رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الاحد السابع والعشرون من السنة (متى 21: 33-43) النص الإنجيلي (متى 21: 33-43) 3 ((إِسمَعوا مَثَلاً آخَر: غَرَسَ رَبُّ بَيتٍ كَرْماً فَسيَّجَه، وحفَرَ فيه مَعصَرَةً وبَنى بُرجاً، وآجَرَه بَعضَ الكرَّامين ثُمَّ سافَر. 34 فلمَّا حانَ وَقتُ الثَّمَر، أَرسَلَ خَدمَه إِلى الكَرَّامينَ، لِيَأخُذوا ثَمَرَه. 35 فأَمسَكَ الكرَّامونَ خَدَمَه فضرَبوا أَحدَهم، وقتَلوا غيرَه ورَجَموا الآخَر. 36 فأَرسَلَ أَيضاً خَدَماً آخَرينَ أَكثرَ عَدداً مِنَ الأَوَّلينَ، ففَعلوا بِهِم مِثلَ ذلِك. 37 فأَرسَلَ إِليهِمِ ابنَه آخِرَ الأَمرِ وقال: ((سيَهابونَ، ابْني)). 38 فلَمَّا رَأَى الكرَّامونَ الابنَ، قالَ بَعضُهم لِبَعض: ((هُوَذا الوارِث، هَلُمَّ نَقتُلْهُ، ونَأخُذْ مِيراثَه)). 39 فأَمسَكوهُ وأَلقَوهُ في خارِجِ الكَرْمِ وقتَلوه. 40 فماذا يَفعَلُ رَبُّ الكَرْمِ بِأُولئِكَ الكَرَّامينَ عِندَ عَودَتِه؟)) 41 قالوا له: ((يُهلِكُ هؤُلاءِ الأَشرارَ شَرَّ هَلاك، ويُؤجِرُ الكَرْمَ كَرَّامينَ آخَرينَ يُؤَدُّونَ إِليهِ الثَّمَرَ في وَقْتِه)). 42 قالَ لَهم يسوع: ((أَما قَرأتُم قَطُّ في الكُتُب: ((الحَجَرُ الَّذي رذَلَهُ البنَّاؤُونَ هو الَّذي صارَ رَأسَ الزَّاوِيَة. من عِندِ الرَّبِّ كانَ ذلك وهو عَجَبٌ في أَعيُنِنا)). 43 لِذلكَ أَقولُ لَكم: ((إِنَّ مَلكوتَ اللهِ سَيُنزَعُ مِنْكُم، ويُعطى لأُمَّةٍ تُثمِرُ ثَمرَه. 44 مَن وَقَعَ على هذا الحَجَرِ تَهَشَّم، ومَن وَقَعَ عَلَيه هذا الحَجَرُ حَطَّمَه)). 45 فَلَمَّا سَمِعَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والفِرِّيسيُّونَ أَمثالَه، أَدرَكوا أَنَّه يُعَرِّضُ بِهِم في كلامِه 46 فحاولوا أَن يُمسِكوه، وَلكِنَّهم خافوا الجُموعَ لأَنَّها كانت تَعُدُّه نَبِيّاً. المقدمة يُسلط إنجيل هذا الاحد الأضواء على مثل الكرّامين القتلة (متى 21: 33-43) حيث يُوضح مسؤولية اليهود الجسيمة في عدم الأمانة للعهد وللوعد وخيانتهم، وذلك برفض يسوع المسيح المرسل من قِبَل الله، وبالتالي فقدان مسؤوليتهم في قيادة شعب الله وبالتالي دينونتهم. ومن هنا تكمن اهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته. أولا: وقائع النص الانجيلي (متى 21: 33 -43) 33 "إِسمَعوا مثلاً آخَر: غرس ربّ بيت كرماً فسيّجه، وحفَرَ فيه مَعصَرَةً وبَنى بُرجاً، وآجَرَه بَعضَ الكرَّامين ثُمَّ سافَر" تشير عبارة "إِسمَعوا مثلاً آخَر" الى مثَلَ يتحدّث بشكل رمزي عن مقتل الابن، إذ أراد الفريسيون الانصراف عن المسيح فلم يسمح لهم بذلك قبل ان يُسمعهم كلام التوبيخ والانذار مُبينا لهم من خلال المثل العقاب الذي سيجلبونه على أنفسهم بعصيانهم وقتلهم له. أمَّا عبارة "غرس" فتشير الى محبة ربِّ البيت لكرمه وعنايته الفائقة واهتمامه المتواصل كما ورد في سفر أشعيا: "كانَ لِحَبيبي كَرْمٌ في رابِيَةٍ خَصيبة وقد قَلَّبَه وحَصَّاه وغَرَسَ فيه أَفضَلَ كَرمِه وبَنى بُرجاً في وَسَطِه وحَفرَ فيه مَعصَرَةً وآنتَظَرَ أَن يُثمِرَ عِنباً فأَثمَرَ حِصرِماً بَرِّيّاً" (أشعيا 5: 2). ولكن يا لها من خيبة امل ويعلق القدّيس ايرينيوس اللِّيونيّ "لقد غرس الله كرمة الجنس البشري حين جبل آدم من تراب" (تكوين 2: 7) وحين اختار الآباء من بعده" (ضد الهرطقات، الفصل 4). أمَّا عبارة "ربّ بيت" في الأصل اليوناني Ἄνθρωπος ἦν οἰκοδεσπότης (معناها كان انسان رب بيت) فتشير الى الله تعالى، وقد سُمّيَ إنساناً نظراً لمحبته للبشر. وأنَّه رجل غيور، يحُب كرْمه، ويتوقع ان يُعطيه غلة وافرة؛ ودُعي رب بيت لأنه كما أن رب البيت يعتني بأهل بيته كذلك يعتني هو بخليقته. أمَّا عبارة "الكرْم " فتشير الى رمز مأخوذ من أشعيا حيث يقول أنَّ إسرائيل كرم الله " إَنَّ كَرمَ رَبِّ القواتِ هو بَيتُ إِسْرائيل وأُناسُ يَهوذا هم غَرْسُ نَعيمِه"(أشعيا 5: 7). وصورة الكرم او الكرمة كثيرا ما تستعمل في كتب العهد القديم للدلالة على اسرائيل كشعب لله. يترنم صاحب المزامير بقوله " مِن مِصرَ اقتَلَعتَ كَرمَةً ولتَغرِسَها طَرَدتَ أمَمًا مَهَّدتَ لَها فأَصَّلَت أُصولَها ومَلأَتِ الأَرض " (مزمور 80: 9-10)؛ وإن هوشع هو اول من وصف بني اسرائيل بالكرْمة التي اختارها الله ثم نبذها (هوشع 10: 1) وتبعه ارميا (2: 21) وحزقيال (15: 1-8) وثم أشعيا (5: 2)؛ وأخيرا في العهد الجديد نجد المثل في إنجيل لوقا "غَرَسَ رَجُلٌ كَرْماً فآجَرَه بَعضَ الكَرَّامين وسافَرَ مُدَّةً طَويلة" (لوقا 20: 9). ويسوع ينقل هذا الموضوع الى مثل الكرامين القتلة ويضعه في صيغة تطبيقية جديدة. فالكرْم يُشير أيضا الى ملكوت الله على الأرض أي الكنيسة؛ دعا الله أولا إبراهيم من بين النهرين وأبتدأ تأسيس الكنيسة في عائلته، ثم اتى بنسله من مصر واسكنه ارض كنعان وفرض لهم رموزا امتازوا بها عن سائر الأمم. وفعل ذلك كله ليجعله شعبا مقدسا مثمرا في كل عمل صالح. أمَّا عبارة " فسيّجه وحفَرَ وبَنى " فتشير الى فعل كل ما يحق ان ينتظر من أصحاب الكروم ليكون ذلك الكرم مُخصبا محفوظا حتى صحّت نبوءة أشعيا فيه " أَيّ شَيءٍ يُصنَعُ لِلكَرْمِ ولَم أَصنَعْه لِكَرْمي؟ " (أشعيا 5: 4)، وفي ذلك قال بولس الرسول يطبقه على بني اسرائيل " أُولئِكَ الَّذينَ هم بَنو إِسرائيل ولَهُمُ التَّبَنِّي والمَجْدُ والعُهود والتَّشريعُ والعِبادَةُ والمَواعِدُ " (رومة 9: 4). أمَّا عبارة " فسيّجه " فتشير الى سور من شوك، أو حائط للوقاية والحماية من هجمات الوحوش البرية (مزمور 80: 12-13)، فالسياج يرمز الى الشريعة التي كانت تسور حول شعب الله ويردعهم عن الخطايا، اما القدّيس ايرينيوس اللِّيونيّ له تعليق آخر يقول: " لقد أقام حوله سياجًا أي أنّه حدّد لهم الأرض التّي عليهم فلاحتها"(ضد الهرطقات، الفصل 4). أمَّا عبارة "المَعْصَرَة " فتشير الى مكان إستخراج العصير من الكرمة وذلك من خلال حوضٍ الدَّوْس وجُرن جمع العصير وجرن العصير وجرن صغير للجرار؛ فجُرن الدوس هو مسطبةٌ منحوتةٌ في الصَّخرِ تميلُ قليلاً باتِّجاه جُرنِ جمعِ العصير. على هذا الحوضِ كانتْ تُوضَعُ عناقيدُ العِنَبِ، وعليها كانَ يُداسُ بالأَرْجُلِ مِن أَجلِ عصْرِها. أمَّا جُرْنُ جمعِ العصيرِ هو جُرنٌ منحوتٌ في الصَّخرِ ، كان يجري العصيرُ إِليهِ مِن حوضِ الدَّوْسِ الذي يميلُ بِعَدَدٍ قليلٍ مِنَ الدَّرجاتِ نحوَ ذلكَ الجُرْنِ، مِن أَجل تسهيلِ جَرَيَانِ العصيرِ إِليهِ، وفي جُرنُ خزنِ العصيرِ كانَ يُخْزَنُ عصيرُ العَنَبِ ريثما كانَت تُمْلأُ بِهِ الجِرَارُ، وشكلُ هذا الجُرْنِ دائِريٌّ تقريبًا، وأمَّا الجُرنٌ الصغيرٌ لِلْجِرَارِ هو حُفرةٌ صغيرةٌ دائِريَّةٌ تقريبًا منحوتةٌ في الصَّخرِ بِها كانتْ تُوضعُ وتُثَبَّتُ الجِرَارُ التي كانتْ تُمْلأُ بِالعصيرِ، وهذه المعصرة لا تزال ظاهرة في كثير من أراضينا في فلسطين؛ وأمَّا عبارة "البرج" فتشير الى مظلة من الخشب على منصة عالية للحارس، وقد تكون مبنية من حجارة وتدعى في فلسطين "قصر"، وهي بمثابة عليّة في الكروم أو البساتين لأجل التنزه أو لتكون ملجأ للناطور أو (الحارس) (2 مكابي 26: 10) يأوي إليها إذا هطلت الأمطار وتستخدم لمراقبة الكرم وإبعاد عابري السبيل عنه وحماية العنب في مواسمها وكان الناس يقضون اشهر الصيف فيها. وكان علو هذه الأبراج أحياناً ثمانية عشر مترا وعرضها ثلاثة أمتار. والبرج هنا يرمز الى الهيكل الذي كان يصون الشعب كما يصون البرج الكرم، ويعلق القدّيس ايرينيوس اللِّيونيّ " بنى فيه برجًا أي إنّه اختار أورشليم؛ وحفر فيه معصرة أي إنّه حضّر أولئك الّذين سينالون روحًا نبويّة "(ضد الهرطقات، الفصل 4). وكل هذه الإجراءات هي اجزاء ضرورية في المثل تظهر عناية صاحب الكرم الشديدة ومحبته لكرمه. أمَّا عبارة "آجَرَه " فتشير الى عادة أصحاب الحقول والكروم ان يسلموها الى العمال بشرط ان يؤدي أولئك العمال اربابها جزء من الغلة. وعلى هذا المنوال سلم الله بعض المسؤوليات للإنسان، إذ فوّض الله إليه امر الكرْم، أي ملكوت الله على الارض كما فوّض اليه منذ بدء الخليقة العمل في العالم: "اِنْموا واَكْثُروا وأمْلأُوا الأَرضَ وأَخضِعوها وَتَسَلَّطوا على أَسْماكِ البَحرِ وطُيورِ السَّماءِ وَكُلِّ حَيَوانٍ يَدِبُّ على الأَرض" (التكوين 1: 28)؛ أمَّا عبارة " بَعضَ الكرَّامين" فتشير الى مهنة الكرام التي تمتاز عن مهنة الفلاح (2 ملوك 25: 12). وتدل العبارة هنا على المسؤولين عن شعب إسرائيل خاصة قادتهم الدينيين من رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ (مرقس 11: 21). ويعلق القدّيس ايرينيوس اللِّيونيّ " سلّم كرمه إلى عناية الكرّامين عندما أعطى الشريعة الّتي نشرها النبيّ موسى"(ضد الهرطقات، الفصل 4). أمَّا عبارة " سافَر " فتشير الى تنقُّلِ مِنْ بَلَدِهِ، وهي تدل على علاقته بالكّرامين كعلاقة من هو مسافر عنهم في رحلة بعيدة. ومع هذا كان مهتمّا بكرْمه، ويشغِل ذهنه به. ويرمز حضور رب الكرم وسفره الى وجود الله واحتجابه كما كان الحال في مسيرة الشعب في صحراء سيناء حيث ظهر الله للشعب أربعين سنة بعلامات مختلفة (عمود سحاب والنار والمن) ولكن بعد اقامتهم بأرض كنعان احتجب عنهم. تكشف هذه الآية حُب واهتمام رب البيت واعتناءه بكرمه وتسليمه للعمّال جاهزًا. أنه عمل كل ما يُمكن عمله من أجل أن يعطي كَرْمه ثماراً. وكان ينتظر هذه الثمار بفارغ الصبر. 34 "فلمَّا حانَ وَقتُ الثَّمَر، أَرسَلَ خَدمَه إِلى الكَرَّامينَ، لِيَأخُذوا ثَمَرَه" تشير عبارة "فلمَّا حانَ وَقتُ الثَّمَر" الى وقت معين في كل سنة لقطف ثمار الكرم، إذ هناك اتفاق سابق بين صاحب الكرم والكَرَّامينَ الذين يتوجب عليهم ان يؤدُّوا الثمر في حينه. كذلك لله حقٌ ان يسأل شعبه ثمار الشكر والطاعة والعبادة والمحبة في كل حين كما اشار يسوع في مثل التينة التي لا تثمر " فقالَ لِلكَرَّام: ((ِإنِّي آتي مُنذُ ثَلاثِ سَنَواتٍ إِلى التِّينَةِ هذه أَطُلبُ ثَمَراً علَيها فلا أَجِد، فَاقطَعْها! لِماذا تُعَطِّلُ الأَرض؟" (لوقا 13: 7). أمَّا عبارة " أَرسَلَ خَدمَه إِلى الكَرَّامينَ " فتشير الى الكَرَّامينَ الذين لم يعطوا أي خبر الى رب البيت عن الكرم، لهذا أرسل لهم رُسُلاً من قبله كي يأتوه بالثمار؛ ويعلق القدّيس ايرينيوس اللِّيونيّ "أرسل لهم الأنبياء قبل سبي بابل وأكثر منهم من بعد السبي لكي يطالبهم بالثمار"(ضد الهرطقات، الفصل 4). أمَّا عبارة "خَدمَه" فتشير الى أنبياء العهد القديم الذين انتهوا في يوحنا المعمدان حيث ارسلهم الله لإحياء الايمان في وعوده لمجيء المسيح المُخلص؛ وانتظروا كلهم ان يجدوا ثمر التوبة والبِر كما جاء في عظة يوحنا المعمدان "فأَثمِروا إِذاً ثَمَراً يَدُلُّ على تَوبَتِكم"(لوقا 3: 8). أمَّا عبارة "لِيَأخُذوا ثَمَرَه " فتشير الى تأدية حساب ثمر الكرْم، اما انجيل مرقس فيركز على جزء منه فقط الذي هو نصيبه: " لَمَّا حانَ وقتُ الثَّمَر، أَرسلَ خادِماً إِلى الكَرَّامين، لِيأخُذَ مِنهُم نَصيبَه مِن ثَمَرِ الكَرْم " (مرقس 12: 2)، وهكذا تظهر الأمانة للعهد (متى 21: 41-43). فلم يسأل الله الناس أكثر مما يحق له ان يطلبه فيطلب ثمار البر على قدر ما يعطيهم من النعم وفرص التوبة والبركات الروحية. هل نسمح لرسل الرب أن يحصلوا منا على ثمار كرمه؟ 35 "فأَمسَكَ الكرَّامونَ خَدَمَه فضرَبوا أَحدَهم، وقتَلوا غيرَه ورَجَموا الآخَر" تشير عبارة "أَمسَكَ الكرَّامونَ خَدَمَه" الى كَرَّامينَ أشرّار وعصاة وقساة القلوب الذين رفضوا وجود علاقة مع صاحب الكرْم، وذلك برفضهم خَدَمَه، إذ اعتبروا أنفسهم أصحاب الكرْم، ولم يُصغوا للكلمة كما قال فيهم أشعيا النبي "يا رب مَنِ الَّذي آمَنَ بِما سَمِعَ مِنَّا" (أشعيا 53: 1). وهؤلاء يرمزون الى قادة اليهود الدينيين وبهذا يصف المثل اضطهاد الأنبياء ورفضهم من قبل قادة الامة الدينيين. أمَّا عبارة " خَدَمَه " فتشير الى الأنبياء الذين ارسلهم الله في ازمة مختلفة ليدعوا الناس الى الله الواحد. أمَّا عبارة " ضرَبوا، قتَلوا، رَجَموا" فتشير الى تطبيق كلام يسوع على عمل اليهود بالأنبياء في درجة أولى: " أورَشَليم أُورَشَليم، يا قاتِلَةَ الأَنبياءِ وراجِمةَ المُرسَلينَ إِليها! " (لوقا 13: 24) وردت هذه النبوءة على لسان ارميا النبي " وقَد أَرسَلتُ إِلَيكم جَميعَ عَبيدِيَ الأَنبِياء بِلا مَلَلٍ قائِلاً: لا تَصنَعوا قَبيحَةً مِثلَ هذه، فإِنِّي أَمقُتُها" (ارميا 