هجوم الأفكار أثناء الصلاة:
القمص صليب حكيم
تعتبر الصلاة من الوسائل القوية لاقتناء القداسة فإذا داهمتنا الأفكار أثناءها وبددت روحانيتها أضاعت فعاليتها في حفظ قداستنا. لذلك علينا معالجة حرب الأفكار لنا في صلواتنا.
ففي حياتنا اليومية العادية يغلب علينا الطابع الحسي والفكري لأننا نمارس كل أعمالنا بحواسنا الجسدية وبعقلنا الذي ينظم أعمالنا. أما ممارسة صلواتنا فتحتاج إلى تحرر أرواحنا من سلطان حواس الجسد وانشغالات الفكر العالمية لكي تقدر أن تنطلق لتتخاطب مع الله وتقدم له عبادة واعية فوق كل حس وفكر عالمي.
ومن العوامل التي تساعدنا على انطلاق أرواحنا والتركيز في العبادة:
أولًا: تهيئة نفوسنا للوقوف أمام الله وذلك بأن:
- نسبق الصلاة بقراءة فصل من الكتاب المقدس أو موضوع روحي أو بعض أقوال عن الصلاة أو ترنيمة أو ترتيلة أو لحنٍ مُعَزٍّ أو فترة هادئة من التأمل لاستحضار صورة السماء بالله وملائكته وقديسيه.
- البدء برشم الصليب بهدوء واحترام وإعطاء المجد للثالوث الأقدس ثم السجود إلى الأرض ثم البدء بالصلاة الربانية براحة وعدم عَجلة. وبذلك يمكن أن تستمر صلوات المزامير بنفس الهدوء. مما يعطى فرصة لتفهُّم كل كلمة وعبارة لننال كل نعمة روحية متضمنة فيها.
- السجود إلى الأرض في آخر كل مزمور أو عند كلمة السجود أو عند تلاوة التقديسات (قدوس قدوس...) أو طلب الرحمة (كيرياليسون) وكذلك في ختام الصلاة. فهذا يساعدنا على الشعور الدائم بالوجود في حضرة الله إلى أن ننصرف من أمامه.
- وجود الصور الروحية أمامي للسيد المسيح والسيدة العذراء والملائكة والقديسين لكي وجودهم الحسي المنظور أمام عينيَّ يدعم صورة وجودهم الروحي السماوي غير المنظور أمام بصيرتي الداخلية.
- أُفاضِل بين صلاتي في صمت وبين صلاتي بصوت مسموع. وكذلك بين صلاتي بصوت دارج وبين صلاتي بتلحين المزامير. وبين صلاتي بفرح كابنٍ وصلاتي بانسحاق قلبٍ كعبد. وكذلك أوائم بين انفتاح عينيَّ وغلقهما. كل ذلك حسب حالتي النفسية والجسمية أيهما أفضل لي من أجل تركيز انتباهي وعدم تشتت فكرى في الصلاة.
- الأفكار التي تهاجمني في الصلاة أحوِّلها هي نفسها إلى صلاة. وعلى سبيل المثال إن كانت أفكارًا شريرة أتضرع إلى الله لتنقيتي منها. وإذا كانت أفكارًا مفرحة أقدم عليها الشكر لله. وإذا كانت مشاكل وضيقات أصرخ إلى الله لنجاتي منها. وإذا كانت أمورًا مقلقة أو مستقبلية أتركها بين يدي الله وأطلب إليه أن يقوى إيماني به ويعلمني الاتكال عليه.
- عند استمرار سرحاني في الأفكار أوبِّخ نفسي بشدة على استهتاري وعدم احترامي وعدم مخافتي لله أنا غير المستحق للوقوف أمامه. حتى أنتبه لأستحضر شعوري برهبة الموقف وتجميع فكرى ومشاعري كلها نحو الله وحده.
- عند ضيقي بهجوم الأفكار علىَّ ألجأ إلى قراءة كلمات الصلوات بعينيَّ في كتاب الأجبية حتى لو كنت حافظًا لها فهذا يساعدني على التركيز في الكلمات ومعانيها.
- أحيانا الاكتفاء برفع الفكر للصلاة لله الساكن في السماء يعطى فرصة لتوارد الأفكار من كل صوْب وحدْب لتملأ فراغ البعد المكاني في شعوري الداخلى وأنا أُصَلِّى. لذلك يجب أن أضيف إلى صلاتي لله الساكن في سماه صلاتي إلى الله الساكن في قلبي بروحه "إنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم" (1كو3: 16) بل إن الله محيط بي وهو أمامي وعن يميني "جعلتُ الرب أمامي في كل حين لأنه عن يميني فلا أتزعزع" (مز16: 8). وتركيزي حول نفسي المحسوسة والقريبة إلىَّ كمسكن لروح الله الذي أخاطبه في صلاتي قد يساعدني أكثر على التركيز في صلاتي.
