مريم العذراء والحلول الأقنومى
بقلم الأنبا بيشوى
هناك فرق بين تعبير “الحلول الأقنومى” وتعبير “الاتحاد الأقنومى”. لأن “الاتحاد الأقنومى” بين اللاهوت والناسوت لم يحدث إلا فى تجسد إبن الله الكلمة فقط حيث حل أقنوم الابن الوحيد الجنس واتحد بالطبيعة البشرية الخاصة به التى إتخذها بغير خطية من العذراء القديسة مريم.
فلا الروح القدس تجسد ولا إتحّد اقنومياً بالناسوت مثلما إتحّد أقنوم الكلمة. ولكن الروح حل على السيدة العذراء مثلما قال لها الملاك جبرائيل “اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ” (لو 1: 39). وعندما حل أقنوم الروح القدس عليها طهَّرها وقدَّسها وملأها نعمة، وفى نفس الوقت كوَّن منها ناسوتاً خالياً من الخطية لكى يحل فيه ويتحد به أقنوم الكلمة فى نفس لحظة التكوين.
فإذا قال البعض أن الروح القدس قد حل “حلولاً أقنومياً” على العذراء مريم فهو لا يقصد أنه اتحّد بالناسوت “إتحاداً اقنومياً” بل أن أقنوم الروح القدس له دوره فى التجسد الإلهى فى تقديس العذراء مريم وفى تكوين الناسوت الخاص بالسيد المسيح ولكنه هو نفسه لم يتجسد.
أيضاً فإن حلول أقنوم الكلمة الذى له نفس الجوهر مع الآب والروح القدس يعنى أن الآب والروح القدس يكونان حيثما يكون الإبن مثلما قال عن سكنى الروح القدس “إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كلاَمِي وَيُحِبُّهُ أَبِي وَإِلَيْهِ نَأْتِي وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً” (يو14: 23). بمعنى أن الإبن لا ينفصل فى الجوهر عن الآب والروح القدس بالرغم من دوره المتمايز بأنه هو وحده الذى تجسد. لذلك فإن أقنوم الروح القدس كان ساكناً وحالاً فى أحشاء السيدة العذراء أثناء وجود الكلمة المتجسد فى أحشائها، ولحين ولادته منها بحسب الناسوت.
أما عن حلول الروح القدس فى يوم الخمسين فإننا نفضّل أن نقول عنه أنه “حلول مواهب” لأنه لا يمنح جوهره للرسل وللمؤمنين بل مواهبه وعطاياه؛ مع أن الذى حل هو أقنوم الروح القدس بلا شك إلا أننا لا نفضّل أن نسميه “حلولاً أقنومياً” لئلا يتمادى أحد -كما يفعل البعض- ويعتبرونه “إتحاداً أقنومياً”؛ وكأننا صرنا آلهة وكل منا هو الروح القدس. أى أننا نتفادى الخلط بين تعبير “الحلول الأقنومى” و”الاتحاد الأقنومى”. لكننا لا ننكر أبداً أن الروح القدس هو الذى حل فى يوم الخمسين ومنح مواهب بواسطة “أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ” (أع2: 3) والروح القدس بجوهره لا ينقسم. ولا ننكر أن أقنوم الروح القدس هو الفاعل فى الأسرار الكنسية وفى قيادة الكنيسة وإرشادها وقال عنه السيد المسيح “وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ” (يو14: 16).
ونختم بما كتبه القديس كيرلس الكبير فى رسالته الثالثة إلى نسطور فى الفقرتين التاسعة والعاشرة: “قيل أن فى المسيح “يحل كل ملء اللاهوت جسدياً” (كو 2: 9). لذلك نحن ندرك أنه إذ صار جسداً فلا يقال عن حلوله أنه مثل الحلول فى القديسين.. ولكن الكلمة إذ إتحد “حسب الطبيعة” kata physin ولم يتغير إلى جسد، فإنه حقق حلولاً مثلما يقال عن حلول نفس الإنسان فى جسدها الخاص.. وكما قلنا سابقاً، فإن كلمة الله قد إتحد بالجسد “أقنومياً” kath hypostasin، فهو إله الكل ورب الجميع”.