الخميس ٢٣ اغسطس ٢٠١٢ - ٠٩: ١٠ ص +02:00 CEST
حجم الخط :
بقلم / حنان بديع ساويرس
- مُعظمنا يعلم من هى " الأم تريز" ولمن لا يعرفها ، فهى راهبة ألبانية الأصل من أسرة هاجرت إلى "يوغسلافيا" وقد درست التمريض فكانت مولعة بخدمة المرضى ، فخدمت بكالكتا "بالهند" وسافرت إلى بلاد عديدة لخدمة البشرية فأهتمت بالأطفال المُشردين والعَجَزة ، كما أهتمت بالمجذومين وأغاثت الكثيرين من الجوع والتشرد ، ولا سيما عندما سافرت الحبشة لمُساعدة المنكوبين حينئذ ، لذا أستحقت أن تَحصُل على جائزة نوبل للسلام عام 1979 فكانت رمزاً للعطاء ومن أهم أقوالها "مفروضٌ علينا أن نخدم الله حيث يدعونا. أمّا بالنسبة لي، فإنّني أشعر أني مدعوة لخدمة كل إنسان ولمحبته بطريقةٍ خاصةٍ به" .
- هذه هى الأم تريز رمز الرهبنة بالمسيحية فهى بريئة من "تريز" المُكرسة بمسلسل "أخت تريز" والتى لا تمت للرهبنة أوالتكريس أو المسيحية بأى صلة ، لكن ربما يكون لها علاقة بخيال مريض ومُتعصب من القائمين على العمل سواء من كتبه أو أخرجه أو من جسدوا الشخصيات به ولاسيما حنان ترك التى قامت بدور "تريز" وأختها المُسلمة فى نفس الوقت ، فقد صورت خديجة وهى أخت تريز المُسلمة بالإنسانة المُلتزمة كاملة الأوصاف وعلى النقيض تماماً" تريز" المُكرسة التى صورتها بمواصفات لا تليق بفتاة مسيحية عادية وليست بمُكرسة !!
ففى السنوات الآخيرة بدأ بعض صناع الدراما السينمائية والتليفزيونية يتناولوا فى أعمالهم "المواطن المصرى المسيحى" والذى كان يتم تجاهله تماماً فيما قبل ولا أنكر أن هذا شئ إيجابى وكُنا نتمناه، وكان الراحل "أسامة أنورعكاشة" أول من قدم فى أعماله "الشخصية المسيحية" بداية من مُسلسل "الشهد والدموع" ويليه مُسلسل ليالى الحلمية فى لمحة رائعة ووطنية منه بل فريدة من نوعها بعد تجَاهُل الدراما المصرية للأقباط سنوات طويلة، رغم أنهم جزء أصيل لايتجزأ من المُجتمع المصرى ، فأتذكر أن العمل الدرامى الوحيد فى هذا النحو كان الفيلم العربى الذى تم إنتاجه فى أربعينيات القرن الماضى " حسن ومرقس وكُوهين" وبعد أن بدأ أنورعكاشة فى تناول الجانب المسيحى فى أعماله ، إلا وقد وجدنا بعض الكُتاب ينجذبون لمثل هذه النوعية من الدراما ولكن للأسف تنطبق عليهم مقولة " سكت دهراً وتكلم كفراً" لأنهم بدلاً من أن يستخدموا الدراما فى إلقاء الضوءعلى مشاكل وقضايا الأقباط وما أكثرها ، وطرح حلول لمُعالجتها إلا ونجدهم يستخدمون الأقباط كمادة لتشويه وإنتقاد المسيحية وتحريض صغارالنفوس ضدهم وإثارة الفتن وتزييف الحقائق وجعل الجانَ مُجرم والمُجرم ضحية ، وإحداث بلبلة وتأليب الأقباط على الكنيسة والتمرد على تعاليم "الكتاب المُقدس" مثلما حدث فى موضوع الزواج الثانى والطلاق بالمسيحية فى محاولة لإستمالة أصحاب المشاكل الزوجية من الأقباط لأفكارهم المُغرضة المُمتلئة بالسموم وحثهم على الطلاق والتمرد على تعاليم الكتاب المُقدس ومن أمثال هذه الأعمال فيلمى " بحب السيما" و" واحد صفر" فلم يتورعوا فى تصوير الزوجة المسيحية بالخائنة ، أوإبراز الرجل المسيحى مُستسلم ومُستضعف أمام زوجته لأنه لا يستطيع تطليقها وإذلالها وقتما شاء وحينما أراد ، وكأن الطلاق سلاح للرجل يقهر ويهين ويذل به المرأة ، وطالما أنه لا يوجد طلاق بالمسيحية فيكون الرجل المسيحى من وجهة نظرهم ناقص الرجولة لأنه لا يوجد لديه سلاح "يكسر به زوجته" !! وهذا رغم أن المسيحية تمنع الطلاق على المرأة كما الرجل وهذا حسب الأمر الكتابى بأنه " لا طلاق إلا لعلة الزنا" ،بمعنى أنها لا تُعلى من شأن جنس على حساب الجنس الآخر ، فالكُتاب الذين يُروجون للطلاق بالمسيحية يتناسون أضراره ويضربون بها عرض الحائط من أجل تشويه أبرز وأجمل السمات بالمسيحية وهى "قُدسية الزواج" والذى شدد السيد المسيح على أن "ماجمعه الله لايُفرقه إنسان" فلا يُبالون بمساوئ الطلاق من تشريد للأطفال " ضحايا الطلاق" والذين نراهم بالشوارع وتحت الكبارى وبالمواصلات العامة يَستعطون ويتسولون تارة ويَسرقون ويقتلون تارة .
