أنا القيامة والحياة
11: 1- 45
أنا أؤمن كل الإيمان بأنك أنت المسيح إبن الله الآتي إلى العالم.
في سلسلة الآيات السبع التي أوردها يوحنا ليقوّي إيماننا في يسوع المسيح وابن الله (20: 31)، يحتلّ خبر إقامة لعازر مكانة فريدة. إنه ذروة كل هذه الآيات التي دلّت كيف يعطي يسوع الحياة. وأصالة النص الذي نقرأ تبيّن أن يسوع معنيّ في هذه المواجهة الدراماتيكية بين الموت والحياة. نحن هنا أمام آلامه القريبة.
إن الطابع الغريب لمعجزة لا يوردها الإزائيون، تجعلنا ندهش ونرتاب. نريد أن نقول أولاً إننا لسنا أمام تقرير صحافي عن الحدث، بل أمام دراما يضع فيها الإنجيلي خبر صديق ليسوع فوق تأمل عن يسوع الذي هو ينبوع الحياة بالإيمان. نحن هنا أمام قمة خدمة يسوع وبداية الساعة الحاسمة، ساعة آلامه وقيامته.
الفصل الأول (آ 1- 16). يدور في عبر الأردن. حيث اختفى يسوع من ملاحقة اليهود له. والطريقة الملغزة التي بها يتصرّف يسوع حين يعرف بمرض لعازر، تدل، كما في ظروف أخرى، على حرّية يسوع السامية. سيتدخّل في ساعته ليحرّك الإيمان. وإن آ 4 حول التمجيد القريب لابن الله تعلن عن الصلاة الكهنوتية (17: 1): "يا ابتِ، مجّد ابنك ليمجدّك ابنك".
الفصل الثاني (آ 17- 33). نرى مرتا ويسوع. ثم تدخل مريم على "مسرح الأحداث". ما نلاحظه هو التدرّج في الإيمان. أولاً، هناك عتاب يدلّ على الألم: "لو كنت هنا" (آ 21؛ وفي آ 32، نسمع مريم). ويدخل هنا صمت طويل. ومع "الآن أيضاً" (آ 22) ندرك عند مرتا إستعادة للإيمان: إن يسوع يستطيع أن يسأل الله فيعطيه الله كل ما يطلَب منه. وعبّرت مرتا، كيهودية مؤمنة، عن إيمانها بالقيامة الأخيرة (دا 12: 2- 3). أجابها يسوع: "أنا هو القيامة والحياة". وهذا الجواب أعادنا إلى الحاضر، إلى زمن الإيمان بذاك الذي يتكلّم بسلطة سامية. تجاه هذا تعبّر آ 27 عن إيمان مرتا في ألفاظ النؤمن اليوحنّاوي (20: 31): "أنا أؤمن كل الإيمان بأنك أنت المسيح إبن الله الآتي إلى العالم".
الفصل الثالث (آ 33- 44). لا يواجه فيه يسوع فقط موت لعازر، بل موته هو. وإذ اعتاد يوحنا أن يصوّر يسوع وكأنه غير قابل للألم، ها هو يشدّد هنا على الإرتجاج الداخلي (آ 33، 38) الذي يشبه ذاك الذي يحسّ به يسوع في أورشليم حين يعلن آلامه (12: 32).
حين قام يسوع بفعل شكر (آ 41)، بيّن الاتحاد التام بين إرادته وإرادة أبيه. هنا نتذكر كلاماً قاله يسوع: "كما أن الآب يقيم الموتى ويحييهم، هكذا الإبن يحيي من يشاء" (5: 21).
وخرج لعازر ملفوفاً بالقماطات، وهذا يدل على أنه ما زال ينتمي إلى عالم الصيرورة. أما يسوع فحين يقوم، فستدلّ الأكفان الموضوعة على حدة أنه انتقل إلى عالم الحياة دون شيء يقيّده ولا حدود تحدّه (20: 7).
مهما كانت المعجزة كبيرة، فهي لا تنتج في ذاتها الإيمان. إنها دعوة للبحث، علامة مفتوحة على التقبّل، نور على طريق الإيمان. وهكذا أنتجت آية لعازر نتائج متعارضة: إيمان عند البعض، وقرار السلطات بإزالة ذاك الذي يعتبرونه خطراً عاماً (11: 50- 53).
