كان الناس يؤمنون بأن الزواج والجنس أمران مقدسان. والزواج في نظر الكاثوليكيين هو أحد الأسرار الكنسية، وهو سبيل النعمة، والتزام رسمي أمام الله يربطك مع شخص آخر مدى الحياة. والزواج مقدس إلى درجة أنه يعني الأمانة والوفاء، وفاء كامل، وإذا رزقكم الله بأولاد عن طريق الاتحاد الجنسي، فمن المفروض تربيتهم في ظل رابطة الحب المتبادل. ورابطة كهذه بين الأب والأم والولد تعني علاقة غير مشروطة من العطاء.
أما اليوم فالزواج هو أحسن بقليل من العقد التجاري. "لنجربه، وإذا سارت الأمور جيدا، فذلك حسن. أما إذا لم تَسِرْ كما يُرام، فيمكننا إنهائه." وإذا أخرجتَ الله تعالى عن الموضوع، فما هي حجتك التي تقدمها بشأن قدسية الزواج؟ ولو صادفك شيء أفضل أو شخص أفضل، فماذا بوسعك أن تقول؟ فبمجرد نسيانك لله، سيجري تدنيس كل ما هو مقدس؛ وسيتهاوى كل شيء.
فالقدسية تعني أن هناك أمور يجب أن تبقى مستورة. ونحن نستر أنفسنا لسببين: إما بسبب أمر قبيح، أو جميل. وهذه مفارقة. فلو أردتُ اقتراف أمر خبيث جدا، خبيث خبيث جدا، لفعلتُ ما في وسعي لأتأكد جيدا من أن لا أحد يراني. وإذا أمسكوني، فهناك احتمالان. إما سأستحي أو لن أستحي بعد. وأنت تتذكر ما يقوله النبي أرميا 8: 12: "هل يَستَحونَ إذا اقتَرَفوا رجسًا؟ كلاَ. لا يَستَحونَ ولا يَعرِفونَ الخجلَ..." نعم، فهم لا يستحون عندما يدعوهم الحياء إلى الخجل. وهذا أمر فظيع!
هناك الشعور بالعيب بسبب القباحة، وهناك نوع من العيب الذي يقودنا إلى الله. فخُذ الإنجيل مثلا. فيقول لنا السيد المسيح أن نغلق بابنا عندما نصلي. لماذا؟ لأن الصلاة هي سرّك – فهي أمر بينك وبين الله. فهي سرّك أنت. والمقصود من الجنس الذي يتَّسِم بعلاقة قلبية حميمة وشخصية أن يؤشر لنا إلى الله. لهذا السبب الزواج مقدس. فيجب إلا يُكشف النقاب عن الأُلْفَة الجنسية إلا في الزواج.
وهناك شيء آخر مقدس: الرجل والمرأة. فقد خلق الله الرجل والمرأة، الذكر والأنثى. ولكن من أكبر الأخطاء المرتكبة في مجتمعنا هي تنزيل مرتبة الرجل والمرأة وحصرها على صعيد الجانب البيولوجي الجسماني فقط، وبهذه الطريقة يجري نزع الحجاب الذي وضعه الله. وهي غلطة كارثية، وسأخبركم عن السبب. لأن الرجال والنساء مختلفون على الصعيد الديني والروحي والفكري والعاطفي والاجتماعي والبشري. ولأننا نختلف فسيكمّل بعضنا بعضا. ليت الناس يكتشفون هذا من جديد!
والصلة بين الرجل والمرأة مقدسة سواء أكانت ضمن نطاق الزواج أم خارجه. فتأملوا العلاقة الجميلة التي كانت بين القديس فرنسيس الأسيزي والقديسة كلير، وبين القديسة تيريزة الأفيلية والقديس يوحنا الصليبي، وبين الفونسس وسيليستا – فكانت كلها بذات الروعة دائما. فكل من الجنسين لديه ما يقدمه للآخر، وأن يتعلم من الآخر. أما إذا حصرتَ الشخص – مهما كان جنسه - على الصعيد البيولوجي الجسماني فقط فسوف تخسر شيئا متميزا جدا جدا.
فيمكن لحياتك كرجل أو كامرأة أن تكون رائعة جدا ومُثرية للآخرين. وما أحلى أن يكون لنا أصدقاء من الجنس الآخر. فنحن ننظر إلى الأمور من زوايا مختلفة. وبهذا يكمّل بعضنا بعضا. وفي رابطة الزواج يمكن لهذا التكامل أن يأخذ تعبيرا جنسيا كاملا. ولكن على المرء أن يتذكر أن الجنس محدود الإطار. فالـمُراد منه أن يجري تبادله بين رجل واحد وامرأة واحدة في زواج مقدس.
فلم يعد الناس يفهمون ما هو مقدس. فكل ما يهمهم هو ما يعطيهم شعور مريح. فقد تحوّرتْ نفوسهم بشكل بحيث أصبحت عمياء ولا ترى أسرار الحياة. وكما تعرفون، فإن الصقور لها نظر أقوى منا نحن البشر، ولكنها لا تتحسّس بالجمال. والكلاب لها حاسة سمع حادة أكثر من حاستنا نحن البشر، ولكنها لا تتأثر كثيرا ولا تنهمر دموعها عندما تستمع إلى كبار الموسيقيين مثل باخ وموزارت وبيتهوفن. فتلمح الصقور الحركات؛ وينتبه الكلاب إلى الأصوات، ولكنها لا تستطيع استيعاب ما هو مقدس في الحياة.
فقد خلقنا الله تعالى لنستوعب أكثر مما تفهمه حواسنا الجسمية، لأننا لدينا روح تفعمنا بالحيوية. فيجب علينا أن نرى العالم كما يراه الله، وعندما نقوم بهذا فسينفتح أمامنا عالم جديد، يشير لنا إلى عالم حقيقي؛ الذي خُلِقنا نحن لأجله.
وقد دِيسَتْ بالأقدام الروعة في أن يكون الإنسان رجلا أو أن يكون امرأة، وأيضا سرّ وقداسة الاتحاد الجنسي الصحيح الذي من خلاله ينعم الله علينا بحياة وليدة جديدة، بالإضافة إلى الحرمة الزوجية بحدّ ذاتها، والسبب في كل ذلك يعود إلى أننا نرفض أن نرى الأمور بمنظار إلهي. فقد قال السيد المسيح للمرأة السامرية عند البئر: "لو كُنتِ تَعرِفينَ عَطِيَّةَ اللهِ، ومَنْ هوَ الّذي يَقولُ لكِ أعطيني لأشرَبَ، لَطَلَبتِ أنتِ مِنهُ فأعطاكِ ماءَ الحياةِ." (يوحنا 4: 10) دعونا نصلّي ونصلّي ونصلّي لعلنا نكتشف كلنا من جديد السرّ المقدس للحياة.