رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قيامة المسيح في أسفار موسى الخمسة إن كلمة الله تُعرِّف الإنجيل الواحد الصحيح هكذا: «أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ \لْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ» (1كو15: 1-4).فالإنجيل، الذي هو الأخبار المُفرحة التي مصدرها الله، لا يعني فقط أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب (أي كتب العهد القديم)، وأنه دُفن (برهانًا على أن موته كان موتًا حقيقيًا)، ولكنه أيضًا قام في اليوم الثالث حسب الكتب (أي حسب ما هو مرموز إليه ومُتنبأ عنه في كتابات العهد القديم). صحيح أن رموز قيامة الرب يسوع ليست بالكثرة التي نجدها لموته في العهد القديم، ولكن كانت لها ظلال واضحة فيه. ففي أسفار موسى الخمسة فقط، نستطيع أن نجد سبعة رموز قد أنبأت عن قيامة المسيح على وجه الخصوص: أولاً: استقرار الفلك على جبال أراراط (تك8: 4): إننا لو نظرنا إلى الفلك مُجتازًا في مياه الطوفان كرمز لموت المسيح الذي عجَّت على رأسه جميع لجج غضب الله وأمواجه، عندما تعلق على الصليب، فإن استقرار الفلك على جبال أراراط وخروج نوح إلى الأرض الجديدة يشكِّلان ظلاً للقيامة. ونحن قد أُخبرنا أن الفلك قد استقر، على جبال أراراط (الأرض العالية المقدسة)، في الشهر السابع، في اليوم السابع عشر من الشهر الذي كان يُدعى شهر أبيب (تك8: 4)، ولكن من وقت عمل الفصح الأول أصبح ذلك الشهر رأسًا للشهور «أول شهور السنة» (خر12: 2). والحَمَل كان يُذبح في اليوم الرابع عشر من هذا الشهر نفسه، وهو نفس اليوم الذي صُلب المسيح فيه، كما يتضح من يوحنا18: 28. واليوم الثالث بعد ذبح الحَمَل يوافق اليوم السابع عشر من الشهر، وهذا هو اليوم الذي استقر فيه الفلك على جبال أراراط، وهو أيضًا اليوم الذي قام فيه المسيح من الأموات. ولقد أتى الفلك بالذين حُفظُوا فيه إلى عالم جديد خارج من المياه؛ عالم نشتَّم فيه الرائحة المتصاعدة من الذبيحة المقبولة، التي ضمنت دوام البركة (تك8: 20، 21). وهكذا نحن أيضًا الذين وجدنا نعمة في عيني الرب، والمدعوون حسب قصده، قد التجأنا إلى المسيح- فلك خلاصنا - هربًا من دينونة أرهب وموت أروع (2بط3: 6، 7)، وأُخرجنا من مشهدها، وانتقلنا إلى مشهد الخليقة الجديدة؛ لأنه بموته مُتنا، وانتهى وجودنا في دائرة الخليقة القديمة، ونحن الآن "فيــه"، بمعنى أننا مُعتبرون معه واحدًا في الموت والقيامة ودخول المجد، حيث يبدو كل شيءٍ جديدًا. وهكذا ففي استقرار الفلك على جبال أراراط وظهور الأرض الجديدة، نرى أنفسنا في المسيح، مُستقرّين ومُستريحين في الخليقة الجديدة على أساس قيامته؛ إذ في خروج أراراط من قلب مياه الطوفان، وعدم تعرضه لأن تغمره المياه مرة أخرى، نرى «عَالِمِينَ أَنَّ الْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضاً. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ» (رو6: 9). ثانيًا: تقديم إبراهيم لابنه إسحاق، وأخذه كما بقيامة، إذ قُدِّمَ كبشًا ذبيحة عوضًا عنه (تك22): لقد قام إبراهيم، الرجل الأمين، مُبكّرًا، وشدَّ على حماره، وأخذ إسحاق؛ ابنه وحيده، الذي يُحبُّه، وشقق حطبًا لمحرقة، وذهب إلى الموضع الذي قال له الله. ولمدة ثلاثة أيام ظل سائرًا في طريقه مع ابنه الطائع.