رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البابا تواضروس البابا كيرلس السادس رجل الرعاية الكاملة
"بسم الأب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين، تحل علينا نعمته ورحمته من الآن وإلى الأبد آمين". هذا يوم بهيج من أيام كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، والتى نفرح فيها كما نصلى فى القداس ونقول "من جيلٍ إلى جيل" نحتفل ونحن فى اليوم الثانى للصوم المقدس باليوبيل الذهبى ومرور خمسين عامًا على نياحة البابا كيرلس السادس البطريرك 116، نحتفل فى موضعه الذى أحبه وبذل فيه الكثير، فى الكاتدرائية فى دير الشهيد العظيم مارمينا التى شيدها لتكون شاهدًا على عظمة حياة القداسة، نحتفل جميعًا الآباء المطارنة والآباء الأساقفة وكل الآباء فى محبة نيافة الأنبا كيرلس أفا مينا الأسقف ورئيس هذا الدير، ومحبة كل الرهبان فى هذا الدير العامر، ولولا الإجراءات الاحترازية التى ترافق انتشار هذه الجائحة كنا وجدنا الآلاف فى طرقات الدير احتفالًا، بهذه المناسبة، التى بالحقيقة نحتفل بها فى قلوبنا قبل أن نحتفل بها فى كنيسة أو دير. البابا كيرلس ظاهرة روحية منيرة فى تاريخ كنيستنا، والبابا كيرلس عندما استمعنا إلى سيرته فى السنكسار وكيف أنه فى سن 25 سنة اتجه للرهبنة ولم تكن أحوال الأديرة فى ذلك الزمن مثل ما هى الآن، وترهب فى دير البرموس فى وادى النطرون ثم لظروف كثيرة وصل إلى منطقة الطاحونة بمصر القديمة وعاش فيها فترات كثيرة، وبدأ يخدم كل المتجهين إليه. كان محبًا للطلبة والمغتربين الذين يأتون إلى القاهرة لأن المحافظات لم يكن فيها جامعات ولم تنشأ فيها بعد كليات، اختارت العناية الإلهية أن يكون هو البابا رقم 116 بعد فترة عاشتها الكنيسة فى متاعب كثيرة سواء على مستوى الكنيسة أو الوطن، واختارته العناية الإلهية ليكون روح سلام فى الكنيسة، بدأ حبريته بأن تكون أثيوبيا كنيسة ذاتيه غير مرتبطة بالكنيسة القبطية وصار هناك اتفاق أن تستقل الكنيسة الأثيوبية ومن يومها بدأ البطريرك الأول فى أثيوبيا وحاليًا أبونا متياس البطريرك السادس. وبدأ البابا كيرلس فى تعمير هذا المكان الذى أحبه وكنا نقرأ عن آثاره فى الكتب، الله وضع فى قلبه الاهتمام بهذه المنطقة، وعندما تمت سيامته بطريركًا كان عدد أعضاء المجمع المقدس 11 أسقفًا فقط وجميعهم داخل مصر ما عدا واحد فى السودان وآخر فى القدس وكان عدد الكنائس قليلًا، وبدأ البابا كيرلس كظاهرة جديدة فى تاريخ الكنيسة وتجديد شباب الكنيسة. أود أن أضع أمام حضرتكم ثلاثة ملامح رئيسية لهذه الحبرية المقدسة التى استمرت من عام 1959 إلى 1971، أى على مدى 12 سنة: 1- محبة السماء: هو منذ رهبنته كان محب للعزلة ويحب أن يعتكف ويكون مع الله وحده، صنع هذا قبل وبعد الرهبنة وأيضًا فى البطريركية، كان الواضح فى هذه الشخصية محبة السماء والسمائين، لذلك كان يقضى أوقات طويلة