* فنجدهم مثلاً عند تناولهم لشخصية إمرأة مسيحية فإما أن يصوروها مُتزمتة كما بفيلم "الإرهابى" أو تُشهر إسلامها للزواج من مُسلم كما بمسلسل "آوان الورد" فى مُحاولة لترسيخ فكرة زواج المسيحية من المُسلم مع عدم مُراعاة شعور الأقباط عند تسليطهم الضوء على ما يُخالف عقيدتهم والتى تُحرم زواج المسيحى أو المسيحية من أشخاص لايدينون بالمسيحية لأنه يندرج حسب العقيدة المسيحية تحت حكم الزنا ، كما نجد على النقيض فى فيلم " حسن ومرقس" لعادل امام وعمر الشريف فلم ينهى المؤلف القصة بالنهاية السعيدة وهى تزويج الفتاة المُسلمة للشاب المسيحى الذى أحبته والتى تروق لهم لو كانت الفتاة مسيحية والشاب مُسلم !! ، وهذا أيضاً كنوع لترسيخ فكرة تحريم زواج مُسلمة من مسيحى ، ومع مُراعاة بعض الكُتاب أحياناً لمشاعرالأقباط نوعاً ما فيجعلون الفتاة التى تُشهر إسلامها " أجنبية" وليست مصرية مثل مسلسل " من الذى لا يحب فاطمة" و"لن أعيش فى جلباب أبى" أما بعض الكُتاب فإنتهجوا نهج آخر عند تصويرهم للرجل المسيحى فيصورونه مُصاب بداء البُخل أوالجبن والخنوع لتقويم فكرة الطلاق .
- وكل ما ذكرته عن تصوير الأقباط فى الدراما المصرية فى كفة وما حدث بالمُسلسلات الرمضانية هذا العام فى كفة آخرى سواء مسلسل "الخواجة عبد القادر" والذى أشهر فيه البطل إسلامه ليتزوج بفتاة مُسلمة أو مُسلسل " أخت تريز" وهو سيناريو وتأليف بلال فضل وهشام أبو المكارم وحمدى عبد الرحيم والذين قاموا بقلب الحقائق بقدرة قادر!! فالمسلسل يتناول العلاقة بين الأقباط والمُسلمين من خلال فتاتين توأم أفترقتا وهما رضيعتين ، خديجة عاشت مع أسرة مُسلمة و"تريز المُكرسة" تربت مع أسرة مسيحية ، والمُكرسات هُن مَن يَنذِرنَ أنفسهن لله " لايتزوجن" بل تُكرسن أنفسهن للصلاة والعبادة والخدمات الروحية كالإرشاد الروحى والخدمات الإجتماعية كخدمة الأرامل والأيتام وما شابه ذلك ، ومُعظمهن هادئات الطباع وليست كحنان ترك بالمسلسل والتى طغت شخصيتها الحقيقية على الدور فلم تستطع فصل صفاتها الشخصية عن دور"تريز" التى بذلت كل جهودها فى أن تجعل من هذه المُكرسة شخصية عصبية مُتعصبة شتامة وكثيرة الحلفان وهذا بعكس أخلاقيات الراهبات والمُكرسات واللاتى يخضعن لإختبارات صعبة لشهور طويلة حتى يتم قبولهن كراهبات ومُكرسات ، وحتى لو شذت القاعدة وأتى لنا الزمان بمثل هذه المُكرسة فلن تسمح الكنيسة بإستمرارها ولن تكون أبداً رمزاً أو نموذجاً للراهبات أوالمُكرسات حتى يستند لها كاتب السيناريو ولى هنا بعض التعليقات على بعض النقاط فى هذا المُسلسل .