ثانيا: العامل الثاني لمعالجة الأفكار التي تباغتني أثناء الصلاة هو تنظيم أوقات عبادتي وتأدية صلواتي لأن هذا يساعد على تثبيت عادة روحية عندي تستحضر معها دائمًا استعداد واتجاه قلبي وفكري ومشاعري لتقديم العبادة لله. وهذا يساعد كثيرًا على تركيزي في الصلاة والاستمتاع ببركات الوجود في حضرة الله.
ثالثا: العامل الثالث هو الالتزام بشروط الصلاة المقبولة وهى الشعور بالاحتياج للصلاة للشكر والتسبيح وطلب الرحمة والمغفرة والنجاة من التجارب، والشعور بأهميتها في حفظ روحانية الفرد باعتبارها ترمومتر الحياة الروحية، وضرورتها كواجب حب وواجب عبودية، وتأديتها بمهابة واتضاع قلب أمام الله.
أما علاج الأفكار التي تهاجمنا أثناء عبادتنا في الكنيسة فبالإضافة إلى ما سبق ينبغي أن نعى جيدًا نظام عبادتنا الكنسية لأنه يساعدنا على التركيز فيها ومتابعتها مما يتعذر معه سرحاننا في أي أفكار خارجية.
يضاف إلى ذلك علاقتي أنا بالسماء التي أصبحت مفتوحة أمامي بسكانها الذين يعايشوننا ويحيطون بنا ويحلِّون بيننا وعلى رأسهم القديسة العذراء مريم التي تتجلى في سماء أرضنا وعلى قباب كنائسنا بين حين وآخر.
إذًا كيف أسرح أو يشرد ذهني في صلاتي لإله ليس بعيدًا عنى لا هو ولا ملائكته ولا قديسيه. ولا أخاطبه بمجرد ألفاظ أو بصوت، وإنما بعلاقة حميمة وبحب ونبضات قلب وبتلامس روحي وحسى معًا!
لذلك يجب أن أنتبه جيدًا لمقاومة عدو الخير لعلاقتي بالله وتمسكي بمحبته. إذ أنه عندما يفشل في إعاقتي عن صلاتي فإنه يستخدم سلاح الأفكار لكي يحرمني من تعزيتي منها. وكذلك عندما يفشل في تعطيلي عن المجيء إلى الكنيسة فيهجم علىَّ بسيل من الأفكار حتى يحرمني من نعم وعطايا جزيلة من بيت الله. وإن كان من المفروض أن الصلاة وسيلة لتقديس أجسادنا فكيف يستغلها عدو الخير فرصة لمعايشة أفكار الشهوة والدنس؟
إذًا لِنَصْحُ وننتبه لحيل إبليس ونحاول الإفادة من هذه الوسائل لعلاج هجوم الأفكار علينا أثناء صلواتنا.
وهناك حقيقة هامة أيضًا يجب أن نعرفها هي أنه لا يكثر هجوم الأفكار إلا عندما يكون الجسد ثقيلًا بسبب كثرة الأطعمة والملذات، أو في حالة الإرهاق الزائد الذي ينهك قوى الإنسان ومن ثم يُضْعِف إرادته فيجعله غير قادر على مقاومة أفكاره فتجد الأفكار الشريرة فرصة للسيطرة على فكره. أو في حالة انحدار الصحة واعتلالها والشكوى من عدم القدرة على التركيز فيصبح العقل نهبًا للأفكار النافعة وغير النافعة. أو عندما تكون النفس مثقلة بالقلق والاضطراب والحزن والاكتئاب، أو الذات في حالة تذمر وعدم رضا، أو عندما يكون العقل مُشوَّشا بكثير من الاهتمامات والمشاكل. حينذاك تجد الروح صعوبة كبيرة في الارتقاء والتسامي لعبور حواجز الجسد والنفس والعقل والذات لكي تلتقي مع الله في حديث مباشر.
وإن كان لابد من أن توجد هذه فالبعض من أجل نوال بركة صلاة المزامير بتركيز يلجأون إلى مطابقة كلمات المزمور على حياة السيد المسيح وعلى ظروف حياتهم المشابهة لظروف داود النبي أو إلى تخصيص مزمور لكل فرد يقع في دائرة مسئوليتهم في الأسرة أو في مجال الخدمة الروحية. أو إلى تكرار كل عبارة في المزمور أكثر من مرة حتى يشحذوا همتهم في الصلاة ويركزوا في الطلبات المتضمنة فيها فيهربوا من الأفكار الضاغطة. والبعض ممن لديهم فسحة من الوقت يؤجلون صلواتهم لوقت آخر يناسب هدوءهم النفسي والفكري. أما البعض الثالث فليس أمامه إلا أن يقدم صلاته هذه المشوشة والغير مركزة خوفًا من أن تضيع عليه فرصة الصلاة ولا يجد فرصة أخرى راجيا من الله أن يقبلها كما قَبِل فلسيَّ الأرملة لأنه يعرف مدى جهاده فيها ومدى تألمه لعجزه عن عبور ضغوطها. بل كثيرون يختبرون بركة هذا النوع بالذات من الصلوات في حفظهم من التجارب والحوادث والسقطات.