رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
العصفور والمذبح: يتغنى بنو قورح في مزمور 84 بمساكن الرب، ويُظهرون أشواقهم بديار الرب، ويطوبون الساكنين في بيت الرب «أبداً يسبحونك». غير أنهم يُعطون انتباهاً أحرى «بمذابح الرب»، إذ نسمعهم يقولون: «العصفور أيضاً وجد بيتاً، والسنونة عشاً لنفسها حيث تضع أفراخها، مذابحك يا رب الجنود، ملكي وإلهي» (مز84: 3). ما الذي يتمناه العصفور بعد يوماً طويلاً يقضيه في الانتقال هنا وهناك بحثاً عن طعام أو شراب، سوى بيتاً يهجع إليه في نهاية يومه، يجد فيه راحته وهدوءه. إن ما يجده العصفور في بيته، يجده بنو قورح في مذابح الرب! ولكن لماذا يتكلمون عن المذابح بصيغة الجمع؟ في الواقع أن بيت الرب يحوي مذبحين وليس واحداً، مذبح المحرقة في الدار الخارجية ومذبح البخور في القدس .. المذبح النحاسي والمذبح الذهبي. ففي المذبح الأول نجد أساس القبول أمام الله .. العلاج الإلهي المقدم لكل إنسان أثيم يرزح تحت ثقل خطاياه. إنه يكلمنا عن صليب المسيح .. يكشف لنا قلب الله «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يو3: 16) يكشف لنا عن علاج الله لمرض الخطية المزمن «دم يسوع ابنه يطهرنا من كل خطية» (1يو1: 7). يكشف لنا أن الطريق لله صار ممهداً بعد أن كان مغلقاً «فإذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع، طريقاً كرسه لنا حديثاً حياً بالحجاب، أي جسده» (عب19:10،20)، وأيضاً «المسيح أيضاً تألم مرة واحدة البار من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة، لكي يقربنا إلى الله» (1بط3: 18). أما المذبح الثاني فنجد فيه الإنسان ساجداً يُصعِد بَخوراً عطراً في أنف الله. إن ما شعر به من إحسان الله في المذبح الأول يجعله يقدم شكراً وسجوداً في المذبح الثاني، وهنا نستمع إلى تحريض الرسول بولس «فلنقدم به في كل حين لله ذبيحة التسبيح، أي ثمر شفاه معترفة باسمه» (عب13: 15). وهذا ما فعله الأبرص السامري، فبعد أن نال التطهير من الرب هو والتسعة الذين كانوا معه عاد وحده إلى الرب ليشكره على إحسانه وما تمتع به من تطهير كامل، وكم كان هذا العمل له تقديراً عند الرب. إن مشهد هذا السامري وهو راجعاً يمجِّد الله بصوت عظيم، وهو يخر على وجهه عند رجليه شاكراً إياه، كان له أعظم التأثير عند الرب حتى أنه قال: «أليس العشرة قد طهروا؟ فأين التسعة؟ ألم يوجد من يرجع ليعطي مجداً لله غير هذا الغريب الجنس؟» (لو17: 11-18). 4- العصفور وإشراقة الصباح: نفهم من سفر الجامعة 12: 4 أن من عادات العصفور الواضحة هو أنه يستيقظ مع أول ضوء، مع بداية بزوغ الشمس. وأنه يستقبل هذه الإشراقة بألحان عذبه تخرج من فمه الصغير، وكأنها أنشودة حمد صاعدة من قلبه الصغير إلى الله الخالق العظيم. وما أحلى هذه العادة الجميلة، والتي نحتاج كثيراً أن نتعلمها في هذه الأيام التي امتلأت بالمشاغل والمتاعب والارتباكات. ما أحوجنا أن نقوم من نومنا مع صوت العصفور، ولنا في ذلك التشجيع من الرب الذي قال: «أنا أحب الذين يحبونني، والذين يبكرون إليّ يجدونني. عندي الغنى والكرامة. قنية فاخرة وحظ،. ثمري خير من الذهب ومن الإبريز، وغلتي خير من الفضة المختارة» (أم8: 17-19). لقد كان داود مُطارَداً هارباً في البراري، بعيداً عن مسكن الله، فبماذا كان يتفكر، وإلى أي شئ كان يطلب؟ هل الخلاص من أعدائه؟ أم أن يحقق الرب وعده له ويُنصّبه ملكاً على إسرائيل؟ لا لم تكن هذه الأمور هي موضوع مشغوليته، إذ نسمعه يقول: «يا الله إلهي أنت. إليك أبكر. عطشت إليك نفسي، يشتاق إليك جسدي، في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء»، وإذ يبكر إلى الله .. وينكشف أمامه جود وصلاح الله، يمتلئ قلبه بالفرح فيقول: «كما من شحم ودسم تشبع نفسي، وبشفتي الابتهاج يُسبحك فمي» (مز63: 1-5). وإن كنا هنا نرى تبكيراً حميداً لمناجاة ومناشدة الرب، حيث راحة النفس أمام باريها وفاديها. غير أن هناك تبكيرا من نوع آخر علينا أن نتحذّر منه ولا ننزلق فيه «باطل هو لكم أن تبكروا إلى القيام، مؤخرين الجلوس، آكلين خبز الأتعاب» (مز127: 2). إن من يفعل هذا ينسى بل يتناسى أن «بركة الرب هي تُغني، ولا يزيد معها تعباً» (أم10: 22). وأن الذي يجلب الخير ويضمن دوامه هو الله. وما أوضح تحذير الرب لنا «زرعتم كثيراً ودخّلتم قليلاً. تأكلون وليس إلى الشبع. تشربون ولا تروون. تكتسون ولا تدفأون. والآخذ أجرة يأخذ أجرة لكيس منقوب» (حج 1: 6). ليتنا لا نحرم أنفسنا من بركة الاختلاء بالرب باكراً لنشبع به قبل أن يبدأ اليوم بمشاغله ومتاعبه. كان مَنْ يريد من شعب الله قديماً أن يحصل على المن .. خبز الله .. طعام الملائكة .. عليه أن يقوم باكراً قبل شروق الشمس، ومن يتوانى ويتأخر لن يجد شيئاً، إذ أن أشعة الشمس تذيب المن! (خر16: 21). ويا ليتنا نأخذ من هذا درساً لنا. 5- العصفور المنفرد: إن كان هناك طائراً يشتهر بالمودة والألفة فهو العصفور، فعادة لا نجد عصفوراً إلا وأليفه معه. وما أقسى ما يعانيه العصفور عندما ـ لسبب أو لآخر ـ يُحرَم من أليفه. وإن كان هذا نادراً ما يحدث في مملكة العصافير، غير أنه حدث مع أعجب إنسان وُجد على الأرض، إذ عاش فريداً غريباً في عالم لم يعرفه ولم يفهمه أو يُقدره، فنراه يُشَبّه نفسه بالعصفور المنفرد «سهدت وصرت كعصفور مُنفرد على السطح» (مز102: 7)، لقد كان في كل حياته «كالحمامة البكماء بين الغرباء» (عنوان مز56). إن أقرب الأقربين له .. تلاميذه، الذي قال عنهم مرة «أنتم الذين ثبتوا معي في تجاربي» (لو22: 28). نجدهم في بستان جثسيماني وهو يبدأ رحلة آلامه الرهيبة يبادرون جميعاً بالهرب وتخلى الجميع عنه! (مت26: 56). بل إنه وهو فوق الصليب .. في ثلاث ساعات الظلمة الرهيبة لم يُترَك فقط وحيداً من أحبائه وتلاميذه، بل أنه تُرِك من الله وحجب الله وجهه عنه، حتى أنه تبارك اسمه صرخ قائلاً: «إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟!». فلم يعانِ عصفوراً ما عاناه هو له المجد، بل لم يعانِ كائناً من كان ما عاناه هو في وحدته وانفراده. وإن تساءلنا من هو الذي عانى كل هذا؟ هو رجل شركة الله الذي قال عن نفسه «كنت كل يوم لذته، فرحة دائماً قدامه» (أم8: 30)، والذي قال عنه يوحنا: «الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب» (يو 18:1)). لقد صار في حالٍ لم يألفه من قبل، وإن تساءلنا أيضاً .. لِمَ عانى كل هذا؟ يجيبنا يوحنا قائلاً: «إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم إلى المنتهى» (يو13: 1). لقد عانى الوحدة والانفراد كي ما يضمنا إليه، ولكي يكون هو بكراً بين أخوة كثيرين، كان هو حبة الحنطة(الوحيدة الفريدة)، التي وقعت في الأرض وماتت، ومن ثم أتت بالثمر الكثير(يو12: 24). ونتيجة انفراده هذا، سنسمعه قريباً، وهو آخذاً من فداهم إلى بيت الآب، قائلاً: « ها أنا والأولاد الذين أعطانيهم الله» (عب2: 13). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|