رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
محبة الأعداء والرحمة للجميع
النص الإنجيلي (لوقا 6: 27-38) 27 وأَمَّا أَنتُم أَيُّها السَّامِعون، فأَقولُ لَكم: أَحِبُّوا أَعداءكم، وأَحسِنوا إِلى مُبغِضيكُم، 28 وبارِكوا لاعِنيكُم، وصلُّوا مِن أَجْلِ المُفتَرينَ الكَذِبَ علَيكُم. 29 مَن ضَرَبَكَ على خَدِّكَ فاعْرِضْ لَه الآخَر. ومَنِ انتَزَعَ مِنكَ رِداءكَ فَلا تَمنَعْه قَميصَكَ. 30 وكُلُّ مَن سَأَلَكَ فأَعطِه، ومَنِ اغتَصَبَ مالَكَ فلا تُطالِبْهُ به. 31 وكَما تُريدونَ أَن يُعامِلَكُمُ النَّاس فكذلِكَ عامِلُوهم. 32 فإِن أَحبَبتُم مَن يُحِبُّكم، فأَيُّ فَضْلٍ لَكُم؟ لأَنَّ الخَاطِئينَ أَنفُسَهُم يُحِبُّونَ مَن يُحِبُّهُم. 33 وإِن أَحسَنتُم إِلى مَن يُحسِنُ إِليكُم، فأَيُّ فَضْلٍ لَكُم؟ لأَنَّ الخاطِئينَ أَنفُسَهُم يَفعَلونَ ذلك. 34 وإِن أَقرَضتُم مَن تَرجُونَ أَن تَستَوفوا مِنه، فأَيُّ فَضْلٍ لَكُم؟ فهُناكَ خاطِئونَ يُقرِضونَ خاطِئينَ لِيَستَوفوا مِثلَ قَرْضِهم. 35 ولكِن أَحِبُّوا أَعداءَكم، وأَحِسِنوا وأَقرِضوا غَيرَ راجينَ عِوَضاً، فيَكونَ أَجرُكم عَظيماً وتكونوا أَبناءَ العَلِيّ، لِأَنَّهُ هو يَلطُفُ بِناكِري الجَميلِ والأَشرار. 36 كونوا رُحَماءَ كما أَنَّ أَباكُم رَحيم. 37 لا تَدينوا فَلا تُدانوا. لا تَحكُموا على أَحَدٍ فلا يُحكَمَ علَيكم. أُعْفُوا يُعْفَ عَنكم. 38 أَعطُوا تُعطَوا: سَتُعطَونَ في أَحضانِكُم كَيْلاً حَسَناً مَركوماً مُهَزْهَزاً طافِحاً، لِأنَّه يُكالُ لَكم بِما تَكيلون)). مقدمة يتناول سيدنا يسوع المسيح في القسم الثاني في عظته الكبرى الواجبات المطلوبة من تلاميذه الحقيقيين، أعضاء الملكوت (لوقا 6: 27-38) مؤكداً أن المحبة هي جوهر الملكوت، والرحمة هي الصفة المميزة لتلاميذه حيث نُحب حتى الأعداء ونرحم الآخرين كما يرحمنا الله؛ ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته. أولاً: تحليل وقائع نص إنجيل لوقا (لوقا 6: 27-38) 27 وأَمَّا أَنتُم أَيُّها السَّامِعون، فأَقولُ لَكم: أَحِبُّوا أَعداءكم، وأَحسِنوا إلى مُبغِضيكُم. تُشير عبارة " أَحِبُّوا أَعداءكم " إلى قول الله تعالى في العهد القديم " لا تَنْتَقِمْ ولا تَحقِدْ على أَبْناءِ شَعبِكَ، وأَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفسِكَ: أَنا الرَّبّ" (الأحبار 19: 18)، هذا القول تعديل شريعة موسى التي تنص " عَيناً بِعَين وسِنّاً بِسِنّ" (خروج 21: 24) والتي أعطاها موسى من أجل أن يعمل على ضوئها الحُكّام لا الأفراد في معاقبة المُعتدي، لكنهم اتخذوها ذريعة للانتقام والأخذ بالثأر. وحبّ الله والقريب يُجمل كلَّ الشريعة والأنبياء (متى 7 :12؛ لو 6 :31). وحبّ القريب يسير بنا حتّى محبّة الأعداء (مت 5 :44). وموقف الله تجاهنا يرتبط بموقفنا تجاه القريب (مت 6 :14-15).ويصف يوحنا الذهبي الفم كيفية محبة الأعداء " يجب أن نتجنب العداوة مع أي شخص كان، وإن حصلت عدواه مع أحد فلنسالمه في اليوم نفسه وإن انتقدك الناس فالله يكافئك. أمَّا إن انتظرت مجيء خصمك إليك ليطلب منك السماح فلا فائدة لك من ذلك، لأنه يسلبك جائزتك ويكسب لنفسه البركة". أمَّا عبارة "أَحِبُّوا" في الأصل اليوناني ἀγαπᾶτε (محبة روحية اخويه) فتشير إلى دعوة إلى المحبة، والمحبة هي فعل إرادة وليس تبادل العاطفة وتقوم على الرغبة الحارة المتلهفة لأجل خير الآخر، والاهتمام العظيم برفاهيته، وهكذا معنى محبة العدو هو العمل لصالحه. بمعنى أن نصلي من اجل الأعداء ونفكر في طرق مساعدتهم حيث أن المسيح أحب العالم كله بالرغم من عصيان العالم ضد الله، فعانى الآلام من أجل البشريّة جمعاء؛ والمطلوب منا أن نكون مثله ونقتدي به في محبة الأعداء. ومن هذا المنطلق، لا أعداء للمسيحي الذي يعتبر كل واحد قريبه ويرى في كل إنسان أخا له (مثل السامري الرحيم (لوقا 10: 25-37)، مقتديا بالآب السماوي "الذي يُطلِعُ شَمْسَه على الأَشرارِ والأَخيار، ويُنزِلُ المَطَرَ على الأَبرارِ والفُجَّار" (متى 5: 45)؛ وفي الواقع، لا يوجد لنا أعداء حقيقيين إلا عدو واحد هو إبليس (لوقا و9: 27-37). أمَّا في إنجيل متى فيطلب يسوع أن نحب أعداءنا كي ننتقل إلى حالة جديدة وهي أن نصير بني أبينا السماوي (متى 5: 45). المحبة هي في قلب تعليم يسوع، وهي تصل إلى جميع الأصدقاء والأعداء. أمَّا عبارة "أَعداءكم" فتشير إلى الأشخاص الذين يلحقون بكم الأذى بطريقة أو بأخرى: "يبغضونكم"، "يلعنونكم"، "يفترون عليكم"، "يضربونكم"، والذي "ينتزع رداءك"، الذي "يسلبك". والأعداء تدل عملياً على الرومان الذين كانوا أعداء لليهود لأنهم يضطهدونهم. إلاَّ أنَّ الرب يطلب منهم أن يحبُّوا أعدائهم. يُعد هذه الكلام لليهود تطرف وعثرة، لانَّ اليهود اعتادوا تحت ظلم الرومان على حب الانتقام والبغض لأعدائهم، وها هو السيد المسيح يقترح أسلوبا جديدا لمقابلة الظلم وهو أن نصنع العدالة والرحمة أهم من المطالبة بهما. فنقابل العداوة بالحب، ويعلق البابا فرنسيس "بقوتنا وجهدنا الشخصي لا يمكننا أن نفعل شيئًا، وحدها نعمة الله قادرة أن تحققه فينا"؛ وهكذا فإن محبة الأعداء دعوة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الدين والدنيا. ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "جاء المسيح بهذا الهدف حتى يغرس هذه الأمور في ذهننا ويجعلنا نافعين لأعدائنا كما لأصدقائنا "؛ أمَّا عبارة "وأَحسِنوا إلى مُبغِضيكُم" فتشير إلى حب يترجم إلى عمل رحمة، والسبب في ذلك كي لا يُعطِّل التلاميذ نشر الكلمة، لأنهم أصبحوا خليقة جديدة كما جاء فتعليم بولس الرسول " فإِذا كانَ أَحَدٌ في المسيح، فإِنَّه خَلْقٌ جَديد" (2 قورنتس 5: 17)؛ أمَّا عبارة "مُبغِضيكُم" فتشير إلى من يمقتوننا، يستخفون بنا، وقد أمرنا الرب أن نحبهم. المحبة هي عكس البِغْضَة (متى 5: 43-48) حيث أوصانا المسيح ألاّ نبغض إلاّ الخطيئة. وأن نُحبُّه في الآخرين. وفي هذا الصدد يقول بولس الرسول "إذا جاعَ عَدُوُّكَ فأطعِمْهُ، وإذا عَطِشَ فاَسقِهِ، لأنَّكَ في عَمَلِكَ هذا تَجمَعُ على رأسِهِ جَمرَ نار، لا تدَعِ الشَّرَ يَغلِبُكَ، بلِ اَغلِبِ الشَّرَ بالخَيرِ. (رومة 12: 20-21)؛ ويُعلق القديس أوغسطينوس " إن أمكنك لا تجعل لك عدوًا. وإن وُجد من يبغضك لا تحزن بهذا، لأنك لست وحدك من أبغضوه بل سيِّدك (المسيح) قبلك قد أبغضوه "؛ أمَّا البغضة فهي سبب جميع الانشقاقات والخصومات التي تؤدي إلى أعظم الأضرار. 28 وبارِكوا لاعِنيكُم، وصلُّوا مِن أَجْلِ المُفتَرينَ الكَذِبَ علَيكُم تشير عبارة " بارِكوا لاعِنيكُم " إلى طلب يسوع المسيح أن نبارك أولئك الذين يريدون بنا شرا، أو الذين يطلبون ضرارا؛ فهؤلاء قد أمرنا الرب أن نحبهم وان نبيِّن محبتنا لهم بأن نباركهم. فإن البركة تقيم بين الكائنات تياراً حيوياً ومتبادلاً. جاءت هذه الوصيّة مرتبطة بكل كياننا في الرب، ومُرتبطة بعبادتنا، ويضع بطرس الرسول السيد المسيح مَثَلنا الأعلى بالقول: "شُتِمَ ولَم يَرُدَّ على الشَّتيمَةِ بِمِثلِها. تأَلَّمَ ولم يُهَدِّدْ أَحَدًا، بل أَسلَمَ أَمْرَه إلى مَن يَحكُمُ بِالعَدْل"(1 بطرس 2: 23). وعلى نفس الخطى سار بولس الرسول " نُشتَمُ فنُبارِك، نُضطَهَدُ فنَحتَمِل " (1 قورنتس 4: 12)؛ أمَّا عبارة "صلُّوا مِن أَجْلِ المُفتَرينَ الكَذِبَ علَيكُم " إلى طلب يسوع من تلاميذه الصلاة من أجل الذين يتكلمون ضدنا، ويأتون أعمالا معادية لنا. فواجبنا أن نظهر محبتنا لهم بأن نصلى من أجلهم. وهذا ليس أمر طبيعي، لذلك نحن بحاجة إلى الله كي يمنحنا القوة لنحب كما هو يُحب بدل الانتقام ونغلب الشر بالخير، وذلك من خلال محبة أعدائنا والصلاة لأجلهم كما صلَّى يسوع المسيح وهو على الصليب لأجل الساخرين منه "يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم، لِأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون" (لوقا 23: 34). وهنا يتساءل البابا فرنسيس "إن كنت لا أقوم بهذه الأمور الأربعة أي إن كنت لا أحب أعدائي ولا أصنع الخير للذين يكرهونني ولا أبارك لاعني ولا أصلّي من أجل الذين يفترون عليَّ فهل أكون مسيحي؟". 29 مَن ضَرَبَكَ على خَدِّكَ فاعْرِضْ لَه الآخَر. ومَنِ انتَزَعَ مِنكَ رِداءكَ فَلا تَمنَعْه قَميصَك تشيرعبارة "مَن ضَرَبَكَ" إلى مَثَل على الأذى الشخصي وجرح كرامتك. يشير يسوع بذلك إلى أولئك الذين اعتدوا علينا وظلمونا بممارسة البَطْش وأساؤوا إلينا؛ أولئك هم الذين يتوعدوننا بالشر ويهينوننا. ويسوع كان أول قدوة لنا في ذلك كما تَنبأ عنه أشعيا النبي "أَسلمتُ ظَهْري لِلضَّارِبين وخَدِّي لِلنَّاتِفين ولم أَستُرْ وَجْهي عنِ الإِهاناتِ والبُصاق" (أشعيا 50: 6)، فكما أنَّ المسيح تألَّم للدخول في مجده (لوقا 24: 26) كذلك لا بدَّ للمسيحي أن يرى في الاضطهاد علامة اقتراب ملكوت الله. أمَّا عبارة " فاعْرِضْ لَه الآخَر " فتشير إلى عدم الرد الضربة بالضربة، إمَّا فورا وشخصياً لكن التنازل عن سبب الخلاف والمسامحة وتحمل ضعف الآخرين لأجل المسيح، وهذا الأمر لا يستطيع أن يفعله سوى من صار في المسيح خليقة جديدة (2 قورنتس 5: 17). فخير للإنسان أن يحوِّل لمن ضربه على أحد الخدين الخد الثاني مِن أن ينتقم ويربِّي في قلبه جرائم الغضب والانتقام، فالأفضل أن يترك النقمة لله وللحكام. وليس المفهوم هنا عدم دفاع المسيحي عن نفسه، وجعل المظلوم فريسة الظالم بل أن يحتمل الآخر قــــدر استطاعته وبمحبة لكي يربحه للمسيح. فالمطلوب من المسيحي أن يكون ردّه بوداعة ولطف وحكمة، اقتداءً بيسوع المسيح الذي لم يحتمل الشر بل قاومه بكلامه كما حدث حينما ضربه الخادم أمام رئيس الكهنة فرد عليه يسوع قائلاً "إنْ كُنتُ أخطأتُ في الكلامِ، فقُلْ لي أينَ الخَطَأُ؟ وإنْ كُنتُ أصَبْتُ، فلِماذا تَضرِبُني؟" (يوحنا 18: 23). وهكذا فعل بولس الرسول عندما أَمَرَ حَنَنْيا عَظيمُ الكَهَنَةِ الَّذينَ بِجانِبِه بِأَن يَضرِبوا بولس على فَمِه. فقالَ له بولُس "سيَضَرُبكَ الله، أَيُّها الحائِطُ المُكَلَّس، أَتَجلِسُ لِمُحاكَمَتيِ بِسُنَّةِ الشَّريعة، وتُخالِفُ الشَّريعة فتَأمُرُ بِضَرْبي؟ "(أعمال الرسل 23: 2-3). وهكذا فعل الرسل أيضا والمسيحيون في كل عصر. فكل موقف له رد فعل، ولكن المفهوم العام هو أن نحتمل ضعف الآخرين لأجل المسيح، ونحاول جذبهم إلى السلام ونحيا نحن في سلام. والمسيح يضع هنا حكمة ذهبية"كَما تُريدونَ أَن يُعامِلَكُمُ النَّاس فكذلِكَ عامِلُوهم " (لوقا 6: 31). فالمطلوب ألاَّ نرد على إخوتنا بمثل ما يفعلون بنا من شر، بل بحسب ما نحب أن يفعلوا هم بنا. وأوصى يسوع بعدم المقاومة للشر، لأنه هو نفسه استنفذ كل عقوبة، وقوّم كل خطأ، وقاسى كل ثأر بأخذ بالثأر وكل عقاب وكل تخليص حق أو عِوض بفضل موته على الصليب. وبالتالي الثأر يكون نكران عمل المسيح وتعليمه، لذا يجب أن نُحسن إلى من يُسيئون إلينا، وان نحبَّ وان نغفر لهم وان نصلي لأجلهم. ويفسر بولس الرسول هذه الآية بقوله " في كُلِّ حال فإِنَّه مِنَ الخَسارةِ أَن يَكونَ بَينَكُم دَعاوٍ. فلِمَ لا تُفَضِّلونَ احتِمالَ الظُّلْم؟ ولِمَ لا تُفَضِّلونَ احتِمالَ السَّلْب؟ (1 قورنتس 6: 7). يُعلمنا يسوع هنا مبداً جوهرياً وهو أن أفضل طريق لمقاومة شر العالم ليس المدافعة القوية بل احتماله بالحكمة المسيحية. فان من يحتمل الظلم إكراما للمسيح ولأجل غايات روحية يُظهر القوة الحقيقية لا الجبن ولا الضعف. العفو عند المقدرة. أمَّا عبارة " فَلا تَمنَعْه قَميصَك " فتشير إلى ما هو أشد الثياب ضرورة، ولا يُنزع إلاّ عن الذي يُباع كعبد كما فعل أخوة يسوع مع أخيهم يوسف لما باعوه لِلإِسْماعيلِيِّينَ، "فلَمَّا وَصَلَ يوسفُ إلى إِخوَتِه، نَزَعوا عنه قَميصَه" (تكوين 37: 23). إن ما يُطالب به يسوع باهظ، ومع ذلك يطلب يسوع أن تسير الأمور إلى النهاية، وان يعطى القميص أيضا كتبرع.والقميص لا يؤخذ من أحد مهما كانت الظروف (خروج 22: 26-27)، ولكننا نعطيه ولا نفكر في استرداده، ونعتبره تبرع منا. وهكذا نكسر الشر. والمسيح ينهي عن مخاصمة الآخرين لدى المحكمة عندما تكون الغاية من ذلك الانتقام لا إظهار الحق منا كما يوصي بولس الرسول "في كُلِّ حال فإِنَّه مِنَ الخَسارةِ أَن يَكونَ بَينَكُم دَعاوٍ. فلِمَ لا تُفَضِّلونَ احتِمالَ الظُّلْم؟ ولِمَ لا تُفَضِّلونَ احتِمالَ السَّلْب؟ " (1 قورنتس 6: 7). ومن هذا المنطلق، يجوز رفع الدعاوي إلى المحكمة عندما يكون الأمر مهما والوسائط الأخرى لا تُجدينا نفعا في الحصول على حقوقنا بشرط أن نرفعها بغية الإنصاف وان نرتضي بالمصالحة على شروط معتدلة. وخير لنا أن نخسر مالنا من أن تخسر نفوسنا لعدم محبتنا. ولا تعني هذه الآية أيضا عدم مقاومة الشر عامة، بل علينا بالأحرى مقاومة إبليس كما يوصي يعقوب الرسول: "قاوِموا إِبليسَ يُوَلِّ عنكُم هارِبًا" (يعقوب 4: 7) كذلك بطرس الرسول يُنبّهه المؤمنين بقوله: "إِنَّ إِبليسَ خًصْمَكم كالأَسدِ الزَّائِرِ يَرودُ في طَلَبِ فَريسةٍ لَه، فقاوِموه راسِخينَ في الإِيمان" (1 بطرس 5: 9). هذه الآية هي مُتطلّب شديد الصعوبة، ولكن، من يؤمن بكلمة الربّ ويعيشها، يُعطى نعمة روح الله فيه التي أعلن عنها بولس الرسول " أمَّا تَعلَمونَ أَنَّكُم هَيكَلُ الله، وأَنَّ رُوحَ اللهِ حالٌّ فيكم؟ (1 قورنتس 3، 16). 