رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
زقيال النبى - شخصيات الكتاب المقدس " فجئت إلى المسبيين عند تل أبيب الساكنين عند نهر خابور وحيث سكنوا هناك سكنت " " حز 3 : 15 " مقدمة كان فرانك جانسيليوس ، راعياً لإحدى الكنائس الكبرى فى مدينة شيكاغو ، وفى يوم أحد وهو يستعد للخدمة ، إنسابت الدموع من عينيه ، وهو يطل على حى الفقراء البائسين فى المدينة ، وقد بدت بيوتهم أكواخاً تنبئ عن الفقر العميق والبؤس المضنى ، ونسى والدموع الغزيرة تهطل منه ، أنه يتأهب للخدمة ، ودخل عليه فى تلك اللحظة شماس الكنيسة ، وقد روعه المنظر ، فقال له : إن الساعة الآن قد تجاوزت الحادية عشر يا سيدى ، وهو الوقت الذى يلزم أن تصعد فيه إلى المنبر..، وقال الراعى : أشكرك لأنك نبهتنى إلى ذلك ، وقد كدت أنساه !! ؟ . وقال له الشماس : ولكن لماذا تبكى ؟ ، ... فقال الراعى العطوف : لقد جلست أنظر إلِى هذه الأكواخ ، وما من شك أن حياة من فيها ، مخيفة ومفزعة ، ... فقال الشماس : نعم هذه حقيقة قاسية ، ولكن هون عليك الأمر ، فبعد فترة من الزمن ستعتاد هذا المنظر !! .. وقال الراعى بألم وحزن : وهذا هو ما يدعونى إلى البكاء .. !! . عندما ذهب حزقيال إلى المسبيين فى تل أبيب ، عند نهر خابور ، جلس بينهم صامتاً متحيراً سبعة أيام ، كما صمت أصدقاء أيوب ، وهم يتطلعون إلى نكبته المهولة ، ... وهناك عاش حياتهم المعذبة ، وأدرك رسالته فى السبى ، لقد وقعت هذه الرسالة ، من الوجهة الزمنية بين إرميا ودانيال ، ... وكانت من الواجهة النفسية والروحية ، فى قلب المأساة وصميمها !! وكان هذا صليب الرجل ، حتى جاء المسيح ينادى كل واحد أن يحمل صليبه ، ويتبعه ، .. حمل حزقيال صليبه القاسى ، كأشجع وأنبل ما يكون ، يسير فى طريق الأشواك والآلام فى الأرض !! .. وأضحى مثلا رائعاً للراعى الذى ينحنى على آلام شعبه وتعاساتهم ويحملها معهم ويرفع أمامهم مصباح النور والرجاء فى أحلك لياليهم !! .. هل لنا كرعاة ومؤمنين أن نتعلم درساً رفيعاً من المعونة والموآساة ، فى قصة الرجل المسبى القديم ؟ حزقيال ومن هو !! ؟ الاسم حزقيال معناه « الرب يقوى » ، وقد كان كاهناً من سبط لاوى ، ويعد من أعظم الأنبياء الذين ظهروا فى العهد القديم ، وقد دعى للنبوة فى السنة الثلاثين ، ويعتقد البعض أن هذا التاريخ إشارة إلى السنة التى قام فيها نبو بولاصر بتحرير بابل من سلطان آشور ، أى أنها محسوبة من تاريخ تحرير بابل .. وإن كان آخرون يعتقدون أنها السنة الثلاثون من حياته ، باعتبار أن الكاهن يبدأ عمله فى الثلاثين من عمره ، وعلى أية حال ، فمن المرجح أنه بدأ النبوة عام 395 ق.