رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يَهُوذَا سمعان الإسخريوطي
التلميذ الخائن الذي أضاع نفسه ← اللغة الإنجليزية: Judas Iscariot - اللغة العبرية: יהודה איש־קריות - اللغة اليونانية: Ιούδας Ισκαριώτης - اللغة القبطية: Ioudac - اللغة السريانية: ܝܗܘܕܐ ܣܟܪܝܘܛܐ. "يهوذا الإسخريوطي" - ومعنى الاسم يهوذا "رجل من قريوت" وهو واحد من تلاميذ المسيح الاثني عشر، وهو الذي أسلم المسيح. وقد تم انتخاب متياس الرسول بديلًا له لاحقًا. كان يهوذا - كما يدل لقبه - مواطنًا من قريوت ولا نعلم على وجه اليقين أين تقع قريوت (يش 15: 25)، ولكن من المحتمل أنها كانت تقع في جنوبي اليهودية حيث توجد "خرابة القريتين". هو ابن سمعان الإسخريوطي (يو 6: 71، 13: 2 و26) فقد كان أبوه يلقب أيضًا بالإسخريوطي. ووردت أول إشارة كتابية عن يهوذا عند اختياره تلميذًا (مت 10: 4، مر 3: 19، لو 6: 16) ولعله سمع كرازة يوحنا المعمدان في بيت عبرة في عبر الأردن (يو 1: 28). والأرجح أنه قابل يسوع للمرة الأولى عند عودته إلي اليهودية (يو 3: 22) . وطبقًا لما جاء في "إنجيل الاثني عشر رسولًا" (الأبوكريفي) كان يهوذا ضمن أولئك الذين قبلوا الدعوة عند بحر طبرية (مت 4: 18 - 22). نحن مدينون للرسول يوحنا بمعرفة شيء عن يهوذا في الفترة التي تقع بين دعوته والأحداث السابقة لتسليمه للمسيح، فقد ذكر بعض الإشارات التي تفصح عن شخصيته الشريرة منذ البداية. وبتتُّبع هذه الإشارات نستطيع أن نرى التطور التدريجي وزيادة الوضوح في العبارات التي أنبأ بها يسوع عن خيانة يهوذا في المستقبل، فبعد الحديث عن "خبز الحياة" في مجمع كفر ناحوم (يو 6: 26 - 59) رجع كثيرون من التلاميذ عن يسوع (عدد 66). ثم أكَّد بطرس ولاء التلاميذ له (عدد 69)، فأجابهم يسوع: "أليس أني أنا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان؟" (عدد 70) ويعلق يوحنا قائلًا: "قال عن يهوذا سمعان الإسخريوطي. لأن هذا كان مزمعًا أن يسلمه وهو واحد من الاثني عشر" (عدد 71) مبينًا أن يسوع عرف مسبقًا أن يهوذا كان واحدًا من الذين "رجعوا إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه" (عدد 66). ولكن الموقف - مهما كان مزعجًا لخطط يهوذا الجشعة، التي يحتمل أنها هي التي دفعته للتلمذة ليسوع - لم يكن قد وصل إلى الدرجة الحرجة الكافية لأن تدفعه إلى الرجوع الفوري عن يسوع. وقد هدأ خوفه من اكتشاف أمره، أن يسوع لم يذكره بالاسم، واستمر متظاهرًا بأنه واحد من الأمناء، كما كان للدوافع الشخصية لطبيعته الخسيسة أثر قوي في بقائه. ومع أنه كان أمينًا للصندوق ، إلا أنه تجاهل تحذيرات يسوع من الطمع والرياء (مت 6: 20، لو 12: 1-3)، واستغل الأموال لحسابه ولتغطية جشعه، وتظاهر بالغيرة على الصندوق، فعندما دهنت مريم قدمي يسوع بالطيب تساءل: " لماذا لم يبع هذا الطيب بثلاثمائة دينار ويعطى للفقراء؟ قال هذا ليس لأنه كان يبالي بالفقراء بل لأنه كان سارقًا وكان الصندوق عنده، وكان يحمل ما يلقى فيه " (يو 12: 5 و6، مت 26: 7 - 13، مر 14: 3 - 8). استطاع يهوذا بدهائه أن يخفي -لبعض الوقت- طبيعته الحقيقية عن بقية التلاميذ، وأن يقضي على أي استياء يمكن أن يحدث بينهم (مر 14: 4)، إلا أنه شعر هنا أنه لا يمكن أن يضمن استمرار مصدر دخله. أما كلمات سيده التي تضمنت حديثه عن يوم تكفينه فقد كشفت لمسلمه أن يسوع قد عرف جيدًا القوى الشريرة التي كانت تعمل ضده (مت 26: 12، مر 14: 8، يو 12: 7). وواضح مما جاء في متى ومرقس (فلوقا لا يذكر هذه الحادثة) أن يهوذا ذهب على الفور وتآمر مع رؤساء الكهنة (مت 26: 14 و15، مر 14: 10 و11، انظر أيضًا لو 22: 3 - 6)، ولكنه اختفى إلى حين، فقد كان حاضرًا بعد ذلك عند غسل أرجل التلاميذ حيث ميزَّ يسوع مرة أخرى بينه وبين بقية الاثنى عشر دون التصريح باسمه: "أَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ"، و"اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ" (يو 13: 10 و18). ويبدو أن يسوع كان يريد أن يعطى يهوذا كل فرصة للتوبة والاعتراف حتى في تلك الساعة المتأخرة. وللمرة الأخيرة عندما جلسوا للأكل، تقدم إليه يسوع بهذه الكلمات: "إن واحدًا منكم سيسلمني" (مت 26: 21، مر 14: 18، لو 22: 21، يو 13: 21). وأخيرًا وردًا على تساؤلات التلاميذ الحائرة: "هل أنا؟" أشار يسوع إلى مسلمه، لابذكر اسمه ، ولكن بالقول: " هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه " (يو 13: 26). وحالما أخذ اللقمة، غادر يهوذا المكان، لقد حانت الفرصة التي كان ينتظرها (يو 13: 30، مت 26: 26). إلا أن هناك بعض الشك فيما إذا كان قد أخذ الخبز والخمر قبل مغادرته أم لا، ولكن معظم المفسرين يعتقدون أنه لم يأخذ من الخبز والخمر. وحالما خرج يهوذا ذهب إلى رؤساء الكهنة وأتباعهم، وعندما جاء إلى يسوع في البستان، سلّم سيده بقبلة (مت 26: 47 - 50، مر 14: 43 و44، لو 22: 47، يو 18: 2 - 5). لا يذكر عنه شيء في أناجيل مرقس ولوقا ويوحنا، بعد أن أسلم يسوع. أما ما جاء في إنجيل متى وسفر الأعمال عن ندامته وموته، ففيه اختلاف في بعض التفاصيل، فيذكر متى أن الحكم على يسوع كان سببًا في إيقاظ إحساسه بالذنب، وفي يأسه المتزايد بسبب طرد رؤساء الكهنة والشيوخ له، "طرح الفضة في الهيكل وانصرف، ثم مضى وخنق نفسه " واشترى رؤساء الكهنة بالفضة حقل الفخاري الذي سمي فيما بعد "حقل الدم" وبهذا تحققت نبوة زكريا (11: 12-14). أما ما جاء في سفر الأعمال (1: 16 - 20) فأقصر كثيرا، فلا يذكر شيئًا عن ندامة يهوذا ولا عن رؤساء الكهنة، ولكنه يذكر فقط أن يهوذا اقتنى حقلًا من أجرة الظلم وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها (عدد 18) ويجد كاتب سفر الأعمال في هذا تحقيقًا للنبوة التي جاءت في مزمور 69: 25 وهي كما وردت في الفولجاتا: "إنه إذ شنق نفسه، انسكبت أحشاؤه" وهي بذلك تربط بين الروايتين. لقد دار حوار طويل وجدل كثير - ليس حول روايات الأناجيل عن يهوذا فحسب، بل وأيضًا - حول شخصيته والمشاكل المتعلقة بها. فكون " يهوذا " مسلم يسوع واحدًا من الاثني عشر المختارين، قد أعطي لأعداء المسيحية فرصة لمهاجمتها منذ العصور الأولى كما ذكر أوريجانوس. كما أن صعوبة الوصول إلى حل حاسم، قد أدى بالبعض إلى اعتبار يهوذا مجرد تجسيد للروح اليهودية. ولكن هذا الرأي - على أي حال - يقلل من القيمة التاريخية لكثير من الفصول الكتابية. وهناك نظريات مختلفة لتفسير الموضوع، مثل أن يهوذا انضم لجماعة الرسل بهدف محدد، هو تسليم يسوع. ويفسرون هدف هذا الاتجاه على وجهين، يعمد كلاهما للسمو بشخصية يهوذا وابرائه من تهمة الدوافع الخسيسة ونذالة الخيانة. فيقول أحد