- القس بيشوي فايق
- أحب قيافا أمته، ولهذا دفعه حبه لتسليم الرب يسوع للرومان حفاظًا على وطنه وأهله. فلماذا يعتبره الكثيرون مجرمًا في حق الرب يسوع، ولا يعتبرونه قد تصرف بحكمة، ليٌجنِّب بلاده أي خطر؟ ولماذا يُعتبر مجرمًا مع أن السماء قد أعلنت له أن موت الرب يسوع سيكون خيرًا للأمة كلها؟ وهل يستحق الدينونة على حبه لأٌمَّتِه؟
الإجابة:
شهادة يوحنا البشير: "فَقَالَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَيَافَا، كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ: "أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا، وَلاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا!". وَلَمْ يَقُلْ هذَا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ، وَلَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ، بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللهِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ." (يو11: 49- 52)
لقد أوضح البشيرون في الأناجيل ضلال قيافا، ودوره الشرير في جريمة قتل الرب يسوع، وفيما يلي نٌبَيِّنُ ضلال مشورته الشريرة، ثم فساد حكمته الأرضية الشيطانية، وأخيرًا أسباب الحكم بتحمله المسؤولية بالتدبير في صلب الرب:
أولًا: مشورة شريرة، أساسها كذب وضلال:
●مشورة رديئة:
قد يتخيل البعض أن قيافا أشار بمشورة جيدة، تتفق مع مشيئة الله أي: أنه كان مهتمًا بفداء الرب يسوع وخلاصه للبشر. إن قول قيافا: "أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا، وَلاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا!".. (يو11: 49- 50) لا يعني أبدًا أنه كان مهتمًا بأمر خلاص الناس. لقد كان مهتمًا فقط بالتخلص من الرب، وقد برر شَرهُ بتبني الادعاء القائل إن الرومان سيأتون (بسبب شعبية الرب)، ويأخذون أمتنا (أمة اليهود)، وهذا ما سنتناوله بالشرح لاحقًا.
●افتراض خيالي:
إن ذلك الافتراض لم يكن يُعبَر عن الحقيقة، لأن الرب لم يُحَرّض على الثورة على قيصر، بل بالعكس، علم الرب بإعطاء ما لله لله، وما لقيصر لقيصر. إن السبب الحقيقي وراء تلك المشورة الرديئة هو غيرة وحقد وعجرفة قيافا، الذي لم يحتمل أن يرى الناس تُقبل بحب على من هو أفضل منه. لقد كان هذا معلومًا للكثيرين وللوالي الروماني نفسه (بيلاطس)، الذي قيل عنه: "لأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا." (مر15: 10).
ثانيًا: حكمته الأرضية الشريرة:
لقد كانت مشورة قيافا خالية من الحكمة، لأنها اعتمدت على المكر وفعل الشر والإيذاء. إن أنسب وصف لمؤامرته الرديئة هو أنها شيطانية نفسانية أرضية مميتة. لقد تصرف قيافا بحماقة وجهل منقطع النظير، وجلب على نفسه وعلى أُمَّته هلاكًا، وأوجاعًا لا نظير لها. فيما يلي بعض مظاهر حماقته:
●لم ينتظر أن تتم النبوة، التي أُعلنت له:
إن الإنسان الشرير قد يُسرُّ إذا علم أن خصمه مريض، وقد أعلن الأطباء قرب موته، وينتظر في ترقب حتى تتحقق أمنيته. أما قيافا فقد زاد في شره أكثر من ذلك بكثير. لم ينتظر تحقيق النبوءة بموت الرب. فهل لم يكن عنده الإيمان الكافي ليصدق النبوة التي أُعلنت له؟! أم لم يكن يطق صبرًا حتى يتم موت الرب كما أُعلن له؟! لقد سارع بالتخطيط والتآمر على قتله بعدما ملأ الحقد والشر قلبه فامتلأ حماقة، وصَدَقَ فيه القول: "لأَنَّ الْغَيْظَ يَقْتُلُ الْغَبِيَّ، وَالْغَيْرَةَ تُمِيتُ الأَحْمَقَ." (أي5: 2).
