رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
للقمص أثناسيوس فهمي جورج
- الاستشهاد من الأسرار الكنسية | الأنبا بطرس الأول واعتبر البابا ديونيسيوس الكبير الاستشهاد سِر كَنَسِي لذلك قال: ”الشُهداء القديسون الذين هم الآن جُلساء المسيح وشُركاء ملكوته ومُشترِكون معه في الدينونة والقضاء هم وحدهم الذين خلصوا بدون معمودية“. وعندما انتشر الطاعون في الإسكندرية، خرج المسيحيون من المخابِئ ومن السراديب، وهبُّوا عائدين إلى المدينة غير هيابين اضطهاد داكيوس وغالوس وفاليريان، ليقوموا بالعِناية بالمرضى من الوثنيين، يواسون العائِلات، ويُشدِّدون الذين على شفا الموت ويُغمِضون عيون الأموات ويحملونهم على سواعِدهم ليدفنوهم، وهم يعلمون أنهم بسبب العدوى سيُلاقون نفس المصير.. لذلك قال البابا ديونيسيوس الكبير: ”وكثيرون من الذين طبَّبوا المرضى سقطوا صرعى بنفس المرض، أنَّ المسيحيين كانوا أول من رقد بسبب شهامِة الحُب غير الهيَّاب للموت، وكان منهم قسوس وشمامِسة.. فهذا الموت مع الإيمان الذي صاحبه لن يكون أقل مجدًا من الاستشهاد“. ونأتي بعد ذلك إلى عام 302 م.، حيث البابا بطرُس الأول الذي خدم وسط عواصِف الاضطهاد ومذابِح الاستشهاد العنيفة، فقد حلَّت الضيقات في الكنيسة، واستُشهِد فيها كثيرون وهرب البعض إلى الصحاري وسُجِن كثير من الأساقفة، وتهدمت الكنائِس.. حتى انتهت حياة البابا بطرُس شهيدًا وخاتِمًا للشُّهداء.. وضع الطوباوي بطرُس خاتِم الشُّهداء، بعض القوانين الخاصة بالذين جحدوا الإيمان، وقد جاءت هذه القوانين ضِمن رسالة فِصحية (Canonical Epistle (، وقد جاءت قوانينه الفِصحية الخاصة بالجاحدين للإيمان الراجعين بالتوبة تحمِل مفاهيم الكنيسة عن الاستشهاد، نذكُر منها أنَّ الاستشهاد لا يُغتصب بالإثارة، فالمسيحي الذي يُشعِل نار الاضطهاد بإثارته للمُقاومين إنما يدخل بإرادته في التجارُب.. كان القديس بطرُس مُحِبًا للاستشهاد، لكنه صلَّى ليتوقف الاضطهاد لئلا يخور الضُعفاء. . وحسب البابا بطرُس نفسه غير مُستحِق أن يكون شهيدًا للرب، ولا أساقفته مُستحقين لهذه النعمة. ولعلَّ أروع معنى للاستشهاد قد سجَّله في شهادته عندما انسكب على الأرض فَرِحًا يشكر ويُسبِّح الله من أجل نعمة الاستشهاد التي أنعم بها الرب على الأساقفة. لقد صلَّى من أجل المُعترفين إذ خشى أن يضعف أحدهم فيعثُر المُؤمنين... صلَّى حتى تسنِدهم نعمة الله ليصيروا شُهود حق للإيمان بالمسيح... كتب كثيرًا عن العذابات والقبض والسجون والضربات غير المُحتملة والأوجاع المُرعِبة واعتبرها علامات يسوع في أجسادنا، وحذَّر الذين حرموا أنفسهم من أن يتألموا على اسم المسيح... |
08 - 01 - 2022, 02:59 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: القديسين والاستشهاد
ترتليان العلامة والاستشهاد