الجانبين إن يهوذا كان وطنيًا غيورًا، ورأى في يسوع عدوًا لأمته وعقيدتها الأصيلة، ولذلك أسلمه من أجل صالح أمته، ولا يتفق هذا الرأي مع طرد رؤساء الكهنة ليهوذا (مت 27: 3 - 10). أما الاتجاه الآخر فقد اعتبر يهوذا نفسه خادمًا أمينًا للمسيحية إذ أنه توجه إلى التسليم ليتعجل عمل المسيا ويدفعه إلى اظهار قوته المعجزية بدعوة ملائكة الله من السماء لمعونته (مت 26: 53). أما انتحاره فيرجع إلى يأسه، لفشل يسوع في حقيق توقعاته. ولقد راقت هذه النظرية - في العصور القديمة - للغنوسيين القينيين، وفي العصر الحديث " لدى كوينسي والأسقف هويتلي، لكن العبارات التي استخدمها يسوع وطريقة شجبه لتصرف يهوذا (يو 17: 12) تجعل مثل هذا الرأي بلا قيمة. هناك رأي آخر يقول إن يهوذا سبق تعيينه ليكون مسلمه، وأن يسوع كان عالمًا منذ البداية بأنه سيموت بالصليب، وقد اختار يهوذا لأنه عرف أنه هو الذي سيسلمه، وهكذا تتحقق المقاصد الإلهية (مت 26: 54). والذين يتمسكون بهذا الرأي يبنونه على علم يسوع بكل شيء كما في يوحنا (2: 24) لأن يسوع "كان يعرف الجميع". وكذلك يوحنا (6: 64) "لأن يسوع من البدء علم من هم الذين لا يؤمنون ومن هو الذي يسلمه"، كذلك يوحنا (18: 4) "وهو عالم بكل ما يأتي عليه". ولكننا إذا أخذنا هذه النصوص حرفيًا، يكون معنى هذا تطبيق عقيدة قضاء الله السابق بطريقة متزمتة أكثر مما يجب، وبهذا يكون يهوذا مجرد آلة ووسيلة في يد قوة أعلى منه، وهو ما يجعل مناشدة يسوع وتحذيراته له بلا معنى، كما أنه ينفي وجود المسئولية الشخصية والإحساس بالذنب، وهو ما كان يريد الرب أن يثيره ويوقِظه في قلوب سامعيه. ولقد كتب يوحنا الرسول بعد وقوع الأحداث، ولكننا كما رأينا، كان في كلمات ربنا وضوح متزايد في التنبؤ بتسليمه. إن علم يسوع بكل شيء كان أعظم من مجرد معرفة متنبئ يدعي استطلاع المستقبل. لقد كان علمه بكل شيء هو علم من عرف -من ناحية- مقاصد أبيه السرمدي من نحو الناس، ومن الناحية الأخرى، كان ينفذ إلى أعمق أعماق الشخصية البشرية ويرى ما فيها من مشاعر ودوافع وميول خفية. مع أن الدراسة الكاملة لشخصية يهوذا، لا بد بالضرورة أن تتضمن المشاكل العويصة المتعلقة بحرية الإرادة والخطية الأصلية (كما يقول وستكوت) والتي لم تستطع أي نظرية أن تحلها حلًا كافيًا، إلا أن النظرية التي تعتبر تسليم يهوذا ليسوع، كان نتيجة تطور تدريجي داخل نفسه، تبدو أكثر واقعية. فمما تجب ملاحظته أن يهوذا كان الوحيد بين التلاميذ من المناطق الجنوبية، ولذلك فاختلافه في المزاج والنظرة الاجتماعية، بالإضافة إلى ما يمكن أن تؤدي إليه من اتجاهات دنيئة، قد يفسر جزئيًا عدم وجود التعاطف الصادق بين يهوذا وبقية التلاميذ، وإن كان هذا لا يبرر مطلقًا خيانته التي حدثت فيما بعد. لقد كانت له كفاءة خاصة في إدارة الأعمال، ولذلك اختير أمينًا للصندوق، ولكن قلبه لم يكن منذ البداية نقيًا، فقد كان يقوم بمسئوليته بدو ن أمانة، وامتد سرطان الجشع هذا من الأمور المادية إلى الأمور الروحية، فلم تحدث لأحد من التلاميذ خيبة أمل نتيجة انتهاء الحلم بمملكة أرضية ذات مجد وبهاء مثلما حدث ليهوذا. ولم تكن ربط المحبة التي جذب بها يسوع قلوب التلاميذ الآخرين، وكذلك التعاليم التي بها سما بأرواحهم فوق الأمور الأرضية، لم تكن إلا قيودًا أثارت أنانية يهوذا. ولأنه كان