رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أهمية محبتنا لله أن الله لا يريد سوي شيء واحد، فيه تكمن جميع الوصايا، وهو المحبة. أن أحببت الله تكمل كل ما هو مطلوب منك. وأن لم تكن تحبه، فباطل هو كل عملك..! فالله يريد قلبك، وقلبك كله. وهكذا قيل في شريعة موسى (تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك) (تث6). وقد أكد السيد المسيح هذه الوصية في (مت22). ويقول الرب في سفر الأمثال (يا أبني أعطني قلبك) (أم 23: 26). وإعطاؤه قلبك تعني كل القلب، وليس مجرد جزء منه. وإلا فما هو مصير باقي الأجزاء. أن الدين يا أخوتي، ليس مجرد حلال وجرام! أو مجرد أوامر ونواهي، وناموس ونعمة، بقدر ما هو حب، نحو الله والناس. ومن هذا الحب ينبع كل خير. وإن كنت لا تحب الله والناس، فلست إنسانًا متدينًا، مهما كانت لك صلوات وأصوام وقراءات وتأملات، ومنح وعشور وخدمة ووعظ.. فالله يريد الحب، وليس مجرد الممارسات. لا تظن أن الله يطلب منك واجبات أو فروضًا، أو مجرد وصايا ترغم نفسك عليها، لكي تظهر مطيعًا لأوامره، أو لتكون بارًا في عيني نفسك.. إن كل ما يريده هو أن تحبه كما أحبك. وهذا الحب الذي يريده ليس هو أمرًا موجها إليك، وأمنا متعة مقدمة منه لك. تشعر فيها بالفرح، إن كان قلبك وحياتك روحية.. إن كنت لا تحب الله، فأنت لم تعرفه بعد. علي أن معرفة الله أمر من المفروض أن يكون للمبتدئين. أما عن الكاملين فالمطلوب منهم هو الثبات في الله، كما يقول "أثبتوا في وأنا فيكم" تمامًا (كما يثبت الغصن في الكرمة) (يو15). فهل تشعر أنك في الله كالغصن في الكرمة، وعصارة الكرمة تسري فيك، وتصبح علي صورتها. أنت لست غريبًا عن الله، ومحبته ليست غريبة عليك. فأنت أبن له. والمفروض أن الابن يحب أباه. وأنت هيكل لروحه القدوس وروح الله ساكن فيك (1كو3، 5). هو الأصل وأنت فرع الرأس وأنت عضو في الجسد. حقًا كما قال بولس الرسول (هذا السر عظيم) (أف5). إن كان الحب الحقيقي لله، هو الثبات فيه، فماذا تكون الخطية إذن سوى انفصال عن الله، إذ ليس هناك شركة بين النور والظلمة.. ما أصعب أن تتحول من الحب إلى الخصومة!! أنت تحب الله، تحب كل الناس داخل محبة الله. لا تسمح بوجود محبة في قلبك تتعارض مع محبة الله، فهذه خيانة لله الذي خلقك ورعاك وفداك.. والكتاب يقول (محبة العالم عداوة لله) (يع4)، وقيل (إن أحب أحد العالم، فليست فيه محبة الآب) (1يو2). ولذلك فإن الكنيسة تقول لنا في كل قداس (لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. لأن العالم يبيد وشهوته معه) (1يو2). كذلك لا نحب أحدًا أو شيًا أزيد من محبتنا لله. فقد قال الرب (من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني. ومن أحب ابنًا أو ابنة أو زوجة أكثر منى فلا يستحقني).. (وهكذا قال الآباء الرسل (ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس).. بل حتى نفسك، لا تحبها أكثر من الله، بل تضبطها وتقمعها في طاعته. وتنكر ذاتك، وتبغض نفسك من أجل الرب.. وإذا أحببت الله من كل القلب لا تسمح لأي شيء أن يفصلك عنه. فقد قال الرسول: ( من يفصلني عن محبة المسيح..؟!) ( رو8). لا شده ولا ضيق، ولا قوات حاضرة ولا مستقبلة.. ولا أية شهوة أو رغبة.. ما أعجب قصة ذلك القديس الذي كان سائرًا في البرية يصلي. فأتي ملاكان سار واحد عن يمينه والآخر عن يساره، ولكنه لم يسمح لنفسه أن ينشغل بهما عن صلاته. بل قال في فكره (من يفصلني عم محبة المسيح؟! لا ملائكة ولا رؤساء ملائكة)!! واستمر في عمق صلاته.. إن كل محبة تبعدك عن محبة الله هي محبة غريبة خاطئة. وكل محبة تنافس الله في قلبك، اهرب منها. ولكنك يمكنك أن تحب كل الناس من أجل الله، وداخل محبة الله. تحبهم في المسيح يسوع الذي أحبهم. ولا تحبهم أكثر من الله. وحتى العالم الخاطئ، تحبه أيضًا لكي تقوده إلى محبة الله، لا لكي يشغلك عنه.. القلب كله ملك لله، فلا تسلبه شيئًا من حقوقه. إن كان قد قال عن العشور (سلبتموني، قال الرب) (ملا4)، فكم بالأكثر نسلبه، إن أعطينا قلبنا لشيء ضده، أو فضلنا آخر عليه؟! لذلك شبهت النفوس المحبة لله بالعذارى. ويقل في سفر النشيد (أحبتك العذارى) (نش1). واللائي دخلن الملكوت شبهن بخمس عذارى حكيمات (مت25). وقال بولس الرسول (خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح..) (فلماذا هذه التشبيهات كلها؟ لأن العذراء لم تعط ذاتها لآخر.. وينطق الاسم علي كل نفس لم تعط قلبها لغير الله. ويتساوى في هذا المتزوجون وغير المتزوجين / مادام القلب في محبته مكرسًا لله وحده.. وهكذا قالت عذراء النشيد (أنا لحبيبي، وحبيبي لي) أنا لست لشيء آخر.. ونلاحظ هنا استخدام كلمة (حبيبي) بدلًا من كلمة ربي وإلهي بسبب عاطفة الحب، التي ندعوه بها أبانا.. إنه حب متبادل بين الله والنفس البشرية. بسببه قال بولس الرسول (خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح.. وأوجد فيه) (في3).. فإن كنا نتعلق بشيء في العالم يشغلنا عن محبة الله فهذا دليل علي أن محبتنا ليست كاملة.. لقد استطاع القديسون أن يفرغوا قلوبهم من كل حب، لكي يكون الله هو الكل في الكل في قلوبهم.. لكي يكون الفكر كله لله والعاطفة كلها. فالحاجة إلى واحد.. نتائج محبتنا لله فإن أحببت الله، تحب أن تتكلم معه، فتحب الصلاة. وتجد لذة في الحديث مع الله. وتكون صلاتك مشبعة بالاشتياق إلى الله وإلى البقاء في حضرته. وتقول مع داود النبي (باسمك ارفع يدي، فتشيع نفسي كما من شحم ودسم). فهل لك هذا الشبع الروحي في الصلاة؟ هل الصلاة تغذيك وتعزيك وتفرحك، وتسمو بك في أجواء عليا أرفع من مستواك؟ وهل كل كلمة من الصلاة لها مذاقة حلوة وفي ذهنك ومصدرًا لتأملات؟! أم أنت تقاوم نفسك وتغضب نفسك، لكي تصلي! أو تلتمس أعذارًا كثيرة لكي لا تصلي؟! محتجبا بالتعب وضيق الوقت. بينما السبب الوحيد لعدم صلاتك، هو أنك لا تحب الله. فلو كنت تحب الله، كنت تشتاق إلى الحديث معه. ولو أحببت الصلاة تحب الله. فمتى إذن تحبه وتحبها؟ الذي يحب الله لا يخطئ، لأن محبته لله تمنعه من مخالفته. وهذا واضح من الرسالة الأولي للقديس يوحنا الرسول، حيث يقول ويكرر إن (المولود من الله لا يخطئ) (لأن زرعه ثابت فيه) (والشرير لا يمسه). بل يقول عنه أكثر من هذا إنه: (لا يستطيع أن يخطئ) (1يو3: 5). أصبحت طبيعته لا تقبل الخطية. والمحبة رفعته فوق مستوى الخطية، وفوق مستوي الوصية، وفوق مستوي الجسد.. فهو يمتنع الخطية ليس خوفًا من العقوبة، ولا رعبًا من جهنم، إنما بسبب محبته لله، وبالتالي محبته للخير. هنا نقول: الإنسان الذي يحب الله، تتحد مشيئته مع مشيئة الله. فهو في محبته لله يقول له: "لا تسمح يا رب أن أشاء شيئًا لا تريده أنت. لتكن مشيئتي إذن هي مشيئتك. ولتكن مشيئتك هي مشيئتي. بل ليتني لا تكون لي مشيئة علي الإطلاق. بل أنت في فكري، وفي قلبي، هو الذي أعمله بكل رضا وحب". لذلك فالذي يحب الله لا يجد صعوبة في تنفيذ وصاياه. (لأن وصاياه ليست ثقيلة) كما قال القديس يوحنا الرسول (والذي يحب الله يحب وصاياه أيضًا) ويجدها سراجًا ونورًا لسبيله، ويكون (في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلًا) ويقول للرب (وجدت كلامك كالشهد فأكلته)، إنه أحلي من العسل والشهد في فمي فرحت به كمن وجد غنائم كثيرة (مز119). وصية الرب ليست صعبة أمامه، لأنه لا توجد في قلبه النقي أية شهوة خاطئة تقاوم وصية الله. ولأنه يعمل بمضمون هذه الوصية، حتى دون أن يقرأ عنها. إن المحبة رفعته فوق مستوى الوصية. ولم يعد داخلًا تحت سيطرتها. الوصية لا تشكل عبئًا عليه وهي ليست مجرد أمرًا، بل هي نور يضئ له الطريق إلى الله، وحتى لا يضل بحيل العدو أو بخطأ الأفكار. إنها الوسيلة التي بها يتقي الله قلبه، فيصير حسب قلب الله. إنها