«وفي اليوم الثالث»، أبصر إبراهيم الجبل الذي كان سيُصعِد عليه ابنه إسحاق مُحرَقة لله (تك22: 4). وإسحاق هو النسل الموعود به، وهو رمز لنسل المرأة (تك3: 15). فعندما يُوضع إسحاق طواعية على المذبح، وكنعجة صامتة لا يفتح فاه، وعندما تلمع السكين فوقه في يد الأب الشيخ، إنما هذا يعادل تمامًا موته عند إبراهيم. ولما أخذه إبراهيم حيًّا من على المذبح، في اليوم الثالث، إنما أخذه كمن أُقيم من الأموات (عب11: 19). وإذ أُقيمَ إسحاق رمزيًا من الأموات، جدَّد الرب مواعيده لإبراهيم على أساس الذبيحة، وثبَّت وعد البركة لكل الأمم بواسطة النسل المُقام (تك22: 15-18). ومن الرسالة إلى غلاطية نفهم أن هذا النسل هو المسيح (غل3: 16). فالمسيح المُقام من الأموات هو المصدر الوحيد لبركة كل العالم. ولا ننسى بعد هذا المنظر العجيب، حقيقتين سُجِّلتا عن إسحاق: الأولى أن إسحاق بقيَ إلى جوار أبيه، والثانية أن إبراهيم جعل إسحاق وارثًا لكل شيءٍ (تك25: 5، 6). وذاك المجيد الذي مات وأُقيم من الأموات في اليوم الثالث، هو الآن عن يمين الله، وهو المُعيَّن وارثًا لكل شيءٍ (عب1: 2). ثالثًا: إطلاق العصفور الحيّ وعليه علامة الدم جهة السماء، مُعلنًا أن الأبرص قد طَهُرَ (لا14: 7): إن شريعة التطهير من البرص تُعطينا صورة مُعبِّرة عن تجسد المسيح، وموته وقيامته، وهي بذلك تعطينا صورة مُحببة للطريقة التي أعلن الله بها نعمته في المسيح. فعصفوران حيّان وطاهران كانا يُحضَران لأجل الشخص الذي طهر من برصه. وفي هذا رمز مزدوج؛ فمن الجهة الواحدة هما ليسا من الأرض، بل سماويان، ومن الجهة الأخرى فإنهما من ضآلة الحجم بحيث يستخف بهما الإنسان. وفي زمان المسيح كان يمكن أن تشتري أربعة من العصافير بفلسين، وقد يُعطيك البائع عصفورًا خامسًا بلا مقابل (قارن متى10: 29 مع لوقا12: 6). ويا لها من صورة للاتضاع والضعف! ومن العجب أن أسمى وأمجد وأعظم عمل تمَّ في المسكونة قد أُكمل ”بالضعف“؛ فالرب يسوع المسيح «صُلِبَ من ضَعفٍ» (2كو13: 4). والعصفوران معًا يمثِّلان لنا المسيح في دوري عمله؛ أعني بهما موته وقيامته. «ويأمر الكاهن أن يُذبح العصفور الواحد في إناءِ خزفٍ على ماءٍ حيٍّ» (لا14: 5). العصفور المذبوح إذًا يمثل الرب السماوي حاصلاً على الكفاية والقدرة للألم والموت في الناسوت الذي اتخذه، والذي يرمز إليه إناء الخزف «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ» (عب2: 14). والماء الحيّ هنا هو رمز للروح الأزلي الذي به قدَّم نفسه لله بلا عيبٍ (عب9: 14). والأمر المدهش أن التشبيه لا يُمثِّل - كما قد نتصور للوهلة الأولى - كسر الإناء، بينما العصفور نفسه ينطلق صحيحًا سليمًا، بل بالعكس نرى موت العصفور دون تحطيم الإناء، لأنه «يحفظ جميع عظامه، واحدٌ منها لاينكسرُ» (مز34: 20؛ خر12: 46؛ يو19: 36)، وهنا نقف، أمام دقة الكتاب موقف التعبّد العميق لله. ومسايرة لخط الرمز، فإن العصفور الآخر يُحدثنا عن القيامة، فإذ يُغمس في دم العصفور المذبوح على الماء الحي، ثم يُطلق على وجه الصحراء (لا14: 6، 7)، فإنه إلى السماء ذاتها، التي هو منها، يعود حاملاً الدم الذي هو الشهادة للفداء الذي أُنجز. فالعصفور الثاني يُمثل الحياة التي لا تنتهي، حياة العصفور الأول الذي اجتاز الموت وغلبه، وجعل منه