فى الصلوات والقراءة فى سير القديسين واختباراتهم وكان يقضى وقتًا طويلًا فى الدير، ومحبة السماء تجعل سلوكيات الإنسان مباركة ومقدسة، كان إنسانًا محبًّا للسماء وفكر السماء يشغل عقله وقلبه.. والمعجزات التى كانت تصنع على يديه كانت بسبب صلته القوية بالسماء، فالإنسان فى ضعف لا يستطيع أن يصنع شيئًا ولكن إن وجد تعضيدًا من السماء تصير حياته قوية، عاش البابا كيرلس رغم كل المتاعب التى تعرض لها من الداخل والخارج، والمتاعب التى تأتى من الداخل تكون أكثر مرارة من التى تأتى من الخارج ولكن السماء تسند وتقوى وتشهد على الدوام، تشهد على الأرض وعندما انتقل إليها البابا كيرلس. لذلك احتفالنا اليوم ليس مجرد ذكرى، نحن نحتفل لنجدد عهودنا مع السماء كمثال هذا البطريرك القديس الذى عاش قريبًا جدًا من السماء وهو على الأرض، اشغل نفسك فى فترة الصوم وأسال نفسك هل تحب السماء وتشتاق إليها وتنشغل بها؟ راجع نفسك واذكر كيف كانت السماء شاهدة على عمل هذا القديس البابا كيرلس السادس. ٢- صداقة القديسين: ما أشهى هذه الصداقة التى تربط الأرض بالسماء، ارتبط بالشهيد العظيم مارمينا وحمل اسمه وعاش فى مكانه وعمر المكان هنا على اسمه، وصار هناك رباط قوى بين قديس وشهيد من القرن الرابع الميلادى والبابا كيرلس فى القرن العشرين وارتبط الاسمان معًا فى صحبة قوية، فى الأيقونات والمعجزات والعمل، وهو لم يصادق القديس مارمينا فقط ولكنه صادق أمنا العذراء مريم وكان قريبًا منها، وهى فخر جنسنا، وفى زمنه ظهرت أمنا العذراء فى عام 1968 م وبلادنا فى تلك الأزمان كانت فى أزمة خطيرة بعد حرب 1967، وكانت بلادنا مجروحة جدًا ولكنها ظهرت، ربما بصلواته، لكى تقدم رسالة طمأنينة لكل المصريين وظلت تظهر لمدة سنتين وظهرت فى مكان واضح وكبير ورآها الألوف والملايين من داخل وخارج مصر.. ظهرت أمنا العذراء لكى ما تمنح سلامًا وهدوءًا لبلادنا وكنيستنا.. وكانت أيام فرح، وصادق أيضًا القديس مارمرقس بحكم منصبه هو خليفة القديس مارمرقس، وفى زمنه كانت فرحة كبيرة أن تأتى الموافقة على رجوع جسد مارمرقس الذى خرج من مصر منذ قرون وعاد إلى مصر بسبب العلاقة القوية بين الكنيسة القبطية والكنيسة الكاثوليكية فى روما.. وكانت حادثة هامة فى تاريخ كنيستنا ومعها اُفتتحت الكاتدرائية المرقسية بالعباسية بالقاهرة ووضع فيها الجسد فى مزار خاص موجود حتى الآن. هذه الصداقة مع القديسين التى نسميها الشفاعة هى إحدى الملامح الرئيسية فى كنيستنا القبطية الأرثوذكسية.. علاقتنا بالقديسين علاقة حية ودائمًا ونسمى أولادنا وكنائسنا على أسماء القديسين. ومن الأسئلة الشائعة فى التقليد القبطى أن أسالك عن شفيعك، وهذا ما يعبر عن علاقتنا القوية ليس فى الكنيسة على الأرض بل بالكنيسة فى السماء، هذا القديس كان وثيق الصلة بالسماء وكان له علاقة قوية بالقديسين. ٣- الرعاية الكاملة للمؤمنين: اهتم بالرعاية