30 وكُلُّ مَن سَأَلَكَ فأَعطِه، ومَنِ اغتَصَبَ مالَكَ فلا تُطالِبْهُ به تشير عبارة "كُلُّ مَن سَأَلَكَ فأَعطِه" إلى طبيعة العطاء بسخاء التي تنادي بها الشريعة الموسوية " إِذا كانَ عِندَكَ فقيرٌ مِن إِخوَتكَ في إِحْدى مُدُنِكَ، في أَرضِكَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّب إِلهُكَ إِيَّاها، فلا تُقَسِّ قَلبَكَ ولا تَقبِضْ يَدَكَ عن أَخيكَ الفَقير" (تثنية الاشتراع 15: 7)، وهو الموقف الإيجابي الذي يجب أن يتخذه المسيحي تجاه من يسأله صدقة، فيجعل من صدقته بأمواله كنزاً له في السماوات كما جاء في تعليم سيدنا المسيح "بيعوا أَموالَكم وتَصَدَّقوا بِها واجعَلوا لَكُم أَكْياساً لا تَبْلى، وكَنزاً في السَّمواتِ لا يَنفَد، حَيثُ لا سارِقٌ يَدنو ولا سوسٌ يُفسِد" (لوقا 12: 33). لن يستطيع الإنسان القيام بهذا العمل إلا َّ إذا اعتبر كل شيء نفاية على غرار بولس الرسول "أَعُدُّ كُلَّ شَيءٍ خُسْرانًا مِن أَجْلِ المَعرِفَةِ السَّامية، مَعرِفةِ يسوعَ المسيحِ رَبِّي. مِن أَجْلِه خَسِرتُ كُلَّ شَيء وعدَدتُ كُلَّ شَيءٍ نُفايَة لأَربَحَ المسيحَ "(فيلبي 8:3). مهما أعطى الإنسان هو أفضل من الرفض بروح الغضب. فصدقاتنا يجب أن تكون على مقدار إمكانياتنا، وبالنظر إلى خير من يسألنا إيَّاها (2 تسالونيقي 3: 10). وأول من يستحق العطاء هم الأرامل واليتامى والعميان والعرج والمرضى كما جاء في إنجيل متى "لأَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني، وكُنتُ غَريباً فآويتُموني" (متى 25: 35). أمَّا عبارة "مَنِ اغتَصَبَ مالَكَ فلا تُطالِبْهُ به" فتشير إلى عدم استخدام العنف تجاه الظلم. فالعنف لا يُولد إلاَّ العنف، والمحبة هي الرابحة في النهاية. فحب الآخر للآخر أهم من حبّك لمالك ولحاجتك للعدالة، ولحقّك في التعويض، إن الحب بهذا المقياس يعني وضع الآخر فوق كل هذا، حتى لو كان قد أضرَّ بك. فلا يجوز أن تسمح لأيّ شيء يأخذه أو يطلبه الآخر منك، يمنعك من البقاء على علاقة طيبة معه، وان تُحبّه كما هو.أمَّا الدفاع عن العنف بالعنف لا يدلُّ دوما على القوة، وعدم الدفاع لا يعني الخنوع. ويُعلق القديس أوغسطينوس "إن ربّنا يمنع أتباعه من الالتجاء إلى القانون في الأمور الزمنيّة ضد الغير". قد يبدو أن هؤلاء الذين يسيرون على وصايا المسيح لا يقدرون على المطالبة بحقوقهم، والحصول على العدالة فهم خاسرون، لكن، في واقع الأمر، سيُعطى هؤلاء مقداراً من الحياة المتميزة والفريدة حقاً، حياة لا يعرفها سوى من يُحبّ. والمحبة مرتبطة بالرحمة، والرحمة تتطلب منا أن نتعامل حتى مع من لا يستحقها اقتداءً بربنا والهنا السماوي"لأَنَّ الدَّينونَةَ لا رَحمَةَ فيها لِمَن لم يَرحَم، فالرَّحمَةُ تَستَخِفّ بِالدَّينونَة"(يعقوب 2: 13). فنحن نرحم من الذين في عهدتنا لكي يرحمنا الله نحن الذين في عهدته. اقترح هنا يسوع أسلوبا جديد لمقابلة الظلم، فبدلا من المطالبة بالحقوق، يطلب يسوع التسليم بها، ويعني ذلك أن صنع العدالة والرحمة أهم من المطالبة بهما. 31 وكَما تُريدونَ أَن يُعامِلَكُمُ النَّاس فكذلِكَ عامِلُوهم" عبارة "كَما تُريدونَ أَن يُعامِلَكُمُ النَّاس فكذلِكَ عامِلُوهم" في الأصل اليونانيκαθὼς θέλετε ἵνα ποιῶσιν ὑμῖν οἱ ἄνθρωποι, ποιεῖτε αὐτοῖς ὁμοίως (معناها كما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا بهم هكذا) تشير إلى القاعدة الذهبية الذي يرى فيها متى الإنجيلي ملخص الشريعة والأنبياء "فكُلُّ ما أَرَدْتُم أَن يَفْعَلَ النَّاسُ لكُم، اِفعَلوهُ أَنتُم لَهم: هذِه هيَ الشَّريعَةُ والأَنبِياء" (متى 7:12). أمَّا الشريعة والأنبياء في نظر لوقا الإنجيلي فهي قبل كل شيء نبوءات التي تتحقق في يسوع كما يؤكده يسوع لتلميذي عمواس "فبَدأَ مِن مُوسى وجَميعِ الأَنبِياء يُفَسِّرُ لَهما جميعِ الكُتُبِ ما يَختَصُّ بِه" (لوقا 24: 27). ومن هذا المنطلق، العبارة تعني عمل الخير للحصول على الخير بالمقابل. كان العهد القديم يعرف هذه القاعدة بالشكل السلبي: "كُلُّ ما تَكرَهُه لا تَفعَلْه بِأَحَدٍ مِنَ النَّاس " (طوبيا 4، 15)، لكن يسوع وضعها في صيغة إيجابية وأضفى عليها طابعا جديدا، وهي المبادرة إلى عمل الخير للناس دون توقع المبادلة استنادا على المحبة كي نكون على مستوى الآب السماوي، ويعلق القديس كيرلس الكبير "اعتمد يسوع على غريزة محبَّة النفس حكمًا بين الناس بعضهم ببعض، فأمر كل واحد أن يعمل للآخرين ما يريد منهم أن يعملوه له. فإذا كنا نحب الآخرين أن يعاملونا بالرحمة والشفقة، كان واجب علينا إذن أن نعاملهم بالمثل". إنه يطالبنا لا أن نردَّ معاملة إخوتنا بالمثل، وإنما أن نقدَّم لهم ما نشتهيه لأنفسنا، بغض النظر عمَّا يفعلونه معنا. وهذه القاعدة معروفة في العالم اليهودي والوثني القديم لكن في صيغة سلبية "لا تفعل بالآخرين ما لا تريد أن يُفعل بك". وهذه القاعدة الذهبية كما صاغها يسوع، هي أساس أعمال الخير والرحمة؛ وهذا ما يصنعه الله معنا كل يوم. وإذا ما تمّ الالتزام بها، تكفي بمفردها لتغيير وجه العائلة والمجتمع والبشرية. 32 فإِن أَحبَبتُم مَن يُحِبُّكم، فأَيُّ فَضْلٍ لَكُم؟ لأَنَّ الخَاطِئينَ أَنفُسَهُم يُحِبُّونَ مَن يُحِبُّهُم. تشير عبارة "فإِن أَحبَبتُم مَن يُحِبُّكم" إلى دعوة يسوع إلى النزاهة في المحبة وعدم انتظار المكافأة إلاَّ من الله "إِذا صَنَعتَ غَداءً أَو عَشاءً، فلا تَدْعُ أَصدِقاءَكَ ولا إِخوَتكَ ولا أَقرِباءَكَ ولا الجيرانَ الأَغنِياء، لِئَلاَّ يَدْعوكَ هُم أَيضاً فتَنالَ المُكافأَةَ على صنيعِكَ" (لوقا 14: 12). أمَّا عبارة "فأَيُّ" فتشير إلى استفهام إنكاري، أي لا فضل لكم. فإن كان المسيحيون لا يعملون أكثر من هؤلاء الخاطئين يكونوا قد قصَّروا في واجباتهم. فمن يحب من يحبُّه له ليس له أجرة عند المسيح، لأنه يعتبر سلوكه كالخاطئ. مكافأة المحبة بالمحبة عدل بشري. والمحبة للذين يبغضوننا، إنما هي محبة إلهية، وأمَّا البغض من يَحبُّنا فهو عمل شيطاني. أمَّا عبارة "فَضْل" في الأصل اليوناني χάρις (معناها هِبة، نعمة) فتشير إلى فكرة الامتنان والإحسان بلا مقابل. وهذه الكلمة توحي في نظر لوقا حظوة عند الله ورضاه (لوقا 1: 30) ونعمة الله تعالى تجاه الخطأة (لوقا 17: 9). يركز لوقا الإنجيلي على المقارنة بين فضل الناس وفضل الله، ويُبيّن يسوع أن فضل الله مُطلق لا يعود إلاّ لعطائه المجاني كما جاء في تعليم سيدنا يسوع المسيح "أَلا يَجوزُ لي أَن أَتصرَّفَ بِمالي كما أَشاء؟" (متى 20: 15). يريد يسوع أن يُبيّن رأفة الله التي تفوق مقاييس البشر في المكافأة المفهومة كأجرة مستحقة كما ورد في إنجيل متى حيث يستخدم اللفظة القانونية μισθός (معناها أجر) التي نستخدم في جباية الضرائب (متى 5: 46)، أو الأجرة، بمعنى ما هو مستحق. أمَّا عبارة "الخَاطِئينَ " فتشير إلى هؤلاء الذين يتعدُّون على شريعة الله وأحكامه. ويدل يسوع إلى مثل جابي الضرائب –العشار الخاطئ-الذي كان يسرق من جهة، ويتعامل مع العدو من جهة ثانية (متى 9: 10-11). فما الفرق بين الخاطئ والمسيحي الذي يتبع حقا تعاليم المسيح؟ وما الفرق بين العشَّار والمسيحي كما يسأل يسوع " فإِن أَحْبَبْتُم مَن يُحِبُّكُم، فأَيُّ أَجْرٍ لكم؟ أَوَلَيسَ الجُباةُ يفعَلونَ ذلك؟" (متى 5: 47). فكم بالحري يجب أن تكون محبة المسيحي أعظم حتى تعمُّ أعداءه كما أوصانا يسوع. يجب أن تكون محبة تلاميذ المسيح لغيرهم أشدَّ من محبة جماعة الخطأة، لا بل ينتظر منهم أن يحبوا أعداءهم كما يحب العشارون أحباءهم. 