م. إذ أنه كان واحداً من المسبيين الذين سبوا مع الملك يهوياكين عام 895 ق . م. وربما كان فى الخامسة والعشرين من عمره فى ذلك الوقت ، ... ولعله من اللازم أن نشير إلى الأحداث التى أحاطت به فى ذلك التاريخ ، وهذا يقتضينا العودة إلى الوراء قليلا إلى أيام يهوياقيم الملك الذى عمل الشر فى عينى الرب ، فأنهض عليه نبوخذ ناصر ملك بابل ، الذى استعبده ثلاث سنوات ، وإذ حاول التمرد أرسل إليه الغزاة التابعين له لتحطيمه وإذلاله،... فمات وملك ابنه يهوياكين عوضاً عنه ، وسار فى طريق الشر كما سار أبوه، غير أنه لم يبق فى ملكه أكثر من ثلاثة أشهر ، إذ صعد نبوخذ ناصر إلى أورشليم، وسبى الملك ، ومعه حزقيال ، وأفضل الناس فى الأمة ، وكان فى ذلك الوقت يبنى بابل ، ويسخر فى بنائها أفضل الصناع والعمال ، .. وقد بقى يهوياكين سجيناً ستة وثلاثين عاماً طوال حكم نبوخذ ناصر ، حتى جاء أويل مرودخ فأخرجه من السجن وكلمه بخير وجعل كرسيه فوق كراسى الملوك الذين معه فى بابل ... ووفى خلال هذه الفترة تمرد الملك صدقيا على نبوخذ ناصر ، فعاد إلى أورشليم وخربها ودمر الهيكل ، بعد أحد عشر عاماً من غزوها السابق حوالى 587 ق.م. . ولعله من الازم أن نعرف أن حزقيال ، وإن كان قد ذهب إلى السبى ، لكن رسالته ونبوته كانت لإسرائيل كله ، والشطر الأول من النبوة يتجه فى أغلبه ، حتى الأصحاح الرابع والعشرين ، إلى التهديد والوعيد ، قبل أن تدمر أورشليم والهيكل التدمير الرهيب وتأتى أفواج أخرى من المسبيين إلى بابل ، واتسمت النبوة فى الشطر الثانى ، إلى آخر الأصحاح الثامن والأربعين ، بالرجاء والأمل لشعب مسحوق ، طحنه الغزو ، وسيبقى فى أسره المدة سبعين سنة كاملة ، وأغلب الظن أن حزقيال عاش النصف الأول من هذه المدة ، كالراعى الذى يخدم بين البؤساء والمطحونين والمعذبين ، بما تحفل به حياتهم من الضياع والقسوة واللامبالاة والأنانية وفقدان الرؤية والانتهازية واليأس ، فإذا جاز لنا أن نتصور الشعوب المغلوبة على أمرها فى أعقاب الحروب ، وقد قسا عليها الاستعباد والجوع والعرى والحاجة والألم والتشـــــريد ، فلنا أن نتصور حزقيال بين المسبيين ، ورسالته بينهم !! ... كان ولا شك ، محباً عظيماً لشعبه ومواطنيه وبلاده ، وكانت آلامهم آلامه ، وعذاباتهم تملأ قلبه ومشاعره ، وكان صورة للراعى المحب الذى قال له الرب : « يا ابن آدم ها أنذا آخذ عنك شهوة عينيك بضربة فلا تنح ولا تبك ولا تنزل دموعك، تنهد ساكناً . لا تعمل مناحة على أموات . لف عصابتك عليك واجعل نعليك فى رجليك ولا تغط شاربيك ولا تأكل من خبز الناس . فكلمت الشعب صباحاً وماتت زوجتى مساء . وفعلت فى الغد كما أمرت » " حز 24 : 15 - 18 "... كانت وفاة زوجته الفجائية آية ومثلا لبنى إسرائيل ، وإذ توفيت ، ذهب إلى رسالته بقلب مكسور ، ولكن بغرض غير مكسور ، ... كان أشبه من هذا الجانب بوليم الصامت الذى لا يتكلم ، ولكنه أحب هولندا وآلامها حباً يفوق الوصف ، وجاء عنه : « لقد سار فى الحياة يحمل آلام شعبه على كتفيه بوجه مبتسم ، كان اسمهم آخر ما تردد على شفتيه ، وقد أسلم نفسه ، فى ضجعة الموت فى يقين الجندى الذي عاش من أجل البر طوال حياته ، بين يدى قائده الأعظم المسيح ، وكان الشعب متحمساً ووفياً له إذ وثق به ودعاه