كيف تتعاملين مع طفلك المغامر؟
تتعاملين طفلك المغامر؟قد تلاحظ الأم تغيراً في سلوك طفلها الذي بدأ يكره بقاءه في المنزل ويريد أن يخرج بمفرده، ويلحّ في الذهاب لزيارة أصدقائه، أو يحاول تنفيذ بعض التجارب التي درسها في مادة العلوم، أو ينتابه حب مفاجئ للقراءة، وتستهويه القصص المشوّقة...
توضح الاختصاصيّة في علم النّفس وسلوك الطفل سارة بدر المطيري «أنّ الطفل يمرّ بمراحل عدّة لكلّ منها صفات مميّزة، والمغامرة والاستقلال وحبّ التّجربة ما هي إلا سمات تمتاز بها مرحلة منتصف الطفولة، حيث يكون قد تخطّى المرحلة المبكرة، والتي كان يعتبر فيها مجرّد متلقٍ لتعليمات وتوجيهات والديه حتّى يتمكّن من إتقان المهارات الأساسيّة (اللغة وكة والقراءة والكتابة وقواعد السّلوك والآداب العامّة). وتبدأ هذه المرحلة غالباً بعد بلوغ الطّفل عامه السّابع، وتمتدّ حتّى التّاسعة، وفي خلالها تكون قد تشكّلت لديه شخصيّة غير واضحة يريد أن يستكمل ملامحها بالتّجربة الذاتيّة». وتضيف: «كما يمتاز الطفل في هذه المرحلة دون باقي مراحل عمره بأنّ لديه رغبة في تجربة الأنشطة المختلفة، وتكون لديه قدرة على تحمّل الفشل وتجاوز الأخطاء وتعديلها. وتعدّ هذه الرّغبة الدافع الفطريّ الذي يستطيع خلاله اكتساب خبرات واقعيّة». وتؤكّد «أنّ هذه المرحلة ملائمة لبدء تعليم الطّفل المهارات التي لم يتقنها من قبل، وفي الوقت عينه ترضي حبّه لاكتشاف العالم، كالسباحة، أو دراسة لغة إضافيّة، وتعليم البنات طرق إعداد وجبة خفيفة».
وتنبّه إلى ضرورة حذر الأهل من ترك الطفل في هذه السّن أمام شاشات الألعاب لفترات طويلة، لأنّه سيكون معزولاً عن العالم الخارجيّ، يهدر وقته في خوض تجارب وهميّة لا تفيده في الحياة العمليّة بأيّ شيء.
لا للفشل...
والمثابرة صفة يجب أن تنمّيها الأمّ لدى طفلها في هذه المرحلة من عمره، تعلّمه أنّ الفشل ليس نهاية المطاف، ولكنّه جزء من المحاولة والوصول إلى النّجاح، فتكرار المحاولة من صفات النّاجحين، كما أنّ لكلمات التّشجيع بالغ الأثر في منح الطفل الدّعم المعنويّ الذي يمكنه من إنهاء ما بدأ به. وتشير الإحصاءات إلى أنّ 80 % من الآباء والأمّهات يقولون لأبنائهم منذ عمر السّابعة إلى السّابعة عشرة أكثر من 145000 مرة (غبي، فاشل، انتبه، لا تفعل، إيّاك...)، وأنّ عدد المرّات التي يقولون فيها لأبنائهم خلال ذلك العمر (ذكيّ، شاطر، متفوّق، أنا فخور بك...) لا تتجاوز 4500 مرّة! ومعلوم أنّ ذلك المخزون كافٍ لتعزيز عدد محاولات الطّفل أو المراهق التي لا تنجح في المجالات كافة، بالإضافة إلى تدمير نفسيّته وانكماش الثقة لديه في المستقبل، أي إنّ من يتعرّض لهذه التّعبئة السلبيّة يصبح الفشل من سمات تركيبته النفسيّة، حيث تتكوّن لديه قناعة بأنّه بعيد تماماً عن النّجاح!
