مجالات العمل الفردي
من الممكن أن يوجد عمل فردي في مجال الأسرة.
مثلما يقول الكتاب "أما أنا وبيتي فنعبد الرب" (يش15:24)..
ومثلما قال الرب عن وصاياه "قصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك" (تث7:6). فهل أنت لك خدمة روحية وسط أفراد أسرتك؟ أم علاقتك بهم مجرد علاقة اجتماعية عائلية! أم علاقة احتكاكات أحيانًا!! هل افتكرت أن توصل أخاك الصغير إلى الله؟ أو أن تقود أحد أقربائك إلى حياة التوبة، أو تعلمه العقدية السليمة؟ إنه عمل فردي.
يمكن أن يكون العمل الفردي في مجال الجيران أو المعارف.
إن كنت شخصًا روحيًا، ولك جيران أو أصدقاء، فهل استفادوا من روحياتك؟ هل تمر حياتك الروحية مرورًا عابرًا على الآخرين، دون أن تترك فيهم أثرًا، ويكون وجودك وسطهم بلا ثمر؟! هل كل أحاديثك معهم خالية من الله؟ أم تراك تتحاشى ذلك أو تخجل منه، لئلا يتهموك بأنك متدين؟!
ونفس الكلام يقال عن زملائك في العمل أو في الدراسة.
وأيضًا عن زملائك في النادي، أو في أي نشاط اجتماعي. ما هي خدمتك الفردية وسط كل هؤلاء؟ هل استطعت أن تجذب أحدًا إلى طريق الله، أو حتى أن تدعوه إلى اجتماع في الكنيسة؟
يعجبني فيلبس، أنه وهو سائر في الطريق، كان له عمل عميق مع الخصي الحبشي.
قدّم له الإيمان وعمده، وذهب في طريقه فرحًا (أع38:8، 39).
وأنت كم من الناس قد قابلتهم في طريق الحياة، دفعهم الله إلى طريقك. فهل قدّمت لأحد منهم كلمة روحية، أو أية كلمة منفعة، أو دفعة إلى قدام..
ما أعجب خدام الرب الحقيقيين. إنهم مميزون بشهادتهم للرب (أع8:1). أشخاص كثيرون يتقابلون معك.
واحد منهم يقدم لك عمله ومعرفته، وآخر يقدم لك ذكاءه، وثالث يقدم ظرفه ولطفه، ورابع يقدم خدمة. أما هذا النوع المميز، فيقدم لك المسيح، بلباقة ولطف فتشعر باشتراك المسيح معكما..
المسيح، بلباقة ولطف فتشعر باشتراك المسيح معكما..
قد يكون ذلك في أية مناسبة، في زيارة، في مرض، في تعزية، في معايدة..
في لقاء عادي، يحوله هو إلى لقاء روحي، بأسلوب هادئ طبيعي..
وهنا أتذكر أعماقًا مذهلة في لقاءات القديسين. لعل في مقدمتها لقاء مريم العذراء مع أليصابات. أكان لمجرد خدمة تلك العجوز في الشهور الأخيرة من حملها؟ أم أننا نقف أمام هذه العبارة الجميلة "فلما سمعت أليصابات سلام مريم.. امتلأت أليصابات من الروح القدس" (لو41:1).. وكان لقاء نبوءة وكشف إلهي، وتسبيح وكلام روحي.
ماذا أيضًا عن اللقاء بين القديس الأنبا أنطونيوس، والقديس الأنبا بولا.. وماذا عن اللقاءات بين القديسين التي كانوا يتكلمون فيها بعظائم الله، واسمه على ألسنتهم. وكما تقول التسبحة "اسمك حلو ومبارك في أفواه قديسيك".
ولعلك تقول: من يسمع؟ ومن يقبل؟ ومن يفهم؟
كلا يا أخي. تكلّم أنت، وأترك النتيجة إلى عمل الله في القلوب. المهم أن تنطق بكلمة الله في حكمة. وثق أن كلمة الله لن ترجع فارغة. بل كما قال السيد الرب "هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي، لا ترجع إلىّ فارغة، بل تعمل ما سررت به، وتنجح فيما أرسلتها له" (أش11:55). إذن أحرص فيما تخدم، أن يكون الله متكلمًا على فمك. أما عن النتيجة، فاذكر قول الكتاب: "ارم خبزك على وجه المياه، فإنك تجده بعد أيام كثيرة" (جا1:11).
هناك نفوس تحتاج إلى مدى زمني، حتى تقبل كلمة الله، وحتى يمكن أن تأتي الكلمة فيها بثمر.. والأمر يحتاج إلى صبر ومثابرة.
إن كل نفس تعمل معها عملًا فرديًا، لها ظروفها الخاصة، وعقليتها الخاصة، ولها ماضيها وحاضرها، وبيئتها وضغوطها، ولها مشاعرها وأحاسيسها ومفاهيمها. وليست كل نفس تنفعها نفس الكلمة.
لذلك فإن العمل الفردي يحتاج إلى حكمة، تتخير الكلام المناسب، والأسلوب المناسب، ونوع المعاملة.
إن كانت بصدد مشكلة معينة معروفة، يمكن أن تطرقها بطريقة مقبولة. أما إن كنت بصدد هداية عامة، فربما لا يصلح الأسلوب المباشر الذي تفرض به العمل الروحي فرضًا، بطريقة غالبًا لا تقبلها ولا تستسيغها النفوس التي لم تتعودها إنما يترقب الشخص المناسبة التي يقول فيها الكلمة الروحية بحيث تبدو طبيعية جدًا غير مصطنعة..
لاحظ نفسك والتعليم | لمن | لماذا
"لاحظ نفسَك والتعليم" (1تي16:4).
من قالها؟ ولمن؟
من قال هذه العبارة "لاحظ نفسك والتعليم، وداوم على ذلك. فإنك إن فعلت هذا، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا" (1تي16:4)
القديس بولس الكارز العظيم، الذي اختبر الخدمة في عقمها، واختبر الحياة الروحية في عمقها، الذي في الخدمة تعب أكثر من جميع الرسل (1كو10:15) وفي الروحيات صعد إلى السماء الثالثة، إلى الفردوس (2كو2:12، 4).. بولس هذا يكتب إلى تلميذه تيموثاوس أسقف أفسس، الذي سكن فيه الإيمان العديم الرياء، وفي أسرته، أمه وجدته من قبل، وهو منذ الطفولة يعرف الكتب المقدسة (2تس15:3).. يكتب إليه فيقول له "لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك. لأنك إن فعلت ذلك تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا" (1تي16:4).
ومع أنه في الأسقفية محاط بأعباء ومسئوليات ضخمة، وبخاصة في بلد كأفسس، ليست الخدمة فيها سهلة إذا قال القديس بولس نفسه "حاربت وحوشًا، في أفسس" (1كو32:15).
ولكن على الرغم من كل مسئوليات الخدمة الملحة، يقول له معل مه "لاحظ نفسك".
ويقول "لاحظ نفسك" أولًا قبل التعليم، ويرى هذا لازمًا لخلاصه ولخلاص أنفس الناس "لأنك إن فعلت ذلك، تخلص نفسك والذي يسمعونك أيضًا"..
إنها قاعدة أساسية يقدمها الرسول للجميع، سواء كانوا خدامًا أو أشخاصًا عاديين، ولكن الخدام يمسهم هذا الأمر بعمق أكثر فلماذا؟