- لاحظنا أنهم يصورون مشهد الصلاة بُمصاحبة الموسيقى وهذا خيال مِن مَن ليس له حتى مَوهبة التَخَيُل ، فالصلاة المسيحية تكون فى هدوء وخشوع وبدون موسيقى ، فهناك خلط بين " الترانيم" والصلاة وهذا لأن المؤلف لم يُكلف نفسه وسعاً فى البحث والسؤال عن طقوس الصلاة المسيحية لذا ظهرالمشهد هزلياً ويتسم بالجهل والعشوائية .
- مُعاملة المُكرسة " تريز" للناس بعصبية مُفرطة وإهانة حتى كبار السن منهم والتلفُظ بألفاظ تندرج تحت بند الشتائم والسباب وهذا بخلاف علو صوتها فى الكنيسة " بيت الله" والذى له وقاره وإحترامه ،وتحدثها مع الكاهن بشكل غير لائق وبصوت مُرتفع وقد أمرنا السيد المسيح قائلاً " كونوا بسطاء كالحمام" وأيضاً " كثيرة القَسَم " وقد قال أيضاً السيد المسيح "لا تحلفوا البتة بل يكن كلامكم نعم ، نعم ،لا ، لا وما زاد عن ذلك فهو من الشرير" فكيف تكون راهبة أو مُكرسة بهذه المواصفات وهى من المفروض أن تكون قدوة ورمزاً للطاعة والهدوء والعطاء ً .
- تظهر المُكرسة فى أحد المشاهد وأمامها مجموعة من الفتيات وتتعامل معهم كأنها " الست الناظرة " وهن الطالبات فتصرخ فى وجوههن قائلة لهم عبارة مُستفزة وهى تُعلق على ملبسهن والذى يظهر بالمشهد مُحتشم وغير شاذ أوعارى قائلة لهن"ألبسوا ملابس مُحتشمة ولا أنتم عايزين المُسلمين يعايرونا" وهذا ما أدهشنى لأن الملابس عادية كملابس كل المصريات مُنذ عشرات السنوات وقبل إنتشار الحجاب بمصر بل كالملابس التى ترتديها مُعظم المصريات المُحجبات والفارق الوحيد هوعدم وجود غطاء للرأس ، فلا أدرى لماذا هذا التجاوز والتعليق المُثير للفتن عن ملابس المسيحيات وكأنهن يسرنَ عاريات لدرجة تخوفها من مُعايرة المُسلمين بسببهن على حد تعبيرها فهل هذا لنشر ثقافة الضغط على المسيحيات ليرتدين الحجاب؟!
- بدت " المٌكرسة" المدعوة بالأخت تريز مُتعصبة وتطلب من شخص مسيحى أن يقوم بطرد عامل مُسلم يعمل لديه وإستبداله بشخص مسيحى من طرفها وهنا لى مليون علامة تعحب!!!!وهذا لأن الراهبات فى عمل الخير لا يفرقون بين إنسان وآخر لأى سبب ويشهد على ذلك الكثير من المُسلمين الذين تربوا وتعلموا على أيدى الراهبات "بمدارس الراهبات " والنموذج الحى الذى يعرفه العالم أجمع هو "الأم تريز" الشهيرة بالأعمال الخيرية دون النظر لديانة من تفعل معه الخير .
- أما الفكرة الذى يريد الكاتب إبرازها وهو أن الأقباط مُتعصبون ولا يُريدون أن يعمل المُسلمين لديهم ، فهذا محض إفتراء فى محاولة من الكاتب لقلب الحقائق وما يحدث من بعض أصحاب الأعمال من المُسلمين يُريد إلصاقه بالأقباط ، والدليل على ذلك أن مُعظم من يعملون بالمحال التجارية والشركات والمصانع التى يمتلكها رجال الأعمال الأقباط هم من المُسلمون وعلى العكس يتم غلق باب التوظيف فى وجه الأقباط بشركات المُسلمون ، ولا يتورع البعض فى أن يكتب لافتة على واجهة المحل أو الشركة " لا يوجد وظائف خالية للأقباط" كما حدث بأحد مطاعم شبرا الشهيرة فلم يستحى صاحبها أو يُراعِ مشاعر الأقباط بالحى رغم أن مُعظم رواد مطاعمه منهم !!!
