رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لا تتأَسَّفُوا ولا تغتاظُوا «لا تتأسَّفُوا ولاَ تغتاظُوا ... لأنهُ لاستِبقَاءِ حيَاةٍ أَرسلَني اللهُ قُدَّامَكُم» ( تكوين 45: 5 ) إن مَن يريد أن يعرف قلب الله من نحو الإنسان بالحق، عليه أن ينظر إلى الصليب. صحيح إننا نرى البشـر بأيدي أثمَة صلبوا وقتلوا ابن الله المُبارك، وهذا هو الوجه المُظلم في المسألة. ولكن هناك ناحية نيِّرة نرى الله منها. لا ريب أن الإنسان أظهَر ما في قلبه تمامًا في الصليب، ولكن الله بيَّن عمله منتصـرًا على قوات الأرض والجحيم التي اصطفت ضده بحالة مرجفة. وكما كان في حادثة يوسف وإخوته الذين أظهروا بُغضهم بطرحهم أخاهم في الجُب، ثم بيعهم إيَّاه للإسماعيليين، وهذا هو الوجه المُظلم، لكن لنلاحظ أقوال يوسف: «لا تتأَسَّفوا ولا تغتاظوا لأَنكم بعتمونِي إِلى هُنا، لأَنهُ لِاستبقَاءِ حياةٍ أَرسلَني اللهُ قدَّامكُم» ( تك 45: 5 )؛ هذا هو الوجه المُنير. لكن لمَن قيلت كلمات النعمة هذه؟ لقد وُجهت إلى القلوب المُنكسـرة والأرواح التائبة والضمائر المُتبكِّتة؛ صُوِّبَتْ إلى أُناس قد اعترفوا قائلين: «حقًا إِنَّنا مُذنِبونَ». هؤلاء هم الذين يُدركون قوة معنى الحق المعروض أمامنا، الذين شغَلوا مركزهم الحقيقي وقَبلوا حكم الله فيهم، ويعترفون أن الصليب هو مقياس خطيتهم، بل هم الذين يُقدِّرون الصليب حق قدره علمًا منهم أنه المُعبِّر عن محبة قلب الله من نحوهم، وقد تأكدوا أن الصليب الذي أظهرَ كراهة الإنسان لله هو بعينه الذي بيَّن محبة الله للإنسان، وهذان يسيران معًا. فإنه متى رأينا شرّنا واعترفنا به كما تبرهن في الصليب، نتعلَّم قوة ذلك الدم الثمين المُتكلِّم بالسلام والمُطهّر لنا من كل خطية. نعم أيها القارئ المحبوب لا يُدرك أحد محبة الله العجيبة التي بانَت في الصليب إلا صاحب القلب المنكسـر والروح المنسحق. وكيف كان يتأتى ليوسف أن يقول لإخوته: «لاَ تتأَسَّفوا»، ما لم يرَ أن قلوب إخوته انكسرت في محضره؟ فكيف يتسنى للقلب غير المنكسـر والضمير غير المُبَكَّت والنفس غير التائبة أن تدرك قيمة دم المسيح الكفاري، وتذوق حلاوة محبة الله؟ إن ذلك لَمُحال. قد تكلَّم يوسف مع إخوته في بادئ الأمر «بجَفَاءٍ»، لكن حالما صدرت من قلوبهم المنكسـرة هذه الأنَّات «حَقًّا إِنَّنا مُذنبونَ»، استطاعوا في هذه الحالة أن يفهموا قيمة هذه الكلمات «لاَ تتأسَّفوا ولا تغتاظوا». فمتى انكسـرت قلوبنا أمام الصليب إذ نراه المقياس الكامل لإثمنا الشخصي العميق، حينئذٍ نكون على استعداد أن نُعاين أنه الإعلان المجيد لمحبة الله من نحونا. |