الأداة لإتمام مقاصد الصلاح الإلهي الذي، عن طريق دم الكفارة المُهراق، يُطهرنا من دنس البرص الروحي. وهكذا الحال مع ربنا يسوع المسيح المبارك؛ فقيامته تشهد بإتمام عمل الفداء العجيب «أُقيمَ لأجل تبريرنا» (رو4: 25). رابعًا: ترديد حزمة الباكورة أمام الرب في غد السبت الذي يلي الفصح (لا23: 11): كان الرب قد أمر بني إسرائيل أن يردِّدوا أمامه أول حزمة من باكورات غلاتهم، ليذكروا أنه صاحب الفضل عليهم. وترديد حزمة الباكورة أمام الرب في غد السبت (أو بالحري في يوم الأحد؛ اليوم الأول من الأسبوع)، رمز واضح لقيامة المسيح من الأموات منتصرًا ظافرًا «بعد السبت، عند فجر أول الأسبوع» (مت28: 1)، بعدما أكمل عمل الفداء العجيب. إن السبت الذي كان يقع بعده هذا الأحد، كان سبت أسبوع الفصح (لا23: 4- 22)، والمسيح كما يتضح من يوحنا18: 28؛ 20: 1 مات في أثناء هذا الفصح، وقام من الأموات في أول الأسبوع التالي له، أو بالحري في غد السبت المذكور. وحزمة الباكورة كانت عربونًا للحصاد أو الثمر الكثير المجيد الذي لا بد أن يأتي. والحقل هو العالم (قارن خروج23: 16 مع متى 13: 38). «وَلَكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ ... الْمَسِيحُ بَاكُورَةٌ، ثُمَّ الَّذِينَ لِلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ» (1كو15: 20، 23). فقيامة المسيح هي الضمان لقيامة شعبه. خامسًا: عصا هارون التي أفرخت وامتلأت بالحياة بعد جفافها، أو بالحري بعد موتها (عد17: بعد كل الآيات والعجائب التي صنعها موسى (وهارون شريكه) وسط جماعة إسرائيل، كان الوضع الصحيح للجماعة هو الخضوع لهما، كرمزين للملك والكاهن المختارين والمكرَّمين من الله، لكن الذي حدث هو عكس ذلك. لقد احتقرت الجماعة هذين الشخصين المختارين من الله، وتمردوا على موسى وهارون، وقرروا في أنفسهم أن يضعوهما جانبًا! وكانت هذه لحظة هامة وخطيرة في تاريخ إسرائيل. وقد كان تمرد قورح وجماعته هو الخاتمة المُرعبة لتمرّدهم على الرب، إلا أن هذا جعل الرب يتولى االقضية بنفسه، ويحكم على المذنبين. وفي اختبار مُقدس وجليل، يُحدِّد بواسطة العصا المُفرخة مَنْ هم مختاروه والمعيَّنون منه، حتى يُسكِّن ويُسكِّت تذمرات الجماعة إلى الأبد، بل وينجيهما من الموت (عد17: 8-10)! وفي هذا نرى الكثير من طريق الرب يسوع. لقد استُعلن الرب يسوع في البداية لإسرائيل كراعيهم، ولقد صنع عجائبه في وسطهم؛ عجائب النعمة والقوة، وكانت آياته وتعاليمه وقوات الشفاء التي صنعها كافية للمصادقة على حقيقة شخصه. لقد اعترفوا مؤقّتًا أنه ابن داود (مت12: 23)، ولكن أخيرًا ثار إسرائيل ضده. لقد رفضوا المسيا مختار الله، مثل قورح وجماعته قديمًا، وصلبوا رب المجد. لكن الله تولى قضية ابنه ضد الأمة بأن أقامه من الأموات. وفيما يختص بمشاجرة قورح وجماعته، أمر الرب موسى أن يأخذ من كل سبط عصا، ويكتب عليها اسم السبط الذي أخذها منه، ثم يضع العصي جميعًا في خيمة الاجتماع. وأعلن الرب أن الرجل الذي أُختيرَ للكهنوت، هو الذي تُفرخ عصاه (عد17: 1-11). فإثنتا عشرة عصا كانت موضوعة أمام الرب، وكلها كانت ميتة على السواء، ولا توجد أية علامة للحياة فيها، ولكن عندما أتى الصباح، حدثت معجزة عجيبة: عصا واحدة، وهي التي نُقش عليها اسم هارون، أصبحت ممتلئة بالحياة، وقد