●ضل بسبب كبريائه وغباء قلبه:
لقد فرح بالنبوة، التي كُشفت له، وتباهى بمعرفته إياها أمام أتباعه في الاجتماع الذي عقده للتحريض على قتل الرب، ولكنه لم يفهم معنى النبوة. كان الأجدر به كرئيس كهنة أن يدرك ما يتممه من طقس يوم الكفارة العظيم وطقس ذبح خروف الفصح، وأيضًا الخلاص من الهلاك عند رش دم خروف الفصح على العتبة العليا والقائمتين. لقد اعتمد على فهمه وحكمته البشرية الأرضية النفسانية الشيطانية، بعدما فقد عمل النعمة في حياته. استغل سلطته الدينية في التدبير بمكر لحل مشكلته الشخصية، وهي الغيرة من الرب يسوع، فحرَّض على القتل، ولم يعتد بالوصية المملوءة من حكمة الله، مخالفًا قول الكتاب: "تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ. فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ، وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ. لاَ تَكُنْ حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِكَ. اتَّقِ الرَّبَّ وَابْعُدْ عَنِ الشَّرِّ" (أم 3: 5-7).
●لم يضع مخافة الرب أمام عينيه:
لم يضع قيافا مخافة الرب، التي هي رأس الحكمة أمام عينيه؛ فلم يفلح. لقد استهان بوصية الله ليشوع النبي، القائلة: "إِنَّمَا كُنْ مُتَشَدِّدًا، وَتَشَجَّعْ جِدًّا لِكَيْ تَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَمَرَكَ بِهَا مُوسَى عَبْدِي. لاَ تَمِلْ عَنْهَا يَمِينًا وَلاَ شِمَالًا لِكَيْ تُفْلِحَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ." (يش1: 7).
ثالثًا: قيافا يتحمل مسؤولية التدبير، والتخطيط لقتل الرب:
يخطئ البعض عن جهل والبعض عن عدم إدراك (المعاقون ذهنيًا) والبعض دون قصد والبعض بترتيب مسبق وتصميم، لذلك لابد للقاضي العادل أن يجتهد لاستنتاج، وفحص الأمور الهامة الآتية وهي:
أولًا: معرفة سلامة وصحة ضمير، ونية المتهم.
ثانيًا: ما يملك على قلبه من أهواء أو شهوات.
ثالثًا: إيمانه، وما يعتقد به.
رابعا وأخيرًا: ما اقترفه من أفعال مُنَاقِضة للشرائع.
لقد حذر معلمنا بولس الرسول تلميذه تيموثاوس من خطر الانحراف عن هذه الأمور الثلاثة الأولى، والتي ينتج عنها البند الأخير (الشرور المخالفة لشريعة الله ووصاياه) قائلًا: "وَأَمَّا غَايَةُ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ الْمَحَبَّةُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإِيمَانٍ بِلاَ رِيَاءٍ. الأُمُورُ الَّتِي إِذْ زَاغَ قَوْمٌ عَنْهَا، انْحَرَفُوا إِلَى كَلاَمٍ بَاطِل." (1تي1: 5- 6).
فيما يلي نبحث استحقاق قيافا للدينونة من منطلق هذه الأمور الأربعة كل نقطة على حدة:
●الضمير والنية:
تجرأ قيافا الشرير، وقرر قتل الرب يسوع، وهو مستريح البال، وبرر ذلك بالخوف على الأمة اليهودية من الرومان. لقد سارع قبل الفصح بالدعوة إلى اجتماع قادة اليهود في بِيَته، بنيّة أخذ قرار بقتل الرب يسوع، مع أنه لم يحدد تهمة أو ذنب قد فعله الرب، كقول الكتاب: "حِينَئِذٍ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ وَشُيُوخُ الشَّعْب إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ الَّذِي يُدْعَى قَيَافَا، وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يُمْسِكُوا يَسُوعَ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُوهُ. وَلكِنَّهُمْ قَالُوا:"لَيْسَ فِي الْعِيدِ لِئَلاَّ يَكُونَ شَغَبٌ فِي الشَّعْبِ". (مت26: 3- 5). إن جرأة قيافا في الإقدام على مثل هذا الشر بتهور وبدون تردد تدل على ضميره المعوج الشرير.