رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
جاءت الساعة
12: 20- 33 إذا ماتت حبّة الحنطة، أخرجت حَبّاً كثيراً. سؤال غريب سؤال هؤلاء اليونانيين! يريدون أن يروا يسوع. فما الذي يمنعهم؟ أم هم يحتاجون إلى موعد مسبق. ولماذا يريدون أن يروه؟ وهل يسوع بعيد عن الناس، بحيث لا يستطيعون أن يقتربوا منه ويكلّموه؟ أتراهم لا يعرفون الأرامية، لغة يسوع، فيحتاجون إلى فيلبس (إسم يوناني) ليكون مترجماً بينهم وبين يسوع؟ في هذه الفرضية، نعجب بدور الوسطاء في نقل الإنجيل خلال المسيرة الرسولية الأولى. ومع ذلك، إن طلب اليونانيين يخفي شيئاً آخر. إنه يدلّ على مشروع يسوع بأن يتعدّى حدود فلسطين ليذهب إلى أهل الشتات ويبشرّهم. هذا ما نعرفه منذ 7: 35: إنتظر اليهود أن يذهب يسوع ليعلّم اليونانيّين. وها هو الموضوع يعود الآن والظرف مؤاتٍ. لقد نجح يسوع نجاحاً باهراً في أورشليم. ولكن في هذه النشوة العامة جاء جواب يسوع يدلّ على نهاية كل المشاريع التوسّعية لدى أصدقائه. لقد دقّت ساعته. وعليه أن يتخلّى عن كل مشاريعه. لقد توقّف بعد أن وصل إلى الذروة. ساعة يئس خصومه وقال بعضهم لبعض: "أنظروا أنتم لا تنفعون"! حينذاك عرف يسوع أن الساعة (ساعته) محفوفة بالخطر. إنه عارف كل المعرفة أن قد حُكم عليه بالموت. وهو يعطينا هنا أمثولة في التفاؤل. الناس يظنّون أن ساعتهم جاءت حين تسير الأمور على أحسن ما يرام. ساعة يسوع هي ساعة ذهابه (وموته). هو لا يذهب إلى العالم، بل العالم يأتي إليه. هو يجتذب إليه جميع البشر، يهوداً أو يونانيين. فالصليب بوجهته العمودية يتجاوز بارتفاعه وعمقه كل الوجهات الأفقية التي نحلم بها. لا شكّ في أن يسوع اضطرب. ولكن إيمانه عظيم إلى درجة جعلته يعرف أن الحياة قوّة جاذبة حتى في التخلّي وفي الموت. إن صورة حبة القمح (رج 1 كور 15: 37) تدلّ على المقابلة بين الموت والحياة في الطبيعة. تلك هي طريقتنا لكي نعبرّ عمّا لا يعبرَّ عنه. أما الباقي فوحي كله. لهذا نجد نفوسنا هنا كما في مشهد التجلّي (مر 9: 2- 13 وز). يتوجّه الوحي إلى الحاضرين. هم يحتاجون إلى مساعدة ساعة سقطت كل آمالهم. صُعقوا لكلام يسوع عن آلامه. ويحتاجون إلى قوّة خاصة لكي يتعرّفوا إلى ذاك الذي يعبر العالم من الداخل. إعتقد الناس كلّهم أن يسوع يحتاج إلى قوّة خاصّة ليتابع صعوده في مرحلة صعبة وغامضة في حياته. كلا ثم كلا. بل هم الذين يحتاجون إلى سند بعد أن قلقوا واضطربوا. كاد يسوع أن يقول: "نجّني من هذه الساعة"! لو نجا لكانت ربما حالته أفضل!! كلا! فهو يعرف أن الميثاق الجديد يمرّ في القلب الذي يفهم ويسمع ويقبل. وفي قلبه يحرّك الربيع في قلبه تضامناً مع البشر، جميع البشر. هذا الإنقلاب يحرّك العالم أكثر ممّا يقلق الأفكار. هذا يفترض أننا نتبع المسيح في طريقه، طريق "الخدمة". وهذه الخدمة تحكم على العالم. إن ساعة يسوع هي أمجد ساعة يمكن أن نتخيّلها. إنها آلام وقيامة وقد امتزجت في سرّ عظيم. خرج الفلاح ليبذر زرعه. زرع ملكوت الله. زرع ملكوت الحب. ليس يسوع فقط ذاك الزارع "الذي خرج" من الله، والكلمة الذي صار بشراً، بل هو أيضاً الزرع الذي يُرمى في الأرض لكي يخصبها. إن مثل "الحب الذي يموت لكي يُولد من جديد" هو مثل غني ومعبرّ. إنه يدلّنا