33 وإِن أَحسَنتُم إلى مَن يُحسِنُ إِليكُم، فأَيُّ فَضْلٍ لَكُم؟ لأَنَّ الخاطِئينَ أَنفُسَهُم يَفعَلونَ ذلك. تشير عبارة "أَحسَنتُم" إلى لفظة أخلاقية استخدمها لوقا الإنجيلي بدل التحية الواردة في إنجيل متى "إِن سلَّمتُم على إِخواِنكم وَحدَهم، فأَيَّ زِيادةٍ فعَلتُم؟" (متى 5: 47). أمَّا عبارة "الخاطِئينَ" فيستخدمها لوقا بدل كلمة "الوثنيين" الوارد ذكرهم في متى (5: 46-47). لان إنجيله موجّه إلى الوثنيين؛ أمَّا عبارة "لأَنَّ الخاطِئينَ أَنفُسَهُم يَفعَلونَ ذلك" فتشير إلى مقدرة الخطأة أن يعيشوا فيما بينهم عيشة تضامن، تعود عليهم بالربح والمنفعة من جهة، وبالضرر بمصلحة الآخرين من جهة أخرى. أمَّا يسوع ينصح صاحب الدعوة " إِذا صَنَعتَ غَداءً أَو عَشاءً، فلا تَدْعُ أَصدِقاءَكَ ولا إِخوَتكَ ولا أَقرِباءَكَ ولا الجيرانَ الأَغنِياء، لِئَلاَّ يَدْعوكَ هُم أَيضاً فتَنالَ المُكافأَةَ على صنيعِكَ" (لوقا 14: 12) يدعو يسوع تلاميذه إلى السخاء في إعطاء الفقراء والنزاهة في عمل الخير. وإن فكرة يسوع الأساسية في الصدقة هي أن تكون شمولية، أي أن تتجاوز الجماعة المُبيَّنة على أواصر القربى (القبيلة، العائلة، والعِرق واللون والدّيانة والمذهب). 34 وإِن أَقرَضتُم مَن تَرجُونَ أَن تَستَوفوا مِنه، فأَيُّ فَضْلٍ لَكُم؟ فهُناكَ خاطِئونَ يُقرِضونَ خاطِئينَ لِيَستَوفوا مِثلَ قَرْضِهم. تشير عبارة " أَقرَضتُم " إلى عوائد اليهود مثل عوائد الأمم في القرض (متى 25: 27)؛ وكانت القروض العبرانية لأجل قصيرة الأمد وكانت الشريعة الموسوية تفرض على العبراني أن يقرض أخاه الفقير بدون ربا (خروج 22: 25)، لكن يسوع يدعونا يسوع إلى التجرد في دعوتنا المسيحية والابتعاد عن القول: "أعطي الآخر اليوم لكي يعطيني غداً " إذ طالب تلاميذه "أَقرِضوا غَيرَ راجينَ عِوَضاً" (لوقا 6: 35). 35 ولكِن أَحِبُّوا أَعداءَكم، وأَحِسِنوا وأَقرِضوا غَيرَ راجينَ عِوَضاً، فيَكونَ أَجرُكم عَظيماً وتكونوا أَبناءَ العَلِيّ، لِأَنَّهُ هو يَلطُفُ بِناكِري الجَميلِ والأَشرار. تشير عبارة" أَحِبُّوا أَعداءَكم" إلى دعوة يسوع إلى عدم الأخذ بالثأر، بل التغلب على الشر بالخير، وذلك بمحبة أعدائنا والصلاة لأجلهم لا بالانتقام منهم. يدعونا يسوع إلى حب بلا حدود وذلك أن نحب كما يُحبُّ الله، وأن نكون علامة حب الآب الذي يحب كل الناس حتى أعدائه، وذلك باتباع وصية يسوع " لا تدينوا، لا تحكموا، اغفروا، أعطوا". فلا أعداء للمسيحي، لأنه يعتبر كل واحد قريبه (لوقا 10: 20-37)، ولأنَّه يقتدي بالآب السماوي الذي لا يُميّز بين الأخيار والأشرار حين يشرق شمسه أو يرسل مطره (متى5: 45). فعندما يحافظ المسيحي على العلاقة مع العدو إنما يجد نفسه غنياً بالحب الّذي يجعل الحياة حقيقية وأبديّة. فإذا أحببننا أعداءنا فإننا نُثبت أن يسوع هو سيد حياتنا. أمَّا عبارة "أَحِسِنوا وأَقرِضوا غَيرَ راجينَ عِوَضاً" فتشير إلى حب منزّه عن المصلحة وحب مجاني. إن ما نعطيه من مال للآخرين ينبغي أن نعتبره هبة أو عطية من أجل الله، وليس على سبيل التعالي أو القرض. أمَّا عبارة "فيَكونَ أَجرُكم عَظيماً وتكونوا أَبناءَ العَلِيّ " فتشير إلى أجرة التلاميذ العظيمة، وهي بنوَّتهم لله العليّ، وهذه البنوة تُلزمهم الاقتداء بأبيهم السماوي. 36 كونوا رُحَماءَ كما أَنَّ أَباكُم رَحيم. تشير عبارة "كونوا رُحَماءَ كما أَنَّ أَباكُم رَحيم" إلى دعوة للتشبّه برحمة الله العظمى: الرّحمة الإلهيّة ما هي إلّا محبّة الله الواسعة اللّامتناهية التي تسعى دائماً إلى خلاص جميع النّاس من الخطيئة ومن الموت لنيل الحياة الأبديّة. أمَّا عبارة"رُحَماءَ" فتشير إلى المساهمة في آلام الآخرين، ومشاركتهم مصابهم، والشفقة على الآخرين والتعاطف معهم، وبكلمة أخرى، أن نظهر تجاه الآخرين الحنان، الشفقة، والرأفة، والحلم، والطيبة. يعلق البابا فرنسيس " إذ نلنا المغفرة لكي نغفر بدورنا، وإذ لمستنا المحبة لكي نعطي المحبة بدون أن ننتظر بأن يبدأ الآخرون، وإذ خُلِّصنا بمجانية لكيلا نبحث عن أية مصلحة في الخير الذي نقوم به" عظة 23/2/2020). أمَّا عبارة "أَباكُم رَحيم" فتشير إلى الله الرحيم، وهو تعبير تقليدي من تعابير العهد القديم (خروج 34:6، ومزمور78: 37). بينما يتكلم متى الإنجيلي عن كمال الله "كونوا أَنتُم كامِلين، كما أَنَّ أَباكُمُ السَّماويَّ كامِل "(متى 5: 48) ويرى القديس لوقا البشير أن الكمال هو المحبة الرحومة: أن نكون كاملين يعني أن نكون رحماء. يكمن الكمال في الرحمة. وإنجيله هو إنجيل الرحمة. والمطلوب من التلاميذ الكمال على مثال الآب السماوي، فكمال التلاميذ يجب أن يكون مطابقا لكمال الله الرحيم الذي يشمل حبه "الأبرار والأشرار" (متى 5: 45). ويُظهر الله رحمته تجاه الشقاء البشري منذ البداية حتى النهاية. وعلى الإنسان. بدوره، أن يظهر رحمةً نحو قريبه، تمثلاً بخالقه. ولا شك في أن المؤمن لا يبلغ بسهولة الكمال الذي يُقدِّمه يسوع لنا، ولكن كلام الإنجيل يبقى للمؤمن النور الذي يوجَّه طريقه. يُريدنا الرب أن نتشبَه به، يُريدنا أن نكون قلبنا نابض حبا وحناناً، يُريدنا أن يكون أيدينا مباركة لدى إخوتنا. ويُعلق البابا فرنسيس: "قد يقول لي أحدكم: "لكنّ هذا الشخص يدمِّرني!" - أمَّا أنت فلا يمكنك أن تدمِّره لأنّه لا يمكنك أن تدخل في منطق المُتَّهِم الكبير. ولكن يا أبتي أنا أيضًا أريد أن أتِّهم، -اتهَّم نفسك إذًا فهذا الأمر سيفيدك، لأنّ الاتهام الشرعي الوحيد الذي نملكه كمسيحيين هو اتهام أنفسنا. أمَّا تجاه الآخرين فلا نملك إلا الرحمة لأننا أبناء الآب الذي هو رحيم". كلّ رحمة نمارسها تجاه الآخرين تجعلنا نفهم رحمة الربّ تجاهنا. ويوصي القديس إسحاق السرياني "لتَمِل دفّة ميزانك إلى الرحمة دومًا، حتّى تشعر بالرحمة التي يكنّها الله للعالم". 37 لا تَدينوا فَلا تُدانوا. لا تَحكُموا على أَحَدٍ فلا يُحكَمَ علَيكم. أُعْفُوا يُعْفَ عَنكم". تشير عبارة "لا تَدينوا" إلى عدم انتقاد عيوب الناس، والحكم القاسي بلا تروٍ وبمحاباة دون محبة، أنه نوع من النقد المتطرف الذي يهدمهم؛ كان اليهود يُشدِّدون الحكم على غيرهم من الأمم وكان الفريسيون يحكمون على غيرهم من أمَّتهم أو غيرهم بلا شفقة ولا محبة ولا عدل، وهم عميان عن عيوب أنفسهم. يعُلق القديس يوحنا الذهبي الفم "إن كانت الرحمة تدفعنا للتشبُّه بالله الرحيم نفسه؛ فإنَّنا نطلب رحمة يلزمنا أن نرحم إخوتنا ولا ندينهم". ويرى الأب يومين " أن من يدين أخاه ينشغل بخطايا الغير لا بخطاياه". يطلب يسوع منا أن نفحص حياتنا بدلا من أن ننتقد الآخرين، "أَيُّها المُرائي، أَخْرِجِ الخَشَبَةَ مِن عَينِكَ أَوَّلاً، وعِندَئِذٍ تُبصِرُ فتُخرِجُ القَذى مِن عَينِ أَخيك" (متى 7: 5)، لأنه يجب علينا التحقق أولاً أننا نستحق نفس النقد قبل أن نشرع في انتقاد شخص آخر. وفي هذا الصدد يقول بولس الرسول " فلا عُذر َلَكَ أَيًّا كُنتَ، يا مَن يَدين، لأَنَّكَ وأَنتَ تَدينُ غَيرَكَ نَحكُمُ على نَفْسِكَ، فإِنَّكَ تَعمَلُ عَمَلَه، يا مَن يَدين" (رومة 2: 1) ويضيف يعقوب الرسول سبب آخر بقوله بإدانة الإنسان نفسه عندما يدين الآخرين بقوله" إنَّ الَّذي يَقولُ السُّوءَ على أَخيه أَو يَدينُ أَخاه يَقولُ السُّوءَ على الشَّريعَةِ ويَدينُ الشَّريعَة فإِذا دِنتَ الشَّريعَة لم تَكُنْ لها حافِظًا، بل دَيَّان. لَيسَ هُناك إِلاَّ مُشتَرِعٌ واحِدٌ ودَيَّانٌ واحِد، وهو القادِرُ على أَن يُخَلِّصَ ويُهلِك. فمَن أَنتَ لِتَدينَ القَريب؟ "(يعقوب 4: 11-12). لكن ليست عبارة "لا تَدينوا" مطلقة ضد كل أنواع النقد، بل هي دعوة للتمييز لا للسلبية. ليس لنا أن نحاول تحديد المسؤوليات في مواقفنا أو سلوكياتنا إزاء الآخرين، بل أن نعامل الجميع بملء المحبة. فعلينا أن نحب الآخرين لا أن ندينهم. وأكد البابا فرنسيس" أنه من الخطأ أن ندين ونحكم على الأخ الذي يُخطئ لأن إدانة الخاطئ تكسر رباط الأخوة معه وتحتقر رحمة الله الذي لا يريد التخلي عن أي من أبنائه. فواجبنا يقتضي أن نُعيد كرامة الابن إلى هذا الأخ ونرافقه في مسيرة التوبة". أمَّا الدينونة الحقة فهي من شؤون العائلة والكنيسة لتنفيذ التأديب الكنسي كما جاء في تعليم بولس الرسول " أمَّا علَيكُم أَنتُم أَن تَدينوا الَّذينَ في داخِلِها؟ َأمَّا الَّذينَ في خارِجِها (غير المسيحيين) فاللّه هو الَّذي يَدينُهم. أَزيلوا الفاسِدَ مِن بَينِكُم"(1 قورنتس 5: 12). وعلم بولس الرسول أيضا ضرورة القدرة على تمييز المعلمين الكذبة (1 قورنتس 7: 15-23). إن الله هو الديان الأعلى (1 قورنتس 4: 3-5). فلا يمكننا أن نأخذ مكانه، لأننا لا نعرف قلب الإنسان ونواياه. هذا القول لا يمنعنا من أن نعطي حكمنا على القريب، أقلّه فيما يظهر من أقواله وأعماله، ونحذر من احتقار القريب والحكم عليه بقساوة. أمَّا عبارة "تُدانوا" ويُحكَمَ " ويُعْفَ " فتشير هذه الأفعال إلى صيغة المجهول للأفعال عن دينونة الله. بهذه الطريقة يدل اليهود على الله الذي يتحاشوا التلفظ باسمه: من دان نال دينونة الله. أمَّا عبارة "لا تَحكُموا على أَحَدٍ فلا يُحكَمَ علَيكم" فتشير إلى الأحكام دون رحمة، وهذه الأحكام ترفضها كلمة الله. فيسوع لا يأمر بإلغاء الحُكم من حياتنا، وإنما يأمر بإلغاء السم الذي يسيطر على أحكامنا! كل ما هو رفض، وكل ما هو ثأر.والجدير بالذكر أنَّ كلمة المسيح " لا تدينوا" لا تنطبق على نهي القضاة والحكم الشرعي كما يؤكد ذلك بولس الرسول "أَفلَيسَ فيكم حَكيمٌ واحِدٌ بِوُسعِه أن يَقضِيَ بَينَ إِخوَتِه؟"(1 قورنتس 6: 5) ولا عن الحكم على الأشخاص والأعمال وفق العدل والحق (متى 7: 20) ويُعلق البابا فرنسيس "إن يسوع لم يشأ تغيير مسار العدالة البشرية لكنه ذكّر تلاميذه بأن العلاقات الأخوية تتطلب تعليق الأحكام والإدانة".أمَّا عبارة "أُعْفُوا يُعْفَ عَنكم " فتشير إلى مبدأ العفو والغفران. والغفران غير قابل للفصل عن قبول نعمة الله المجانية، وهو يتضمن الإدراك أن المسيح احتمل آلام عقاب الخطيئة على الصليب (متى 6: 14-15)؛ وهذا يعني أننا لا نستوجب عقابا آخر بل أن نعفو عن الآخر كما أعفى الرب عنا حسبما في تعليم السيد المسيح “أَفما كانَ يجِبُ عليكَ أَنتَ أَيضاً أَن تَرحَمَ صاحِبَكَ كما رحِمتُكَ أَنا؟ " (متى 18: 33)؛ ولذلك يُوصي يسوع أن نُظهر الرحمة والصفح بسخاء للجميع. ويُشدد البابا فرنسيس "على ضرورة أن يغفر المسيحي للآخرين، لأنه نال المغفرة بدوره، وهذا ما نصليه يوميا من خلال صلاة "الأبانا": "أَعْفِنا مِمَّا علَينا فَقَد أَعْفَينا نَحْنُ أَيْضاً مَن لنا عَلَيه ... فإِن تَغفِروا لِلنَّاسِ زلاتِهِم يَغْفِرْ لكُم أَبوكُمُ السَّماوِيّ . وإِن لَم تَغفِروا لِلنَّاس لا يَغْفِرْ لكُم أَبوكُم زلاَّتِكُم. (متى 6: 12، 14-15). 38 أَعطُوا تُعطَوا: سَتُعطَونَ في أَحضانِكُم كَيْلاً حَسَناً مَركوماً مُهَزْهَزاً طافِحاً، لِأنَّه يُكالُ لَكم بِما تَكيلون. تشير عبارة "أعطُوا" إلى سخاء دون التمييز بين مَن هو فاضل ومَن ليس فاضلاً. فليكن جميع الناس متساوين بنظرك لتحبّهم وتخدمهم، فتتمكّن عندئذ من حثّهم جميعًا على عمل الخير. أما عبارة"سَتُعطَونَ في أَحضانِكُم كَيْلاً حَسَناً مَركوماً مُهَزْهَزاً طافِحاً " فتشيرإلى تشبيه مجازي مأخوذ مما اعتادوا في كيل الحبوب وكل أوصاف الكيل. ويدل هنا إلى كمال الثواب للمحسنين إلى الفقراء والمحتاجين. والمعنى أن الناس يعاملونكم بالقول والعمل كما تعاملونهم. فان كنتم بخلاء على غيركم منتقدين أعمالهم كانوا عليكم كذلك، وإن كنتم لطفاء بهم ومسامحين لهم وكرماء كانوا عليكم كذلك. لكن يقصد لوقا أيضا غاية أخرى، وهي إن عطاء الله أكثر مما نستحق، وهو يعرف كيف يكون سخيا مع الأسخياء. أمَّا عبارة " كَيْلاً " فتشير إلى قِياس وهنا هو مجاز في كلام الناس على الجزاء وأحكام الشريعة أي التعامل في العدل والْمُساواة. أمَّا عبارة "أحضانِكُم" فتشير إلى ثياب اليهود طويلة واسعة حتى يُمكن أن يوضع في العبّ كثير من الحبوب القمح والشعير وغيرها (خروج 4: 6-7) وهي يومئذ شبيه بثياب كثيرين من عادة أهل الشرق في جمع الحبوب وذلك برفع ذيل ردائهم ووضعها فيه كما جاء في رواية بوعز وراعوت، إذ قال بوعز لراعوت: "هاتي الرَّداءَ الَّذي علَيكِ وأَمسِكيه ((فأَمسَكَته، فكالَ لَها فيه سِتَّةَ أَكْيالِ شَعيرٍ وجَعَلَها علَيها"(راعوت 3: 15). أمَّا عبارة "مَركوماً" فتشير إلى ما فيه ملبدا ومضغوطا بعضه على بعضه الآخر.أمَّا عبارة " يُكالُ لَكم بِما تَكيلون" فتشير إلى مكيال المحبة التي نعطيها للآخرين، فهو يُقرِّر كيف سنُدان، وبمقدار ما نعطي الأخوة ننال من الله! ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (لوقا 6: 27-38) انطلاقا من هذه الملاحظات الوجيزة حول وقائع النص الإنجيلي (لوقا 6: 27-38)يُمكننا أن نستنتج أن النص يتمحور في القسم الثاني من عظة يسوع الكبرى حول مواقف إنجيليه أساسية أهمها: محبة الأعداء والرحمة للجميع. 1) محبة الأعداء داخل عالم لا رحمة فيه، يدعو المسيح إلى محبة الأعداء، ويعلق البابا فرنسيس "هذه هي ثورة يسوع، الثورة الأكبر في التاريخ: من العدو الذي ينبغي كرهه إلى العدو الذي علينا أن نحبّه" (عظة 23/2/2020)، فمن هم أعداؤنا في نظره؟ لا يتكلم يسوع هنا في صورة نظرية بل واقعية، ووصف هؤلاء الأعداء بالتفصيل بقوله هم الذين "يبغضونكم"، الذين "يلعنونكم"، الذين "يفترون عليكم"، الذين "يضربونكم"، الذي "ينتزع رداءك"، الذي "يسلبك"، هم الذين يلحقون بكم الأذى بطريقة أو بأخرى، ودسائسهم لا تعرف رحمة ولا شفقة.