ونحن حين نسمع نداء الإنجيل يهزّنا لكي نخرج من دائرة يقيناتنا المغلقة لنتعلّق بالمسيح المنتصر على الموت بموته، ماذا يكون قرارنا؟
إنجيل طويل حيث التعارضات واضحة حول يسوع. إنسانية تحرّك عاطفتنا أمام موت صديق. وتظهر قدرته الإلهية حين يصرخ "تعال" إلى جثة مضى عليها في القبر أربعة أيام.
ولكن مهما يكن وضع الأحداث في هذا الموت والإقامة، فيوحنا يريد أن يقودنا إلى وحي يعلن فيه يسوع "أنا هو" (أي: يهوه، الرب). قال يسوع لمرتا: "أنا هو القيامة والحياة". هذه اللفظة "أنا هو" هي في الوقت عينه قمة النصّ وكلمة تقع على مفترق هام في انجيل يوحنا. لقد أتمّ يسوع حياته "على الطرقات" وها هو يحسّ مسبقاً بموته القريب فيقول: "أنا الحياة". هو مضطرب بسبب الموت. وهو متأكد أنه ينتزع منه الحياة.
ثلاث دور عن الموت والحياة توضع الواحدة فوق الأخرى: حياة صداقة مع لعازر حطّمها الموت. حياة من النشاط الإنجيلي يوقفها الموت (منذ ذلك الوقت عزموا على اهلاكه). وأمام كل هذا تأتي أفكارنا: "أنا أيضاً سوف أموت. متى سأسمع هذه الكلمة "تعال"؟
أسمعها الآن حالاً. إن لعبارة "أنا الحياة" من القوة بحيث يجب أن نلجأ إلى كلمة جديدة: "أنا الحياة القيامية". لا الحياة التي إستعادها لعازر والتي سيخسرها فيما بعد. لا الحياة المقبلة التي نتخيّلها مجرّدة في السماء. بل الحياة التي يمنحنا إياها يسوع منذ الآن فيدخلنا في حياته الخاصة، حياة قيامته. هذه هي الحياة الأبدية الذي بدأت منذ الآن ولن تنتهي.
قال يسوع لمرتا: إنّ مَن يحيا ويؤمن لا يستطيع حقاً أن يموت. ففي الحياة البيولوجية (على مستوى الجسد والدم) لا يزال يعيش من الحياة القيامية. بيسوع يصبح المؤمن منذ الآن "حياً". إن بذار الحياة الأبدية هو فيه.
ولكنها أمور سرّية، لا تكاد تصدَّق. ويسوع يريد من مرتا أن تدركها: "أتؤمنين بهذا"؟ وهذا يعني: "أتؤمنين بي"؟ فهمت مرتا. حينئذٍ خطت الخطوة اللازمة. إنتقلت من إيمانها اليهودي (أعرف أن أخي يقوم في اليوم الأخير) إلى الإيمان المسيحي: "أؤمن بأنك أنت المسيح إبن الله". حين نؤمن بهذا فلا يمكن أن نموت.
هل نؤمن بهذا؟ بأيّة قوة نؤمن أن يسوع يجعل منا أحياء منذ الآن وإلى الأبد بواسطة الإيمان والافخارستيا؟
مات لعازر. هو الحزن حول مرتا ومريم. واندفعت مريم بالبكاء. وأخذت مرتا "تعمل"! يجب أن تخبر يسوع. وصديق لعازر يبدو وكأنه يتهرّب. فلعازر بالنسبة إليه نائم. فيجب أن يذهب ليوقظه. ووصل إلى بيت عنيا وأفهمها أن القضية قضية إيمان. "من آمن بي، وإن مات، فسيحيا". ولكن ماذا يقول لمرتا الغاطسة في دموعها؟ فالقلب المحبّ هل يستطيع أن يعتقد بأن الموت لا يبتلع كل شيء؟ هذا ما يعرفه يسوع الذي يحبّ لعازر. واضطرب يسوع بدوره كما سيفعل في بستان الزيتون أو على الجلجلة. هذه هي محنة الإيمان. ولا يتجاوزها إلا الثقة بأبيه. وأجاب الآب على هذه الثقة فدلّ على مجد الله الحي كما في صباح الفصح. رُفع الحجر. فالقبر لا يحتفظ بلعازر الذي يستيقظ ويفلت من قبضته. ودُعيت مرتا ومريم إلى الإيمان بالحياة كما ستُدعى مريم المجدلية عند قبر يسوع. هل نترك لعازر يعود إلى طريق ملكوت الحياة دون أن نتمسّك به، أم نفعل كمريم المجدلية التي تركت يسوع الحي يعود إلى أبيه الذي هو أبونا؟