أحرَقها لأنه يريدك !
ولما جاء داود ورجاله إلى صقلغ في اليوم التالث
كان العمالقة قد غزوا الجنوب وصقلغ وضربوا صقلغ وأحرقوها بالنار
( 1صم 30: 1 )
ما كنا ننتظر أن يأتي هذا اليوم على الرجل الذي وجده الله حسب قلبه ( أع 13: 22 ) ووعده أن يصنع له بيتاً أميناً، وارتبط معه بأوثق العهود. ولكن ـ وكما قال داود بنفسه للرب ـ "هذه عادة الإنسان يا سيدي الرب" ( 2صم 7: 19 ).
لقد تحوّل نظر داود عن مواعيد الله إلى تهديد ووعيد شاول (1صم27) فخاف وهرب إلى أخيش (الذي يعني: رعب) ملك جت، فأعطاه مدينة صقلغ (بمعنى فائض). وكأن داود ينشد الأمان مع الرعب ويتخيل أن كأسه في صقلغ ستصير رياً (ممتلئة وفائضة). وطالت مدة التيهان إلى ستة عشر شهراً فيها سكن داود بين الأعداء وتحالف معهم وخَمَد صوت الضمير وملامة القلب. لكن الرب الذي يراقب التيهان ليرُّد النفس، يرسل صوته، وإن كان من خلال التأديب أو الضيق أو الخسارة الزمنية على يد الأعداء. وكأنه يقول لعبده: إن صقلغ ليست هي مدينتك، ولن تجد فيها سلامك ونجاتك من يد شاول. سأحرقها لك بالنار حتى أعود بك إليَّ ـ إلى المكان الذي أعددته لك، إلى حبرون لتسكن فيها (2صم2) حيث تسترد شركتك معي، ثم أنقلك إلى أورشليم مدينة السلام ومدينة الملك العظيم (2صم5) لتملك على جميع يهوذا وإسرائيل.
أيها القارئ العزيز: هل تشعر بظروف معاكسة أو رياح مُضادة تلاطم سفينتك، أو خسارة مادية دبرها لك الأعداء؟
في وسط هذه الظروف ما علينا إلا أن نرفع عيوننا لنرى يد إلهنا المُحب وهي تعمل من وراء الستار. لنعلم أنها رسالة من إله غيور قد مدّ يده لا لقسوة منه، بل من رحمة بنا ومحبة لنا.
قد يأخذ منا شيئاً أو شخصاً غالياً علينا إنما ليعطينا الأفضل والأغلى، والبركات التي لم يسبق لنا أن تمتعنا بها من قبل، فنترنم له مع داود "لأنك نجيت نفسي من الموت، نعم ورجليّ من الزلق لكي أسير قدام الله في نور الأحياء" ( مز 56: 13 ).
لقد دخل أيوب هذه المدرسة وفي لحظة من الزمن فقد كل شيء. الأسرة والثروة، ويا له من امتحان مُرّ يسمح به الله بتجريد أولاده من كل ما تتعلق به القلوب في هذا العالم لا لشيء إلا ليخلصهم من البر الذاتي. ثم تأتي "عاقبة الرب" من الضيق إلى رحب لا حصر فيه، والخسارة عوضها له بالضعف، وبركات لأخرته أكثر من أولاه. .