فأعداؤك هم أشخاص يرفضونك ويكرهونك ويحتقرونك ويذهبون لأبعد مدى لأذيتك عاطفيا وجسديا إن أمكنه ذلك. أعداؤك هم الذين يسعدون بأذيتك وخدَّاعك ويكرهون الخير لك ويحقدون عليك ويحاربونك طول الوقت من ظهرك وفى مواجهتك. ويعلِن المسيح للناس وصاياه: "أن يحب من يكرهونهم، وان يباركوا من يلعنونهم، وان يصلوا من أجل من مضطهديكم، ويأمرهم بالمسامحة الكاملة. ويعلق القديس أوغسطينوس: لا تفيدنا الصلاة من أجل الأصدقاء بقدر ما تنفعنا لأجل الأعداء. فإن صليّنا من أجل الأصدقاء لا نكون أفضل من العشّارين، أمّا إن أحببنا أعداءنا وصليّنا من أجلهم فنكون قد شابهنا الله في محبّته للبشر". فإن أُصيب الإنسان في كرامته مثلا الضرب على الخد، ينبغي أن يستعد لاحتمال أكثر فأكثر من أجل كسب أخيه الذي يُعاديه. وإذا أُصيب الإنسان في ممتلكاته الخاصة كالرداء، عليه إن يحمل سِمة سيِّده يسوع المسيح فيكون محبًا للعطاء أكثر من الأخذ، من يسأله يعطيه، ومن يقترض منه لا يطالبه برد الدَيْن. هل منطق يسوع هو خاسر؟ إنه خاسر في نظر العالم، ولكنّه رابح في عيني الله. لقد قال لنا القديس بولس "فلا يَخدَعَنَّ أَحَدٌ نَفْسَه، لِأَنَّ حِكمَةَ هَذا العالَمِ حَماقَةٌ عِندَ الله" ( 1 قورنتس 18-19). يطلب يسوع منَّا أن نحبَّ الأعداء من خلال مواقف محسوسة وواقعية: أن نردَّ العداوة بالحب. هذا الحب يترجم إلى عمل رحمة: "اَحسنوا إلى مبغضيكم"، "أَحسِنوا لهم"، "وبارِكوهم"، "وصلُّوا مِن أَجْلِهم"، أعطوهم، لا تطالبوهم "وكَما تُريدونَ أَن يُعامِلَكُمُ النَّاس فكذلِكَ عامِلُوهم". ويعلق البابا فرنسيس "إنها الحداثة المسيحية هي الصلاة والمحبة: هذا ما ينبغي علينا فعله، وليس فقط تجاه من يحبنا وليس فقط تجاه أصدقائنا وليس فقط تجاه شعبنا. لأن محبّة يسوع لا تعرف الحواجز والحدود. إن الرب يطلب منا شجاعة محبة بلا حسابات، لأن مقياس يسوع هو المحبة بلا قياس" (عظة 23/2/2020). لكنّ هذا الأمر صعب في الْمعيار الإنساني المبني على الفِعل وردّة الفعل، لكن ممكن في الْمعيار الإنجيلي حيث لا نعمل لوحدنا؛ إنها نعمة ينبغي علينا أن نطلبها ونقول للرب: "ساعدني يا رب لكي أحب، علّمني أن أغفر. لكنني لست قادرًا لوحدي، أنا بحاجة إليك". نلاحظ هنا أن عيش الإنجيل ليس سهلا، وطريقه ليست دائما مفروشة بالورود، وهي إن نقابل اللعنة بالبركة، والحقد بالحب، والكراهية بالمودة، والعنف باللين، والظلم بالرحمة. لكن لا ننسى أننا أبناء الله، ولنا طبيعة الله. لذلك قدم لنا يسوع هذه الوصايا. وغاية هذه الوصايا أمران: الاقتداء بالمسيح وكسب الآخر بمحبة المسيح لتغيره من عدو إلى صديق. ويعلق أحد آباء الكنيسة "لو لم يكن شريرًا ما كان قد صار لكم عدوًا. إذن اشتهوا له الخير فينتهي شرّه، ولا يعود بعد عدوًا لكم. إنه عدوّكم لا بسبب طبيعته البشريّة وإنما بسبب خطيّته!". ويقدِّم لنا يوحنا الذهبي الفم تدريبات روحية لكي نصل إلى محبة الأعداء فيقول "من يسئ لا أردُّ له الإساءة، ولا أفكر في الانتقام. قَد وَرَدَ في الكِتاب: ((قالَ الرَّبُّ: لِيَ الاِنتِقامُ وأَنا الَّذي يُجازي)) (رومة 12: 19) أصلى من أجل المسيء إلىّ. وعندما أصلى من أجل المسيء لكي يهديه الرب، ولكي أهدأ أنا أيضاً، ويقل غضبى عليه. فالصلاة هنا لها منفعة مزدوجة من أجلى ومن أجل المسيء إلىّ. يمكنني أن أعاتب المسيء إليَّ على إساءته بلطف فتنتهي المشكلة، وإن لم يقبل العتاب أتركه بدون أثر للزعل. والمسيح له المجد عاتب من ضربه (متى 13: 37-39)". ومثالنا في محبة الأعداء هو يسوع. فإنه تعرّض للأعداء كما صرّح "لم يُريدوني مَلِكاً علَيهم" (لوقا 19: 27). وقد سلّموه للموت، وهو، من فوق صليبه ومع ذلك غفر لهم "يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم، لِأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون"(لوقا 23: 34). ويعلق البابا "لم يوجّه يسوع إصبع الاتهام ضدّ الذين حكموا عليه ظلمًا وقتلوه بوحشية، ولكنه فتح لهم ذراعيه على الصليب، وسامح الذين صلبوه" (عظة 23/2/2020). وهكذا ينبغي أن يصنع التلميذ"، اقتداء بمعلمه الذي "شُتِمَ ولَم يَرُدَّ على الشَّتيمَةِ بِمِثلِها. تأَلَّمَ ولم يُهَدِّدْ أَحَدًا، بل أَسلَمَ أَمْرَه إلى مَن يَحكُمُ بِالعَدْل" (1 بطرس 2: 23). وقد سار إسطفانس أول الشهداء على خطى يسوع، إذ لمَّا أخذ الأعداء يرجمونه " سَجَدَ وصاحَ بأعلى صوتِهِ " يا ربّ، لا تَحسُبْ علَيهم هذهِ الخَطيئَة " (أعمال الرسل 7: 60). ولم يتردَّد بولس الرسول أن يصف خبرته "نُشتَمُ فنُبارِك، نُضطَهَدُ فنَحتَمِل، يُشَنَّعُ علَينا فنَرُدُّ بِالحُسْنى" (1 قورنتس 4: 12-13). يطبّق المسيحي بتصرفه هذا مع عدوه وصيّة بولس الرسول: "لأَنَّكَ في عَمَلِكَ هذا تَرْكُمُ على هامَتِه جَمْرًا مُتَّقِدًا" (رومة 12: 20). وليس في الأمر انتقاماً؛ قد تتحوّل هذه النار إلى حب إذا ما تقبل العدوّ ذلك. فالإنسان الذي يحب عدوّه، يستهدف تحويله إلى صديق، ويتخذ الوسائل المؤدية لذلك بحكمة. ويعلق مارتن لوثر كنج "الحب هو الشيء الوحيد القادر على تحويل العدو إلى صديق". وقد سبقه الله في هذا المضمار" صالَحَنا اللهُ بِمَوتِ َابِنه ونَحنُ أَعداؤُه" (رومة 5: 10). الآب السماوي الذي سامح بأبنه يسوع كل شيء، يقدر أن يعلم أبناءه كيف يغلبون اللعنة بالغفران "المحبة لا تَحنَقُ ولا تُبالي بِالسُّوء" (1 قورنتس 13: 5) وبالمحبة "أَحِبُّوا أَعداءكم، وأَحسِنوا إلى مُبغِضيكُم" (لوقا 6: 27) وبالصفح " واصفَحوا بَعضُكم عن بَعضٍ إِذا كانَت لأَحَدٍ شَكْوى مِنَ الآخَر. فكما صَفَحَ عَنكُمُ الرَّبّ، اِصفَحوا أَنتُم أَيضًا" (قولسي 3: 13) وبالصلاة "صلُّوا مِن أَجْلِ المُفتَرينَ الكَذِبَ علَيكُم" (لوقا 6: 28) وهنا تمتزج المحبة بالعبادة؛ فنشتهي خلاص المسيئين إلينا وشركتهم معنا في المجد بالصلاة عنهم لتوبتهم. لا يقدر المسيحي أن يلعن كما جاء في تعليم القديس بطرس الرسول "لا ترُدُّوا الشَّرَّ بِالشَّرّ والشَّتيمَةَ بِالشَّتيمَةَ، بل بارِكوا، لأَنَّكم إلى هذا دُعيتُم، لِتَرِثوا البَركة" (1 بطرس 3: 9). بالأحرى ينبغي على المسيحي أن يبارك لاعِنيه على مثال الرب (لوقا 6: 28). فالمسيح لم يأتِ ليلعن ويدين (يوحنا 3: 17) فهو بالعكس يحمل البركة. وخلال حياته لم يلعن أحداً ابدأ، لكنه لم يتردَّد على التفوه بالتهديدات والإنذارات والنبوءات المؤلمة للكتبة والفِرِّيسيُّينَ "الوَيلُ لَكم أَيُّها الكَتَبَةُ والفِرِّيسيُّونَ المُراؤون فإِنَّكم تُؤَدُّونَ عُشْرَ النَّعْنَع والشُّمْرَةِ والكَمُّون، بَعدَما أَهمَلتُم أَهَمَّ ما في الشَّريعة: العَدلَ والرَّحمَةَ والأَمانة " (متى 23: 23)، كما وجّه إنذارات لمدن الجليل غير المؤمنة "الوَيلُ لَكِ يا كُورَزين! الوَيلُ لَكِ يا بَيتَ صَيدا!" (متى 11: 20)، وتنبأ للإنسان الذي يُسلم ابن البشر "الوَيلُ لِذلِكَ الإِنسانِ الَّذي يُسلَمُ ابنُ الإِنسانِ عن يَدِه. فلَو لم يُولَدْ ذلكَ الإنسانُ لَكانَ خَيراً له" (متى 26: 24). ولن