44: 4). أمَّا عبارة "فضرَبوا" فتشير الى معاملة الذين جُلدوا الرسل (اعمال الرسل 5: 40)؛ وامَّا عبارة "قتَلوا" فتشير الى الذين قتلوا زكريا بين الهيكل والمذبح (متى 23:35 وأيام الثاني 24:2) والذين قتلوا يعقوب الرسول (اعمال الرسل 12: 2)؛ وأمَّا عبارة "رَجَموا الآخَر" فتشير الى الذين رجموا إرميا النبي في مدينة بمصر ورجموا إسطفانس أيضا (اعمال الرسل 7: 85-95)، كما تذكرنا هذه الآية ما ورد في رسالة العبرانيين "رُجِموا ونُشِروا وماتوا قَتْلاً بِالسَّيف وهاموا على وُجوهِهِم" (العبرانيين 11: 37). ونجد هنا العنف كنتيجة للرفض. ويستمر هذا الرفض والتنكر حتى يومنا هذا. 36 "فأَرسَلَ أَيضاً خَدَماً آخَرينَ أَكثرَ عَدداً مِنَ الأَوَّلينَ، ففَعلوا بِهِم مِثلَ ذلِك". تشير عبارة "خَدَماً آخَرينَ" الى ارسال خَدَماً أمناء ليطلبوا المحصول من العنب والفاكهة من مخازن كرْمه. وهؤلاء يمثلون هنا جماعة الرسل القديسين، والمُبشِّرون بالوصايا الإنجيلية وخّدَم العهد الجديد. أمَّا عبارة "ففَعلوا بِهِم مِثلَ ذلِ" فتشير الى رفضهم أن يُسلّموا الخَدَم الّذين أُرسلهم صاحب الكرم كي يأخذوا ما يحقّ له من المحصول، لا بل عاملوهم بعنف إمّا بالضرب او القتل او الرجم. كذلك أرسل الرب أنبياء كثرين حتى أيام يوحنا المعمدان وقد أصابهم ما أصاب سوابقهم. وأرسل صاحب الكرْم خدمه على مراحل ثلاث مختلفة. 37 "فأَرسَلَ إِليهِمِ ابنَه آخِرَ الأَمرِ وقال: سيَهابونَ، ابْني". تشير عبارة " فأَرسَلَ إِليهِمِ ابنَه آخِرَ الأَمرِ " الى ارسال رب الكرم ابنه الذي كان نهاية الوسائط إذ رأى ان لا نفع من ارسال خَدَمة آخرين، كذلك الله إذ لم يجد نفعا في ارسال أنبياء آخرين لان اليهود اضطهدوا الانبياء الاولين وقتلوهم فأرسل ابنه الحبيب مع الامل ان يقبلوه بإكرام كما يقبلون الآب " فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة ” (يوحنا 3: 16). أمَّا عبارة " ابنَه" فتشير الى ابن رب البيت، صاحب الكرْم، والابن غير الاجير. اهميته ان لديه كرامة الأب وهو صاحب الميراث وان كل السلطة ستؤول اليه. وهو يُمثل هنا يسوع المسيح، الابن الوحيد المحبوب والوارث الذي له كل سلطان كما جاء في إنجيل مرقس "بَقِيَ عِندَه واحِدٌ وهو ابنُه الحَبيب" (مرقس 12: 6). أرسل الله الابن كواحد بين الخَدَم كي يدعو الذين يؤمنون به إلى شركة في مملكته فيكون مالكًا معهم كما جاء في انجيل يوحنا "ظَهَرَت مَحبَّةُ اللهِ بَينَنا بان أَرسَلَ ابنَه الوَحيدَ إِلى العالَم لِنَحْيا بِه" (1 يوحنا4: 9). إنّه يُضحي بأثمن ما لديه كما ورد في الإنجيل "فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد" (يوحنا 3: 16). لا حدَّ لمحبة الله للإنسان. أمَّا هؤلاء فقد أرادوا نوال المملكة بمفردهم دونه مغتصبين لأنفسهم الميراث. أمَّا عبارة " سيَهابونَ، ابْني " فتشير الى ثقة صاحب الكرم بالكَرَّامينَ وإمكانية الجديدة التي يقدّمها للكَرَّامينَ وعدم فقدان الأمل بحيث يهاب الكرَّامون ان يعاملوا الابن كما عاملوا الخَدَم فيسمعون له ويُطيعونه كما يليق بشرفه ومقامه. فالمسيح اثبت في كل ذلك أفضليته على كل الأنبياء في كل عصر. والله يعلم منذ الازل كيف يعامل الناس ابنه وبالرغم ذلك ارسله فكان عليهم أن يستقبلوا ابنه وليبين الإيمان الذي كان واجباً على اليهود أن يقابلوه به والاحترام الذي كان واجباً أن يقدموه له. فإنه كان واجباً عليهم لدى سماعهم تعليمه ومشاهدتهم عجائبه ان يؤمنوا به ويحترموه. لكنهم لم يظهروا أي شيء من هذا القبيل، بل قتلوه لذلك لم يبقى لهم عذر. ونجد البعد المسيحاني للمثَل. 38 "فلَمَّا رَأَى الكرَّامونَ الابنَ، قالَ بَعضُهم لِبَعض: هُوَذا الوارِث، هَلُمَّ نَقتُلْهُ، ونَأخُذْ مِيراثَه. تشير عبارة "فلَمَّا رَأَى الكرَّامونَ الابنَ، قالَ بَعضُهم لِبَعض" الى تآمر الكَرَّامينَ على الابن عندما رأوه خلافا لما توقعه رب الكرم منهم. وفعلوا ذلك إمَّا لأنهم لم يخافوا رجوع رب الكرم، وإما لأنهم أغمضوا اذهانهم عن النظر في عاقبة شرَّهم. كذلك تآمر اليهود على قتل يسوع ورفضوا انه مسيحهم وملكهم وعرَّضوا أنفسهم لعواقب نتيجة افعالهم الهائلة. فتشاور اليهود في قتل يسوع المسيح كما ورد في إنجيل يوحنا "عقَدَ عُظَمَاءُ الكَهَنَةِ والفِرِّيسيُّونَ مَجلِساً وقالوا: ((ماذا نَعمَل؟ فإِنَّ هذا الرَّجُلَ يَأتي بِآياتٍ كثيرة... فعَزَموا مُنذُ ذلك اليَومِ على قَتْلِه"(يوحنا 11: 47، 53). أمَّا عبارة "هُوَذا الوارِث" فتشير الى إدراك خطورة ما فعل الكرَّامون ، إنهم لم يقتلوه صدفة بل بحرية ورضى معرفة انه الوارث، فبعد ان عارض الرؤساء اليهود الأنبياء ، مرسلي الله، لم يبقَ لهم سوى ان يقتلوا الابن وهو يسوع المسيح، وامَّا كون المسيح وارثا فبيَّنه صاحب الرسالة الى العبرانيين بقوله في المسيح ان الله " كَلَّمَنا الله في آخِرِ الأَيَّام هذِه بِابْنٍ جَعَلَه وارِثًا لِكُلِّ شيء وبِه أَنشَأَ العالَمِين " (العبرانيين 1: 2) ؛ ، اما عبارة "ّنَقتُلْهُ، ونَأخُذْ مِيراثَه " فتشير الى طمع العمّال واستغلالهم طيبة ربّ الكرم وثقته . إذ اعتقدوا أنّهم أصحاب الكرم ويريدون التحكّم بالابن وسيأخذون ميراثه من خلال قتل الوريث الشرعي، فيتمكنوا من أن يصبحوا الورثة، دون أن يكونوا أبناء. كذلك راي عُظَمَاءُ الكَهَنَةِ والفِرِّيسيُّونَ ان لا طريق لحفظ سلطانهم على الشعب الاَّ قتل المسيح لان دعوى المسيح تبطل دعواهم كما جاء في تصريحهم:" فإذا تَركْناهُ وشَأنَه آمَنوا بِه جَميعاً، فيأتي الرُّومانِيُّونَ فيُدَمِّرونَ حَرَمَنا واُمَّتَنا" (يوحنا 11: 48)؛ وتدل هذه الاحداث على ما حصل مع يسوع إذ اخرجوا يسوع من الكرم، أي خارج اورشليم، وقتلوه. وعملوا به ما أرادوا. ولكن هذا الابن الذي يُقتل يقوم. نعيش حياتنا أحيانا متوهمين أنها ملكية خاصة وأبدية وأننا المرجع الوحيد لوجودنا، ومن هذا المنطلق نبني كل خياراتنا حول محور الـ “أنا” وكأن كل شيء منا ولنا متناسين الله الخالق والواهب كل شيء. أمّا عبارة "يأخذوا ميراثه" فتشير الى كشف عمّا يختلج في صدور الكرَّامين، وهو اخذ الميراث. 