على التجسّد والفداء، على الخصب السري لكل حياة ينعشها الحب، على سرّ عطاء الذات الذي يفجّر الحياة. أحس يسوع مسبقاً بمنطق الحب هذا. واقشعرّ له. إضطرب كيانه كله. ونحن أيضاً يجب أن نعيش في يوم من الأيام هذا التجاوز لنفسنا، هذه الساعة، ساعة الحب الذي يذهب إلى نهاية ذاته، مثل "ساعة المرأة التي تضع طفلاً" (16: 21). ساعة يسوع هي ساعة آلامه وموته، وهي تقترب. ويعرف يسوع أنها ستكون نهاية مهمّته. وهي خلاص إخوته. يحبّهم حتى يبذل ذاته عنهم. هذه الحبة من الحنطة التي تموت لتحمل ثمراً، هي رمز مدهش للحياة الفصحية لكل مسيحي عليه أن يختار بين حياة خصبة وحياة عقيمة. ولا يكون الإختيار من دون ألم. نحن مدعوّون كلّنا لكي ندخل في سرّ الخصب هذا. كم من مرّة يجب أن نموت عن ذاتنا ليحب الزوج زوجته حقاً (والعكس بالعكس) وأولاده والآخرين! ولكن أي فرح داخلي نحسّ به! كل هذا يتمّ مع الله في أعمق أعماقنا. فحين أعطي ذاتي بمحبة، أشبه الله شبهاً تاماً. لا يدعونا يسوع إلى البكاء على "آلامه". بل أن نتجرّأ ونتبع مسيرة حياته. هذا الحبّ الذي يموت حباً بنا، هذا الحبّ المصلوب هو نور يعبر ظلمات محننا. قال يسوع: "وأنا إذا ما ارتفعت جذبت إليّ الناس أجمعين" (آ 31). بعد أن قام يسوع، رسم في قلب بشريته وفي حياتنا خطاً من النور، وطبع فينا إنجذاباً سرّياً. وحفر في قلوبنا نداء لا محدوداً يدعونا إلى السير. فكل عطاء ذاتي، وكل تجاوز للنفس، وكل موت عن الذات يكوّن شخصنا "الأبدي". إن قيامتنا قد بدأت منذ الآن. هذا الصليب المضيء الذي يجعلنا "نقشعر" هو طريق حياة. إنه للمؤمن نقطة تدلّه في الليل على الطريق. فنحن على لقاء مع المسيح عاجلاً أم آجلاً، أقلّه عند ساعة موتنا. نحن حبّة قمح تموت لتلد إلى حياة جديدة. كيف نجعل الناس الذي يريدون أن يروا يسوع، كيف نجعلهم يستشفون كل غنى الفصح الذي نجده في صليب "المسيح الحي"؟ السؤال مطروح وهو ينتظر الجواب. الساعة تشرف على زمن الآلام في حياة يسوع. هذه اللفظة التي عرفها التقليد اليهودي، تشير إلى زمن سرّي يعرفه الله وحده. تشير إلى الأزمنة الأخيرة. وعرفها أيضاً التقليد الشعبي الذي يقول عن شخص مات أو إقترب من الموت: "جاءت ساعته". نجد هذه اللفظة بصورة خاصة في إنجيل يوحنا. وهي تتّخذ معنى خاصاً في فم يسوع. فالساعة التي يتكلّم عنها هي ساعة الأزمنة الأخيرة. ولكنها بصورة خاصة الساعة التي فيها يعطي الإبن حياته ويتمجّد. تبدأ مع يسوع في غسل الأرجل (13: 1 ي) وتجد ذروتها على الصليب حين يسلّم المسيح الروح. ساعة يسوع هي "النعم" الذي يتجاوب مع زمن الله. قلت يا يسوع: "إذا ما ارتفعت جذبت إليّ جميع البشر". أضىء الطرقات الجريئة التي يسلكها أولئك الذين تجنّدوا وساروا وراءك. أضىء طرقات الإيمان لدى أناس خاطروا بحياتهم من أجل إسمك. أضىء طرقات الخدمة في جماعتنا وعلّمنا أن نضحّي بذواتنا من أجل إخوتنا فنكون حبة القمح التي تموت لتحمل ثماراً كثيرة |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
نتأمل في أنجيل أحد السامرية (المقابلة كانت الساعة الثانية عشر ظهراً) |
أنجيل يوحنا - يوحنا والإنجيل الرابع |
أنجيل يوحنا - إلى الساعة والمجد |
أنجيل يوحنا - غسل الأرجل |
أنجيل يوحنا - أنا هو خبز الحياة |