الأب وليم ، ولم تستطع كل غيوم الدسائس التى تجمعت ، أن تطفىء من عيونهم بريق الثقة فى عقله الرفيع ، إذ كانوا يتطلعون إليه فى أحلك المآسى والليالى ، ولقد كان طوال حياته النجم الهادى لأمة شجاعة ، وعندما مات كان الأطفال يصرخون فى الشوارع » ... على أن حزقيال لم ينس قط أن السبى لشعبه وأمته جاء نتيجة الشر والخطية ، وقد ظهرت هذه الخطية واضحة فى حياة المسبيين ، التى امتلأت بالشرور ، كما أشرنا ، أو كما وصفهم اللّه له ، قائلا : « يا ابن آدم إنا مرسلك إلى بنى إسرائيل إلى إمة متمردة قد تمردت علىّ . هم وآباؤهم عصوا على إلى ذات هذا اليوم والبنون القساة الوجوه والصلاب القلوب أنا مرسلك إليهم ... لأنهم قريس وسلاء لديك وأنت ساكن بين العقارب . من كلامهم لا تخف ومن وجوهم لا ترتعب لأنهم بيت متمرد » " حز 2 : 3 و 4 و 6 " وما أقسى أن يخدم إنسان بين جماعات القريس ، والسلاء ، والعقارب ، فالقريس هو ذلك العشب البرى الخشن الذى ينبت مكان الأزهار والأشجار المثمرة ، أو هو الحقل المجدب الذى لا ثمر فيه أو إنتاج ... وهو ، أكثر من ذلك ، الحقل الممتلئ بالأشواك ، .« والسلاء » الحقل الذى لا يصلح فيه الكفاح العادى بل يحتاج إلى المزيد من الجهد والعرق والتعب ، ... وإلى جانب هذا كله هو الحقل المؤذى « وأنت ساكن بين العقارب » وهنا الخطر ، بل الطامة الكبرى ... ويمكن أن نتصور هذا كله فى كنيسة ما ، تمتلئ بالقريس أو بمن لا يعملون ، وإذا كان لهم من عمل فهم سلاء لا هم لهم إلا زرع الأشواك والمتاعب ، ويتحولون مع الأيام ، يدرون أو لا يدرون ، إلى عقارب تلذع وتضر !! . كان حزقيال محباً عظيماً ، لكنه فى الوقت نفسه ، مع جماعات كهذه الجماعات ، لم يكن قصبة تهزها الريح ، بل كان صلباً فولاذياً يواجه صلابتهم وشدتهم ، ولا شبهة فى أنه كان يملك إرادة جديدية ، وشجاعة خارقة لا تنحنى أو تنثنى ، وقد صنعه اللّّه هكذا : « ها أنذا قد جعلت وجهك صلباً مثل وجوههم ، وجبهتك صلبة مثل جباههم . قد جعلتك جبهتك كالماس أصلب من الصوان فلا تخفهم ولا ترتعب من وجوههم لأنهم بيت متمرد » " حز 3 : 8 و 9 " .. وكان حزقيال أيضاً بليغاً فصيح البيان ، ومع أن رسالته كانت فى مطلعها كالسوط اللاذع ، إلا أنها بعد دمار أورشليم ، اتسمت بالرجاء والأمل ، واكتسبت حلاوة وجاذبية ، أسرت آذان السامعين، وإن كانت أبعد من أن تمتلك قلوبهم التى شغلت بحب المكسب ، شأن اليهود إلى اليوم فى العالم كله : « ويأتون إليك كما يأتى الشعب ويجلسون أمامك كشعبى ويسمعون كلامك ولا يعملون به لأنهم بأفواههم يظهرون أشواقاً وقلبهم ذاهب وراء كسبهم . وها إنت لهم كشعر أشواق الجميل الصوت يحسن العزف فيسمعون كلامك ولا يعملون به . وإذا جاء هذا . لأنه يأتى . فيعلمون أن نبياً كان فى وسطهم » " حز 33 : 31 - 33 " !! .. ومن الواضح أن حزقيال أيضاً كان الرجل الواسع الخيال ، القادر على استخدام المجاز والرموز والأمثال فى تأدية رسالته ، وقد وصفه