ومن الفكر السكندري المستيكي mystic ننتقِل إلى العلاَّمة الأفريقي ترتليان (من القرن الثاني المسيحي)، الذي كتب كتابات دِفاعية كثيرة، وكتب أيضًا في الحث على الاستشهاد، ورسالة دعاها ترياق العقرب Scorpiace وحض على الاستشهاد في الرسالة التي دعاها Ad Martyras، وكتب أيضًا رسالته في الإكليل De Corona وتفرَّع عن رسالِة الإكليل رسالة أخرى في الفرار من الاضطهاد De Fuje in Persecutione أجاب ترتليانوس فيها عن السؤال: أيجوز للمسيحي أن يفِر ويختبِئ في أثناء الاضطهاد؟ وكذلك كتب ترتليان ضد اليهود Adversus Judoeos والاتهامات التي وُجِهَت للمسيحيين. وفي رسالة للمُدافِع ترتليان، كان قد وجَّهها للمسجونين لأجل الإيمان يقول: ”لا تجعلوا انفصالكم عن العالم في السجن يرعبكم، لأنَّ العالم هو السجن الحقيقي، فأنتم لم تدخلوا سِجنًا بل عُتِقتُم من السجن الحقيقي، وإن كان السجن مُفعمًا بالظلام، لكنكم أنتم أنفُسكم نور، في السجن قيود لكن الله قد حرَّركم، فيه رائِحة كريهة، لكن أنتم أنفُسكم رائِحة زكية، تنتظِرون المُحاكمة لا على فم قاضي بل على فم الله، لأنكم ستدينون القُضاة أنفُسهم“. واستطرد العلاَّمة ترتليان في مقاله ليصِف السجن بالبرية للنبي واعتبره مكانًا للخلوة، فيه الجسم محبوس لكن الروح طليق.. أفاض العلاَّمة في الكلام عن بركات الاستشهاد وكيف أنه معركة شرف، فيها الله رقيب، والروح القدس مدرب والجزاء إكليل أبدي وحق المواطنة السماوية.. ندَّد ترتليان بالوثنيين في دِفاعه عن المسيحية، لاعتبار اضطهاد المسيحيين فقط معركة اسم، ولأنَّ المسيحيين وحدهم هم المحظور عليهم أن يتكلموا لتبرِئة ذواتهم، دِفاعًا عن الحق.. وعن التعذيب يقول ”في حالِة المُتهمين الآخرين الذين يُنكِرون، تلجأون إلى التعذيب حتى ما يعترِفوا، أمَّا المسيحيون فهم وحدهم الذين يُعذبون حتى ما يُنكِروا...“. ووصف العلاَّمة ترتليان السجن بأنه مسكن إبليس وجنوده، لكن عندما يدخُل فيه المُعترِفون يطرحوا الشر تحت أقدامِهِم. لقد حث العلاَّمة ترتليان على الاستشهاد وكتب مقالاته ليهديها إلى الموعوظين الذين في طريقهم إليه، وحتى الغنوسيين الذين استهانوا بالاستشهاد وفضَّلوا الهرب منه كتب لهم ترياق العقرب، ليوضح لهم أنَّ الاستشهاد ميلاد جديد تربح فيه النَّفْس حياتها الأبدية. اعتبر العلاَّمة ترتليان أنَّ دِماء الشُهداء بِذار الإيمان، ووجَّه كلامه إلى الحُكام الوثنيين قائِلًا: استمروا في تعذيبنا، اطحنونا إلى مسحوق، فإنَّ أعدادنا تزيد بقدر ما تحصدوننا! إنَّ دِماء المسيحيين لهي بِذار محصولهم، إنَّ عِنادكم هو في حد ذاته مُعلِّم لأنه من ذا الذي لا يتحرك بالتأمُّل فيما تعملونه ليستعلِم عن حقيقة الأمور، ومن ذا الذي بعد انضمامه إلينا لا يشتاق إلى التألُّم.. كتب العلاَّمة الأفريقي دِفاعًا مُطولًا عن المسيحية، مُوجِهًا إلى الوثنيين قائِلًا: ”إننا جسم واحد مُتماسِك بمقتضى