39 فأَمسَكوهُ وأَلقَوهُ في خارِجِ الكَرْمِ وقتَلوه تشير عبارة "أَلقَوهُ في خارِجِ الكَرْمِ وقتَلوه" الى الابن الذي أُلقي في الخارج ويعاني نفس مصير الآخرين، ولا يتم النظر إليه كابن صاحب الكرمة وقُتل، وفي ذلك دليل رمز ان يسوع صُلب خارج أسوار اورشليم المدينة المقدسة، ثم قُتل؛ كذلك في انجيل لوقا ينص "أَلقَوهُ في خارجِ الكَرمِ وقَتلوه" (لوقا 20: 15) مما يدل على احتقار للمقتول. امَّا في انجيل مرقس فان الابن يُقتل ثم يُلقى في الخارج "فأَمسَكوهُ وقتَلوه وأَلقَوْهُ في خارِجِ الكَرْم"(مرقس 12: 8). وهنا يشير الى وكانت لعادة الجارية عند اليهود انهم يجرُّون المحكوم عليهم بسبب التجذيف خارج المدينة ويقتلونه كما جاء في شريعة موسى "خرِجِ اللاَّعِنَ إِلى خارِجِ المُخَيَّم، ولْيَضَعْ كُلُّ مَن سَمِعَه أَيدِيَهم على رأسِه، ولْتَرجُمْه كُلُّ الجَماعة" (الاحبار 24: 14-16)، وهكذا فعلوا مع اسطفانس اول شهداء المسيحية إذ "دَفعوهُ إِلى خارِجِ المَدينة وأَخَذوا يَرجُمونَه"(اعمال الرسل 7: 85). ويشبِّه متى الإنجيلي موت يسوع بموت الأنبياء. فالسيِّد المسيح يكشف لرؤساء اليهود أنهم عبر التاريخ كلّه لم يكونوا فقط غير عاملين، وإنما مضطهِدين لرجال الله في أعنف صورة، حتى متى جاء ابن الله نفسه الوارث أُخرجوه خارج أورشليم ليقتلوه! وهنا يصبح المثل نبويا عن الصليب ورفض المسيح من شعبه. أمَّا عبارة " خارِجِ الكَرْمِ " فتشير الى رفض اليهود المسيح وقتلهم إياه، ورأى البعض انها تدل على تسليم يسوع الى الأمم ليصلبوه كما فسّر البعض الآية " ساقوا يَسوعَ مِن عِندِ قَيافا إِلى دارِ الحاكِم. وكانَ ذلكَ عِندِ الفَجْر، فلَم يَدخُلوا دارَ الحاكِمِ مَخافَةَ أَن يَتَنَجَّسوا فلا يَتَمَكَّنوا مِن أَكْلِ الفِصْح" (يوحنا 18: 28). أمَّا عبارة "وقتَلوه" فتشير الى عظمة الشر الذي بلغه الكرامون وهوانه اهانوا ابن صاحب الكرم. 40 "فماذا يَفعَلُ رَبُّ الكَرْمِ بِأُولئِكَ الكَرَّامينَ عِندَ عَودَتِه؟ تشير عبارة "ماذا يَفعَلُ رَبُّ الكَرْمِ بِأُولئِكَ الكَرَّامينَ عِندَ عَودَتِه؟ الى سؤالٍ طرحه يسوع على خصومه يدور حول رجوع رب الكرم ليحاكم الكَرَّامينَ الاشرار. وغايته من سؤاله إياهم عمَّا يفعله رب الكرمة عند مجيئه وبجوابهم يدينوا أنفسهم ويسلموا بان الدينونة التي ستقع عليهم هي مما يقتضيه العدل. أمَّا في انجيل لوقا نجد أن ربَّ الكرْم يُحدّث فيه نفسه: " فقالَ رَبُّ الكَرْم: ماذا أَصنَع؟" (لوقا 19: 13)، وهكذا يؤكد لوقا الإنجيلي أن رب الكرْم قد مارس كل رقَّة ورعاية مع كرْمه، لكنّه لم ينتفع الكَرَّامينَ بشيء، لهذا يقول: ماذا أَصنَع؟ ان جواب أشعيا كان قاسيا: " فَالآنَ أُعَرِّفُكُمْ مَاذَا أَصْنَعُ بِكَرْمِي: أَنْزِعُ سِيَاجَهُ فَيَصِيرُ لِلرَّعْيِ. أَهْدِمُ جُدْرَانَهُ فَيَصِيرُ لِلدَّوْسِ. وَأَجْعَلُهُ خَرَابًا لاَ يُقْضَبُ وَلاَ يُنْقَبُ، فَيَطْلَعُ شَوْكٌ وَحَسَكٌ. وَأُوصِي الْغَيْمَ أَنْ لاَ يُمْطِرَ عَلَيْهِ مَطَرًا" (أشعيا 5، 5-6). أمَّا جواب يسوع فاتَّخذ من رفض الكَرَّامينَ فرصةً لإظهار محبّته وعطائه لآخرين من الوثنيين واليهود لتتميم هذا المخطط. ولم يمنع رفض الكَرَّامينَ من تنفيذ الله مُخطّط عهده مع الإنسان. 41 قالوا له: يهلك هؤلاء الأَشرارَ شَرَّ هَلاك، ويُؤجِرُ الكَرْمَ كَرَّامينَ آخَرينَ يُؤَدُّونَ إِليهِ الثَّمَرَ في وَقْتِه" تشير عبارة "قالوا له " الى جواب الخصوم أي الكتبة والفريسيين الذي به يحكمون على نفوسهم بأنفسهم. إذ تنكَّر بنو اسرائيل للرب وأنبيائه وابنه يسوع مما أدّى الى ظهور شعب الله الجديد الذي يُعهد اليه للعمل في كرْمه. فقد أصدر يسوع الحكم عليهم من أفواههم، وهكذا بلغ بهم السيِّد إلى النتيجة، ألا وهي الحاجة إلى هدْم البناء القديم ليقوم ملكوت الله على أساس جديد. أمَّا عبارة " يهلك هؤلاء الأَشرارَ شَرَّ هَلاك" فتشير دينونة الكَرَّامينَ اليت تنبأ عنا أشعيا: "الرَّبُّ آنتصَبَ لِلآتِّهام وقامَ لِيَدينَ الشُّعوب. الرَّبُّ يَدخُلُ في المُحاكَمة مع شُيوخِ شَعبه ورُؤَسائِهم: ((إِنَّكم أنتُم أَتْلَفْتُمُ الكَرْم وسَلْبُ البائِسِ في بُيوتِكم" (أشعيا 3: 13-14). ولذلك فإن الشعب اليهودي خسر مكانته، وحلّت محله الكنيسة، التي صارت كرْم الرب بما فيها من وثنيين اهتدوا الى الايمان. وهنا يصبح هذا المثل نبويا في شأنه عن الدينونة، تلك الدينونة التي حلت بالأمَّة اليهودية عندما خربت اورشليم سنة 70م. وما حصل لأهلها من قتل وتشريد كما جاء في راي بعض مفسّري الكتاب المقدس. أمَّا عبارة "كَرَّامينَ آخَرينَ " فتشير الى انتقال امتيازات الشعب اليهودي الى الأمم "إِنَّ مَلكوتَ اللهِ سَيُنزَعُ مِنْكُم، ويُعطى لأُمَّةٍ تُثمِرُ ثَمرَه" (متى 21: 43) ويلمِّح بولس الرسول الى اسرائيل الجديدة، "إسْرائيلِ الله " (غلاطية 6: 16)، وهي تتكوَّن من اليهود والامم. وهكذا أُخذت قيادة الملكوت من رؤساء الدين اليهودي الرسميِّين وأعطيت لتلاميذه الذين كوّنوا نواة الامة الجديدة التي تبنّت أثمار الملكوت (متى 21: 43). ويُعلق القدّيس ايرينيوس اللِّيونيّ "لذلك أوكل الربّ كرمه – الّذي لم يَعدْ ضمن الأسوار إنّما أصبح يشمل العالم أجمع – إلى كَرَّامينَ آخَرينَ يُؤَدُّونَ إِليهِ الثَّمَرَ في وَقْتِه. أمَّا عبارة "يؤجِرُ الكَرْمَ كَرَّامينَ آخَرينَ" فتشير الى الحكم على الكَرَّامينَ الذي يأتي من فم رؤساء اليهود والفريسيين أنفسهم ما يدل على قوة الحكم عليهم. ويَكمن الحكم الى تأجير كَرَّامينَ آخرين، الذين قبلوا الابن، واعترفوا به انه صاحب الميراث. أنها دعوة الأمم (رومة 11 11-25) وجماعة الرسل القدّيسين، والمُبشّرين بالوصايا الإنجيليّة وخدّام العهد الجديد الذين يعرفون كيف يقودون الناس بموجب شريعة الله ووصاياه. وفي هذا الصدد يقول النبي أشعيا مشيراً إلى مُبشري العهد الجديد "أمَّا أنتم فتُدعون كهنة الرب، تُسمُّون خدّام الله" (أشعيا 61: 6). وقد أُعطيَ الله الكرْم لكرّامين آخرين، ليس فقط للرسل القدّيسين، وإنما أيضًا للذين جاءوا بعدهم، كما جاء على لسان أشعيا عن كنيسة الأمم وعن بقيّة إسرائيل "يَقِفُ الأَجانِبُ ويَرعَونَ غَنَمَكم ويَكونُ بَنو الغَريبِ حُرَّاثَكم وكَرَّاميكم" (أشعيا 61: 5). وهكذا خسر الشعب اليهودي مكانته، وحلَّت محله الكنيسة، التي