تظهر كلمة لعنة على شفتي يسوع إلاّ في مجيئه الأخير "يقولُ لِلَّذينَ عنِ الشِّمال: إِليكُم عَنِّي، أَيُّها المَلاعين، إلى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ المُعدَّةِ لإِبليسَ وملائِكَتِه " (متى 25: 41). تقوم كسب الآخر بمحبة المسيح على محبة شاملة ومجانية وبلا حدود ولا شروط. المحبة المسيحية شاملة، تتجاوز الجماعة المبنيَّة على أواصر القربى الدم والعائلة، العشيرة، القبيلة، والعرق، والقومية، والدين. والمحبة المسيحية مجانية، لا تقوم على الربح والمنفعة والمصلحة أو على الحاق الضرر والذي بمصلحة الآخرين. والمحبة المسيحية أخيراً هي بدون حدود، فهي تتخطى جميع السنن النفسية والاجتماعية التي هي طبيعية، وهي تطال جميع البشر بما فيهم الأعداء والخصوم. إنها رحمة من اجل المسيح، لا تعرف حدأ ولا تضع شرطا. مطلوب أن تنمو المحبة كماً ونوعاً. نقصد "كمّا" بان نحاول أن نحبَّ كل يوم أشخاصا أكثر فأكثر في هذا العالم الواسع، أمَّا "نوعا: فنقصد بها أن نحب كما يحب الله فنقتدي بالحب اللامحدود وأن نكون علامة حب الآب الذي يُحب كل الناس حتى "أعدائه". وفي هذا الصدد قال العلامة أوغسطينوس "منعنا الله أن نحب الرذيلة التي في العدو، بل أن نرتبط بمحبَّة طبيعيّة معه". قد يعترض البعض بقوله: "كان المسيح إلهًا أمَّا أنا فإنَّسان ضعيف". فيجيب القديس كيرلس الأول " أيها الإنسان اعلم أن الله لم يجرِّدك من روح رأفته ومحبَّته، فهو بجوارِك، لا بل في داخلك، هو فيك بالروح القدس، لأننا نحن مسكنه وهو يسكن في نفوس مُحبِّيه، هو الذي يعضِّدك بيمينه، فلا تتزعزع، ويمسك بك فلا تسقط. إذن "لا تَدَعِ الشَّرَّ يَغلِبُكَ، بلِ اغلِبِ الشَّرَّ بِالخير" (رومة 12: 21). خلاصة القول، نحن أمام احتمالين من مطالب الرب: فإمَّا أن نعادي أعداءنا، وبالتالي لا نستطيع أن نطبق وصايا الرب، لأننا في هذه الحالة لا نحب حقاً أي أحد، باستثناء نفوسنا، وإمَّا نحب أعداءنا كنفوسنا، حيث نضع الآخر فوق كل شيء ولا نسمح لأي شيء أن يمنعنا من البقاء على علاقة جيدة مع العدو ونحبّه كما هو، لكن لا نحب أعماله الشريرة. الله يحب الإنسان ولكنه يشجب الخطيئة أينما وجدت. 2) الرحمة: الرحمة من اجل المسيح ما هي إلاَّ المحبة المسيحية لوجه الله. ويطلب يسوع منا الكمال "فكونوا أَنتُم كامِلين، كما أَنَّ أَباكُمُ السَّماويَّ كامِل" (متى 5: 48). والكمال الذي يتطلَبه المسيح من تلاميذه، يقوم، في إبداء الرحمة " كونوا رُحَماءَ كما أَنَّ أَباكُم رَحيم" (لوقا 6: 36). يطلب يسوع منا الرحمة من خلال مواقف محسوسة وواقعية: "لا تَدينوا"، "لا تَحكُموا على أَحَدٍ"، "ُأعْفُوا". الرحمة شرط أساسي لدخول ملكوت السماوات "طوبى لِلرُّحَماء، فإِنَّهم يُرْحَمون" (متى 5: 7). وينادي يسوع بالرحمة (متى 6: 13) مردداً كلمات هوشع النبي "إنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً وَمَعْرِفَةَ اللَّهِ أَكْثَرَ مِنْ مُحْرَقَاتٍ " (هوشع 6: 6). وهذه الرحمة يجب أن تجعلني شبيه بالسامري الصالح (لوقا 10: 30-37)، قريباً من الشخص البائس الذي تجمعني به الصدفة، ورحيماً بمن يكون قد أساء إليَ، لأن الله قد منحني رحمته "أَفما كانَ يجِبُ عليكَ أَنتَ أَيضاً أَن تَرحَمَ صاحِبَكَ كما رحِمتُكَ أَنا؟" (متى 18: 33). فالرحمة تجعل البشر يتعاملون كما يتعامل الله. ولكن طالما الإنسان يسعى إلى العمل بقواه الذاتيّة بدون نعمة الله فهو عاجز عن الرحمة. في الواقع، من سمات الإنسان العادي أنه يحب الذين يحبونه، ويقرض الذين يتوقع أن يسترد منهم، أي يتعامل بالمثل. أمَّا الإنسان المسيحي فهو الذي يتخذ من شخص يسوع المسيح مثالًا له في الرحمة والعطاء، لأن الرب ينعم أيضًا على غير الشاكرين والأشرار. فالمسيحي تمتد محبته فتشمل الأعداء، وإحسانه يشمل المُبغضين، وصلاته ترفع لأجل المسيئين إليه أيضًا وبدافع من هذه المحبة غير المحدودة، لا يدين أخاه، بل يغفر له، ويفعل الخير وهو لا ينتظر شيئا، ولا يحكم في أحد، ويُعطي بسخاء. فسلاح المسيحي هو الرّحمة والمحبّة، بدل الشّر ومسبِّباتِه: أحبّوا أعداءكم. فالسلاح الذي يستعمله المسيحي لحلِّ مشاكِلِه، لا صلة له بالسّلاح الحربي، هو سلاح الصّلاة والالتجاء إلى رحمة الله ومحبّته. من هذا المنطلق، إن كانت الرحمة تدفعنا للتشبُّه بالله الرحيم نفسه فهي تلزمنا أن نرحم إخوتنا ولا ندينهم: لا تَدينوا فَلا تُدانوا. لا تَحكُموا على أَحَدٍ فلا يُحكَمَ علَيكم" (لوقا 6: 37). فمن يدين أخاه ينشغل بخطايا الغير لا بخطاياه ويفقد القوَّة على إصلاح نفسه متطلِّعا على الدوام نحو أخيه، لذلك يقول المسيح: "أَيُّها المُرائي، أَخْرِجِ الخَشَبَةَ مِن عَينِكَ أَوَّلاً، وعِندَئِذٍ تُبصِرُ فتُخرِجُ القَذى مِن عَينِ أَخيك " (متى 7: 5)؛ ويؤكّد ذلك يقول بولس الرسول " لا عُذر َلَكَ أَيًّا كُنتَ، يا مَن يَدين، لأَنَّكَ وأَنتَ تَدينُ غَيرَكَ نَحكُمُ على نَفْسِكَ، فإِنَّكَ تَعمَلُ عَمَلَه، يا مَن يَدين (رومة 2: 1). وفي قصة المرأة الزانية يسوع قد أدان الخطيئة لا الإنسان؛ فقالَ لها يسوع: وأَنا لا أَحكُمُ علَيكِ. إِذهَبي ولا تَعودي بَعدَ الآنَ إلى الخَطيئة". (يوحنا 8: 11). فيدعونا يسوع إلى كره الخطيئة ومحبة الخاطئ. هكذا سوف ندان بقدر الرحمة التي نكون أظهرناها لشخص يسوع ذاته، في الإنسان الجائع والغريب، والمريض المنبوذ ولو على غير علم منا كما جاء في تعليم يسوع عن الدينونة العظمى "يُجيبُه الأَبرار: (يا رَبّ، متى رأَيناكَ جائعاً فأَطعَمْناك أَو عَطشانَ فسَقيناك؟ ومتى رأَيناكَ غريباً فآويناك أَو عُرياناً فكَسَوناك؟ ومتى رَأَيناكَ مريضاً أَو سَجيناً فجِئنا إِلَيكَ؟) فيُجيبُهُمُ المَلِك: الحَقَّ أَقولُ لَكم: كُلَّما صَنعتُم شَيئاً مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه " (متى 25: 37 -40). لكن الغضب الإلهي ينصب على الذين تجرَّدوا من الرحمة الذين "لا فَهمَ لَهم ولا وَفاء ولا وُدَّ ولا رَحمَة" (رومة 1: 31). بما أنّ حب الآب السماوي يحيا فينا، وهو موجود فينا بفضل الروح القدس،يجب علينا أن نُبدي المحبة والعطف (فيلبي 2: 1)، وأن يكون قلبنا عامراً بالرحمة كما يُوصينا بطرس الرسول " كونوا مُتَّفِقينَ في الرَّأي، مُشْفِقينَ بَعضُكم على بَعض، مُتَحابِّينَ كالإِخوَة، رُحَماءَ مُتَواضعين" (1 بطرس 3: 8). فلا يجوز لنا أن نغلق أحشاءنا لأخ يقع في عوز، لأن محبة الله لا تستقر إلا فيمن يمارسون الرحمة كما ورد في رسالة يوحنا الحبيب "مَن كانَت لَه خَيراتُ الدُّنْيا ورأَى بِأَخيهِ حاجَةً فأَغلَقَ أَحشاءَه دونَ أَخيه فكَيفَ تُقيمُ فيه مَحبَّةُ الله؟ "(1 يوحنا 3: 17). تمشيا مع توصية يسوع بالرحمة أعلن البابا بولس السادس عام 1965 عن افتتاح سنة رحمة في العالم كله، وهكذا يشترك مسيحيّو العالم بالصلاة وطلب الرحمة، بقلب واحد، وصوت واحد. وبالمناسبة طلب البابا الاحتفاظ بهذا الأحد تحت اسم أحد الرّحمة. وفي هذه المناسب قال البابا "أبواب الكنائس الآن مفتوحة، فبقي علينا أن نفتح قلوبنا لرحمة الله ومحبّته، إذ الله بالذات فتح قلبه لنا، وبالأخص لكلِّ خاطئ. هو فتح لنا قلبه فيجب علينا نحن أن نفتح له قلوبنا. يجب أن يحدث فبنا تغيير، يجب أن يحدث رجوع إلى الله". والتذكير به كل سنة، يريد منه تجديد التذكير برحمة الله الدّائمة. ويُذكِّرُنا هذا الأحد بتأسيس جمعيات الكاريتاس تقريبا في كلِّ أنحاء العالم. فلنتصوّر ما قامت به هذه الجمعية للفقراء والمحتاجين. فنحن ما عدنا نتصور الكنيسة بدون هذه الجمعيّة الخيرية العالميّة. الخلاصة يتصف الإنسان العادي أنه يحب الذين يحبونه، ويقرض الذين يتوقع أن يسترد منهم، وبكلمة أخرى أن يتعامل بالمثل. أمَّا السيد المسيح فنقل الإنسان من عقلية دنيوية بشرية محدودة إلى عقلية إنجيلية مسيحية إلهية. أذ جعل الإنسان المسيحي خليقة جديدة كما يقول بولس الرسول "إِذا كانَ أَحَدٌ في المسيح، فإِنَّه خَلْقٌ جَديد" (2 قورنتس 5: 17)، لأن كل الأمور تجدَّدت في المسيح وبالمسيح. فالمؤمن يتَّخذ من شخص يسوع المسيح مثالًا له في الحب والرحمة. الرب ينعم على غير الشاكرين والأشرار. استنادً على ذلك، فإن المسيحي مدعو إلى الحب الفائق، هذا الحب الذي يُترجم إلى عمل محبَّة ورحمة: حب ينبع من الداخل دون انتظار مقابل، ويشمل الأعداء أيضاً، وإحسانه يشمل المبغضين، وصلاته ترفع لأجل المسيئين إليه أيضًا. وبدافع من الرحمة، لا يدين أخاه، بل يغفر له، ويفعل الخير وهو لا ينتظر شيئا، ولا يحكم في أحد، ويُعطي بسخاء. إذ يليق بالإنسان البار التقي أن يكون مستعدًا لاحتمال الضرر بصبر من الذين يريدهم أن يصيروا صالحين، حتى يتزايد عدد الصالحين عوضاً أن يُضاف هو نفسه إلى عداد الأشرار، بكونه يثأر لنفسه عمَّا يصيبه من ضرر. فإنَّ احتمال بغض الناس ومضايقاتهم بقلب متسع بالحب من أجل الملكوت هو غاية التطويب، إذ فيه يبلغ المؤمن الرجولة الروحيّة أو النضوج الحق، وفي هذا الصدد قال القديس ايرونيموس ناسك بيت لحم: "طوبى للإنسان -ليس كل إنسان-بل ذاك الذي يبلغ كمال الرجولة في المسيح". بمعنى آخر، ما تبغيه كلمة الله منا في احتمالنا الآخرين بفرح هو التمتَّع بسمات السيِّد المسيح المتألّم من أجل أعدائه،" شُتِمَ ولَم يَرُدَّ على الشَّتيمَةِ بِمِثلِها. تأَلَّمَ ولم يُهَدِّدْ أَحَدًا، بل أَسلَمَ أَمْرَه إلى مَن يَحكُمُ بِالعَدْل" (1 بطرس 2: 23)، فنصير حقاً أعضاء جسده الناضجين. لكن الفضيلة المسيحية لا تتجزأ، فكما أن الإنسان المسيحي يُعطي ويبذل ويتسامح هكذا أيضًا له أن يعاتب في محبة من يخطئ إليه، "إِذا خَطِئَ إِلَيكَ أَخوكَ فوَبِّخْهُ، وإِن تابَ فَاغفِرْ له. وإِذا خَطِئَ إِلَيكَ سَبعَ مَرَّاتٍ في اليَوم، ورجَعَ إِلَيكَ سَبعَ مَرَّاتٍ فقال: أَنا تائِب، فَاغفِرْ له"(لوقا 17: 3-4)؛ وله أن يطالب بحقوقه بطريقة إنسانية بعيداً عن العنف كما علمنا يسوع " إذا خَطِئَ أَخوكَ، فَاذهَبْ إِليهِ وَانفَرِدْ بِه ووَبِّخْهُ. فإِذا سَمِعَ لَكَ، فقَد رَبِحتَ أَخاك" (متى 18: 15). وعلى هذا المنوال سار بولس الرسول تجاه بطرس الرسول " لَمَّا قَدِمَ صَخْرٌ (بطرس) إلى أَنْطاكِية، قاوَمتُه وَجْهًا لِوَجْهٍ لأَنَّه كانَ يَستَوجِبُ اللَّوم" (غلاطية 2: 11). دعاء يا رب استخدمني لسلامك، فأضع الحب حيث البغض، والمغفرة حيث الإساءة، والاتفاق حيث الخلاف، والحقيقة حيث الضلال، والإيمان حيث الشك، والرجاء حيث اليأس، والنور حيث الظلمة، والفرح حيث الكآبة. وأيّها الروح القدس، اشفِ جراحنا ببلسم حبّك الإلهي. آمين. قصة عن محبة الأعداء انتقل ضابط شرطة إلى قرية نائية، وكان قلقًا لما فيها من عائلتين بينهم ثأر، يتربصان لبعضهما سعيًا للانتقام. لم يكن مستعدًا أن يقضي كل وقته في تحقيقات لا تنتهي، ففكر في عمل مصالحة بين العائلتين، وبالفعل ذهب لزعيم أحدهما، والذي استقبله بترحاب شديد، فتحدث معه عن الصلح لتفادي الخسائر المستمر في الأرواح والأموال، وافق الرجل، فطلب منه الضابط الذهاب إلى زعيم العائلة الأخرى. تردد وخاف، فشجعه الضابط وحثه أن يظهر بمظهر الشجاعة ويكون هو الأشجع والأكرم. بالفعل ذهب معه فشعر زعيم الأسرة الأخرى بحرج أمام الضابط وضيفه، ودار حديث بينهما عن الصلح، وكشف كلاً منهما للآخر مدى خسارته من أرواح وأموال، وتعهدا بالصلح. فطلب منهم الضابط الخروج معاً وسط طرقات المنطقة، وهدأت النفوس، وتركت الأيدي الأسلحة واتجهت للتعمير والخير والسلام. عرفوا قدر الضابط وحكمته إذ منحهم فرصة العيش في سلام، قرروا أن يبادلوه حبًا بحب، ويعملوا على راحته وان لا يسمحوا، لأحد أن يفعل شيئًا يزعجه، وأصبحوا حراسًا على أمنه وراحته، وجد الضابط الراحة، ازداد إيمانًا أن المحبة تستطيع إن تصنع الكثير، تلقى التقدير والمكافأة من رؤسائه عندما وجدوا الأمن مستقراً تمامًا… أعطاهم السلام…أعطوه الإيمان. قصة: محبه الأعداء والدرَّة الثمينة كان لأب ثلاث أولاد. وكان يمتلك درة ثمينة جداً فأراد أن يقدّمها إلى واحد منهم بشرط أن يقوم بعمل أنساني لا يستطيع أي أنسان أخر القيام به. وعلم أولاده بذلك. فذهب كل منهم إلى مكان بعيد واتفقوا على الرجوع بعد مدة معينة. وبعدها رجعوا إلى والدهم ووقفوا أمامه وقال للأول: "ماذا فعلت في رحلتك؟" فأجاب " ذهبت إلي بلد بعيد وعشت مع رجل كريم فحسنت في عينيه فترك كل ما يملك أمانة في عنقي دون ما شاهد أو سند أو كفالة فحفظت له ماله حتى رجع وسلَّمته له". فقال الرجل "حسناً فعلت ولكن هذا يفعله كل البشر!". وقال للثاني "وأنت ماذا فعلت في رحلتك؟" فقال " كنت سائراً بجوار الشاطئ وسمعت في مكان نائي صوت طفل يصرخ أنقذوني أنني أغرق فأسرعت بسرعه وألقيت نفسي في البحر وأنقذته من الغرق " فقال الرجل " فعلت الأحسن ولكن هذا الأمر يفعله كل من في قلبه رحمة من البشر ". وقال للثالث "وأنت ماذا فعلت في رحلتك؟" فقال "كنت سائراً في الجبل لأبحث عن عمل جميل ولكنني فوجئت بألد أعدائي يرعى الأغنام وكان نائما على هوة عظيمة وكان على وشك السقوط فيها فيتحطم. وكانت هذه هي الفرصة الوحيدة لأتخلص من عدوي وأوقعه في الحفرة أو على الأقل أتجاهله إلى أن يسقط فيها بنفسه ولكن بعد أن أدركت أن حياته كلها في يدي أبت نفسي أن اتركه يموت وللحال تحركت عواطفي واندفعت إليه وحملته من على حافة الهوة وأسرعت به إلى مكان أمين فاستيقظ. وعلم ما كان سوف يحدث له لولا قدومي. فتعانقنا وقال إنني على استعداد أن أبذل كل ما لدي في سبيل رضاك". فقال الأب "أنك قد فعلت أحسنهم جميعاً لأنك فعلت ما لا يقدر على فعله البشر العاديون. أنت تستحق الدرة الثمينة. الأب لويس حزبون - فلسطين |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
محبة الأعداء (ع 43-48) |
محبة الأعداء |
محبة الأعداء |
تأمل في محبة قلب يسوع تحمل على محبة الأعداء |
محبة الأعداء |