مكبلًا بأطماعه، ولخيبة أماله، ثارت فيه الغيرة والحقد والكراهية، ولم تكن كراهية إنسان قوي بل كراهية إنسان ضعيف أساسًا، فبدلًا من أن ينفصل صراحة عن سيده، بقى في الظاهر واحدًا من أتباعه، كما أن تفكيره المستمر في توبيخات سيده، جعل الباب مفتوحًا أمام الشيطان "فدخله الشيطان"، فهو إذًا كان قد علم الصلاح ولكنه لم يفعله (يو 13: 17). كما كان أيضًا ضعيفًا في تنفيذ خططه الدنيئة، لقد حمله هذا التردد -أكثر من حقده الشيطاني الخبيث- على أن ينتظر في العلية حتى اللحظة الأخيرة، مما دفع يسوع لأن يقول له: "ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة " (يو 13: 27). وبهذا التفكير الضعيف حاول أن يلقي باللوم على رؤساء الكهنة والشيوخ (مت 27: 3 و4)، لقد حاول أن يبرئ نفسه ليس أمام يسوع البار الذي أسلمه، بل أمام شركائه في الجريمة. ولأن العالم الذي -بأنانيته- اتخذه إلهًا له، تخلى عنه أخيرًا، مضى وخنق نفسه. إنها النهاية التعيسة لإنسان اعتنق بكل طاقاته روح المساومة والأطماع الذاتية، فلم يزن النتائج القاتلة التي قادته إليها تلك الدوافع الرديئة. يهوذا الإسخريوطي بن سمعان الإسخريوطي (يو 6: 71). والتلميذ الذي خان سيده. لقب بالاسخريوطي تمييزًا له عن "يهوذا الآخر". وقد يشتق لقبه من ايش كريوت أي رجل قريوت. ولربما كانت خربة القريتين على سفح القسم الجنوبي الغربي من جبال اليهودية. والإسخريوطي هو التلميذ الوحيد بين التلاميذ الذي لم يكن جليليًا. ولا نعرف عن حياته الباكرة أكثر مما نعرف عن بقية الرسل. والبشائر لا تروي لنا شيئًا عن دعوته. وقد أصبح اسمه تعبيرًا للخيانة. وهو يذكر في ذيل قائمة الرسل مقترنًا بهذا اللقب الذميم. وحرص كتاب البشائر على تمييزه عن يهوذا الآخر، باسم "الذي سلمه" (مر 3: 19 ولو 6: 16)، أو "يهوذا سمعان"، (يو 13: 2) أما يهوذا الآخر فيسمى "يهوذا ليس الإسخريوطي" (يو 14: 22). وقد لبى نداء المسيح، فقد تبعه أسوة بالآخرين، واستمر معه سائرًا بعدما تركه الآخرون ولم يعودوا يتبعونه. وخصه يسوع ليكون "أمينًا للصندوق" ولكن بدلًا من أن يجعله انتخاب يسوع له لهذا العمل، يتغلب على الطمع والأنانية فيه، فقد نبه أنانيته وطمعه وصار سارقًا يبتز ما بقي في الصندوق الذي عهد به إليه (يو 12: 6 و13: 29). وانتقاده لمريم عندما دهنت قدمي يسوع بالطيب في بيت عنيا (يو 12: 1 - 8). كان دليلًا قاطعًا على مصانعته وريائه. غير أن طمع يهوذا، وإن كان الباعث الأقوى لخيانته، لكنه لم يكن الحافز الوحيد. لو كان الأمر كذلك، لما اكتفى يهوذا بثلاثين من الفضة وهو مبلغ زهيد، وثمن عبد في تلكم الأيام، بل لانتهز الفرصة المناسبة لغنم أضخم، ولكان أجدى له أن يبقى أمينًا للصندوق، يختلس منه ما تيسر. والحقيقة إن شهوات أخرى كانت تتأجج منه نيرانها في صدره، فقد ظن القوم أن يسوع جاء ليقيم دعائم ملك سياسي، ارضي، فطمع، كما طمع أمله، وطاش سهمه وأحس نفسه في مرتبة وضيعة ولم يبلغ حتى مكانة الثلاثة المفضلين من زملائه. فتمتلئ نفسه غيرة وهو يرى بطرس ويعقوب ويوحنا الجليلين يفضلون عليه ويؤخذون قبله في بيت يايروس، وعلى جبل التجلي. ومع مرور الزمن يرى أن ملكوت المسيح الذي عقد عليه الآمال الكبار أصبح أمرًا مشكوكًا فيه، وغلا لماذا أضاع يسوع الفرصة التي كان يمكنه فيها أن يظهر زعيمًا عظيمًا وملكًا