الذى له روح التلمذة ، ويحب أن يتعلم ويكتسب كلمة منفعة ، هذا لا يستطيع أن يحصى عدد أساتذته ، أو بالأحرى مصادر معرفته 00
ولسنا نقصد فى ذلك أساتذته فى محيط الأسرة ، من جهة الوالدين والأقارب 00 ولا أساتذته فى نطاق التعليم المدرسى والجامعى وهم كثيرون ، ولا نقصد أيضا أساتذته فى محيط الكنيسة من جهة أب الأعتراف ، والمرشدين الروحيين ، ورجال الكهنوت ، وخدام التربية الكنسية ، وكل خدام الوعظ والمنبر ، وأساتذة كلية اللاهوت إن اتيح له التتلمذ عليهم 000
إنما لكل إنسان عدد لا يحصى ممن تلقى عليهم المعرفة وفى كل نواحى بقصد أو بغير قصد ، شعر بذلك أو لم يشعر 00
هل يستطيع أحد أن ينكر عدد الذين أثروا بحياتهم وقداوتهم فى معارفه ومثالياته وسلوكه ، دون أن يقصدوا تعليمه ، ولكنهم تركوا أثرا لا يمحى فى نفسيته ،
وزودوه بنماذج من الحياة انطبعت فى عقله ؟!
هل تستطيع أن تحصى عدد الذين استفدت من حياتهم دروسا ؟ سواء من أسلوبهم فى الكلام ، أو من طريقتهم فى التعامل ، أو طريقة حلهم للمشاكل ؟
هل يمكنك أن تحصى عدد الذين أخذت دروسا من روحانية صلواتهم ، أو من وداعة حياتهم ، أو شجاعتهم أو نبلهم أو كرمهم ؟ وكل ذلك دون أن يقصدوا هم أن يلقنوك درسا ؟
وهل ينكر أحد ما قد تعلمه من أخطاء الآخرين ، كما من مثالياتهم 0 وكانت أخطاؤهم ونتائج هذه الأخطاء أجراسا عالية الصوت ، تحذره وتنذره وتخيفه ، وتلقنه دروسا لن تنسى 00 ؟!
وكما يتعلم الإنسان من أخطاء الآخرين ، لا شك أنه قد يتعلم من أخطائه أيضا ، ويتعلم مما يتلقاه فى حياته من عقوبات ، ومن كلمات التوبيخ ، أو من كلمات العتاب ، أو حتى من كلمات التهكم والنقد والتجريح 00 هذا إن كان يحب أن يتعلم 0
والعلاقات الإجتماعية هى أيضا دروس ، بكل ما لها من نتائج 0
كم درسا أخذته خلال تعاملاتك فى الحياة ؟
كم نصيحة أو ملاحظة تلقيتها من صديق أو من عابر طريق ؟ وكم درسا أخذته ممن خدعك أو استغلك أو حاربك ؟ وكم درسا أخذته ممن ساعدك وكتم عنك مساعدته ، أو ممن احتملك دون أن يشكو ؟
كم فائدة أخذتها ربما من حديث عابر بين اثنين ؟
إذن كم عدد أساتذتك من الأصدقاء والأعداء ، من الأحياء والأموات ؟ من الأبرار ومن الأشرار كليهما ؟
من المصيبين والمخطئين 0
وهناك دروس أخرى يتلقنها الإنسان من قراءاته وهى كثيرة :
سواء من الكتب ، أو الصحف ، أو المجلات ، أو من كل وسائل الإعلام : دروس من القصص والروايات والمسرحيات 0 وحتى الفكاهات والنوادر والكوميديات ، كثيرا ما تحمل فى داخلها دروسا عميقة 0
والأحداث هى أيضا أساتذة لنا ، نتلقى منها دروسا 0
كم عدد الدروس التى تلقاها الناس من الموت ، ومن الحروب ، ومن الكوارث ، ومن الانقسامات والشقاقات ونتائجها 00 ومن كل الأحداث ويد الله فيها ؟
إن الأخبار التى نسمعها أو نقرأها كل يوم تحمل دروسا ، إن كانت تحمل عبرا فى الحياة 0
إننا نأخذ دروسا حتى من الحيوانات والطيور والحشرات 0
نتعلم النشاط من النمل ، ونتعلم النظام من النحل ، ونتعلم الوفاء من الكلب ، والشجاعة من الأسد ، والذكاء من الحية ومن الثعلب ، ونتعلم الصبر والصوم من الجمل 00
مصادر المعرفة موجودة فى كل مكان 0 ولكن من يريد أن يتعلم ؟!
إن العالم والحياة هما مدرسة كبيرة ، كلها دروس 0