من خلال باب التعمير وباب الامتداد خارج مصر. باب التعمير: عمل الدير هنا وأصبح مقصد للحياة الروحية، عمل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وعمر الكاتدرائية بالأزبكية، وعمر فى أماكن كثيرة لتصير مواقع مقدسه يلتجئ إليها المؤمنون، وهذا نوع من الرعاية. باب الامتداد للخارج: بدأ الأقباط يهاجرون خارج مصر وكان هذا شيئًا جديدًا على حياة المصريين، نحن كمصريين مرتبطين بالأرض والنيل.. بدأ الأقباط يهاجرون لأسباب كثيرة فأخذ على عاتقه أنه عندما تتكون مجموعة من الأقباط فى مكان يرسل لهم كاهنًا لخدمتهم، كانت أول منطقة سنة 1962 فى الكويت وأرسل آباء أحباء وتأسست أول كنيسة لنا خارج مصر بعد السودان والقدس. يتكرر المشهد سنة 1964 فى كندا ويرسل لهم كاهنًا، وكان حدث كبير لأن كهنة الكويت كانوا انتداب ولكن كندا رسم كاهنًا خاصًا لها.. وكان أول كاهن قبطى فى أمريكا الشمالية أبونا مرقس مرقس، الذى تنيح منذ عام.. ثالث كنيسة كانت فى أمريكا سنة 1968 ، و 1969 كانت الكنيسة الرابعة فى أستراليا، والكنيسة الخامسة كانت فى أنجلترا وهى أول كنيسة فى أوروبا.. فى حبرية هذا القديس تمت زراعة الكنيسة القبطية فى خمس مناطق تمثل قارات العالم، وفى حبريته امتدت الكرازة بهذه البذار الخمسة، وهذا يظهر كيف تتفاعل كنيستنا مع الحدث.. هو كان مهتمًا برعاية المؤمنين فى أى مكان وهذا أمر هام. الحديث عن حبرية البابا كيرلس وكل ما صنعه الله على يده يطول جدًا، لكن يكفى أننا نجتمع فى هذه المناسبة المفرحة لنا كلنا ونذكره ونتحدث عن ككنز روحى فى كنيستنا.. وجاء عام 2013 م واجتمع المجمع المقدس يون 20 يونية وتم الاعتراف بقداسته قديسًا فى كنيستنا بعد نياحته بحوالى 42 سنة، وأصبح ممكن أن يقدم أمام المجمع ملف بعد 40 سنة من الانتقال ليدرسه المجمع حتى الاعتراف بقداسة الإنسان.. اعترفنا بقداسة القديس البابا كيرلس واعترافنا جاء بعد حياته المقدسة والتى شهد عليها الآلاف من الناس وصار قديسًا فى كنيستنا وصارت تُبنى كنائس على اسمه وتُرسم الأيقونات ويذكر اسمه فى الصلوات ويصير قديسًا قريبًا لنا جميعًا. باسم المجمع المقدس كله نفرح فى هذا الصباح فى كنيستنا وهى فرصة طيبة أن يحضر كل هؤلاء الآباء المطارنة والأساقفة، هذه المناسبة العطرة التى تعيش فى قلوبنا ونفرح بها.. نفرح كثيرًا ونطلب صلوات هذا القديس من أجلنا ومن أجل كنيستنا ومن أجل بلادنا، ونتذكر أيضًا علاقته القوية التى كانت مع الرئيس جمال عبد الناصر وكان لها أثرًا كبيرًا، ومن أهم آثارها بناء الكاتدرائية المرقسية فى القاهرة. نحن نشكر الله الذى أتى بنا لهذه الساعة المقدسة وأنه يوجد فى كنيستنا هذا القديس العظيم ونطلب صلواته وشفاعته من أجلنا جميعًا، لكى ما يرافق طريقنا ويكمل مسيرة حياتنا ويعطينا أن نعيش ونتمتع بصداقة القديسين، لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|