لماذا يقال عن مريم العذراء “سلطانة الشهداء” ؟!
وهل تألّمت فقط عند الصليب أو كلّ مدّة حياتها
السيدة مريم العذراء دعيت سلطانة الشهداء ليس فقط من كون زمن استشهادها في احتمال الآلام وجد أطول من أزمنة عذابات الشهداء بل أيضا من كون أوجاعها وآلامها قد وجدت أشد وأعظم من أوجاع الشهداء وآلامهم كافة ، على أنه ترى من يمكنه أن يقيس مقدار هذه الأوجاع ، ويعرف حقيقتها وشدتها وعظمتها . فالنبي ارميا إلى أنه لا يقدر أن يجد من يمثل هو به أوجاع وأحزانها ، لأنه يقول بمن أشبهك ، أو بمن أمثلك يا بنت أورشليم ، من أقايس عليك وأعزيك ، يا بتول أبنة صهيون فأن انكسارك هو عظيم كالبحر كالبحر يعينك : ” مراثي ص 2ع13″ ولذلك إذ فسر هذا النص الكاردينال أوغون فكتب قائلاً نحو هذه البتول المجيدة هكذا : انه كما أن مرارة مياه البحر تفوق في شدتها على مرائر الأشياء المرة كلها ، فعلى هذا المثال أن أوجاعك أيتها العذراء المباركة قد فاقت في شدتها على الأوجاع الأخرى بأسرها : ولهذا يقول القديس انسلموس : أنه لولا يكون ألله بأعجوبة خصوصية حفظ حياة مريم البتول , لكان وجع قلبها كافياً لان يميتها في كل دقيقة من دقائق حياتها : وأما القديس برنردوس السياني فقد أتصل إلى أن يقول : أن أوجاع مريم قد كانت بهذا المقدار عظيمة ، حتى انه لو أمكن تفريقها موزعة على البشر كلهم , لكانت كافية إن تميتهم كافة بكل سرعة مريم وُجدت شهيدةً لا مُماتةً بواسطة الحديد، بل بشدّة أوجاع القلب” (القديس توما الأكويني) ويقول عنها القديس برنردوس، إن كان جسدها الطاهر لم يُجرح من الجلّادين، فقد طعن قلبها المُبارك بسهام أوجاع آلام أبنها، وهذه الأوجاع قد وجدت كافيةً لأن تسبّب لها لا موتاً واحداً فقط، بل ألف ميتةٍ أيضاً، ومن ثم أن مريم قد صارت ليس شهيدةً حقيقيةً فقط، بل أيضاً أنّ استشهادها الأليم قد فاق على استشهادات جميع الشهداء، لأجل استطالة زمنه… فكما أنّ آلام سيّدنا يسوع المسيح قد ابتدأت معه منذ ولادته على الأرض، حسبما يقول القدّيس برنردوس: أنّ المسيح قد ولد ومعه ولدت آلام الصليب: فهكذا مريم التي هي شبيهة بابنها في كل شيءٍ، قد احتملت استشهادها مدّة حياتها كلّها-
(من كتاب “أمجاد مريم البتول” للقديس ألفونس ليغوري، معلّم الكنيسة)