صارت كرْم الرب بما فيها من يهود ووثنيين اهتدوا الى الايمان. ويُعلّق القدّيس كيرلّس المخلّص يسوع المسيح هو الحجر المختار وقد رذله هؤلاء الذين كان يجب عليهم بناء مجمع اليهود، وقد صار رأس الزاوية أي حجر القمة الذي يربط آخر طبقة من الحجارة معًا (مزمور 118: 22، زك 4: 7). يشبِّهَه الكتاب المقدّس بحجر زاوية، لأنه يجمع الشعبين معًا: إسرائيل والأمم في إيمان واحد وحب واحد". وفي هذا الصدد قال بولس الرسول "أَلغى شَريعةَ الوَصايا وما فيها مِن أَحكام لِيَخلُقَ في شَخْصِه مِن هاتَينِ الجَماعتَين، بَعدَما أَحَلَّ السَّلامَ بَينَهما، إِنسانًا جَديدًا واحِدًا " (أفسس 2: 15)؛ أمَّا عبارة "يُؤَدُّونَ إِليهِ الثَّمَرَ في وَقْتِه" فتشير الى الأمانة للعهد، وذلك بتأدية حساب ثمر الكرْم. ينزع الله وسائط النعمة ممن لا يستعملونها كما ينبغي ويعطيها غيرهم فان كان هؤلاء امناء بقيت تلك الوسائط لهم. وجواب الكتبة والفريسيين هنا نبوءة بمستقبلهم. فاذا لم يكن الذين سُلم إليهم حقوق الله من أثمار كرمه الروحي سلمه الى غيرهم من أصحاب الأمانة. 42 "قالَ لَهم يسوع: أَما قَرأتُم قَطّ في الكُتُب: الحَجَرُ الَّذي رذَلَهُ البنَّاؤُونَ هو الَّذي صارَ رَأسَ الزَّاوِيَة. من عِندِ الرَّبِّ كانَ ذلك وهو عَجَبٌ في أَعيُنِنا" تشير عبارة "أَما قَرأتُم قَطّ في الكُتُب" الى الاستشهاد بالكتاب المقدس (رومة 1: 2)، وبالتحديد بسفر المزامير "الحَجَرُ الَّذي رَذَلَه البَنَّاؤون قد صارَ رأسَ الزَّاوِيَة. مِن عِندِ الرَّبِّ كانَ ذلك وهو عَجَبٌ في أَعيُينا" (مزمور 118: 22-23)؛ وهذ المزمور هو أحد مزامير التهليل التي يُنشد في عيد الفصح، ويُعد مزمورا مسحانياً. وقد هتفت الجماهير بهذا المزمور "هوشعنا " لدى دخول يسوع المسيح الى اورشليم منتصرا، مشيرةً الى مجده. وهذا المزمور مستوحى من النبي أشعيا " ذلك قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: ها إِنِّي واضِعٌ حَجَراً في صِهْيون حَجَراً مُمتَحِناً، رَأسَ زاوِيَةٍ كَريماً أَساساً مُحكَماً مَن آمَنَ بِه لَن يَتَزَعزَع "(أشعيا 28: 16). ولقد بادرت الجماعة المسيحية الناشئة الى تطبيق هذا المزمور على قيامة يسوع، منشئ شعب الله الجديد كمل جاء في كلام بطرس الرسول امام المجلس اليهودي "هذا هو الحَجَرُ الَّذي رَذَلتُموه أَنتُمُ البَنَّائين فصارَ رَأسَ الزَّاوِيَة"(اعمال الرسل 4: 11)، وفي كلمته أيضا إلى “المُخْتارينَ الغُرَباءِ المُشَتَّتينَ في البُنْطِ وغَلاطِيَة وقَبَّدوقِيَة وآسِيَة وبِتييِيَة قال بطرس الرسول "اقتربوا مِنه فهو الحَجَرُ الحيُّ الَّذي رَذَلَه النَّاس فاختارَه الله وكانَ عِندَه كَريمًا " (1 بطرس 2: 1، 4). أمَّا عبارة "الحَجَرُ " الى " تغير الاستعارة من الكرْمة الى حجر الزاوية الذي هو يسوع المسيح" الذي رذله البناؤون واعتبروه غير صالح للبناء "هذا هو الحَجَرُ الَّذي رَذَلتُموه أَنتُمُ البَنَّائين فصارَ رَأسَ الزَّاوِيَة (اعمال الرسل 4: 11). امَّا عبارة " الحَجَرُ الَّذي رذَلَهُ البنَّاؤُونَ " فتشير الى حجر ضخم وجده البنّاؤون عندما أرادوا بناء هيكل سليمان، فظنّوا أنه لا يصلح لشيءٍ فاحتقروه، ولكن لمّا احتاجوا إلى حجر في رأس الزاوية لم يجدوا حجرًا يصلح مثل ذلك الحجر. وكان ذلك رمزًا للسيِّد المسيح الذي احتقره رجال الدين اليهودي، ولم يعلموا أن الحجر الذي يربط بين الحائطين في الهيكل الجديد، يضم فيه من هم من اليهود ومن هم من الأمم، ليصير الكل أعضاء في الملكوت الجديد. كما جاء في تعليم بولس الرسول عن المسيح " إِنَّه سَلامُنا، فقَد جَعَلَ مِنَ الجَماعتَينِ جَماعةً واحِدة وهَدَمَ في جَسَدِه الحاجِزَ الَّذي يَفصِلُ بَينَهما، أَيِ العَداوة" (أفسس 2: 14)؛ أمَّا عبارة " البنَّاؤُونَ" فتشير الى المسؤولين في الامة اليهودية وسيما شيوخ اليهود ذلك العصر الذين ابوا ان يقبلوا يسوع مسيحا لهم (اعمال الرسل متى 4: 11) وسبب رفضهم يسوع انه كان من عائلة فقيرة وكان متواضعا محتقرا كما وصفه أشعيا النبي "لا صورَةَ لَه ولا بَهاءَ فنَنظُرَ إِلَيه ولا مَنظَرَ فنَشتَهِيَه. مُزدَرًى ومَتْروكٌ مِنَ النَّاس رَجُلُ أَوجاعٍ وعارِفٌ بِالأَلَم ومِثلُ مَن يُستَرُ الوَجهُ عنه مُزدَرًى فلَم نَعبَأْ بِه" (أشعيا 53: 2-3) ، ولم يكن له جاه عالمي ومملكة عالمية. أمَّا عبارة " هو " فتشير الى يسوع المسيح أساسا للكنيسة. أمَّا عبارة "صارَ رَأسَ الزَّاوِيَة" فلا تشير الى حجر العقد اعلى القوس إنما الى حجر الزاوية في البناء عند ملتقى حائطين، وهو عنصر تماسكها، وبدونه البناء معرض للسقوط في اية لحظة. فهو يستخدم كقاعدة لضمان استقامة واستواء سائر احجار البناء، وعليه تعتمد قوة البناء. وان البناء الحقيقي لن يقوم الا بوجوده. وهو يرمز الى المسيح وذلك حسب تعليم القدّيس بولس القائل: "وحَجَرُ الزَّاوِيَةِ هو المسيحُ يسوعُ نَفْسُه" (أفسس 2: 20)، انه أساس الكنيسة على رغم كل مقاومات اليهود (أفسس 19: 22). أمَّا عبارة " عَجَبٌ" فتشيرالى امر حيّر كل من نظر فيه لكونه خلاف ما توقعه أكثر افراد الامة اليهودية. ولا شك فيه ان كل حوادث عمل الفداء هي غاية في العجب مثل تجسد ابن الله وصلبه وقتله وقيامته ونشأة الكنيسة المقدسة الجامعة والرسولية. أمَّا عبارة " هو عَجَبٌ في أَعيُنِنا " فتشير الى صورة عن موت يسوع وقيامته، وهو عمل الله العجيب في مفهوم المسيحيين. وهنا يُرفع الستار عن هوية يسوع، انه الابن الذي اسلمه المسؤولون الى الموت والذي سوف يمجّده الله. يسوع هو العنصر الاساسي لعمل الله الذي يقيم ابنه ويُسلِّم الملكوت الى كرَّامين يعطون ثمرا. فلم يعد القارئ المسيحي يجد نفسه أمام مجرد الإنباء بموت يسوع، إنما انتقل الى عمل الله العجيب في قيامة ابنه يسوع المسيح. ورأت الجماعة المسيحية الأولى في هذا المثل بعد احداث الفصح إنباء خاصا بسر الفصح، فأضافت هذه الآية (متى 21: 42) جاعلة على لسان يسوع آية مزمور "الحَجَرُ الَّذي رَذَلَه البَنَّاؤون قد صارَ رأسَ الزَّاوِيَة" (118: 22)، وأصبح المثل يعبّر عن معنى موت يسوع وقيامته. ومن هذا المنطلق، أصبح المثل نبوياً يدل على النصرة النهائية للابن ورفعته. وعبارة موجزة، المثل هو صورةٌ لرفض المسيح من قبل اليهود، ليصير حجر الاساس للكنيسة المسيحية، وذلك بفعل الله بإقامته من بين الاموات. 