الخطية في حياة المسيحي
الخطية ظاهرة في تاريخ البشر، يقرّ بها كل إنسان يفحص قلبه، أو ينظر إلى سيرة أبناء جنسه، لأن جميع بني البشر، حتى الذين لم يتلقّوا نور إعلانات السماء يشعرون بخطاياهم، ويقرون بنقصهم وعجزهم عن القيام بما كُلفوا به أدبياً. والخطية ليست هي الشر الفاضح فقط، كما يظن قسم كبير من الناس، بل هي أيضاً الانحراف عن الله، بوصفه خالقنا والهدف الوحيد لنا. وهذا الانحراف لا يكون بالنزوع إلى الشر فحسب، بل هو أيضاً الانفصال عن الخير.
وقد عُرف بالاختبار أن الإنسان الطبيعي لا يستطيع أن يميز قوة الخطية وشدة فعلها في البشر، كما يميزها المؤمن الذي قامت الشريعة الإلهية لديه بعمل المؤدِّب فاقتادته إلى المسيح. والمسيح أعطاه النعمة فعرف حقيقة الخطية وأثرها في جذب الإنسان إلى حال الفساد. وتبعاً لذلك صار يشعر بالحاجة إلى معونة النعمة الإلهية، وإلى دم الكفارة لأجل تبريره.
والخطية في وجهها العام هي التعدي - 1 يوحنا 3:4- على شريعة الله، بحيث تصبح جرماً بحق الله، مهما كان عذر مرتكبها، وأياً كان حجمها.
دخول الخطية إلى العالم
نقرأ في رسالة رومية 5:12 : ·بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الخَطِيَّةُ إِلَى العَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ المَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَا لْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الجَمِيعُ. وقول الرسول هنا يعني أن علة كون جميع الناس خطاة هو آدم أبو البشر. وقد اعتبر بولس في قوله ·بإنسان واحد أن آدم وحواء شخص واحد، كما ذكر في تكوين 5:2. ولم يذكر الرسول تجربة الحية، ولا معصية حواء أولاً، لأن غايته أن يبيّن أن آدم كان في ما فعله نائباً عن كل نسله.
يقول بعض الفلاسفة إن الإنسان يولد طاهراً، وإنما إذا عاش في بيئة فاسدة تأثر بها وتسربت إليه الخطية. قد تساعد البيئة الفاسدة على نمو الخطية، ولكن الإنسان يولد وفيه مجموعة من الغرائز، التي وإن كانت لها غايات خاصة، فهي تحمل نزوات شريرة.
الخطية إرث
نفهم من الاختبارات أنه لا يمكن للكائن الحي أن يلد كائناً مغايراً له. فالثور لا يمكن أن يلد حملاً، وكما قال المسيح: ·لَا يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَباً - متى 7:16. وهذا القانون ينطبق على الإنسان. فآدم أبو البشر، كان قد فقد بعصيانه حياة الاستقامة. وقصاصاً له طُرد من فردوس الطهر إلى أرض لُعنت بسبب خطيته. وعلى الأرض أنجب نسلاً. وكان هذا النسل بالطبيعة مطروداً، فاقداً ميراثه بالفردوس. والكتاب المقدس يقر هذه الحقيقة، إذ يقول بفم داود: ·هَئَنَذَا بِالْإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي - مزمور 51:5- وقال بفم بولس: ·... لَيْسَ بَارٌّ وَلَا وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ. الجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحاً لَيْسَ وَلَا وَاحِدٌ - رومية 3:10-12.
وقد شرح أغسطينوس تعليم الكتاب المقدس عن السقوط وإرث الخطية، فقال:
1 - خلق الله الإنسان أصلاً على صورته تعالى، في المعرفة والبر والقداسة، مختاراً خالداً. وخوّلَه سلطاناً على الخلائق مع القدرة على اختيار الخير والشر، وإثبات طبيعته الأدبية.
2 - إذ آدم تُرك لحرية إرادته، أخطأ إلى الله باختياره حين جرَّبه إبليس، فسقط من الحال التي خُلق عليها.
3 - نشأ عن معصيته ضياع الصورة الإلهية وفساد طبيعته كلها، حتى صار ميتاً روحياً، لا يميل إلى الخير الروحي وعاجزاً عنه ومضاداً له، وصار أيضاً قابلاً للموت جسدياً، وعرضة لكل سيئات هذه الحياة والموت الأبدي.
4 - الاتحاد النيابي بين آدم ونسله، هو علة ما حل بهم من نفس نتائج المعصية التي حلت عليه. فإنهم يولدون في حال الدينونة، خالين من صورة الله وفاسدين أدبياً.
5 - هذا الفساد الذاتي الموروث، هو في الحقيقة من طبيعة الخطية، غير أنه ليس من الخطية الفعلية.
6 - ضياع البر الأصلي وفساد الطبيعة، اللذين نتجا من سقوط آدم، هما عقاب لخطيته الأولى.
7 - التجديد أو الدعوة الفعالة، هو عمل الروح القدس العجيب، الذي تكون فيه النفس مفعولاً لا فاعلاً. وهو متعلق بإرادة الله وحدها. فيلزم عن ذلك أن الخلاص هو من النعمة فقط.