رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الافخارستيا ـ القديس كيرلس السكندري انه أمر يملأنا بكل بركة أن نصير شركاء المسيح بالذهن والحواس، لأنه يحل فينا أولاً بالروح القدس فنصير مسكنه بحسب ما قاله في القديم أحد القديسين : “لأني سأسكن فيهم وأقودهم وأكون لهم الهاً، وهم يكونون لي شعباً” (حز 37: 27 س)، لكنه هو أيضاً يحل داخلنا بطريقة أخري بواسطة مشاركتنا في قربان التقدمات غير الدموية التي نحتفل بها في الكنائس، اذ قد تسلمنا منه النموذج الخلاصي للطقس مثلما يرينا بوضوح الانجيلي المبارك في النص الذي قرأناه منذ قليل (لو 22: 17-22)، فهو يخبرنا أنه: “تَنَاوَلَ كَأْسًا وَشَكَرَ وَقَالَ: خُذُوا هذِهِ وَاقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ” (لو 22: 17) . وبتقديمه الشكر، الذي يقصد به التحدث مع الله الآب في صيغة صلاة، فانه يعني بالنسبة له أنه، ان جاز القول، يشارك ويساهم مع الآب في مسرته الصالحة في منحه لنا البركة المحيية التي أُسبغت علينا حينئذ، لأن كل نعمة وكل موهبة تامة تأتي الينا من الآب بالابن في الروح القدس. واذن فهذا العمل كان نموذجاً لنا لكي نستخدمه في الصلاة التي ينبغي أن تُقدم، كلما بدأنا أن نضع أمامه نعمة “التقدمة السرية المحيية”، وتبعاً لذلك فاننا اعتدنا أن نفعل هذا، لأننا اذ نقدم أولاً تشكراتنا مقدمين تسابيحنا لله الآب ومعه الابن والروح القدس، فاننا نقترب هكذا من الموائد المقدسة مؤمنين أن ننال حياة وبركة، روحياً وجسدياً، لأننا نستقبل في داخلنا كلمة الآب الذي صار انساناً لأجلنا والذي هو الحياة ومعطي الحياة. لذلك فلنسأل علي قدر استطاعتنا، ما هو الرأي الذي نعتقد به عن هذا السر ؟ لأنه واجب عينا أن نكون “مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِينا” (1 بط 3: 15) كما يقول الحكيم بطرس، لأن “اله الكل خلق كل الأشياء للخلود، وبدايات العالم كانت حياة، لكن بحسد ابليس دخل الموت الي العالم” (حك 2: 24)، فقد كانت تلك الحية المتمردة هي التي قادت الانسان الأول الي تعدي الوصية والي العصيان، والتي بواسطتها سقط تحت اللعنة الالهية، وفي شبكة الموت، فقد قيل له: “لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ” (تك 3: 19)، فهل كان من الصواب أن ذلك (الانسان) الذي خُلق للحياة والخلود، يصير مائتاً ومحكوماً عليه بالموت بدون أية امكانية للهروب ؟ هل ينبغي أن يكون حسد ابليس أكثر قوة وثباتاً من ارادة الله ؟ ليس الأمر هكذا، بل ان حسد ابليس قد أخفق تماماً، ورحمة الخالق قد فاقت النتائج الشريرة لخبثة، فقد أعطي الله معونة لأولئك الذين علي الأرض. فماذا اذن كانت الطريقة التي ساعدهم بها ؟ انها طريقة عظيمة بالحق ورائعة وجديرة بالله، نعم جديرة لأقصي درجة بالعقل الأعلي (الله)، لأن الله الآب هو حياة بطبيعته، ولكونه هو وحده حياة، فقد جعل الابن الذي هو أيضاً حياة أن يضيئ ويشرق. لأنه لا يمكن أن يكون الأمر بخلاف ذلك مع ذاك الذي هو الكلمة الذي صدر جوهرياً من الحياة، لأنه يلزم، أقول يلزم، أن يكون هو نفسه أيضاً حياة، لكونه هو الذي نبع من الحياة، نبع من ذاك الذي ولده. لذلك فان الله الآب يعطي الحياة لكل الأشياء بالابن في الروح القدس، وكل ما يوجد ويتنفس في السماء وعلي الأرض انما يأخذ وجوده وحياته من الله الآب بالابن في الروح القدس، لذلك لا طبيعة الملائكة ولا أي شئ آخر مهما كان، مما هو مخلوق، ولا أي شئ جاء من عدم الوجود الي الوجود، يمتلك حياة (في ذاته) كثمرة لطبيعته الخاصة، بينما علي العكس فالحياة تنشأ، كما قلت، من الجوهر الذي يفوق الكل وهو أمر خاص به وحده أن تكون له القدرة علي اعطاء حياة، وذلك بسبب أنه هو بالطبيعة “الحياة”. اذن فكيف يمكن للانسان علي الارض الذي هو ملتحف بالموت أن يعود الي عدم الفساد (عدم الفناء) ؟ أجيب بأنه يلزم لهذا الجسد المائت أن يصير شريكاً للقوة المحيية التي تأتي من الله. لكن قوة الله الآب المحيية هي الكلمة الوحيد الجنس، وهو الذي أرسله لنا (الآب) كمخلص ومحرر. أما كيف أرسله لنا، فهذا ما يخبرنا به بوضوح يوحنا الانجيلي المبارك عندما يقول “الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ فينا” (يو 1: 14)، لكنه صار جسداً دون أن يخضع لأي تغيّر أو تحوّل الي ما لم يكونه، ودون أن يتوقف عن أن يكون هو الكلمة، لأنه لا يعرف ما معني أن يعاني ظل التغيير، بل بالحري بكونه وُلد بالجسد من امرأة وأخذ لنفسه ذلك الجسد منها، ليكا اذ قد غرس نفسه فينا باتحاد لا يقبل الانفصال، يمكنه أن يرفعنا فوق سلطان الموت والانحلال كليهما