43 "لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله سينزع منكم، ويعطى لأمة تثمر ثمره. تشير عبارة "ملكوت الله" الى الكنيسة، وهي العهد بين الله وشعب الله الجديد "تَكونونَ لي شَعباً وأَكونُ لَكم إِلهاً" (ارميا 30 :22).وقد عبَّر متى الإنجيلي في بشارته عن الكنيسة بملكوت الله أربع مرات؛ وعبارة "ملكوت السماء" وردت عشرين مرة. وتعتبر عبارة " ملكوت الله" بين اليهود تجديفا، لأنه يجب ان يُشار الى الله بلفظة "الاسم" وليس بلفظة "الله". لذا نجد هذا التعبير خاص بإنجيل متى في حين استبدلاه مرقس ولوقا بتعبير آخر وهو "ملكوت السماوات". أمَّا عبارة " سينزع منكم " فتشير الى الله الذي ينزع من اليهود كل وسائط النعم والبركات المختصة بشعب الله كاستئمانهم على كلام الله وإرثهم للمواعيد. أمَّا عبارة "أمة" فلا تشير الى الأمم الوثنية، بل الى مجموعة تشبه "الامة المقدسة التي ورد ذكرها في سفر الخروج " وأَنتُم تَكونونَ لي ...أُمَّةً مُقَدَّسة"(خروج 19: 6). ويستعمل القديس بطرس الرسول نفس التعبير بقوله " أَمَّا أَنتم فإِنَّكم ذُرِّيَّةٌ مُختارة وجَماعةُ المَلِكِ الكَهَنوتِيَّة وأُمَّةٌ مُقَدَّسَة وشَعْبٌ اقتَناه اللهُ للإِشادةِ بِآياتِ الَّذي دَعاكم مِنَ الظُّلُماتِ إِلى نُورِه العَجيب. لم تَكونوا بِالأَمْسِ شَعْبَ الله، وأَمَّا الآنَ فإِنَّكم شَعبُه. كُنتم لا تَنالونَ الرَّحمَة، وأَمَّا الآَنَ فقَد نِلتُمُ الرَّحمَة "(1 بطرس 2: 9)؛ أما عبارة "يعطى لأمة تثمر ثمره" فتشير الى صيغة خاصة بمتَّى الإنجيلي حيث سيُسلم ملكوت الله بعد اليوم الى أمة مقدسة جديدة هي الكنيسة. والكنيسة تنوب عن اسرائيل، أي الجيل الجديد (ارميا 7: 28-29). ولذلك فقد انتقلت المواعيد من الشعب اليهودي الى كنيسة المسيح التي هي وارثة الملكوت لتعطي الثمار (1 بطرس 2: 4-10). جاءت خاتمة المثَل، فأعلنت انتقال الملكوت الى شعب يعطي ثمراً. وهكذا لم يفشل مشروع الرب بل سيُعطي كرمه غلة اوفر بإشراف شعب الله الجديد أي الكنيسة المقدسة. 44 من وقع على هذا الحجر تهشم، ومن وقع عليه هذا الحجر حطّمه". تشير عبارة "من وقع على هذا الحجر تهشم" الى قوله تعالى "فيَكونَ لَكم قُدساً وحَجَرَ صَدْم وصَخرَ عِثارٍ لِبَيتَي إِسْرائيل وفَخّاً وشَبَكَةً لِساكِني أُورَشَليمَ فيَعثُرُ به كَثيرونَ ويَسقُطون ويَتَحَطًّمونَ ويُصْطادونَ ويُؤخَذون" (أشعيا 8: 14-15). وذلك يُظهر عواقب رفض الايمان بيسوع المسيح في هذا العالم فاديا، وفي العالم الآخر ديانا. فلا عجب ان يُسمِّي بولس الرسول هذا الحجر "حجر صدم": "هاءَنَذا واضِعٌ في صِهيُونَ حَجَرًا لِلصَّدمِ وصَخْرَةً لِلعِثار، فمَن آمَنَ بِه لا يُخْزى " (رومة 9: 33)، ومن لم يؤمن به يعثر. أمَّا عبارة "من وقع عليه هذا الحجر حطّمه" فتشير الى من عثروا بالمسيح لاتضاعه (أشعيا 8: 11)، أولئك الذين يُبيدهم نهائيا في يوم الدينونة. ويشير دانيال النبي الى هذا الحجر كحجر مسيحاني الذي يسحق ممالك الأرض بقوله " وفي أَيَّامِ هؤُلاءِ المُلوك، يُقيمُ إِلهُ السَّماءَ مَملَكَةً لا تُنقَضُ لِلأَبَد، ومُلكُه لا يترَكُ لِشَعبٍ آخَر، فتَسحَقُ وتُفْني جَميعَ تِلكَ المَمالِك، وهي تَثبُتُ لِلأَبَد" (دانيال 2: 44). لا يقع هذه الحجر للدينونة الاَّ من وقع على ذلك الحجر أولا. فالمسيح "حجر البناء" الآن، يُقدِّم الرحمة والغفران، ولكنه في الدينونة يُصبح "حجرا ساحقاً" يسحق أعداء الله. ومن هذا المنطلق، يجب الاَّ نتوانى في اختياره. ويلمِّح متى الإنجيلي في هذه الآية الى قول أشعيا النبي "فيَكونَ لَكم قُدساً وحَجَرَ صَدْم وصَخرَ عِثارٍ لِبَيتَي إِسْرائيل وفَخّاً وشَبَكَةً لِساكِني أُورَشَليمَ" (أشعيا 8: 14-15)، والمراد بهذه المناداة ان عمل الله هلاك لغير المؤمن، وخلاص للمؤمن كما تنبأ سمعان "ها إِنَّه جُعِلَ لِسقُوطِ كَثيرٍ مِنَ النَّاس وقِيامِ كَثيرٍ مِنهُم في إِسرائيل وآيَةً مُعَرَّضةً لِلرَّفْض" (لوقا 2: 34). ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (متى 21: 28 -32) بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي وتحليله (متى 21: 28 -32)، نستنتج انه يتمحور حول مسؤولية قبول سلطة المسيح او رفض سلطته من خلال مثَل الكَرَّامينَ القتلة. لقد اجاب يسوع من خلال هذا المثل بصورة غير مباشرة على سؤال الرؤساء اليهود حول سلطته (متى 21: 23)، كما أوضح لهم أيضا عن معرفته لخطيئتهم لقتْله، وبالتالي مسؤوليتهم ونقلها الى غيرهم. وجعل متى الإنجيلي هذا المثَل مع الامثال الأخرى مثَل الابنين (متى 21: 28-32) ومثَل وليمة الملك (متى 22: 1-14) في سياق من الصراع بين يسوع ورؤساء الشعب الدينيين. ويُقسَّم المثل قسمين: القسم الأول حُرم سيد الكرْم من ثمار الكرْم التي طالب بها بواسطة أولا خدمه. وفي النهاية بوساطة ابنه (متى 21: 34-39). وفي القسم الثاني، سلم سيد الكرْم الكرمة الى كرّامين يؤدون ثمراً (متى 21: 40-44). ومن هنا نتساءل ما هو التطبيق التاريخي والمسيحاني والروحي لهذا المثل؟ 1) التطبيق التاريخي يسرد يسوع المسيح مثل الكَرَّامينَ القتلةفي الهيكل مخاطبًا عظماء الكهنة وشيوخ الشعب بعد دخوله المهيب إلى أورشليم، ولخّص فيه تاريخ الخلاص كلّه في هذا المثل حيث يظهر شخصيات رئيسية، وهي: رب البيت هو الله، والكرْم هم بنو إسرائيل، والكرَّامون هم القادة الدينيون في إسرائيل، وخَدَم رب البيت هم الأنبياء، وابن رب البيت يسوع المسيح، والآخرون وهم الأمم الوثنية والبقية من اليهود. استعاد يسوع صورة الكرْم التي ترمز الى شعب إسرائيل (أشعيا 5: 1-7)، وطبّقها على مسؤولي الشعب، رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ، الذين رفضوا الاستماع الى تنبيهات الأنبياء والى نداءات يسوع من اجل الملكوت، ولم يعطوا الثمار التي انتظرها الله منهم. في المثل السابق عن الابنين والكرْم (متى 21: 28-32) ظهر اليهود كأصحاب كلام بلا عمل، ففقدوا مركزهم ليحل محلَّهم من بالعمل أعلنوا ندمِهم على ماضيهم. أمّا هنا فالسيِّد المسيح يكشف لهم أنهم عبر التاريخ كلّه لم يكونوا فقط غير