قديرًا (يو 6: 15). فيعرض عنه وينفر منه، وتستحيل النفرة إلى عداء. ولكن حب المال والظهور والسيطرة لا يعلل خيانة يهوذا تعليلًا كافيًا مقنعًا. وليس من شك بأن حب المال والسلطان كانا عاملين قويين من العوامل التي حدت بيهوذا للسير في طريق خاطئ، رفض يسوع بشم وغباء، أن يسلك فيه (مت 4: 1 إلخ.). ولهذا فقد اتفق البشيرون على تعليل واحد لمسلك يهوذا البشع: "دخله الشيطان"، (لو 22: 3 ويو 13: 27). ويؤيد هذا ما قاله يسوع "واحد منكم شيطان" (يو 6: 70 و71). إننا نرى من قصة يهوذا أن الله لا يكره أحدًا على قبول الخلاص، وإن من يقاوم يسوع يصبح فريسة في قبضة الشيطان. وليست هناك إمكانية ثالثة أو منطقة محايدة، والانتحار هو السبيل الوحيد لمن فقد إيمانه، واخذ اليأس بتلابيبه. وعندما بانت ليهوذا فعلته الشنعاء مضى وخنق نفسه (مت 27: 5). لقد عرف أنه ضل الطريق، ولكنه لم يجد طريق التوبة (مت 27: 3). ولسنا نجد وصفًا لنهاية يهوذا أصدق من القول الذي جاء في (أع 1: 20 و25). فقد حزنه كان إلهيًا خلص به، لأنه قاده إلى توبة حقيقية. وأما حزن يهوذا فكان دنيويًا، كان مجرد أسف لم يصحبه أي شعور بالندامة، ولهذا هوى به إلى أسفل الدركات. ويتفق ما جاء في (مت 27: 5) بأن الدينونة التي نزلت بيهوذا كانت ثمنًا للَّوثة الكريهة. والحقل الذي اشترى بمال دم يظل تذكارًا يُذّكِّر العالم بخيانة يهوذا لقرون عديدة. وقد أرشد الأعداء إلى المكان الذي يقصده يسوع في جثسيماني على منحدر جبل الزيتون، فإنه يعرفه معرفة تامة ولذا فقد قادهم إليه. ولسنا نعلم بالتأكيد الدور الذي لعبته قبلة يهوذا الغادرة، وكانت التحية المألوفة التي كان يستقبل بها التلميذ سيده عندما يعود إليه. لقد اتسع صدر يسوع حتى النهاية لهذا التلميذ البائس علّه يرجع عن غيّه. وعندما صرح للتلاميذ في العشاء الأخير: "أن واحد منكم سيسلمني" أشار إليه إشارة خفية لم تسترع انتباه أحد، لأنه لم يشأ أن يفضح نواياه الخبيثة أمام الآخرين. ولكن يهوذا أدرك أن يسوع يقصده (يو 13: 27-29). وبدل أن يرجع إلى رشده، ازداد غلة وغيظًا. حتى عندما ناوله "اللقمة" لم يشعر بالأمر إلا يوحنا الذي، بناء على رغبة بطرس، همس في إذن يسوع قائلًا: "يا سيد من هو?" ولم يسمع التلاميذ الآخرون شيئًا. إننا نوجز القول بأن خيانة يهوذا مما زالت، على كثرة ما تعرضت له من تحليل ونقد ونقاش، سرًا غامضًا. ولقد اجتهد الباحثون والشارحون في شرح البواعث الخفية المحتملة التي تمخض عنها عمل يهوذا القبيح، فذهب بعضهم إلى تخفيف الجريمة والتماس ببعض العذر له، فقالوا بذلك حَقق النبوات الإلهية، وبالأخص النبوة الواردة في (أش 53) والمتعلقة ببرنامج الفداء (مت 26: 54). ومع ذلك كان يهوذا مسؤولًا عن خطيئته حسب قول يسوع "ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان. كان خيرًا لذلك الرجل لو لم يولد" (مت 26: 24). كما ذهب آخرون إلى تهويل عمله. على أن جميع المحاولات حتى الآن لم تكن إلا من باب الحدس والتخمين، ولم تقدم لنا صورة كاملة عن شخصية هذا الرجل الغامضة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ما هو هذا المجد الذى عناه يوحنا، التلميذ الذى كان يسوع يحبه؟ |
من أضاع ساعة من الزمن أضاع سنة ... |
مَنْ أضاع نفسه يجدها |
التلميذ يهوذا الإسخريوطي الخائن |
مَنْ أضاع نفسه يجدها |