بذلك ثبَّت المشكلة ولم أحلها. لقد برهنت على أن الروح يمكن أن تهلك. إن الإنجيل لا يمكن أن يقاوم إلا بروح شريرة؟؟. هوذا قد خطر لي هنا شيئًا وجاء إلى فكري حتى أتحدث به. الحياة لا يمكن ان تقاوم إلا بروح ميتة، الإنجيل هو الحياة، وعدم الورع وقلة الإيمان هما موت الروح. انظروا فإنه يمكن أن تموت ومع ذلك فهي غير قابلة للموت (خالدة) إذن كيف هي خالدة؟ لأنها هي دائمًا نوع من الحياة لا يمكن أن ينتهي أبدًا. وكيف تموت؟ ليس بإبطال كونها حياة بل فقدانها حياتها. لأن الروح هي حياة لشيء آخر، كما أن لها حياة خاصة بها. تأملوا نظام المخلوقات. فالروح حياة الجسد والله حياة الروح. ما دامت الحياة أي الروح حالَّة في الجسد فإن الجسد لا يموت، هكذا ينبغي لحياة الروح أي الله أن يكون فيها حتى لا تموت. كيف يموت الجسد بانفصال الروح عنه، أقول بانفصال الروح عنه يموت الجسد ويبقى مجرد جثة. هذا الذي منذ قليل كان مشتهى، وقد صار الآن موضوع احتقار. لا زالت فيه أعضائه المختلفة، الأعين والأذان، ولكن هذه ليست إلا نوافذ للمنزل، وأما ساكنه فقد رحل. إن الذي يندب الميت يصرخ باطلاً على نوافذ المنزل، مع أنه ليس بالداخل من يسمع. بكم يتفوه الباكي عن محبته الغبية، كم من الذكريات يحشد بها عقله، بأي حزن جنوني يتحدث كما لو كان يتكلم مع شخص يُدرك ما يفعله، بينما لم يعد بعد بالحقيقة هناك. إنه يعدد صفاته الحميدة وعلامات فضله عليه، "أنت الذي أعطيتني هذا، وفعلت معي هذا وذاك". أنت الذي فعلت كذا وكذا، يا عزيزي الذي تحبني لكي إن شئت فلتنظر ولتفهم مقاومًا جنون حزنك، فإنه قد رحل الذي كان يحبك، فعبثًا يسمع فرغاتك المنزل الذي لا يمكن أن تجده فيه قاطنًا.
القديس أغسطينوس