رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تلمذته لمليتيوس Meletias يقول بالاديوس(10) أن مليتيوس Meletias رئيس كنيسة إنطاكية قد لاحظ على هذا الشاب بهاء طلعته، انجذب إلى جمال شخصيته، وسمح له بمرافقته على الدوام، مدركًا بعين النبوة ما يكون عليه، وإذ عمده أقامه قارئًا أو أغنسطسًا Anagnostes عام 370 م. هكذا استطاع صديقه باسيليوس لا أن ينتشله من أمواج البحر الجائشة، إنما كان يسنده على الدوام، مشتاقًا أن يعيش معه على الدوام، مكرسين قلبيهما للعبادة، فقد حثه على أن يعيشا معًا في الحياة الرهبانية. روى لنا الذهبي الفم بنفسه أحداث هذه الفترة، قائلًا(11): [لم يكن يحتمل مفارقتي لحظة واحدة. كان يحثني على الدوام أن نترك بيتنا ونسكن معًا. وإذ أقنعني بذلك صار الأمر تحت التنفيذ، لكن نحيب أمي المستمر عاقني عن تلبية طلبه، أو بالأحرى أن أنعم بهذه العطية على يديه. لقد شعرت أمي أني أفكر في هذه الخطوة، فدخلت بي حجرتها الخاصة، وجلست بجواري على السرير الذي أنجبتني عليه، وسكبت سيوَلًا من الدموع، ثم نطقت بكلمات تستحق الرثاء أكثر من دموعها، ففي نبرات الحزن قالت لي: "يا بني، لم تكن إرادة السماء أن أنتفع بقوة أبيك طويلًا، فقد ولى موته الآلام التي اجتزتها من ولادتك، تاركًا إياك يتيمًا وأنا أرملة قبل الأوان، أواجه كل متاعب الترمل التي لا يدركها بحق غير اللواتي اختبرنها. فإن الكلام يعجز عن وصف العواصف والزوابع التي تجتاح صبية تركت بيت والديها منذ عهد قريب، وإذ هي عديمة الحنكة في تصريف الأمور، يصيبها فجأة حزن لا يطاق، وتجد نفسها ملتزمة أن تتحمل أعباء اهتمامات أثقل بكثير مما يحتمله سنها وجنسها. فعليها أن تصلح كسل الخدام وتحذر خُبثهم، وتصد الفخاخ التي ينصبها لها الأقرباء، وتتحمل بشجاعة إهانات جباة الضرائب. إذا خلف الراحل طفلًا، ولو كان بنتًا، فإن الأم تعتني بها بكل العناية، غير أن النفقات والمخاوف تكون أقل وطأة. أما الابن (الولد) فيسبب لها ربوات من المخاوف مع هموم يومية كثيرة، بغض النظر عن النفقات الباهظة التي يتحتم على الأم بذلها، إذا أرادت أن تهذبه بما يليق بالأحرار. ومع ذلك فإن شيئًا من هذه الأمور لم يقدر أن يدفعني إلى زواج آخر، أن أدخل بزوج آخر بيت أبيك. فبقيت وسط الإعصار في صميم العاصفة، لا أحاول الخروج من حالة الترمل المتقدة كفرن صاهر للحديد. وقد ساعدني على ذلك -في المقام الأول- النعمة النابعة من فوق. ولم تكن تعزيتي وسط هذه التجارب المرعبة قليلة، إذ أنظر دومًا وجهك، فأرى فيك صورة الراحل، حية وصادقة تمامًا. إذ كنت بعد رضيعًا لم تتعلم الكلام، في سن يلهى فيه أصغر الأولاد والديهم، كنت أنت سرّ تعزيتي! أضف إلى ذلك، أنك لا تقدر أن تلومني أني احتملت ترملي بشجاعة، ولا أنقصت ميراثك. الأمر الذي يحدث لكثيرين عندما يتيتمون. أما أنا فقد حافظت على ميراثك كاملًا. لم أحذف منه شيئًا كنفقات لازمة لتهذيبك لتكون في مركزٍ لائقٍ، فقد دفعتها من مالي الخاص، من مهر زواجي! لست أقول هذا لتوبيخك، إنما أطلب منك مقابلة إحساني لك بأمر واحد: لا تدفعني للترمل ثانية! <h1 dir="rtl" align="center">لا تحيي فيَّ الحزن الذي ألقيته لكي أستريح. انتظر موتي، لقد بقي لي قليل ثم أرحل. حقًا يتطلع الصبي إلى عمر طويل، أما نحن الذين كبرنا، فليس لنا إلا أن نترقب الموت. عندما تواري جسدي التراب، لا يوجد ما يعوقك. لكني مادمت حية، اقبل الحياة معي. أتوسل إليك ألا تعصى الله باطلًا، ولا تسيء إليَّ بغير سبب، فإني لم أخطئ إليك في شيءٍ وسط هذه الشدائد الثقيلة. لو كنت تشتكي علي أني ألزمك بالارتباك في اهتمامات عالمية، أو أجبرك على العمل، فلا تلتزم حتى بقوانين الطبيعة، بل اهرب مني كما من عدو! لكن، إن كنت على العكس، أصنع كل شيءٍ من أجل راحتك خلال رحلة هذه الحياة، فاسمح على الأقل بهذا الرباط إن لم يوجد شيء آخر يلزمك البقاء معي. حقًا تستطيع أن تقول أن ربوات الناس يحبونك، لكن ليس من يقدم لك الراحة هكذا في حرية مثلي! ليس من يغير على خيرك مثلي!" بهذه الكلمات وأكثر منها نطقت أمي، فرويت هذا للشاب النبيل باسيليوس.] في طاعة أذعن يوحنا لتوسلات أمه الأرملة التقية ودموعها، إذ رأى من الحكمة أن يخضع لها ويطيعها، فقد تركته حرًا يتفرغ للعبادة والتأمل والدراسة، ممارسًا حياته النسكية الإنجيلية بغير عائقٍ، فإن كانت ظروفه لم تسمح له بالدخول في الحياة الرهبانية الديرية، لكن الرهبنة ليست مظهرًا، إنما هي في جوهرها حياة داخلية، يستطيع يوحنا أن يمارسها في العالم حتى يشاء الله له أن ينطلق في الوقت المناسب! للحال حول يوحنا بيت أمه إلى شبه قلاية، لا بالاسم أو الشكل، لكن في انعزال عن الاهتمامات الزمنية، ليمارس "وحدته مع الله" ودراسته في الكتاب المقدس. عاش يوحنا ناسكًا، يحب الله، ويهيم في التسبيح له، يكثر الصلاة ويقلل الطعام، يفترش الأرض وينام القليل، ممارسًا السكون في بيته ليرتفع قلبه نحو السماء، مختبرًا "الحديث مع الله". لعله في هذه الفترة التقى بالأب ثيودور الذي كان رئيسًا لجماعة رهبانية بجوار إنطاكية(12) ومعلمًا لمدرسة إنطاكية، يدافع عن قانون الإيمان النيقوي ضد الوثنيين والهراطقة، مقتبسًا منه منهجه في تفسير الكتاب المقدس(13)، والذي انضم لجماعته فيما بعد. </h1> سيره القديس يوحنا ذهبي الفم † وعظه للبابا شنودة الثالث † 1994 |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
يوحنا ذهبى الفم |
يوحنا ذهبى الفم |
الشيطان - يوحنا ذهبي الفم |
الافخارستيا - يوحنا ذهبي الفم |
من اقوال يوحنا ذهبى الفم |