سلوكنا التَّقوي المُشترك ورجائنا المُشترك. . إننا نُصلِّي من أجل الأباطِرة ومن أجل وزرائِهِم، ولأجل كل الذين في منصِب، وصندوق الخزانة تُجمع فيه التبرعات، التي يضعها كل واحد بسرور.. هذه العطايا مُخصصة لأعمال الرحمة، لا تُصرف على الولائِم والحانات، بل لمعونة الفُقراء ودفنهم ولسد أعواز المُعدمين... وبالإجمال كل الذين يُعانون من انكسار سفينة حياتهم، أو المُضطهدون لا لشئ إلاَّ لأجل إخلاصهم لكنيسة الله، فنعتني بهم كعنايِة الأُم برضيعها لأجل مُجاهرتهم بالإيمان“. |
||||
08 - 01 - 2022, 03:00 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: القديسين والاستشهاد
القديس يوحنا فم الذهب والاستشهاد
وعندما نقترِب من فِكر القديس يوحنا ذهبي الفم بطريرك القسطنطينية عن الاستشهاد نجده يعتبِر أنَّ الاستعداد القلبي للاستشهاد يُحسب شهادة.. أكَّد القديس فم الذهب على الانتفاع من سِيَر الشُّهداء بقوله ”إنَّ شهادِة الشُهداء وسِيرتهم أمامنا هي في حد ذاتها عِظة للإنسان، وعون للكنيسة كلها، وتثبيت للإيمان المسيحي وغلبة لأوهام الموت، وعيِّنة للقيامة، وتوبيخ للشيطان، وتعليم للفلسفة الحقيقية، واحتقار أباطيل الدنيا، والدليل الأكيد للسمو بمطالِب النَّفْس، وراحة وعزاء للنَّفْس الحزينة، ومُحرِك للصلوات، ودخول في مجال القُوَّة، وباختصار أنَّ سيرِة الشُّهداء هي مُلهمة لكل الأمور الصالِحة“. تطلَّع القديس إلى الشُهداء كقدوة ومِثال لنا فيقول: ”عندما تتصور كيف احتقر الشُهداء الموت، مهما كنت جبانًا أو كسلانًا، فلابد أن تُسلتهم أفكارًا عالية ومجيدة، وتحتقِر كل التوافِه ومسرات الأرض، وتشتاق أن يكون لك سيرة سماوية، ومهما كانت أوجاعك التي تحسها في جسدك إلاَّ أنَّ تصوُّر آلام الشُهداء سيدخل فيك إحساس قوي بالصبر والرضا، ومهما كان إحساسك بالفقر والعَوَز والضيقة، فبمجرد أن تتأمَّل في عذابات الشُهداء التي احتملوها، ستشعر بالعزاء والاكتفاء، وتكون لك آلامهم بمثابِة الدواء الشافي، من أجل ذلك فإني أشجع دائِمًا إقامِة تِذكارات الشُهداء، وقد أحببتهم جميعًا وكأني أحتضِنهم في صدري“. وعن دالِّة الشُهداء يقول ”لنترجى الشُّهداء ونتوسل إليهم أن يشفعوا فينا إذ أنَّ لهم دالَّة كبيرة للشفاعة فينا، بل وقد صارت دالَّتهُم بعد الموت أعظم بكثير مما كانت من قبل“. ربط القديس فم الذهب بين المحبَّة والاستشهاد، ففي مديح لشُهداء رومية يقول: ”ليست المحبة أقل قدرًا من الاستشهاد في شيء، فالمحبة هي رأس كل الصالِحات، لأنَّ المحبة بدون الاستشهاد تصنع تلاميذ للمسيح، لكن الاستشهاد خُلوًا من المحبة ما يقوى على صُنع تلاميذ“. ومن أقواله المأثورة ”أنَّ الذي لا يُحِب أخاه، حتى ولو نال الاستشهاد فما ينتفِع كثيرًا“. وعن غلبِة الشهيد وقُوَّة الشِهادة يقول ”صفان من المُحاربين، صف الشُهداء وصف الطُّغاة، وبينما الطُّغاة يمتشِقون السلاح، يتجرد منه الشُّهداء، والانتصار معقود للمُتجردين وليس للمُمتشقين“. |