عاملين، وإنما مضطهِدين لرجال الربّ في أعنف صورة، حتى متى جاء ابن الله نفسه الوارث فقد أُخرجوه خارج أورشليم وقتلوه. أرسل الله للشعب اليهودي على ممر العصور سلسلة من الخَدَم، وهم انبياء العهد القديم الذين انتهوا بالقديس يوحنا المعمدان، ينصحون إسرائيل ويَحثّونه على تقديم ثمار حسب الشريعة. وانتظروا كلهم ان يجنوا أثمار التوبة والأعمال الصالحة والبِر. وآخر الكل قد جاء يسوع المسيح، الابن الوحيد المحبوب والوارث الذي له كل سلطة الآب (متى 21: 38). لكن الاحبار ورؤساء الشعب تحدَّوا يسوع، وأرادوا نوال المملكة بمفردهم دونه، مغتصبين لأنفسهم الميراث الربّاني. وهذا التحدي شمل قرون الشعب السابق، ويصور موقف النزاع الحاضر، ويُشير النتائج ذلك في المستقبل. وكشف يسوع في هذا المثل للقادة الدينيين انه يعلم ما يفكرون فيه، من مؤامراتهم لقتله، إذ لم يقبلوا وضعهم ككرامي اجرة بل ارادوا ان يتملكوا الكرم. رفضوا تلك العلاقة مع السيد وارادوا ان يكونوا هم اسياد. فاكَّد يسوع لهم ان خطيئتهم لن تمرَّ دون عقاب. فطرد الله رؤساء اليهود بسبب مقاومة إرادته تعالى، مطالبًا إيّاهم بتسليم الكرْم الذي أُؤتُمنوا عليه ولم يُثمر؛ وقيل على لسان أشعيا النبي "الرَّبُّ آنتصَبَ لِلآتِّهام وقامَ لِيَدينَ الشُّعوب. الرَّبُّ يَدخُلُ في المُحاكَمة مع شُيوخِ شَعبه ورُؤَسائِهم: ((إِنَّكم أنتُم أَتْلَفْتُمُ الكَرْم" (أشعيا 3: 13-14). وقيل في موضع آخر "رُعاةٌ كَثيرونَ أَتلَفوا كَرْمي وداسوا نَصيبي وجَعَلوا نَصيبِيَ الشَّهِيَّ قَفراً خَرِباً " (إرميا 12: 10). وذكّر يسوع اليهود من خلال المثَل حقيقة أمرهم وحقيقة أمره. فمنذ أن رفض بنو اسرائيل المسيح كان مصيرهم الانهيار، فدُمرِّت القدس على يد الرومان سنة 70م كما جاء في نبوءته " أُورَشَليم أُورَشَليم، يا قاتِلَةَ الأَنبِياء وراجِمَةَ المُرسَلينَ إِليَها، هُوَذا بَيتُكم يُترَكُ لَكم قفرا" (متى 23: 37-38)، وكذلك خسر اليهود حقوقهم وامتيازاتهم الدينية. وفيما يتعلق بحقيقة امر يسوع، لم يتوقف متى الانجيلي عند موت يسوع، ولا عند مصير الملكوت، بل تطلّع الى عمل الله العجيب الذي يُقيم ابنه من الموت، ويُسلم الملكوت الى كرَّامين يُعطون ثمراً. فجاءت الخاتمة بإعلان انتقال الملكوت الى شعب يعطي ثماراً. ومن هذا المنطلق نرى مدى مأساة الناس في رفض المسيح حيث ان الخلاص يكمن في قبول المسيح وانجيله: "توبوا وآمِنوا بِالبِشارة" (مرقس 1: 15)، وبهذا يصبح الانسان المؤمن من البنائين على حجر الزاوية وهو المسيح. 2) التطبيق المسيحاني لا يشير المثل الى التطبيق التاريخي وإنما أيضا الى التطبيق المسيحاني، وهو رفض اليهود للمسيح ثم صلبه وقتله، كما ورد في المثَل "فأَمسَكوهُ وأَلقَوهُ في خارِجِ الكَرْمِ وقتَلوه" (متى 21: 39). ويمكننا ان نقرأ هذه الآية على ضوء الاحداث التي حصلت ليسوع. أخرجوا يسوع خارج الكرْم، خارج اورشليم، وقتلوه وقد عرفوا انه الوارث. لقد رفضوا المسيح وقتلوه صلباً، وهذا ما صرّح به بولس الرسول "إِذا سَقَطوا مَعَ ذلِك، يَستَحيلُ تَجْديدُهم وإِعادَتُهم إِلى التَّوبَة لأَنَّهم يَصلِبونَ ابنَ اللّهِ ثانِيَةً لِخُسْرانِهِم وُيشَهِّرونَه" (العبرانيين 6: 6)، ولكن هذا الابن الذي يُقتل سيقوم. ويشير المثَل أيضا الى نصره النهائي ورفعته بقيامته. فقد قالَ يسوع لليهود "أَما قَرأتُم قَطّ في الكُتُب الحَجَرُ الَّذي رذَلَهُ البنَّاؤُونَ هو الَّذي صارَ رَأسَ الزَّاوِيَة. من عِندِ الرَّبِّ كانَ ذلك وهو عَجَبٌ في أَعيُنِنا"(متى 21: 42). فالموت والرفض من قبل الناس لم يكونا إلا فرصة ليخرج يسوع منتصرًا ويقوم من الموت مظفّرًا وممجّدًا ليُجدِّد العالم. ويشبِّهَ متى الإنجيلي يسوع المصلوب بحجر زاوية، لأنه يجمع الشعبين معًا: إسرائيل والأمم في إيمان واحدٍ وحبٍ واحد. كما جاء في تعليم بولس الرسول "إِنَّه سَلامُنا، فقَد جَعَلَ مِنَ الجَماعتَينِ جَماعةً واحِدة وهَدَمَ في جَسَدِه الحاجِزَ الَّذي يَفصِلُ بَينَهما، أَيِ العَداوة" (أفسس 2: 14). فمن الصليب خرج الشعب الجديد أي الكنيسة، ومن خلالها وبواسطتها سيقود كرمه حتى النهاية كما يؤكده لنا بنفسه "أنا الكَرْمةُ وأَنتُمُ الأَغصان. فمَن ثَبَتَ فيَّ وثَبَتُّ فيه فَذاكَ الَّذي يُثمِرُ ثَمَراً كثيراً لأَنَّكُم بِمَعزِلٍ عَنِّي لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا شيئاً" (يوحنا 15: 5). لذلك يوصي القديس البابا يوحنّا بولس الثاني "ابحثوا عن الرّب يسوع المسيح، أنظروا إليه وعيشوا فيه! هذه هي رسالتي لكم: فليكن "الرّب يسوع المسيح نفسه حَجَرَ الزَّاوِيَةِ" (أفسس 2: 20) في حياتكم وفي الحضارة الجديدة الّتي عليكم أن تبنوها بروح التّعاضد السّخي والمشاركة" (حديث بتاريخ 02/04/1987 موجّه إلى شباب التشيلي). المسيح الذي ما كان انسانا، لكنه صار انسانا، وليس فقط انسان بل أخذ صورة العبد وحمل ذلك الصليب حتى الموت، رفعه الله واعطاه سلطانا على كل ما في السماوات والارض. واعطى لكل من يؤمن به المقدرة لكي يصير مشاركا له في هذا الميراث. بهذا يمكننا أن نفهم عبارة الرسول بولس "فلْنَخرُجْ إِلَيه إِذاً في خارِجِ المُخَيَّمِ حامِلينَ عارَه" (عبرانيين 13: 13). بمعنى آخر، لا ينتظر المؤمن -وهو يقدم كل الحب للعالم -أن يردَّ له العالم الحب بالحب، وإنما يردَّ له محبته بالطرد خارجًا ليحمل مع فاديه صليبه ويقبل عاره. وهذا ما صرّح به يسوع "مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِه ويَحمِلْ صليبَه ويَتبَعْني" (متى 16: 24). والمسيح يسوع بكونه الابن والوارثٍ الحقيقيٍ وله السلطان لدى الآب صار إنسانًا، ودعا الذين آمنوا به إلى شركة مملكته فيكون مالكًا معهم، حيث ان كل من يقبل المسيح ويؤمن به وتعاليمه يُصبح عضواً من شعب الله الجديد ووارت للملكوت. فيسوع حمل لقب "وارث" كرأس للكنيسة لكي ترث باسم رأسها ومعه وفيه ما هو له. ولذلك فإن كلّ شيء يكون لنا بالقدر الّذي نكون فيه أبناء كما جاء في تعليم بولس الرسول " إِذا كُنَّا أَبْناءَ الله فنَحنُ وَرَثة: وَرَثَةُ اللهِ وشُرَكاءُ المسيحِ في المِيراث" (رومة 8، 17)؛ وإذا بقينا في علاقة مع الآب، فكلّ شيء سيُعطى لنا، ويُزاد مجاناً كما وعد السيد المسيح "َاطلُبوا أَوَّلاً مَلَكوتَه وبِرَّه تُزادوا هذا كُلَّه "(متّى 6، 33). فالمسيح الآن "حجر البناء" يقدم الرحمة والغفران، ولكنه في الدينونة يصبح "حجرا ساحقا". 