أخرجت فروخًا وأزهرت زهرًا وأنضجت لوزًا، للدلالة على أن هارون هو الشخص الذي اختاره الله وقتئذٍ للخدمة الكهنوتية. لم ترَ عين ما التغيير الذي حدث، ولكن عندما جاء موسى فى الصباح، كانت توجد شهادة نابضة بالحياة الفائضة. وهذا يُذكّرنا بذلك الصباح الذي أتت فيه النساء إلى القبر أول الفجر، ووجدن الذي يبحثن عنه مُقامًا وليس ميتًا، فإن يسوع المسيح المُقام من الأموات هو التعبير الحقيقي للعصا التي أفرخت. ويا لروعة انطباق الرمز على الحقيقة، فإن معجزة إفراخ العصا حدثت في "اليوم الثالث"، الأمر الذي يُمكن لنا استنتاجه من تكرار كلمة "الغد" في عدد16: 5، 41؛ 17: 8. ومن ثم فإن هذه العصا التي دبت فيها الحياة بعد جفافها أو بالحري بعد موتها، كانت رمزًا إلى أن المسيح لم يكن ليبقى في القبر ميتًا، بل أن يحيا ويقوم من الأموات، ودليلاً أيضًا على أنه هو الشخص الذي اختاره الله للكهنوت الحقيقي، ليقود شعبه الضعيف والخائر أثناء مسيرة البرية. والعصا المُفرخة المُزهرة أُظهرت بعد ذلك للناس لمشاهدتها (عد17: 9). فالمعجزة تقرَّرت بشهود كثيرين، وكذلك نحن نقرأ في سفر الأعمال عن ربنا المُقام أنه «اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ»، لأن «هَذَا أَقَامَهُ اللهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَأَعْطَى أَنْ يَصِيرَ ظَاهِرًا، لَيْسَ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ بَلْ لِشُهُودٍ سَبَقَ اللهُ فَانْتَخَبَهُمْ» (أع1: 3؛ 10: 40، 41 قارن 1كو15: 4-8). سادسًا: عبور البحر الأحمر: عبور البحر الأحمر وكذلك عبور نهر الأردن، كلاهما رمز من رموز العهد القديم، نرى في كليهما عبور الشعب القديم، وفي كليهما نلمح حقيقة الموت والقيامة، مع هذا الفرق: أنه بعبور البحر الأحمر أُخرجَ الشعب من دائرة العبودية إلى البرية، وهكذا فإن عبور البحر الأحمر يُرينا موت المسيح وقيامته لأجلنا، الأمر الذي يترتب عليه انفصال المؤمن عن العالم الحاضر الشرير أدبيًا، وإذ قد انفصل عن العالم أصبح غريبًا ونزيلاً، والعالم بالنسبة له برية. أما عبور الأردن الذي ترتب عليه دخول الشعب إلى أرض كنعان؛ التي تُشير إلى السماويات، التي هي مناخ القديسين وهم على الأرض، ففيه نرى موتنا نحن وقيامتنا مع المسيح. فالمؤمن لم ينفصل فقط عن هذا العالم الحاضر الشرير بصليب المسيح (غل6: 14)، بل أُقيم مع المسيح (أف2: 6). وإدراك هذه الحقيقة يُمكننا من الاستمتاع بالبركات الروحية السماوية، والاستمتاع بحياة القيامة مع المسيح. وبالرغم من أن عبور نهر الأردن لم يرد ذكره في أسفار موسى الخمسة (موضوع بحثنا)، لكننا قصدنا أن نتناول هذين الرمزين معًا؛ عبور البحر الأحمر، وعبور نهر الأردن، لأنه يُذكر عن شعب الله «فَدَخَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الْيَابِسَةِ وَالْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ» (خر14: 22)، ولم يُذكر أنهم خرجوا منه (رغمًا أنهم بالطبع خرجوا منه تاركين فيه كل خيول فرعون ومركباته وفرسانه، في وسطه، ليغرقوا)، ثم بعد أربعين سنة يُذكر في يشوع4: 19 «وَصَعِدَ الشَّعْبُ مِنَ الأُرْدُنِّ»، وكأن كل فترة البرية قد تمَّ احتوائها بين الحدثين. وهكذا إن لم تتمتع النفس بإدراك حقيقة الموت والقيامة مع