جورج ماثيسون قائلا : « لكى تفهم إنساناً ، إعرف مثله العليا بين الناس » . وقد كان أبطال حزقيال فى نظره نوحا وأيوب ودانيال وهؤلاء الثلاثة فقدوا عالمهم ، ولكن نوحاً أوجد عالماً جديداً ، ورأى أيوب اللّه فى العاصفة ، وصنع دانيال أشياء عظيمة لمواطنيه فى مكانه الجديد ... وكان حزقيال مسبيا ولكنه فى السبى كان قوة هائلة رافعة لمواطنيه المسبيين !! .. كان حزقيال رائياً عظيماً ، والحاجة ماسة لرجال الرؤى فى أوقات الظلام ، إذ أنهم يستطيعون اختراق الحجب ، واكتشاف مالا يستطاع اكتشافه ، وقد استطاع حزقيال تقوية موطنيه ببعث روح الرجاء والأمل فيهم ... كان الرجل قريباً من اللّه ، وكانت عليه يد الرب ، وقد أسمعه الرب ما لم يستطيع غيره أن يسمعه ، إذ أن أذنه كانت أرهف وأرق وأقوى سمعاً وقد كشف له الرب ما لم تستطع عيون الآخرين رؤياه ، ومثل هؤلاء الرجال قوة هائلة فى لحظات المحن والمآسى والدموع . كان حزقيال فى جوهر رسالته رقيب الأمة ومرشدها ، وكان لباب حديثه على الدوام: التوبة : « من أجل ذلك أقضى عليكم يا بيت إسرائيل كل واحد كطرقه يقول السيد الرب . توبوا وارجعو عن كل معاصيكم ولا يكون لكم الإثم مهلكة . إطرحوا عنكم كل معاصيكم التى عصيتم بها ، واعملوا لأنفسكم قلباً جديداً وروحاً جديدة ، فلماذا تموتون يابيت إسرائىل ؟ لأنى لا أسر بموت من يموت يقول السيد الرب . فارجعوا واحيوا » "حز 18 : 30 – 32 " . حزقيال والفكر اللاهوتى فى سفره ومع أنه ليس من السهل الإلمام بسفر حزقيال فى سرعة وعجالة ، إلا أنه يحسن أن نمر بأهم أصحاحاته مروراً سريعاً ، والسفر على الأغلب ينقسم إلى جزءين : أولهما قبل خراب أورشليم وتدميرها ، والثانى بعد هذا الخراب ، وكان القصد من الجزء الأول كشف الخطية ، والتنبيه إلى عقابها الرهيب ، وإذا لم يتب الشعب ويرجع إلى اللّه،... ولما لم تحدث التوبة ، ووقعت الواقعة الرهيبة ، وسوى نبوخذ ناصر أورشليم بالأرض التى أقيمت عليها ، وحولها إلى أنقاض وخرائب ، ودمر الهيكل تدميراً تاماً ، إذل الشعب إذلالا رهيباً ، وعلق المسبيون أعوادهم على الصفصاف فى بابل ، وانقطع بينهم شدو الأغنية ، واستبد بهم الحزن واليأس العميق ، كان على حزقيال ، كما سنرى، ان يخرجهم من بالوعة اليأس التى طوتهم ، ويقيمهم على أقدامهم ليتطلعوا ، فى أعماق الليلى ، إلى النجم الذى يلمع بالرجاء فى وسط ماسيهم وأحزانهم !! ... وكان حزقيال - كما أسلفنا الإشارة رائياً عظيماً ، وها نحن نرى روأه فيما يلى : حزقيال والرؤى الأولى كان الدرس الأول الذى يحتاجه حزقيال والشعب ، أن يدركو ا أن الله يسود ويحكم ، وأنه ليس موجوداً فحسب فى أورشليم وإسرائيل ، بل أنه أيضاً فى بابل وتل أبيب ونهر خابور ، حيث يعيش المسبيون وكان لابد أن يظهر مجد اللّه بصورة جليلة ورهيبة فى أرض الضيق والشدة والتعب والمعاناة ، وظهر الكروبين كإعلان عن هذا المجد الإلهى العظيم !! ... والسؤال : من هم هؤلاء الكروبيم المرموز إليهم فى الكتاب بالخلائق الحية ذوى الوجوه الأربعة ، وجوه الإنسان والأسد والثور والنسر ؟؟ وقد اختلفت الأراء حولهم كثيراً ، ... فهناك من ذهب إلى أنهم يمثلون الحكمة الإلهية والقوة والعلم والخليقة ، ... وآخرون أنه المسيح المتجسد كما هو مصور فى الأناجيل الأربعة .. ، فمتى يشير إليه فى صورة الأسد ، ومرقس فى صورة الذبيحة الممثلة فى الثور ، ولوقا فى صورة المتجسد الممثل فى الإنسان ، ويوحنا فى صورة اللاهوت الممثل فى النسر، ومن الآخذين بهذا الرأى أوغسطينس ، وجيروم ، وأثناسيوس ، وايرانيوس ، وغريغوريوس ، وأمبروز ، ووردثورث ، ... ووجد من قال إنهم إشارة إلى كنيسة العهد القديم والجديد ، ... ووجد من اعتقد إنهم أعلى طبقة من الملاائكة ، ... ومن الواضح أن الصورة التى رآها حزقيال كانت مهيبة ورهيبة وجليلة ، وتعلن على أية حال مجد اللّه العظيم ، ... وإذا كان محرماً على اليهودى أن يرى اللّه أو يتصوره فى صورة منظورة ، لئلا يحولها تمثالا أو نصباً يتعبد له ، ومن ثم جاءت الوصية : « لا تصنع لك تمثالا منحوتاً ولا صورة ما مما فى السماء من فوق وما فى الأرض من تحت وما فى الماء من تحت الأرض » " خر 19 : 4 " فإنه على هذا الأساس جاءت رؤيا حزقيال رهيبة وعظيمة ولا يسهل وضعها فى صورة نصب أو تمثال ، وهى رؤيا ، إن تحدث ، فإنها تتحدث عن غير المنظور الذى تنفتح عنه السماء ، وفى الحقيقة أن غير المنظور هو دائماً الأقوى والأعلى والأسمى ، وأن المنظور هو الأبسط والأصغر والأضأل ، والعالم كله يكتشف يوماً وراءه يوم ما لم يكن يدور بخلده ، فالقوى المغناطيسية ، ونواميس الجاذبية ، والكهربائية ، هى قوى غير منظورة فى الأساس لكنها تتحكم فى الكون ، ... وخلفها علة العلل ، اللّه غير المنظور فى الأرض، وهو سر الوجود ، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته ، ... والكروبيم المحاط بالعاصفة والريح والنار والسحابة وقوس قزح إعلان عن قدرة اللّه وعنايته المسيطرة على كل شئ ، بالحكمة التى تظهر فى وجه الإنسان ، والقوة التى تبدو فى وجه الأسد ، والإحتمال الذى يرمز إليه وجه الثور ، والإرتفاع الذى يشير إليه النسر ، ... وهما قدرة وعناية مسيطرتان لا تخضعان قط لمشورة إنسان أو رأيه أو اعتراضه إذ هما أعلى منها جميعاً ، ومصير المسبين وغير المسبيين بيدهما العلوية . ... وقد وصفت هذه الرؤيا فى الأصحاح الأول من السفر ، ... ولحق بها فى الأصحاح الثانى والثالث ، رؤيا الدرج الذى أكله ، وصار فى فمه حلواً كالعسل !! .. « وقال لى يا ابن آدم أطعم بطنك وأملأ جوفك من هذا الدرج الذى أنا معطيه . فأكلته ، فصار فى فمى كالعسل حلاوة » " حز 3 : 3 " على أنه يبدو أنه تحول إلى مرارة كما فى " رؤ 10 : 3 " إذ جاء القول : « فحملنى الروح وأخذنى فذهبت مرا فى حرارة روحى ويد الرب كانت شديدة على " حز 3 : 14 "... والدرج يشير إلى كلمة اللّه المرسلة إلى إسرائيل ، وكان على حزقيال أن يبلغ هذه