حبقوق وتدريبه
على مرصدي أقف، وعلى الحصن أنتصب
وأراقب.. فأجابني الرب...
( حب 2: 2 )
إنه لمُشجع لنا أن نرى الله يميل ليسمع صراخ قلب عبده المُثقَّل. فالله تهمُّه صرخات المتضع، أما المتكبر فيعرفه من بعيد ( مز 6: 138 ). يدرِّب الودعاء في الحق ويعلِّم المتواضعين طرقه. لذلك فإن السبب في قلة ما نحصِّله من كلمة الله ـ كقاعدة عامة ـ هو عدم الحكم على الذات، وعدم الخضوع لصاحبها رب الكل. إن الافتخار والتعظم والثقة في الذات لا ينتج عنها سوى الاندفاع وزلل اللسان، التي لا بد أن تقترن بالتسيب الأدبي وعدم تمييز الأمور المتخالفة، وما أكثر ما تسود مثل هذه الحالة في أيامنا، أما الخضوع الحقيقي أمام الله وكلمته، فقلَّ مَنْ يميزه ويقدّره.
لقد زاد غَفل الكثيرين عن حقيقة أنه لا بد من حالة أدبية صحيحة لكل مَنْ يريد أن يدخل إلى الأمور الإلهية، فالأمور الروحية لا تُدرك إلا روحيًا. لذلك فإن المسيحي الجسدي، الذي يرضى عن ذاته، الذي يسير كباقي الناس، نجده كثيرًا ما يبحث عما يستعيض به عن الخدمة الروحية الصحيحة، بأن ينصت إلى عبارات جوفاء، وتفاهات بلا قيمة روحية، يتعلمونها كتقليد، ويرددونها كالببغاوات بصورة آلية، بدلاً من أن ينتظروا الله لينصتوا لصوته في النفس داخلاً، مُدربًا لضمير المتكلم كما السامع على السواء.
في يومنا الحاضر، الذي ينطبق عليه القول « لعمل كتب كثيرة لا نهاية» من السهل كثيرًا على أي إنسان أن يحصِّل حدًّا لا بأس به من المعرفة العقلية بالمكتوب، ثم يستعرض ما تعلّمه بالعقل على مَنْ هم أقل منه معرفة، على أنه كلام الحكمة الإلهية، بينما أن عين الله القدوسة لا ترى فيه سوى انتفاخًا باطلاً واعتدادًا بالذات. لقد زادت المعرفة، ولكن لم يَزِد معها التقدير لأمور الله! إنما التدريب الإلهي هو ما ينقصنا.
أما حبقوق فنجد فيه صورة تختلف، فهو إنسان قد تدرب عميقًا، سواء من جهة حالة شعبه، أو من جهة حالته شخصيًا، أو من جهة طرق الله في حكومته، فلم يسترح حتى أخذ فكر الرب من جهة كل هذه. لذلك فإن كتابه له أهميته الخاصة، في أيام وصف أحدهم الحالة فيها بأنها “حق رفيع، وسلوك وضيع”. فهذا الكتاب يصوِّر لنا عمل الحواس الروحية، وتجاوب الرب معها في إنسان له ذات أحاسيسنا، كما نرى من خلال كل أصحاحاته.