المسيح، وطلب ما فوق عمليًا (كو3: 1)، الأمر المُعبَّر عنه بعبور الأردن (يش3)، فإن تلك النفس ما زالت تدور في البرية مغمورة بالمياه. لا شك أن البرية تُعلّم الدرس المزدوج، ألا وهو كشف ما في قلوبنا من تعوّج والتواء وتذمر، وأيضًا كشف كل ما يخرج من قلب الله، حيث الصلاح والجود والنعمة التي لا تكلّ من رعاية شعبه (تث8: 2-4). لكن حالما وصل الله بشعبه إلى إدراكهم أنهم في أنفسهم لا شيء، وأنه هو نفسه، بكل محبته ونعمته وقدرته، هو كل شيء لهم، عبر بهم نهر الأردن للتمتع بالميراث الذي وعد به. وكأن الروح القدس يُعلّمنا أيضًا أنه بعدما يتعلم الشعب؛ شعب الله، لاشيئيته، بسبب دروس البرية، عَبَرَ لامتلاك الميراث، والتمتع به سابعًا: نبوة اليوم الثالث أو الثلاثة الأيام والثلاث الليالي: اليوم الثالث في النبوة يُشير إلى القيامة والحياة، والمجد والعز والجلال. أُشير به إلى اليوم الذي قام فيه ربنا يسوع المسيح، ناقضًا أوجاع الموت. كما أُشير به إلى يوم نصرته ومجده، يوم يملك كملك الملوك ورب الأرباب، ويضع كل شيء تحت قدميه. وبطبيعة الحال يرتبط بالقيامة: الإحياء والإنعاش، والإنهاض والإقامة من السقوط، والرجوع وردّ النفس، والشفاء والإثمار (تك22: 4؛ 40: 20؛ 42: 18؛ خر3: 18؛ 10: 23؛ 15: 22؛ 19: 11؛ عد10: 33)، وإذا قصرنا حديثنا في هذا المقال في أسفار موسى الخمسة، نجد أن اليوم الثالث يُذكر في سبع مناسبات: (1) يُذكر اليوم الثالث لأول مرة في سفر التكوين الأصحاح الأول، من ضمن الأيام الستة التي كانت بمثابة صياغة جديدة لخليقة سقطت وخُرِّبت وترّدت في كارثة شاملة في عصر ما قبل التاريخ (في الأرجح بسبب سقوط الشيطان). ويتكلم اليوم الثالث للقلب المسيحي عن القيامة. ففيه خرجت الأرض من عمق المياه التي كانت مقبورة فيها، وبدأ ظهور الثمار، الأمر الذي يشير إلى قيامة المسيح، فهو- تبارك اسمه - حبة الحنطة التي وقعت في الأرض وماتت، وعندما قامت، في اليوم الثالث، أتت بالثمر الكثير (يو12: 24). (2،3) وفي قصة يوسف، الذي هو رمز للمسيح في اتضاعه ورفعته، نجد اليوم الثالث مذكورًا مرتين (تك40: 20؛ 42: 18)، حيث يرتبط اليوم الثالث بالحياة والموت، وبظهور الحقائق واتضاح الأمور، ونلمس عناية الله متّجهة نحو تمجيد يوسف ورفعه من وهدة الجب. (4) اليوم الثالث والانفصال عن العالم (خر3: 18؛ 5: 3؛ 8: 27). فالموت والقيامة موضحان في إجابة موسى لفرعون «نَذْهَبُ سَفَرَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْبَرِّيَّةِ وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ إِلَهِنَا». وقد أراد فرعون أن الشعب يذبح للرب في أرض مصر، وإذا تركوا الأرض فعليهم ألا يذهبوا بعيدًا (خر8: 25، 28). لكن غرض الله هو أن يكون هناك انفصال تام عن هذا العالم، وعن إله هذا العالم، وهذا لا يتم إلا إذا اتّخذنا مكاننا في أرض القيامة. وسفر ثلاثة أيام في البرية يأتي بالشعب إلى ما وراء بحر سوف حيث لا تستطيع جيوش فرعون الوصول. وطوبى للذين، متى خرجوا من مصر، يختبرون في نفوسهم، ويُظهرون في تصرفهم، ويشهدون بأعمالهم أنهم قد وصلوا إلى هذه النقطة، عالمين أن بصليب المسيح قد صلب العالم لهم وهم للعالم (غل6: 14). (5) اليوم الثالث والانتقال من الظلمة إلى النور. ففي خروج 10: 21-23 نقرأ عن ظلام دامس في