||||
08 - 01 - 2022, 03:00 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: القديسين والاستشهاد
شكرا على العظة ربنا يفرح قلبك |
||||
08 - 01 - 2022, 03:01 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: القديسين والاستشهاد
القديس كبريانوس والاستشهاد
وننتقِل لشمال أفريقيا، إلى قرطاچنة حيث تطور عِلْم المارتيرولوچي، على يد القديس كبريانوس الأسقف والشهيد الذي كتب مقالة مُعنونة ”الحث على الاستشهاد“ مُوجهة إلى فورتوناتوس Fortunatus، يقول فيها ”نحن الذين – بسلطان من الرب – منحنا المؤمنين العِمَاد الأوَّل، علينا أن نُعِد كلٍ منهم للعِمَاد الثاني بحثُّهم وتعليمهم أنَّ هذا العِمَاد أعظم في النعمة، وأسمى في القُوَّة وأرفع في الشرف.. بمعمودية الماء ننال غُفران الخطايا، وبمعموديِة الدم نظفر بإكليل الفضائِل، إننا على أبواب حرب قاسية وشديدة، وعلى جنود المسيح أن يُعدِّوا ذواتهم لها بإيمان حي وشجاعة قوية، واضعين في اعتبارِهِم أن يشربوا يوميًا كأس دم المسيح حتى يُمكنهم بذلك أن يسفُكوا دِمائهم لأجله“. ويستطرِد الشهيد كبريانوس فيقول ”أنَّ العذابات في أزمنة ضد المسيح، تستلزِم أن نُعِد لها قلوبنا ونُشجِع نِفوس الأُخوة لكي نكون جميعًا مُستعدين للنِضال السماوي الروحاني، فليثبُت إيماننا ولنتسلَّح بكلمة الله، ومن واجبي أن أُعِد شعب الله الذي ائتمنني عليه ليكون كجيش في المُعسكر السمائي ليُواجهوا سِهام وأسلحة إبليس، ولا يمكن لمن لم يتمرن على القِتال أن يكون جُندِيًا صالِحًا للرب أو أن يفوز بإكليل الجِهاد، ها أنا أُرسِل لكم ثوب الأُرجوان الذي للحَمَل الحقيقي الذي فدانا وأحيانا، لكي تفصَّلوه لأنفُسكم فيصير ثوبًا خاصًا بكم، حتى يتغطَّى عُرينا القديم بثِياب المسيح: ثياب تقديس النعمة السمائية“. استجيبوا لبوق الحرب، لقد أخذنا بتدبير الرب المعمودية الأولى، وليكُن كل واحد منا مُستعِد للمعمودية الثانية أيضًا، معموديِة الدم، أنَّ نِعمِتها أعمق وقُوَّتها أعظم وكرامِتها أثمن، التي يتمجد بها الله والمسيح، التي ننال بها إكليل كل الفضائِل، وقد صار المسيح رب المجد مِثال لنا في احتماله الآلام حتى الموت!! فلا يوجد عُذر لإنسان يرفُض التَّألُم لأجله، وإن كان هو قد احتمل كل ذلك بسبب خطايانا فكم أحرى بنا جدًا أن نحتمِل بسبب خطايانا!! الروح القدس يُعلِّمنا أنه لا ينبغي أن نخاف من جيش الشيطان، وأنَّ رجاءنا هو في إعلاننا الحرب ضده، لأننا بذلك ننال السُكنى الإلهية والخلاص الأبدي، ولا يوجد أعظم من وعد الرب لنا بالأمان والحِماية، فإن كنا نحيا بقلوب مُكرسة حقًا لله، فلنقبل أن ندخُل نفس امتحانات آلام الشُهداء، وجزاؤُنا يفوق بلا قياس آلامنا إذا قهرنا الشيطان ورجعنا إلى فردوسنا مُنتصرين... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). نُقدِّم لله إيماننا، إيمان غير فاسِد غير مُتزعزِع وفضيلة واسعة راسِخة، وقلبًا مُقدسًا، فنجلِس ونصير شُركاء ميراث المسيح ونفرح بامتلاكنا للملكوت السمائي.. فالاضطهاد يُغلِق أمامنا الأرض ويفتح أمامنا السماء، ضد المسيح يُهدِّد ولكن المسيح يضُم ويحمِل ويسنِد. كتب القديس تحية للشُّهداء يقول فيها ”أيها البواسِل المغبوطُون.. إنَّ الكنيسة أُمُّكم فخورة بكم.. أيها المُتسربِلون بالبأس، عظيمة هي قُوَّة عزيمتكم وثبات أمانتكم حتى نهايِة المجد، لم تخضعوا للعذابات بل العذابات هي التي خضعت لكم واستعجلتكُم لنِيل الأكاليل..إنَّ المُتفرجين بإعجاب على تلك المعركة الروحية التي كانت بمثابِة سِباق نحو المسيح كانوا يرون خُدَّامه يُصارِعون دون أن يُغلبوا أبدًا، مُعترفين بإيمانهم بصوتٍ عالٍ!! مُمتلئين بحيوية وشجاعة تفوق قُدرِة البشر، بلا سلاح من هذا الدهر، إنما مُتوشِحون بأسلحة الإيمان، والمُحتمِلون العذابات كانوا يرون قِيامًا أكثر قُوَّة من الذين يُعذِّبونهم، الأمشاط الحديدية انتهت من الضرب والتمزيق، إلاَّ أنَّ الأعضاء المضروبة والمُمزقة انتصرت عليها.. عزيز هو الموت الذي يشتري الأبدية مُقابِل الدم، كم كان المسيح فَرِحًا وكم كان يسُرُّه أن يُحارِب ويغلِب في شخص خُدَّامه المُخلصين ويُعطيهم ما يشتهون أن ينالوه!! لقد كان حاضرًا في تلك المُسابقة التي أُثيرت لأجل اسمه، وأعان وسَنَد وقوَّى وبعث الحيوية، والذي غلب مرة الموت لأجلِنا ما بَرِحَ ينتصِر فينا“. كشف لنا القديس كبريانوس عن مفهوم الألم والاستشهاد في ضوء الحياة الأبدية والتعلُّق بالسماء حيث مجد إلهنا وحيث لا تقِف أمامه خليقة صامتة، فكتب مقالة عن الموت (الموت Mortality) عندما اجتاح البلاد وباء الطاعون، وهو الذي أدركته الضيقات وعاصر الاستشهاد حتى قَبِلَ الموت بقلبٍ راضِ واثِق، وأحنى رأسه للسيَّاف وهو يشكُر الله، فارتجف السيَّاف من شدة إيمانه.. ويرى الشهيد كبريانوس: ”إننا وُضِعنا في معسكرٍ قاسِ، على رجاء نوال المجد السمائي، وعلينا أن لا نرتعِب من عواصِف العالم، ولا نهتز منها، لأنَّ الرب سبق وكلَّمنا عن كل ما سيحدُث لنا، وأوصى كنيسته وهيَّئها وشدَّدها لتحتمِل كل ما سيأتي... هوذا السماويات تحتل مكان الأرضيات، والأمور العظيمة بدلًا من التفاهات، والأبديات عِوَض الفانيات، فما الداعي إذًا للقلق والجزع؟!!