لنرجع إلى الموضوع الذي كنت أتحدث عنه منذ برهة. الجسد يموت لماذا؟ لأنه قد رحلت حياته التي هي الروح. أيضًا إذا كان الجسد حيًا والإنسان شريرًا، غير مؤمن، عنيد في الإيمان، لا يقبل إرشادًا، فإنه بينما يكون الجسد في هذه الحالة حيًا إلا أن الروح التي يحيا بها الجسد تكون ميته. الروح شيء عظيم هكذا بأن في قدرتها أن تعطي حياة للجسد حتى ولو كانت ميتة. أقول أنها شيء عظيم هكذا، أنها مخلوق رائع هكذا، بأن في قدرتها أن تحيي الجسد حتى وإن كانت ميتة في ذاتها. فروح الشرير، غير المؤمن، والمستهتر ميتة، ومع أنها ميتة فإن بها يحيا الجسد. لذلك فهي كائنة في الجسد تدفع الأيدي للعمل، والأقدام للسير، وتوجه العين للنظر، والآذان للسمع، وتميز بين الأذواق، وتتجنب الآلام، وتسعى وراء المسرات. هذه جميعها علامات حياة الجسد، ولكنها نتيجة وجود الروح. فإن حق لي أن أسأل الجسد عما إذا كان حيًا فسيجيبني: أنك تراني أسير وتسمعني أتكلم وتعلم أن لي ما أهدف إليه وما أمقته، ومع هذا أفلا تفهم أن الجسد حيّ؟ إذن اِفهم أن الجسد الحي بهذه الأعمال التي للروح. إنني أسأل الروح أيضًا عما إذا كانت حية؟ إن لها أعمالها المناسبة لها التي تعلق عن حياتها الأقدام تسير. إنني أفهم بذلك أن الجسد حيّ، ولكن بوجود الروح فيه. والآن أسأل هل الروح حية. إن هذه الأقدام تسير (لو اقتصرنا الحديث عن هذه الحركة فقط)، إنني أسأل كلا من الجسد والروح بخصوص حياتهما. الأقدام تسير، بهذا أفهم أن الجسد حيّ. لكن إلى أي تسير الأقدام؟ لقد قيل إلى الزنا. إذن النفس ميتة. لأجل هذا قال الإنجيل "وَأَمَّا الْمُتَنَعِّمَةُ فَقَدْ مَاتَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ" (1 تي 5: 6). وإذا الفرق بين "التنعم" والزنا كبير، فكيف إذا يمكن للنفس التي قيل عنها أنها ميتة بالتنعم أن تحيا في الزنا؟ إنها بالتأكيد ميتة. إنها ميتة ولو لم تكن في حالة الزنا. إنني أسمع إنسان يقول أن الجسد حيّ لأن اللسان لا يستطيع أن يحرك ذاته في الفم بل بحركاته المختلفة ينطق بأصوات واضحة. أليس هناك قاطن إذن وموسيقار لهذه الآلة يستعمل اللسان. إنني أفهمه جيدًا. الجسد يتكلم هكذا فهو حيّ. ولكنني أسأل هل الروح حيّة أيضًا؟ هوذا الجسد يتكلم وبذلك فهو حيّ، ولكن بماذا يتكلم؟ كما قلت عن الأقدام أنها تسير وبذلك فإن الجسد حيّ. وعندئذ سألت أين تسير هذه الأقدام؟ حتى أفهم عما إذا كانت النفس حيّة أيضًا، هكذا عندما أسمع إنسانًا يتكلم أعلم. أن الجسد حيّ، فأسأل أيضًا بماذا يتكلم حتى أعلم إن كانت النفس حيّة أيضًا. إنه يتكلم بالكذب. إن كان كذلك فالنفس ميتة. كيف نبرهن على هذا؟ لنسأل الحق نفسه الذي يقول: "الفم الكاذب يقتل النفس" (حك 1: 11). إنني أسأل: لماذا ماتت النفس؟ أسأل كما سألت الآن لماذا مات الجسد؟ لأنه قد رحلت حياته أي النفس. لماذا ماتت النفس لأن الله حياتها قد تركها.
القديس أغسطينوس