رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عند خروج الشعب
مزمور مستقلّ، وينقصه النداء الذي يدلّ على الذين ينشدونه، لكي نعرف أننا أمام مديح. فإذا استثنينا ليلة الفصح اليهوديّ، لا ينفصل هذا المزمور عن الهلل الكبير في الليتورجيا المجمعيّة. فهو يرافق مز 113 في بداية العشاء الفصحي. أما مز 115-118 فهي تُتلى في النهاية. هناك تواصل أدبيّ وموضوعي بين مز 113 ومز 114، أكثر منه بين مز 114 ومز 115. غير أن التقليد المخطوطيّ ينقلنا في الخطّ المعاكس. فهناك "هللويا" بين الاثنين الأولين، لا بين الاثنين الآخرين. وقد يكون طقس العشاء الفصحيّ هو الذي فصل مز 114 عن 115، وقد ألّفا في الاصل مزموراً واحداً (في الشعبيّة اللاتينيّة، 113 أ، 113 ب). يبدو أن مز 114 يحمل أثراً ليتورجياً يرتبط بعبور الأردن، وهكذا يكون قديماً قِدم تأسيس معبد الجلجال. ولكن هذا يبقى فرضيّة. فنحن لا نجد حديثاً عن الأردن قبل المنفى، بل تُذكر غاباته ووحوشه (إر 12: 5). ولكن المنفيّين سيتصوّرون الأردن، ويرون في العودة من المنفى خروجاً جديداً. عند ذاك قابلوا بين عبور الأردن وعبور البحر الأحمر (مز 66: 6). وما عادت النصوص تسمّي مصر "بيت العبوديّة" (خر 20: 2) أو "بوتقة" المعادن (إر 11: 4)، بل "شعباً ذا لغة لا تُفهم" (أش 28: 11). ونجد هنا أيضاً صورأ معروفة عن تيوفانيّات عديدة، عن تراجع المياه على عجل، عن هرب الجبال الخائفة. غير أن هذه التصوّرات تسجّل في سياق جديد. فالكون لا يرتعش أمام عظمة الآلهة، بل أمام يهوه الذي يقود شعبه الذي صار "مقدساً"، وموطناً خاصاً بالله. والمياه التي تخرج من الصخرة (آ 8) تذكّرنا بحدث من خر 17: 6، كما تدلّ على قاعدة عامّة في تصرّف الله. ينطلق الشعب من الماضي، وهو ينتظر من الله أعمالاً جديدة. أحكامك عجيبة يا الله، وأعمالك عظيمة عبورك في الكون جعل السماوات ترتعد، والأرض تخاف ومرورك في التاريخ جعل الكون يتساءل عن هذه القدرة التي لا يقف شيء بوجهها الخلائق الجامدة، النبات، الحيوان يعرف... ونحن إلى متى لا نعرف أو لا نريد أن نعرف أنك سيد الكون ومحرّك التاريخ. في الماضي، أخرجت شعبك من أرض مصر، أرض العبوديّة وجئت به إلى أرض الموعد، إلى أرض الحريّة والحياة معك في الماضي، انتزعت شعبك من العالم الوثنيّ ودعوته لكي يعبدك العبادة الحقة، أنت الاله الواحد والعظيم اسمك عبروا البحر الأحمر إلى الصحراء، فقطعت معهم عهداً في سيناء أنا هو الرب إلهك لا يكن لك إله غيري وعبروا نهر الأردن بعد أن جففته أمامهم، فعلّمت الشعوب قدرتك فاتّقاك شعبك وقالوا: لا نعبد سواك، ولا نسمع إلاّ لصوتك. ونحن يا ربّ شعبك الجديد قد عرفنا خلاصك بعد أن نقلتنا من الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة، بعد ان نقلتنا من الخطيئة إلى النعمة عقدت عهداً أبدياً معنا بدمك الثمين أجزتنا عبر المياه. مياه الأردن، مياه العماد وجعلتنا لك شعباً يمجّد اسمك جعلتنا كنيسة مقدّسة لا عيب فيها ولا دنس ولا مما يشبه ذلك فها نحن نشكرك وننشد لك نشيدنا. عند خروج بني إسرائيل من مصر، بني يعقوب من شعب أعجمي، صارت يهوذا مقدسه، اسرائيل محل سلطانه. يتذكّر شعبك ما فعلته يا ربّ يتذكّر حين أخرجته من أرض مصر بيد قوية وذراع ممدودة كان عائشاً وسط شعب غريب، شعب أعجمي، فأخرجته من هناك وجئت به أرضك، وسلّمته رسالة أن تكون أرضه مقدّسة بالعبادة التي يرفعها إليك أن يكون المؤمنون مقدّسين بأقوالهم وأعمالهم، فيقيمون العدل ويثبتون الانصاف أردت أن تكون ملكاً عليهم، وتكون أرضُ كنعان محلّ سلطانك. ونتذكّر يا ربّ ما فعلته من أجلنا: آلامك وصلبك وموتك وقيامتك وصعودك إلى السماء المدهش ونتذكّر حضورك الدائم معنا كل أيام حياتنا، بل إلى انقضاء العالم. ونتذكّر ما تركته لنا في كنيستك من أسرار. سر المعموديّة الذي به نصبح