معاً،وبولس هو الشاهد لنا، حيث يقول عنه وعنا: “فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولئِكَ الَّذِينَ* خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ* كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ. لأَنَّهُ حَقًّا لَيْسَ يُمْسِكُ الْمَلاَئِكَةَ، بَلْ يُمْسِكُ نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ. مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ” (عب2: 14-17) أي يشبهنا، لأنه صار مثلنا وكسي ذاته بجسدنا، لكي ما باقامته اياه (الجسد) من الموت، يعد من الآن فصاعداً طريقاً يمكن به للجسد الذي وُضع (أُذل) حتي الموت، أن يعود من جديد الي عدم الفساد (عدم الفناء)، لأننا متحدون به مثلما كنا أيضاً متحدين بآدم، عندما جلب علي نفسه عقوبة الموت. وبولس يشهد لهذا اذ كتب هكذا في أحدي المرات “فَإِنَّهُ إِذِ الْمَوْتُ بِإِنْسَانٍ، بِإِنْسَانٍ أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ” (1كو 15: 21) ويقول أيضا: “لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ” (1 كو 15: 22)، لذلك فان الكلمة، اذ وحد مع ذاته ذلك الجسد الذي كان خاضعاً للموت، فلكونه الله والحياة، فقد طرد منه الفساد (الانحلال)، وجعله أيضاً يصير مصدر الحياة، لأنه هكذا ينبغي أن يكون جسد ذاك الذي هو الحياة. ولا تكونوا غير مصدقين لما قلته بل بالحري اقبلوا الكلمة بايمان بعد أن جمعت براهين بأمثلة قليلة، عندما تطرحون قطعة خبز في خمر أو زيت أو سائل آخر فستجدون أنها صارت تحمل خاصية ذلك السائل الخاص، وعندما يوضع الحديد في النار فانه يصير ممتلئاً بكل فاعليتها، وبينما هو بالطبيعة حديد لكنه يعمل بقوة النار، وهكذا كلمة الله المحيي اذ قد وحد نفسه بجسده الخاص بطريقة معروفة لديه (فقط) ، فقد منحه قوة اعطاء الحياة، وهو نفسه يؤكد لنا هذا بقوله “اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ. أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ.” (يو 6: 47-48) وأيضاً “أنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ … الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ. مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ، لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌ. مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ. كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ الْحَيُّ، وَأَنَا حَيٌّ بِالآبِ، فَمَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي.” (يو 6: 51 و 53-57) لذلك عندما نأكل الجسد المقدس الذي للمسيح مخلصنا جميعاً ونشرب دمه الثمين، تكون لنا حياة فينا، بكوننا جُعلنا واحداً معه، كائنين فيه ومقتنين له أيضاً فينا؟ لا تدعو أحداً من أولئك الذين اعتادوا عدم التصديق أن يقول “اذن حيث ان كلمة الله لكونه بالطبيعة الحياة وهو يقيم فينا أيضاً فهل جسد كل واحد منا سيمنح أيضاً القوة لاعطاء الحياة؟”، من يقول هذا فليعلم بالأحري أنه شيئ مختلف تماماً بين أن يكون الابن فينا بمشاركة نسبية وبين أن يصير هو نفسه جسداً، أي أن يجعل ذلك الجسد الذي أخذ من العذراء القديسة خاصاً له (أي يجعله جسده الخاص)، لأنه لا يُقال عنه انه صار متجسداً او صار جسداً، بوجوده فينا، بل بالحري فان هذا حدث مرة واحدة عندما صار انساناً دون أن يتوقف عن أن يكون الهاً، لذلك فان جسد الكلمة كان هو ذاك الذي اتخذه لنفسه من العذراء القديسة وجعله واحداً معه، أما كيف أو بأية طريقة حدث هذا، فهو أمر آخر لا يمكننا أن نخبر به، لأنه أمر غير قابل للشرح ويفوق تماماً قدرات العقل وكيفية هذا الاتحاد هي معروفة له هو وحده فقط. لذلك كان يليق به أن يكون فينا الهياً بالروح القدس، وكذلك أيضاً ان جاز القول يمتزج بأجسادنا بواسطة جسده المقدس ودمه الثمين، الذين نقتنيهما أيضاً كافخارستيا معطية للحياة في هيئة الخبز والخمر، اذ لئلا نرتعب برؤيتنا جسداً ودماً (بصورة حسية) فعلية، موضوعين علي الموائد المقدسة في كنائسنا، فان الله اذ وضع (أنزل) ذاته الي مستوي ضعفاتنا، فانه يسكب في الأشياء الموضوعة أمامنا قوة الحياة، ويحولها الي فاعلية جسده، لكي ما نأخذها لشركة معطية للحياة، وكي يوجد فينا جسد (ذاك الذي هو) الحياة، كبذرة تنتج الحياة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أقوال القديس كيرلس السكندري مصورة |
القديس كيرلس السكندرى |
الرسالة العقائدية – القديس كيرلس السكندري |
حملان وسط ذئاب ـ القديس كيرلس السكندري |
الميلاد اللازمني ـ القديس كيرلس السكندري |