احذر لئلا تسقط تدريجيًا | من أقوال الأنبا مرقس الناسك في
أوصى الرب البشرية جميعها بالتوبة (مت 17:4). فيجب حتى بالنسبة للروحيين والمتقدمين ألا يهملوا هذه الوصية، أو يستهينوا بالصغائر والمعاصي التافهة جدًا، فقد قيل: "الذي يحتقر اليسير يسقط قليلًا (قليلًا)" (حكمة يشوع 1:19).
لا تقل: كيف يسقط الإنسان الروحي؟ لأنه لو بقى على ما هو عليه فإنه لا يسقط، إنما بارتكابه شيئًا مغايرًا لحاله، مهما كان هذا الأمر صغيرًا، وتُرك دون أن يقدم عنه توبة، فان هذا الأمر الصغير يصير له جذرًا وينمو، ولا يعود يقدر أن ينفصل عن الإنسان، بل يدفع بالإنسان نحو الارتباط به كمن يقيده بسلسلة، جاذبًا إياّه بقوة بسبب بقائه فيه مدة طويلة. فلو أن هذا الإنسان حارب هذا (الشر) بالصلاة وقاومه، لاحتفظ بقامته الروحية. أما إذا تملك عليه هذا الأمر فإنه يستطيع بقوته المتزايدة أن ينجح في إسقاطه من (قامته الروحية) وإضعاف قوته وعمله في الصلاة، عندئذ حتما يتدنس هذا الإنسان بشهوات أخرى، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وهكذا ينحرف قليلًا قليلًا بكل شهوة. وبقدر ما يزداد زيغانه ينفصل عنه العون الإلهي، وأخيرًا ينقاد إلى معاصي جسيمة، وأحيانًا بغير إرادته بل تحت تأثير الخطايا السابقة التي تملكت عليه.
لكنك تقول: أما يقدر الإنسان منذ بداية الشر أن يصلى إلى الله لكي لا يسمح له بالخضوع للشر النهائي؟
أقول لك: نعم. أنه يقدر أن يصنع هذا. ولكنه باستهانته بالشيء الصغير وقبوله إياه بمحض حريته كأمر تافه، فإنه لا يصلى من أجله، غير عالمٍ بالحقيقة أن هذا الأمر التافه يمكن أن يكون بداية وعلة لأشياء ضخمة.
هذا يحدث بالنسبة للخير أو الشر!!
لكن عندما يتقوى الهوى (الخطأ) في الإنسان، ويجد له مكانًا فيه يعاونه في ذلك الإنسان بإرادته الخاصة، يبدأ يشن هجومًا ولو بغير إرادة الإنسان.
ولكي يتخلص الإنسان منه، يلجأ إلى الصلاة لله.. وأحيانا يكون كمن لا يجد معينًا، رغم أن صلاته قد سمعها الله، لأن الله لا يرسل العون بحسب تفكير الإنسان إنما حسبما يراه لصالحنا. فإذ يعلم عدم ثباتنا وعدم حذرنا، لذلك يسمح لنا بالأحزان والتجارب، لأنه لو رفع الخطية في الحال، فإننا نعود ونسقط فيها مرة أخرى.
لذلك يجب علينا أن نثبت محتملين كل ما يحل بنا، حافظين أنفسنا (في حالة) تليق بالتوبة.