“. من يرى هذا ويرتعِب في حزن إلاَّ الذي بلا رجاء ولا إيمان؟!! فلا يرهب الموت إلاَّ ذاك الذي لا يُريد الذهاب مع المسيح. إننا بالموت نبلُغ وطننا السمائي، الراحة الأبدية.. هذا هو سلامُنا وراحتنا الأبدية، ومن منَّا لا يتوق بالإسراع لنوال الفرح الأبدي لنذهب إلى دعوة المسيح لنا مُتهللين بالخلاص الإلهي. وينتقِل الشهيد ليُحدِّثنا عن الاشتياق للاستشهاد فيقول ”عبيد الله يشتاقون للاستشهاد، يُدرِّبون الفِكر على أمجاد الثبات بالتأمُّل فيه للاستعداد للإكليل“. ويتكلم القديس على الاستشهاد كهِبة إلهية ”الاستشهاد ليس من سلطانك، بل هو عطية من الله، فليس لك أن تعترِض إن فقدت ما لستَ مُستحِقًا له... فالله الدَّيان يُتوِج خُدَّامه الذين تهيَّأت أفكارهم " حياتهم " للاعتراف والاستشهاد " ولو لم يستشهِدوا " لأنه لا يطلُب دمنا بل إيماننا“. ويذكُر القديس أيضًا كيف يكون تكريم الشُهداء وقيمة الشهادة العملية للإيمان... فيقول ”ينبغي أن نحمِل الشهادة باجتهاد، كما حملها الذين تحرَّروا من هذا العالم بُناءً على دعوة من الرب، لأنهم سبقونا كمُسافرين، وكبحَّارة اعتادوا على الإبحار، فنشتاق إليهم بعد أن أخذوا معهم إلى هناك الثوب الأبيض... ليتنا نستعِد لقبول إرادة الله الكامِلة بعقل رزين وإيمان ثابِت وفضيلة نشِطة.. ولا نُقاوِم الرب بل نأتي إليه متى دعانا بنفسه... لنتحرَّر من فِخَاخ العالم، ونعود إلى الفردوس والملكوت.. إننا نتطلَّع إلى الفردوس كبلدنا والآباء (البطارِكة) كآباء لنا، فلماذا لا نُسرِع بل ونجري، لكي ننظُر مدينتنا ونُحيِّي آبائنا، فإنَّ لنا أحِباء كثيرين ينتظروننا، فأي سعادة تغمُرنا وإياهم عندما نجتمِع سويًا!! هناك الشَرِكَة المجيدة مع الرُّسُل، هناك خورس الأنبياء المُتهللين، هناك جموع الشُهداء غير المحصيين، هناك جموع البتوليين الفائزين، هناك الرُّحماء مُكللين.. هذا هو شوقِنا العظيم، وهدف ذهابنا وإيماننا..!!“. وفي رسالِة القديس (أل 76) التي يُحيِّي فيها الشُهداء الذين فازوا بأكاليلهُم، ويشجع الذين مازالوا في السُّجون أو تحت التعذيب، وحُكِم عليهم بالعمل الشاق في المناجِم... كتب يقول: ”ها أنتم قد احتملتُم بصبر ضرب العصى، مُتهيئين بهذا التنكيل القاسي للاعتراف العَلَنِي بإيمانكم، صبرًا! فالعصاة الخشبية الصغيرة لن تُؤثِر بشئ على الجسد المسيحي، الذي وضع كل رجائه في الخشبة الكُبرى.. من سيندهِش أن يراكم، يا آنية الذهب والفضة، في المنجم، الذي هو مصدر الذهب والفضة؟ إلاَّ أنَّ الوضع هنا قد انقلب فبدل أن يُعطي المنجم الذهب والفضة نراه هنا قد تقبَّلهُما. أقدامكم قد تقيدت بالأغلال، وأعضاؤكم المُباركة – يا هياكِل الله – تكبلت بالقيود، كما لو كان بتضييق الخِناق على الجسد يُمكنهم أن يُقيِّدوا الروح! أو كما لو أنَّ ذهبكم يمكن أن يعتريه الصدأ بملامسة حديد السلاسل!! إنها أغلال مُباركة لن يفُكها حدَّاد بل الرب يسوع نفسه! إنها لقيود مُباركة فعلًا، تلك التي تجعلكم تسيرون قدمًا في الطريق المُستقيم المُؤدي إلى الفردوس! مرحبًا بكِ أيتها الأغلال العزيزة التي تُقيد لحظة في هذا العالم لتُحرِّر إلى الأبد في العالم الأبدي هناك عند الله، في المناجِم لا نجد الفِرَاش الذي ننعم فيه بقسط من الراحة، ويتعرَّض تنعُمنا وراحِتنا للعُري