تتعاملين طفلك المغامر؟
اتّبعي هذه الخطوات
* لا تمنعي طفلكِ من تجربة أنشطة جديدة، خوفاً عليه من الفشل أو تفادياً لوقوعه في الخطأ، فهذان ليسا مانعان يحولان دون حقّه الطبيعيّ في الممارسة الفعليّة والتّجربة. فجميع الأطفال يخطئون، والطفل الذي يخطئ كثيراً هو الأحوج للتجربة أكثر ليحسّن أداءه.
تشجيع الطفل على التجربة لا يعنى إهمال قواعد الأمن والسّلامة، فلا تتركيه في حوض السّباحة وهو لم يتقن مهارة السّباحة بشكل جيّد، أو لا تسمحي له بقيادة الدرّاجة في طرق سريعة، ولا تسمحي له بزيارة أصدقاء لا تعرفينهم.
* إن لم يكن أداء طفلكِ مثاليّاً، فامتنعي عن توبيخه ونقده، ولا حتّى نصحه وتوجيهه بدون طلب منه، أو المقارنة بين إخوانه وأقرانه وبينه.
* ادعمي ثقته بنفسه، من خلال الإشادة بالأعمال التي يتقنها، وشجّعيه على المزيد من المحاولات، حتّى يقبل على اكتشاف خبرات جديدة.
* طفلكِ في الثامنة كان في السابق يتأمّل النباتات والحيوانات، الآن علّميه كيف يزرعها في وعاء، أو في الحديقة، ودرّبيه على تربية حيوان أليف (سلحفاة أو طير ملون) يرعاه بنفسه، وقدّمي له المساعدة عند الحاجة.
* اجعليه يخوض تجارب جديدة، يشارك في أعمال منزلية لم يكن يشارك فيها، وأطلعيه على مستجدّات الأحداث وبعض الأمور العائليّة، واستشيريه فيها لتبني ثقته في مكانته في الأسرة، وفي علاقته مع والديه.
مخّ الطفل يتشكّل حسب التّجارب التي يمرّ بها
* مع بلوغ الطفل عامه الثاني، يتساوى مخّه في كمّ التفرّعات الموجودة وكميّة الطّاقة التي يستهلكها مع مـخّ الشّخص البالغ. ويوضح الطبيب المتخصّص في أعصاب الأطفال الدكتور دونالد شيلدز «أنّ المخّ يحاول تعويض أيّ عجز يحدث له بقدر استطاعته، فتكرار التّجارب هو ما يعيد تشغيل كهرباء المخّ لتربط الخلايا العصبيّة في دوائر كهربائيّة تؤدّي إلى سلوك سليم يعوّض النّقص. والدليل على ذلك أنّ الرّضيع في سنّ شهرين يحاول الإمساك بشيء قريب منه، والسبب هو نمو المركز كيّ في المخّ، وفي سنّ 4 أشهر تبدأ فترة المخّ في تجهيز الموصلات العصبيّة المطلوبة للرؤية الواضحة، ومع بلوغ عامه الأوّل يستعدّ مركز الكلام في المخّ للحظة السحريّة في حياة الطفل، عندما ينطق بأولى كلماته». ولذا، ينصح العلماء بكثرة الحديث معه في هذه السنّ، لأنّ ذلك يسهل التقاط الكلمات الجديدة، أمّا عندما لا يتلقّى المخّ المعلومة الصحيحة، فإنّ النتيجة تكون مدمّرة، فبعض الصّغار يظهر مبادئ الانطواء الشّديد، ويعتزل النّاس لحساسيّته الشّديدة، أو لقلّة تعرّضه للعالم المحيط به، لكن تعاون الآباء مع الأطباء في علاج مكثّف يمكن أن يخرج المخ من أزمته. ولهذا، فإنّ الآباء هم أول وأهم معلمين ومشكلين لمخ الطفل بحسن سلوكهم وجودة تجاربهم مع الأطفال.
منقول