- كما ترددت عبارات فى هذا المُسلسل تُخالف الواقع فمثلاً قيلت جُملة على لسان من يقوم بدور كاهن بالمسلسل وهى" لو جالك مُسلم وطلب منك كوباية ميه ، متدهوش" فواضح أن كاتب المُسلسل يصف لنا حديث لأحد شيوخ الزوايا أو أحد خُطباء الجُمعه الذين يُحرضون على الأقباط وحث المُصلين على عدم التعامل معهم لكن تعصبه الشديد وعدم أمانته المهنية جعله ينسب هذا الكلام لكاهن بدلاً من نسبها لأربابها الحقيقيون ، فلا يستطع أى مسيحى عادى وليس كاهن أن يُعلم بما يُخالف تعاليم الإنجيل والذى يقول "من سألك فأعطيه" ، ويقول أيضاً "من سقى هؤلاء الأصاغر كوب ماء بارد بأسمى لا يضيع أجره "
- العبارة الثانية وهى مقولة " كل ما يتبنى جامع يأتى المسيحيين ويزرعوا أمامه كنيسة" وهذا عكس مايحدث تماماً لأنه ببساطة كلما بُنيت كنيسة "يُبنى أمامها مسجد"، وهذا ملحوظ فى العقدين الآخيرين بمصر فمعروف للقاسى والدانى أنه ما أن بُنيت كنيسة إلا ونجد أمامها مسجد بعد عدة أيام ، وبناء مسجد أمام كنيسة لا يحدث أمام الكنائس حديثة البناء فقط فحسب بل أمام حتى الأثرى منها أو القائم منها مُنذ عشرات السنون فنرى كيف يتم إختلاق أرض أمامها أو بجوارها لبناء مسجد يفوق مساحتها عشرات المرات ، وكأنها عملية سباق !! فيتم هدم المنازل المُجاورة للكنيسة وتحويلها على الفور لمسجد وكأن مصر ضاقت ولا يوجد بها أماكن سوى حول الكنائس، والدليل على ذلك هو أن القاهرة أطلقوا عليها منذ أكثرمن عشرون عاماً بأنها صاحبة الألف "مأذنة" وليست صاحبة الألف "منارة"!! أعتقد أنها الآن أصبحت صاحبة المائة ألف مأذنة وهذا لا يُزعجنا كأقباط فتجاورالمسجد للكنيسة يُشبه تجاور المُسلمين بالأقباط فى كل منزل وكل شارع بمصر، لكن مايزعجنا هوتزييف وقلب الحقائق من الكاتب فى أمور لا يختلف عليها أثنان بمصر، فكيف يصح كلامه والسلطات فى هذا البلد دائماً وأبداً تنحاز لكل ما هو مسلم ضد كل ما هو مسيحى وهذا بسبب إقصاء الأقباط من المناصب الحيوية بالدولة والذى يجعل مُعظم المسؤولون فى حالة من التعصب والتعسف الدائم ضدهم والعمل الدائم على عرقلة بناء الكنائس وكأننا نستعطى أونستجدى فى بلدنا ،وكيف يكون هذا حقاً والأقباط يصرخون مُنذ عقود بدأت من عهد السادات مروراً بمبارك وحتى يومنا هذا من أجل عمل قانون موحد لبناء دور العبادة حتى يستطيعوا بناء الكنائس بدون تحرشات ومضايقات وهجمات بربرية لحرق وهدم القائم منها أومنع بناء الجديد ، فكيف يكون هذا حقاً والأقباط لا يستطيعوا حتى ترميم دورات المياه بأى كنيسة لو لزم الأمر بذلك وليست زرع كنيسة أمام كل مسجد !!
- ولم يكلف المؤلف نفسه عناء البحث والتنقيب عن الألفاظ التى تُستخدم فى المسيحية ولاسيما أثناء الصلاة وكأن المؤلف من كوكب المريخ ولم يعرف أن هناك إختلاف فى الألفاظ المُستخدمة فى الصلاة المسيحية عنها فى الصلاة الإسلامية ، فمثلاً بدلاً من ان يستخدم لفظ فى "أحضان القديسين" أستبدله بلفظ إسلامى " الأولياء الصالحين" ونقيس على ذلك عبارات كثيرة لا تمت لصلوات المسيحيين بأى صلة ، وهكذا كما إعتدنا فى الأعمال الدرامية التى تصور الجانب القبطى فلا يوجد حيادية سواء من كُتاب القصة أو من جسدوها وإلى اللقاء مع مسلسل جديد أكثر إثارة وإستفزاز ، فليس فى الإمكان أبدع مما كان .