الطريقة التي تجعل منه صورة الله ومثاله. حقًا إن الله من محبته لنا، ومنحنا وصاياه. ونحن من محبتنا له نطيع هذه الوصايا، بل ونفرح بها كرسالة إلينا من الله الذي نحبه. الذي يحب الله لا يرى أن الوصية تقيده، بل ترشده. إنها ليست قيودًا علي أرادته، ولا هي حد لحريته، لأن الخطية والعادات السيئة هي التي تقيد حرية الإنسان، وكلمة الله هي التي تجرده والذي يحب الله لا يري الوصايا ضغطًا علي إرادته، لأن إرادته المتحررة تفرح بالوصايا التي قررها الله لمنفعتنا.. الذي يحب الله، يسعده أن يدعو جميع الناس إلى محبته. مثلما فرح يوحنا المعمدان إذا رأي الناس يلتفون حول المسيح، وقال (من له العروس فهو العريس. أما صديق العريس فيري ويفرح. لذلك فرحي قد صار كاملًا (يو3). لذلك فهو يخدم، لأنه يحب الله، ويحب ملكوته، ويحب أن ينشر هذا الملكوت وتنتشر كلمة الله، ويزداد عدد الذين يتبعون طريق الرب ويحبونه. وهكذا ينجح في حياة الخدمة، من يرى الخدمة حبًا. حبًا لله والناس وللملكوت. حبه لله يقوده إلى خدمتهم، لكي أن ينتشر هذا الملكوت،لكي يذوقوا وينظروا ما أطيب الرب. وكلما يخدمهم يزداد محبة لهم. وكلما يحبهم تزداد خدمته لهم. وهو حينما يعطي، إنما يعطي عن حب، لأنه مكتوب: ( المعطي المسرور يحبه الرب). لا عن طلب أجر من الله، وإنما بسبب الإشفاق العجيب الذي في قلبه من نحو المحتاجين. لذلك فإن عطاءه يرتفع فوق مستوى العشور والبكور والنذور، ويرفع فوق مستوى الأرقام. فيعطي بسخاء ولا يعير. ولا يسأله الله كم أعطى؟ وإنما كم أحب. ويكافئه علي الحب الموجود في عطائه، وليس عن الكمية.. محبة الخير الذي يحب الله، بالضرورة يحب الخير ويحب حياة القداسة. محبة الإنسان لله توصل إلى محبة الفضيلة. كما أن محبة الفضيلة توصل أيضًا إلى محبة الله، وتجعله يرتفع عن مستوى الصراع مع الخطية، لأنه ما عاد يحبها، بل أصبح يشمئز منها. لأنه ثبت في الله، ولله نور، والخطية ظلمة، ولا شركة للنور مع الظلمة.. الذي يحب الله، يصبح هيكلًا للروح القدس، والروح القدس يسكن فيه، ويعمل به ومعه. وهو لا يمكن أن يسمح لنفسه بأن يخزن روح الله الذي فيه بخطية من الخطايا، لذلك لا يخطئ.. وهو يعرف تمامًا أنه لو أخطأ، يقول له الرب كما قال لملاك كنيسة أفسس (عندي عليك أنك تركت محبتك الأولي) (رؤ2). ولكن الإنسان المحب لله حقًا، هو ثابت في محبته، وثابت في حياة القداسة التي بدونها لا يعاين أحد الرب. وفي محبته للخير، لا يجاهد للوصول إلى التوبة لأنه قد اجتاز هذه المرحلة، إنما كل جهاده هو للنمو في حياة البر وعمل الخير. إنه جهاد إيجابي، وليس جهادًا سلبيًا. هو انتقال في حياة القداسة من درجة إلى درجة أعلي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. إنه جهاد لذيذ بلا تعب داخلي. فهو في محبته للرب، قد دخل إلى راحة الرب، واسترحت روحه فيه. دخل إلى سبته الروحي الذي لا ينتهي، يتدرج فيه خير إلى خير أكبر بلا تغضب، بل في متعة روحية، يفعل الخير تلقائيًا بلا غضب.. هذا الذي يحب الخير لا يحتاج إلى الوصية التي تدعوا إلى الخير. بل يصنع الخير بطبيعته الخيرة، إذ صار الخير من مكونات طبيعية كصورة الله. الذي يحب الله ويحب الخير، يفعل الخير كشيء عادي طبيعي، كالنفس الذي يتنفسه، دون أن يستشعر في داخله أنه يعمل شيئًا زائدًا أو عجيبًا، دون أن يأخذه الزهو بما عل. ولهذا فهو لا يفتخر مطلقًا بشيء من فضائله، لأنه يراها شيئًا عاديًا وثانيًا لأنه من محبته لله، ينسب كل شيء حسن يعمله إلى عمل الله. كما قال بولس الرسول (لا أنا بل نعمة الله العاملة معي) (1كو15). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
لا شك أن محبتنا لله تتطلب، لتحقيق البعد الثاني، محبتنا "للقريب" |
ينبغي أن تكون محبتنا للناس داخل محبتنا لله |
نتائج محبتنا لله |
نتائج محبتنا لله |
نتائج محبتنا لله |