الدموع التي أغرقت أعماق القلب الداخلية فتبلل.
* حَزن داود وناح على الخطية التي ارتكبها منذ زمان بعيد وسنوات عديدة، كأنها حدثت منذ عهد قريب.
* لم يطغه الثوب القرمزي الملوكي أو التاج على الإطلاق ولا كان متعاليًا بهما، إذ كان يدرك أنه إنسان، كلما شعر قلبه بالندامة راح يبكي نائحًا.
إن كنا نتذكر على الدوام خطايانا، لا يمكن للظروف الخارجية أن تجعلنا نتغطرس: لا الثروات ولا السلطان ولا الكرامة ولا إن جلسنا حتى في المركبة الملوكية ذاتها، وإنما نئن في مرارة.
*أترغبون في معرفة ما يجعل الفراش جميلًا حقًا؟ سأريكم الآن كرامة الفراش، لا فراش مواطن عادي أو جندي بل فراش ملك...، فراش أعظم ملك، أعظم ملوكية من كل الملوك، الذي لا يزال حتى الآن يُكرم بالترانيم في العالم كله؛ إنني أريكم فراش الطوباوي داود، فماذا يكون فراشنا؟ فراشه لم يكن مزينًا بالذهب والفضة، بل بالدموع والاعترافات... إنه يثّبت دموعه كاللآلئ في كل موضع من فراشه.
* مزامير داود تُسبب فيضانًا من الدموع تنسكب! فكروا (في القديسين) كيف يقضون الليل كله في ذرف الدموع.
* بذرف الدموع ننال غسل المعاصي.
* ليس كل نوع من ذرف الدموع يتم بشعور متشابه أو بفضيلة ما واحدة:
* فمن ناحية قد تصدر الدموع بنخس خطايانا التي تضرب قلوبنا (مز 6: 7).
* وبطريق آخر، قد تنهمر الدموع خلال التأمل في الخيرات الأبدية والرغبة في المجد المقبل (مز 119: 5-6).
* وبوسيلة أخرى، تفيض الدموع لا خلال الشعور بخطية مميته وإنما خلال الخوف من الجحيم وتذكر الدينونة الرهيبة، التي ضرب بها النبي فصلى إلى الله، قائلًا: "لا تدخل في المحاكمة مع عبدك لأنه لن يتزكى كل حيّ أمامك" (مز 113: 2).
* أيضًا ثمة نوع آخر للدموع، علتها لا خطايا الإنسان بل قساوة قلوب الآخرين وخطاياهم، بهذه الدموع وُصف صموئيل أنه بكى لأجل شاول...
*للصلاة المقدمة في المساء قوتها العظيمة، أكثر من تلك التي تُقدم في النهار. لهذا اعتاد كل القديسين أن يصلوا خلال الليل وهم يجاهدون ضد ثقل الجسد وعذوبة النوم،
مقاومين الطبيعة البشرية...
ليس شيء مخيٌف حتى بالنسبة للشيطان نفسه مثل الصلاة التي نرفعها ليلًا.
*لتكن هذه هي العلامة لكم، حينما تقتربون من الدخول إلى تلك المدينة؛ حينما تفتح النعمة عيونكم فتدركون أمرًا بالبصيرة الضرورية؛ عندئذ تبدأ عيونكم في ذرف الدموع حتى تغسل وجناتكم بسبب غزارتها.
* الدموع بالنسبة للعقل هي التميز الأكيد بين الجسدانية والروحانية، وبين الإدراك العقلاني والنقاوة.
*كل مرة يثور في الروح التفكير في الله يشتعل القلب بالحب حالًا، فنذرف العينان دموعًا بغزارة؛ إذ اعتاد الحب على ذرف الدموع عند لقاء المحبوب.
6. "ساخت (اضطربت) من الغم (الغضب) عيني [7].
*اسمعوا كيف يصف المرتل أن الغضب يغطي عين القلب بسحابة كثيفة، فيقول: "بالغم" [7]، أو "بالحزن". أيضًا يشهد القديس يوحنا الإنجيلي كيف يُعمى الغضب عيني القلب: "الذي يكره أخاه هو في الظلمة ويسير في ظلمة، ولا يعرف إلى أين يمضي، لأن الظلمة أعمت عينيه! (1 يو 2: 11). بحسب هذه الشهادة، تُعمي عين القلب بالغضب المفاجئ، لكن نور المحبة ينطفئ بالكراهية.
* ليس ما يُكِدّر العين مثل الضمير الشرير... ليس ما يظلمها هكذا! حرروها من ذلك الأذى، فتجعلونها قادرة وقوية، منتعشة بالرجاء الحسن.
* النفس وهي في حالة الاضطراب الذي يمنعها من رؤية الله، إذا ما بدأت في الالتحام بالحكمة الإلهية تبدأ شمسها الداخلية في الإشراق.