الرسالة للشعب ، فما هى الكلمة بالنسبة له ، أو بالنسبة لأى متكلم بها أرسله اللّه هادياً وبشيراً ونذيراً ، ... إن الكلمة كما أسلفنا الحديث فيما سبق من شخصيات ، ليست مجرد ألفاظ أو عبارات ينطق بها المتكلم ، بل هى الحق الإلهى مضاف إلى الواعظ نفسه ، الذى أكل الكلمة فأضحت جزءاً من كيانه ، فهو إذ يتكلم ، إنما يتكلم محمولا بروحه وكيانه وشخصه ، وقد اندمج فى الكلمة ، واندمجت الكلمة فيه ، ... وقد كانت الكلمة عند حزقيال ، كما هى عند أى واعظ إلهى ينادى بها ، أمينة نقية صادقة قوية ، ولذا تصبح كالعسل فى حلاوتها . .. على أنها وهى كلمة مخيفة تحمل الدينونة للشعب والعقاب الرهيب ، أضحت مريرة على نفسه ، قاسية وشديدة فى نتائجها ، لمن يرفضها أو يقبل الاتعاظ بها ، ... ومن ثم يحتاج المنادى بها إلى الشجاعة والصلابة : « قد جعلت جبهتك كالماس أصلب من الصوان فلا تخفهم ولا ترتعب من وجوههم لأنهم بيت متمرد » .. " حز 3 : 9 " .. كانت رسالة حزقيال رسالة الرقيب : « يا ابن آدم قد جعلتك رقيباً لبيت إسرائيــل » " حز 3 : 17 " ... والرقيب هو الإنسان الذى يقف على المرصد فى أعلى الحصن يراقب الأفق ، ويرى الخطر المقترب ، ويحذر منه وواجبه واضح ، فإذا نام الجندى فى نوبة حراسته ، فالموت مصيره دون أدنى شفقة ، ... أما إذا أدى واجبه ، فقد تجاوزته المسئولية ، مهما كانت النتائج التى تحدث ، ... وهذه رسالة الخادم الذى عليه أن يسهر لتأديتها ليلا ونهاراً ، ولا يكــــــف عن التنبيه والتحــــذير والزجر !! .. وقد صور حزقيال حصار مدينة أورشليم فى صورة نموذجية أمامه ، وأقام حولها البرج والمترسة والجيوش والمجانق ، والصاج والسور الحديدى ، نموذجاً مصغراً لما فعله نبوخذ ناصر ، عندما حاصرها ودخلها مدمراً إياها ، كما كان عليه أن ينام على جنبه الأيسر ثلاثمائة وتسعين يوماً ، ثم أربعين يوماً على جنبه الأيمن ، يوماً عن كل سنة قضاها إسرائيل فى الإثم والفساد ، وعلى الأغلب من أيام بربعام وعجول الذهب ، منذ ثلاثمائة وتسعين سنة وأربعين عاماً قضاها يهوذا فى الارتداد الشامل قبل خراب أورشليم . وليس معنى النوم على الجانب الأيسر أو الأيمن إنه لم يكن يتحرك إطلاقاً من على جنبه طوال هذه المدة ، لكنها كانت عادته اليومية المنتظمة التى لوحظ عليها من الجميع ، كان عليه أن يكون آية ، الأمر الذى فعله سمعان الخراز ، والذى جلس على عمود ثلاثين عاماً قرب إنطاكية يعظ الناس الذين يفدون لكى يروه ، وهو يحتج بجلوسه هذا على شرورهم وعالميتهم ، ... وكان على حزقيال أن يصور مجاعة المدينة فى حصارها ، بالطعام القليل الموزون بالميزان والذى يتعين عليه أن يأكله ، ... كما أنه حلق رأسه ولحيته ، وأحرق ثلث شعره المحلوق ، رمزاً للذين سيحرقون أو يموتون بالمجاعة والوباء داخل المدينة ، والثلث الثانى ضربه بالسيف رمزاً للثلث الذى سيمون قتلا بالسيف ، والثلث الثالث الذى سيسبى ويشرد فى كل مكان ... وفى الأصحاح الثامن