والبرد، لكن من قد لبس المسيح فقد تنعَّم بالكساء الكامل والوقاية الحصينة.. يا له من مجد وبهاء سيؤول“. وأكَّد القديس كبريانوس في رسالته الشهيرة في وحدة الكنيسة (De Ecclesiae Unitate) على أنَّ الشِقاق والهرطقة من عمل الشيطان، وإنهما أشد خطرًا على وحدة المؤمنين من الاضطهاد.. وبعد أن كتب رسائِل كثيرة عن الاستشهاد، ذهب إلى ساحِة الاستشهاد وخلع ثياب الحبرية وأعطاها للشمامِسة وجثا على رُكبتيهِ مُصلِيًا، ثم طلب من أولاده إعطاء الجلاَّد 25 قطعة ذهبية... ووضع المؤمنون لفائِف ومناديل تحته ليتلقوا دمه الطاهر بركة لهم، ثم عصب عينيهِ بيديهِ وحاول أن يتعجَّل المُتباطِئ في تنفيذ الحكم، وانطلقت روحه إلى مسيحها لترِث نصيبها المُعَد لها مع الشُهداء.. |
||||
08 - 01 - 2022, 03:02 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: القديسين والاستشهاد
القديس أمبروسيوس الميلاني والاستشهاد
وعن عِظَم الاستشهاد وكيف كان عبر إماتات الصليب، ويُعلِّمنا القديس أمبروسيوس أسقف ميلان (333 – 397 م) أنه: ”بموت الشُهداء تدعمت العقيدة وازداد الإيمان وتقوَّت الكنيسة، لقد انتصر الذين ماتوا أمَّا المُضطهِدون فقد غُلِبوا على أمرهم وهكذا فنحن نحتفِل بموت أولئِك الذين حياتهم غير معروفة لنا، وداود أيضًا فرح حينما تنبأ بانطلاق نفسه بقوله ”كريم أمام الرب موت قديسيه“ (مز 116: 15)، لقد حسب الموت أفضل من الحياة، وموت الشُهداء نفسه هو مُكافأة حياتهم، وبموتِهِم أيضًا، على اختلاف صُوَره، كفَّت الكراهية عن أن توجد بعد..“. أكَّد القديس أمبروسيوس الميلاني على المعنى الواسِع للاستشهاد فيقول: ”هناك حروب أخرى أيضًا من الحروب التي على المسيحي أن يخوضها كل يوم، ونعني بها القِتال ضد الشهوات والصِراع ضد الرغبات، فأحيانًا الشهوة تُثير الأوجاع والخوف يُرعِب والغضب يُهيِّج والطموح يتحرك والشر يزيد، هذه القِتالات تُؤذي وتهِز كالزلزال النِفوس غير الثابِتة، ولكن الإنسان الشجاع يقول ”إن يُحاربني جيش فلن يخاف قلبي وإن قام عليَّ قِتال ففي هذا أنا مُطمئِن“ (مز 26: 3)، فالملوك يموتون والشُهداء يرِثون إلى الأبد كرامات ملكوت النعمة السمائية“. لقد صمَّم القديس أمبروسيوس أن يكتُب وصيته بدفن جسده بجوار الشهيدين بروتاسيوس وجيرفاسيوس دليل على مدى ارتباط إيمان أمبروسيوس بقيمة الشُهداء وشفاعتهم.. |
||||
08 - 01 - 2022, 03:03 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: القديسين والاستشهاد
|
||||
08 - 01 - 2022, 03:04 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: القديسين والاستشهاد
الأنبا أغسطينوس شفيع التائبين والاستشهاد