أخوتك ووراثي المجد معك وسر القربان الذي به تصبح غذاء حياتنا وقوة جهادنا وعربون سعادتنا وسر التوبة الذي به تمتدّ يدك غافرة لنا خطايانا صافحة عن ذنوبنا. البحر رأى فهرب، والأردن رجع إلى الوراء الجبال قفزت مثل الكباش، والتلال كأولاد الغنم. البحر رأى مجدك كما يراه الانسان، فخاف وهرب النهر رأى مجدك، فرجع إلى الوراء وكأنه يريد أن يختبىء تحت الأرض الجبل الثابت خاف، والتلال أخذتها الرهبة أمام حضورك المهيب يا الله من يقف بوجهك أيها الإله العزيز الجبار من يتجاسر أن لا ينحني ساجداً أمام عظمتك. البحر الواسع الأطراف أنت صنعته وأنت تسير على مياهه يمكنه أن يعج وترتفع أمواجه، فينادي الغمرُ الغمرَ والموجُ الموجَ والأردن المنحدر من جبل لبنان وقفت مياهُه سداً واحداً فانقطع مجراه حين رأى وجهك والجبال العالية، جبال حرمون وباشان، تذوب أمامك كالشمع تزحزحها وهي لا تعلم تقلبها من أصولها وهي لا تعاند. رأت الجبال والتلال قدرتك فخافت، والبحار والانهار عظمتك فارتعبت ولكن في يوم عمادك سيرى النهر ضعفك وأنت تجعل نفسك مع الخاطئين يا قدوساً بالذات. ولكن في يوم عمادك نظرت المياهُ اتضاعك وأنت تنحني أمام الانسان يا من تخضع له كل ركبة في السماء والأرض وتحت الأرض ولكن في يوم عمادك ذهلت الجبال ودهشت التلال وودّت أن تسجد لك لأنها عرفت أنك خالفها، ولكننا نحن شعبك لم نعلم ولم نفهم فافتح عيوننا لترى، وآذاننا لتسمع، وقلوبنا لتفهم، وردَّنا إليك واشفنا من كريائنا. ما لك يا بحر تهرب، يا أردن ترجع إلى الوراء، يا جبال تقفزين مثل الكباش، ويا تلال كأولاد الغنم؟ تزلزلي يا أرض أمام الربّ، أمام الربّ إله يعقوب الذي حوّل الصخر إلى بحيرات والصوّان إلى عيون ماء. هذه بعض أعمالك يا ربّ حين قدت شعبك من مصر إلى كنعان عبر صحراء سيناء شققت المياه المخيفة فجعلت في البحر جفافاً وأوقفت مياه الأردن، فعبر شعبك كما على الأرض اليابسة ويوم نقص لشعبك الماء أخرجته لهم من الصحراء أنت يا من تحوّل القفر إلى غدير، والأرض القاحلة إلى عين ماء بل صرت لهم صخرة روحانيّة ترافقهم فتسقيهم شراباً روحانياً. وأعمالك لنا عظيمة يا رب أنت الذي حملتنا كما على أجنحة النسور أنت الذي نجّيتنا من القوى المعادية أنت الذي خلّصتنا من الخطيئة والموت والشيطان وهذا لعمري أعظم خلاص بل ملء الخلاص أنت الذي أخذت بيدنا إلى شواطىء الحياة. أخذت بيدنا إلى حيث تجري في آخر الأزمنة ينابيع ماء الحياة في فردوسك السماوي. أنت قلت لنا كما قلت للسامرية: كل من يشرب من هذا الماء (ماء الآبار) يعطش ثانية، وأما الذي يشرب من الماء الذي أعطيه، فلن يعطش أبداً بل الماء الذي أعطيه إياه يصير فيه عين ماء تتفجّر حياة أبدية وقلت لنا مع الآتين إلى العيد إن عطش أحد، فليقبل إليّ، ومن آمن بي فليشرب. أنت يا من تعطينا الماء علامة بركة لأرضنا وحقولنا وغلالنا أنت يا من ترسل المطر المبكر في وقته والمتأخر في حينه علّمنا أن نتّكل عليك بل علّمنا أن نرى فيك ينبوع الماء الحي، أن نرى فيك ينبوع الروح القدس الذي يفيضه الآب علينا. أنت يا من قدّست مياه الأردن لما نزلت فيها، وقدّست أرض فلسطين لما تجوّلت فيها قدّس أرضنا وباركنا بأنعامك، وقدّس شعبك الضارع إليك، المنتظر عطاياك يا رب العطايا. يا من تعطي ذاتك لنا طعاماً نأكله، وشراباً نشربه وحضوراً تزرعه في قلوبنا يوم العماد، يوم دخولنا إلى الكنيسة. أدخلنا يوماً بعد يوم في أسرارك، في سرّ قربانك المقدّس. وأفهمنا أن العماد الذي نتقبّله هو رمز لمشاركتنا في موتك وقيامتك. وأن عمادنا الحقيقيّ يكون ساعة موتنا. عند ذاك نموت حقاً معك. ونؤمن أننا نقوم حقاً معك. فأفهمنا أن حياتنا رفقة معك على دروب الحياة وساعة موتنا هي ساعة اللقاء بالآب، ساعة الدخول في الحياة الابديّة |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|