سفره ، يؤخذ بالروح فى الرؤيا إلى مدينة أورشليم ، ليبصر الوثنية البشعة التى انتهى إليها شيوخ إسرائيل ، وفى التاسع يرى اللّه يميز بين من يعبد اللّه ومن لا يعبده ، ليقضى على الأشرار والفساد بصورة رهيبة . وفى الثانى عشر يبدو كما لو أنه يتأهب للجلاء ، إعلاناً ورمزاً لذهابهم إلى السبى ، وفى الثامن عشر يقضى على حجة المشتكين بأن آباءهم أكلوا الحصرم ، وأسنانهم هم التى ضرست ، وبين أن عقوبة كل إنسان تأتى نتيجة أفعاله هو !!... وفى الرابع والعشرين ماتت زوجته بضربة مفاجئة وكان عليه أن يحزن حزناً عميقاً وقلبياً ، رمزاً للضربة التى ستترك إسرائيل فى حزن يحل عن الوصف أو التعبير !! حزقيال والرؤى الأخيرة كانت الرؤى الأخيرة لحزقيال ، بعد خراب أورشليم ، تختلف عن الأولى اختلاف الوقاية عن العلاج ، ... كان هدف حزقيال فى الرؤى الأولى أن يقف فى طريق الكارثة ، محذراً الشعب من السقوط فى الهاوية ، حتى ولو فى اللحظات الأخيرة من النهار ، ولكن الشعب لم يسمع ، وسقطت المدينة المحبوبة ، ودمرت تدميراً رهيباً ، وأخذ المسبيون بأعداد كبيرة مرة أخرى إلى بابل ، وقد بلغوا هناك من اليأس ما أحسوا معه ، بأن الظلمة قد بلغت منتهاها ، وأن ليلهم الطويل لن يكون له آخر ، ... وقد تنبأ إرميا بأن مدة السبى ستكون سبعين عاماً ، وكان على حزقيال أن يومض أمام المسبيين بالرجاء ، وكان عليه أن يكشف لهم عن شعاعات من النور خلف الليل البهيم ، ولعل هذا هو الذى جعلهم يذهبون إليه ، كلما عانوا من التعب والمشقة واليأس ، وبدا لهم كشعر أشواق لجميل الصوت يحسن العزف ، " انظر حز 33: 32 " ، وفى الحقيقة أن عزف الرجل لم ينقطع ، وهو يرى الشاب دانيال ، والثلاثة الفتية وإضرابهم ، الذين وقفوا يمدون عيونهم إلى الأفق العظيم ، ... مؤمنين أن الشمس لابد ستعود ، وأن ليلهم الطويل المرير لابد أن ينجلى ، ... ومع أن رؤى حزقيال بدت أساساً لرفع المسبيين فوق آلامهم ومقاساتهم ، ... لكنهم تحولت مع الأجيال مناراً عالياً مرفوعاً على جبل لكل عابر فى ظلمة الحياة ، وها نحن نراها الآن فيما يلى : أولا : رعاية الراعى الصالح ، وإذا قرأنا الأصحاح الرابع والثلاثين تبدى لنا رعاة إسرائيل القدامى - وهم الملوك الذين كانوا أشبه بالرعاة للأغنام لكن الراعى الصالح رأى بشاعة إعمالهم ، إذا رعوا أنفسهم دون أن يرعوا الغنم ، لقد أكلوا شحمها ولبسوا صوفها ، وذبحــــــوا السمـــين فيها : « المريض لم تقووه ، والمجروح لم تعصبوه ، والمكسور لم تجبروه ، والمطرود لم تستردوه والضال لم تطلبوه ، بل بشدة وبعنف تسلطتم عليهم ، فتشتت بلا راع وصارت مأكلاً لجميع وحوش الحقل وتشتت . ضلت غنمى فى كل الجبال وعلى كل تل عال . وعلى كل وجه الأرض تشتت غنمى ولم يكن من يسأل أو يفتش » " حز 34 : 4 - 6 ".. ليت كل مؤمن وراع يقرأ هذا الأصحاح العظيم ، يرى الراعى الصالح الذى جاء إلى عالمنا حياً فى الخراف ، وبذل نفسه لأجلها ، ... ويرى كيف يهتم