كل أرض مصر ثلاثة أيام. لم يُبصِر أحد أخاه، ولا قام أحد من مكانه ثلاثة أيام. ولكن جميع بني إسرائيل كان لهم نورٌ في مساكنهم. ويا لها من مباينة! ظلمة في الخارج، ونور في الداخل للذين هم شعب الله. إن هذه الظلمة التي تكاد تُلمس، تُكلمنا عن موت المسيح الكفاري والنيابي على الصليب (مت27: 45، 46)، ولكن الثلاثة الأيام تتكلم للقلب المسيحي عن القيامة. فها أمامنا صورة نبوية رمزية تكلِّمنا بالاختصار عن الإنجيل؛ موت وقيامة المسيح في اليوم الثالث (1كو15: 1-4). وإنجيل نعمة الله هو الفاصل الذي عينه الله، فقد رسم حدًّا، في إحدى جهتيه ”موت وظلام“، وفي الجهة الأخرى ”حياة ونور“. (6) اليوم الثالث واختبارات البرية: في خروج 15: 22-27 نقرأ عن اليوم الثالث بالارتباط بآلام واختبارات البرية «ثُمَّ ارْتَحَلَ مُوسَى بِإِسْرَائِيلَ مِنْ بَحْرِ سُوفَ وَخَرَجُوا إِلَى بَرِّيَّةِ شُورٍ. فَسَارُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْبَرِّيَّةِ وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً» (خر15: 22). إن قيامة المسيح مُشار إليها في هذا الفصل بالأيام الثلاثة. ورحلة الثلاثة الأيام في برية شور تصوِّر لنا بدِقّة المركز الحقيقي الذي اُحضر إليه المؤمن كمن مات مع المسيح وقام معه. ولقد كانت مياه مارة المُرَّة امتحانًا لقلب الشعب، كشف روح الأنين والتذمر الذي فيهم، ولكن الرب أظهر لهم جليًا أنه لا توجد في البرية مرارة إلا ويستطيع، بنعمته، أن يحولها إلى حلاوة «فَأَرَاهُ الرَّبُّ شَجَرَةً فَطَرَحَهَا فِي الْمَاءِ فَصَارَ الْمَاءُ عَذْباً» (خر15: 25). وفي ذلك رمز جميل لذلك الذي بنعمته قد ألقى بنفسه في مياه الموت المُرّة لكي يكون لنا من ورائها حلاوة وعذوبة إلى الأبد. والآن نستطيع أن نقول إن مرارة الموت قد زالت، ولم يعد أمامنا سوى الأفراح الأبدية المتعلِّقة بالقيامة. (7) وفي سفر العدد10: 33 تقدَّم تابوت العهد أمام الشعب مسيرة ثلاثة أيامٍ في البريه ليلتمس لهم منزلاً (مكان راحة؛ Resting Place). وهكذا المسيح لنا، مثل تابوت عهد الرب الذي ذهب أمام الشعب، لقد ذهب أمامنا، لقد أخذ مسيرة الثلاثة الأيام؛ موته ودفنه وقيامته (1كو15: 1-4)، حيث فتح «طريقًا حديثًا حيًّا» أمام شعبه في طريقهم للمجد السماوي «فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى الأَقْدَاسِ بِدَمِ يَسُوعَ، طَرِيقًا كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثًا حَيًّا، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ» (عب10: 19، 20) نعم، لقد فُتح لنا طريق الأقداس، وسُمح لنا بالدخول إلى ذات حضرة الله بناءً على قيامة المسيح ودخوله إلى الأقداس. هذا هو منزلنا ومكان راحتنا وموضع إقامتنا الذي التمسه لنا الرب يسوع المسيح بمسيرة الثلاثة الأيام؛ موته ودفنه وقيامته. وهو أبدًا "يذهب أمامنا" ونحن من خلفه وفي أثر خطواته؛ وها نحن منذ الآن - بالروح - نتطلع حيث سَيّدنا المجيد، إلى أن يأتى إلينا ليأخذنا إليه. «آمين. تعالَ أيها الرب يسوع». فايز فؤاد |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
رموز للسيد المسيح فى أسفار موسى الخمسة |
ما هي أسفار موسى الخمسة؟ |
أسفار موسى الخمسة | التوراة |
أسفار موسى الخمسة |
أسفار موسى الخمسة |