ثم نأتي إلى القديس أُغسطينوس أسقف هيبو وشفيع التائبين ابن الدموع (354 – 430 م)، الذي كتب عن الاستشهاد وعن المسيح الناطِق في الشُهداء قائِلًا: ”من هم الشُهداء؟ أليسوا شُهود المسيح، الذين يحمِلون الشهادة للحق؟ فحينما ينطِق هؤلاء الشُهداء بالشهادة، يكون المسيح هو الذي يشهد لنفسه فيهم، إنه يحِل في الشُهداء ليجعلهم قادرين على حَمْل الشهادة للحق. إنه برهان المسيح المُتكلِّم في الشُهداء (2كو 13: 3)، فعندما يشهد يوحنا المعمدان، يكون المسيح الحال فيه هو الذي يشهد لنفسه وإذا شهد يطرُس أو بولس أو أي شهيد أو أي رسول أو إستفانوس فإنما المسيح فيهم جميعًا يشهد لنفسه، فهو بدونهم إله، أمَّا هم بدونه لا شيء“. وأفاض القديس أُغسطينوس في التعليم عن قُوَّة الشهادة للمسيح، فقال: ”محبة الله التي تنسكِب في قلوبكم بالروح القدس الذي سيُعطَى لكم (رو 5: 5) سوف تمنحكم الجراءة الكافية لمِثل هذه الشهادة، تلك المحبة التي كانت تعوِز بطرُس عندما ارتعب أمام سؤال جارية، فقبل آلام الرب كُشِف عن خوف العبودية الذي كان عند بطرُس بواسطة عبدة جارية، وبعد قيامة الرب استُعلِنت محبته الحرة بواسطة رب الحرية نفسه (يو 1: 15).“ ففي مناسبة ملأهُ الرعب وفي أخرى شملهُ السلام، هناك أنكر الواحِد الذي أحبَّهُ، وهنا أحب الواحد الذي أنكره، وهكذا إذ شملهُ الروح القدس بمِلء النعمة ألهب قلبه الذي كان قبلًا بارِدًا خائِفًا محصورًا، حتى حَمَل تلك الشهادة للمسيح (أع 2: 5)، بعد أن تحوَّل من التهيُّب إلى الجراءة والقُوَّة، من الخوف إلى شجاعِة الأحرار، كل ذلك بعمل الروح القدس وتلك مواهبه الخاصة العُظمى والعجيبة.. . إنها شهادِة الروح القدس نفسه مُؤازِرًا هذه الشهادة بشجاعة لا تُقهر فجرَّد أحِباء المسيح من خوفِهِم وحوَّل بُغضة أعدائِهِم إلى محبة وقبول. وضَّح القديس أُغسطينوس كيف يُحارِب عنَّا الله، فقال: ”لن نصنع بأسًا بالسيف إذ هو ليس بأسًا خارِجيًا، بل هو قُوَّة داخلية، بالله نصنع بأسًا.. لقد سُحِقَ الشُهداء في آلام وصعوبات حتى النهاية، ولكن بالله صنعوا بأسًا، وهكذا داس الله أعداءِهِم“. كشف القديس عن أعماق روحية مُذهِلة في الشُهداء، فاعتبر المسيح قائِد الشُهداء وهم جُنوده الذين يقتفون آثاره، واعتبر أنَّ كلمة ”نشهد“ معناها أننا نصير شُهداء نحتمِل العذابات بسبب شهادتنا.. وأشار إلى ديمومة الاستشهاد لكنيسة كل العصور، وإلى أنَّ الشُهداء في شَرِكَة مع القديسين، وقد أقر ذلك مُسبقًا بقوله: ”كل الأرض قد احمرت من دِماء الشُهداء، والسماء قد أزهرت من أكاليلهُم، والكنائِس قد تزينت برُفاتهِم، والفصول قد تميَّزت بأعيادِهِم، وصحة النَّفْس والجسد قد تشدَّدت بقُوَّتِهِم“. تقرير بمشاركة سيئة |
||||
08 - 01 - 2022, 05:20 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: القديسين والاستشهاد
شكرا جدا الرب يفرح قلبك |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الشهادة والاستشهاد |
المسيحية والاستشهاد |
الأقباط والاستشهاد |
الصوم والاستشهاد |
الرهبنة والاستشهاد |