صرخة الألم
المزمور السادس
1. المزمور السادس هو مزمور توسّل ينشده أحد المرضى فيعبّر فيه عن ألمه وضيقه. يتألّم لأن مرضه يجعله قريباً من الموت. ويتألّم أيضًا لأنه يفكّر بشماتة أعدائه وضحكهم عليه. لا يريد أن يفكّر إن كان يستحقّ هذا المرض. بل يكتفي بأن يتّكل على أمانة الرب، فيجعل ثقته في رحمته وغفرانه: الرب قد سمع صوت بكائي.
2. صرخة الالم يطلقها المرتّل في الليل وهو مسمّر على فراشه.
آ 2- 4: توسّل ودعاء: يطلب المرتّل الشفاء من مرض يصل به إلى الموت. غضبُ الرب لا يدوم إلى الأبد، بل تحلّ محلّه الرحمة والرأفة. أنا مريض سقيم، وعظامي ترتجف، وأنت، فإلى متى يدوم غضبك، إلى متى تنسى رحمتك؟
آ 5- 6: الأسباب: رحمة الله وهو إله الخلاص لا إله الغضب. فأين رحمة الرب؟ إذا كان قد خلق الانسان لتمجيده، فإن مات المرتّل وذهب إلى الجحيم، عالم الموتى، فمن يذكر الله بعد ذلك ومن ينشد اسمه (أش 38: 18- 19؛ مز 29: 10- 11؛ 87: 11- 12). كأني بالمرتّل يقول للرب: إن أنا متّ، فلن تجد من ينشد لك ويذيع اسمك، فتكون أنت الخاسر.
آ 7- 8: ويشكوا المرتّل أمره إلى الله: لماذا يتألّم؟ تعبتُ من الانين، أغمر سريري بدموعي، ذبُلت عيناي... يتذكّر المرتّل آلامه كما لو كان قد نساها، يتذكّرها ليقول للرب إن عدالته قد أخذت مجراها والمحنة قد فعلت فعلها. بكى المرتّل خطاياه وتاب عنها، وحزنه أكبر دليل على ذلك.
آ 9- 11: صلاة ختاميّة يعبر فيها المرتّل عن يقينه أن الله استجاب دعاءه فدحر أعداءه. أيكون قد حدث ما حدث بن آ 8 وآ 9 فسمع من فم الكاهن كلام الرب؟ لنا مثال على ذلك ما قاله عالي الكاهن لحنّة أم صموئيل (1 صم 1: 17): "سمع الرب تضرّعك، وتقبِّل صلاتك".
3. يصوّر لنا هذا المزمور رجلاً تألّم فلم يعد يستطع أن يحتمل: المرض يتعبه، والضيق يفنيه، والألم يزيل منه كل قوّة. عظامه ترتجفّ من الحمّى والخوف، والموت يقترب منه. وعندما تبدو له الملحنة وكأنها قصاص من عند الرب، يشتدّ جزعه. أيكون الله قد تركه يتخبّط في المرض والضيق والجزع؟ لم يبقَ له إلاّ الصلاة، ونكنها صلاة ضعيفة لأن العياء أخذ منه كل مأخذ. بعد قليل، لن يستطيع حتى أن يصلّي، لأنه سيكون في سكوت الجحيم حيث الله لا يكلّم أصفياء، ولا يسمع صوتهم. سيكون في القبر حيث سيُنسى. إذًا، هـذه الصلاة هي صلاة المرتّل الأخيرة. فإن لم يسمع الرب ويستجيب، يكون انتهى كل شيء. ولكن الله سيسمع ويخلّص.
4. المزمور 6 هو أول مزامير التوبة. والستة الباقية هي: 32؛ 38؛ 51؛ 102؛ 130؛ 134. وهو يعبّر عن عالم الخطيئة الذي يعيشه المؤمن. والمسيح قد حمل أوجاعنا وأخذ عاهاتنا، صار خطيئة من أجلنا، وضُرب من أجل معاصينا، كان حزينًا حتّى الموت بعد أن عرق دمًا من أجل الخطأة.
وتتكوّن الكنيسة من شعب خاطيء ينتظر مجيء المسيح وخلاصه، وهو يصلّي للمسيح القائم من بين الأموات: لينقذْ من عالم الموت جميع الذي رقدوا على رجائه، وليساعدْ الذين يبكون خطاياهم فيكون لهم رحومًا غفورًا.
5. "يا رب، لا توبّخني بغضبك، ولا تؤدبني بسخطك".
حين تسمعون كلامًا عن غضب الله وسخطه، لا تظنّوا أن فيه بعض الأهواء الخاصّة بالانسان. إنه يستعمل هذه العبارة ليتنازل على مستوى ضعفنا. ولكن الله متحرّر من هذه الأهواء. وإن تكلّم بهذا الشكل، فلكي يجعل نفسه على مستوى عقولنا المحدودة...
يعلّمنا الكتاب بوضوح أن الله ليس معرّضًا للغضب. قال الربّ: "هل يسخطوني أنا أم يسخطون أنفسهم" (إر 7: 19)؟ ولكن كيف نريد من الله أن يجادل مع اليهود؟ هل كان باستطاعته أن يقول لهم إنه لا يحسّ بالغضب ولا بالبغض تجاه الأشرار؟ فالبغض هوى يبلبل النفس. إنه لا يرى الأمور البشريّة؟ فالرؤية ملكة من ملكات الجسد. إنه لا يسمع؟ فهذا أيضًا عمل خاص بالجسد...
"إلتفت إليّ يا رب، وخلّص نفسي". إنه يطلب أمرين: أن يلتفت الله إليه. أن يخلّص نفسه. ما يطلبه الأبرار باهتمام، هو أن يتصالح الله معهم، أن يكون راضيًا عنهم ومؤاتيًا، أن لا يميل عنهم بنظره الرحوم. ويطلبون بالتالي نعمة أخرى: أن تنجو نفوسهم. هم لا يقتدون بسلوك الاكثريّة الذين لا يطلبون إلاّ شيئًا واحدًا في غرائزهم الخشنة، وهو التمتّع بالحياة الحاضرة. أمّا الأبرار فليس لهم إلاّ رغبة واحدة، موضوع واحد يمرّ قبل سائر المواضيع: خلاص نفوسهم.
"ففي الموت من يذكرك، وفي القبر من يهلّل لك"؟ اسمع الدوافع التي يقدّمها إلى الله لكي ينجّيه. أنا حزين. ارتعشت عظامي. لهذا أرفع طلبتي إلى الله. ففي الموت لا أحد يذكرك. حين يتكلّم هكذا، فهو لا يريد أن يحصر مصيرنا في الحدود الضيّقة التي تعرفها الحياة الحاضرة. لا سمح الله. فهو يعرف عقيدة القيامة. ولكنه يريد أن يقول، إننا حين نخرج من هذه الحياة، يكون زمن التوبة قد ولّى بالنسبة إلينا. فالغنيّ الرديء اعترف بخطاياه وندم عليها. ولكنها ندامة عقيمة. لم يعد الوقت وقت ندامة. ورغبت العذارى الجاهلات بالزيت، ولكن لم يعطهن أحد. لهذا يطلب النبيّ إلى الله أن ينقّيه من خطاياه وهو على الأرض، لكي يقف بثقة أمام منبره الرهيب. ثم يعلّمنا أنه يجب أن نضمّ إلى رحمة الله مجهودنا الخاص. (يوحنا فم الذهب).