3) التطبيق الروحي للمثّل أيضا تطبيق روحي وهو طريقة الله الّتي يتعامل فيها مع شعبه، فكما آجر رب البيت كرْمه كذلك خصَّ الله الانسان ببعض المسؤوليات: العائلة، والحياة نفسها ورسالته، وفوَّض اليه أمر العالم وإقامة على مشاريعه منذ بدء الخليقة كما جاء في بدء التوراة "اِنْموا واَكْثُروا وأمْلأُوا الأَرضَ وأَخضِعوها " (التكوين 1: 28)، وطالب الله الانسان ان يؤدِّي حساباً على مسؤولياته، لكن الانسان رفض واقعه كانسان وأراد ان يتملك تلك الكرْمة، وان يستولي على ثمارها لنفسه. فيصبح كل شيء لذاته، كل شيء يحوَّله لخدمته ولمصلحته. لذا يأخذ سلاحه ويقتل كل من يُشعرُه بانه ليس بسيد الكرْمة. وبهذا يفقد الانسان دعوته ورسالته فيجلب على نفسه الدينونة. قدّم يسوع نفسه في المثل "الحَجَرُ الَّذي رذَلَهُ البنَّاؤُونَ هو الَّذي صارَ رَأسَ الزَّاوِيَة" (متى 21: 42)، فمع أن الكثيرين من شعبه قد رفضوه، فإنه سيصير رأس الزاوية في بنائه الجديد، أي الكنيسة. وهو ن يؤثر في الناس بجملة طرق، تتوقف على كيفية اتصالهم به، فقد يبنون عليه وهذا هو الأفضل كما قال يسوع "مَثَلُ مَن يَسمَعُ كَلامي هذا فيَعمَلُ به كَمَثَلِ رَجُلٍ عاقِلٍ بَنى بيتَه على الصَّخْر" (متى 7: 24)، ولكن منهم من يعثرون به، وفي النهاية عند الدينونة الأخيرة سيكون حجراً ساحقاً، فالآن هو يقدم الرحمة والغفران. نصبح من شعب الله الجديد، إذا عرفنا حق قدرنا وقمنا بمسؤولياتنا. وأمَّا إن لم نقم بمسؤولياتنا المسيحية، فإن مشروع الرب لن يفشل بل سيعطي كرْمه غلة وافرة. أمَّا نحن فمصيرنا الحرمان من ثمار الرب على مثال الكَرَّامينَ نتيجة إهمالنا ورفضنا، وإذا لم نقبل وضعنا ككرامي اجرة بل أردنا ان نمتلك الكرم على مثال الكَرَّامينَ القتلة الذين رفضوا ان يكونوا منتمين الى صاحب الكرْم، ورفضوا تلك العلاقة مع السيد وارادوا ان يكونوا هم اسياد الكرم، نتحوّل من كرَّامين الى قتلة. الله، على غرار صاحب الكرمة، يُعطي ويترقّب أن يأخذ بالمقابل، وينتظر أن يأخذ ثمر ما كان قد أعطاه، أي ما ينتج من عمل الإنسان. إن الله يُعطي ولكنه يطالب أيضًا. سلَّم الربّ كُلَّ مسيحي كرْماً روحيَّاً، وطلب منه أن يعتني به، ويستثمره بأمانة ليقدِّم للربّ الثمار الطيِّبة. إنَّ هذا الكرْم الروحي هو نفسُهُ الخالدة، وهذه النفس قد زُرِعت فيها نِعمةُ الربّ بالمعموديَّة المقدَّسة، وتغذَّت بتعاليم الربّ يسوع وثِمار موته وقيامته، فأضحت أهلاً لأن تقوم بالأعمال الصالحة التي ينتظرها الربّ منها لمجد اسمه على الأرض وفي السماء. لذلك، لينتبه كل مؤمنٍين ألاَّ يستسلموا، كرؤساء اليهود، الذين صلبوا يسوع المسيح ليُحقِّقوا مآربهم الشخصيَّة الأثيمة ومطامعهم، ويُهملوا العناية بحاجات أنفسهم الروحيَّة، ويُعرضوا عن استثمار النِعم السماويَّة التي أُعطيت لهم بغزارة بل عليهم ان يقدّروا مسؤوليتهم وعملهم. إنّ أقسى دينونة ينالها الإنسان من الربّ هي عندما يأخذ الربّ من الانسان العمل الّذي كان عليه أن يعمله فيصبح بدون عمل ومسؤولية وبالتالي في الدينونة والهلاك. ونستنتج مما سبق ان هذا المثل هو دعوةٌ إلى المسؤولية. دعوةٌ لكُلِّ مسيحي لكي يؤدِّي للربّ ثمار أعماله الصالحة من خلال الحياة الفاضلة، والأخلاق القويمة، والقيام بالواجبات الدينيَّة بدقَّةٍ وأمانة، طَوالَ أيَّام حياته. فإن كان الربّ لم يشفق على الكرمة الأصلية فهل يترك الكرمة الجديدة إن كانت بلا ثمر. ما زال الربّ يطلب الثمار في كنيسته وفي كل نفس كما اكّد ذلك بولس الرسول "فإِذا لم يُبقِ اللهُ على الفُروعِ الطَّبيعِيَّة، فلَن يُبْقيَ علَيك. فاَعتَبِرْ بِليِنِ اللهِ وشِدَّتِه: فالشِّدَّةُ على الَّذينَ سقَطوا، ولِينُ اللهِ لَكَ إِذا ثَبَتَّ في هذا اللِّين، وإِلاَّ فتُفصَلُ أَنتَ أَيضًا" (رومة 11: 24). ومن هذا المنطلق فإن هذا المثل هو تحذير للمسيحيين المتشبثين بالخطيئة التي تمنعهم من أن يؤدِّوا لله ثمار الحياة الفاضلة إذ يُنذرهم بالعقوبة الأبديَّة. فلنقم بالمسؤوليات التي تقع على عاتقنا بأمانة ومحبة على مثال يسوع المسيح ربنا فنكون تلاميذ الرب بحسب وصيته " أَلا إِنَّ ما يُمَجَّدُ بِه أَبي أن تُثمِروا ثمراً كثيراً وتكونوا لي تلاميذ" (يوحنا 15: 8). الخلاصة الكرمة هي شعب إسرائيل والخدَم هم الأنبياء، والكرامون هم المسؤولون عن شعب إسرائيل، أي رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ، الواجب عليهم ان يعتنوا بها، لكنهم اساؤوا معاملة الأنبياء الذين ارسلهم الله إليهم. فمن خلال هذا المثل كشف يسوع مؤامرة القادة اليهود الدينيين القتلة. قتل الكرامون الاشرار خدَم صاحب الكرْم، فقام الله بمحاولة أخيرة، وأرسل إليهم ابنه، فأخذوه خارج الكرم، وقتلوه طمعا في ميراثه (21: 45). وعندئذ صدر الحكم: يٌهلك الله أولئك المسؤولين شر هلاكٍ، ويسلم كرمته الى آخرين. ويصف يسوع عندئذ وظيفته المزدوجة كحجر زاوية (متى 21: 42) كما جاء في تنبؤات أشعيا "لِذلك قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: ها إِنِّي واضِعٌ حَجَراً في صِهْيون حَجَراً مُمتَحِناً، رَأسَ زاوِيَةٍ كَريماً أَساساً مُحكَماً مَن آمَنَ بِه لَن يَتَزَعزَع. " (أشعيا 28: 16)، وحجر عثرة (متى 21: 44) كما جاء في تنبؤات أشعيا "فيَكونَ لَكم قُدساً وحَجَرَ صَدْم وصَخرَ عِثارٍ لِبَيتَي إِسْرائيل وفَخّاً وشَبَكَةً لِساكِني أُورَشَليمَ " (أشعيا و8: 14-15). دعاء انت يا رب اعطيتنا ان نعمل في الكرم وتطلب منا الثمار، فهب لنا ان نثبت فيك كي نقوم بمسؤوليتنا ونعطي الثمار اليانعة فنكون حقاً تلاميذك. لأنك "انت الكَرْمةُ ونحن الأَغصان. فمَن يثَبَتَ فيّكَ فَذاكَ الَّذي يُثمِرُ ثَمَراً كثيراً لأَنَّنا بمعزل عنك لا نستطيع أن نعمل شيئاً" (يوحنا 15: 5). أنت يا يسوع غرست استشهاد جموع الشهداء لأجلنا، ولأجلنا ذقت صليب العار وذاق الرسل صليبك، ولهذا أثمروا إلى أقاصي الأرض. فالمجد لله دائماً. آمين |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|