هذا الراعى العظيم بخرافه إلى الحد الذى فيه يقيس حب بطرس له برعاية خرافه ، ... والذى يجزى كل محب ، ويطرح كل أنانى وشرير يبدد هذه الخراف !! .. إن من واجبنا أن نقرأ هذا الأصحاح فى ضوء الأصحاح العاشر من إنجيل يوحنا ، حيث تصلح المقارنة ، ونرى الصورة وقد اكتملت بالتمام : « لذلك هكذا قال السيد الرب لهم : ها أنذا أحكم بين الشاة السمينة والشاة المهزولة ، لأنكم بهزتم بالجنب والكتف ونطحتم المريضة بقرونكم حتى شتتموها إلى خارج . فأخلص غنمى فلا تكون من بعد غنيمة وأحكم بين شاة وشاة ، وأقيم عليها راعياً واحداً فيرعاها عبدى داود هو يرعاها وهو يكون لها راعياً » ، " حز 34 : 20 - 23 " « السارق لا يأتى إلا ليسرق ويذبح ويهلك . وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل . أنا هو الراعى الصالح ، والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف ، وأما الذى هو أجير وليس راعياً ، الذى ليست الخراف له ، فيرى الذئب مقبلا ويترك الخراف ويهرب . ويخطف الذئب الخراف ويبددها ، والأجير يهرب لأنه أجير ولا يبالى بالخراف ، أما أنا فإنى الراعى الصالح وأعرف خاصتى وخاصتى تعرفنى " يو 10 : 10 - 14 " . ثانيا: القلب الجديد والروح الجديد ، ... وقد كان على المسبيين أن يدركوا أن أهم ما ينشده اللّه فى الإنسان هو تغيير القلب ، والقلب فى اللغة الكتابية هو مركز نشاط الإنسان كله ، ... هو أداة التفكير ، والعاطفة ، ومركز الحب ، والاختبار .. « يا ابنى أعطنى قلبك ولتلاحظ عيناك طرقى » " أم 23 : 26 " وهذا القلب لابد أن يتغير : « وأعطيكم قلباً جديداً وأجعل روحاً جديدة فى داخلكم وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم . وأجعل روحى فى داخلكم وأجعلكم تسلكون فى فرائضى وتحفظون أحكامى وتعملون بها »"حز 36 : 26 و 27 " .. وليس هذا - بالتأكيد - إلا ما قاله السيد المسيح لنيقوديموس : « الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله ... الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت اللّه ، المولود من الجسد جسد هو ، والمولود من الروح هو روح، لا تتعجب أنى قلت لك ينبغى أن تولدوا من فوق " يو 3 : 3 - 7 " ولعلنا نلاحظ أن الصورة ، كما رسمها حزقيال ، وكما جاءت على لسان السيد المسيح ، ليست جهداً بشرياً على الإطلاق ، بل هى عطية اللّه ، وهبة السماء من فوق ، ... وهى التغيير الذى يتم بدخول روح اللّه قلب الإنسان البشرى الخاطئ ، فيغيره بالتمام !! .. ثالثاً : القيامة من الأموات ، وهذا يأتى بنا إلى رؤيا العظام اليابسة ، وكانت الأمة اليهودية كلها كمن دخل إلى قبر وأغلق عليه ، ولم يعد هناك أدنى رجاء فى حياته وبعثه ، ويبدو أن هذا الخاطر لم يسيطر على الشعب فحسب بل لعله راود النبى أيضاً،... ولأجل هذا أخذه اللّه إلى بقعة واسعة ، لعلها كانت مكاناً لمعركة أو مقتلة عظيمة ، ورأى هناك عظاماً كثيرة ، وأكثر من ذلك ، يابسة ، مما يدل على أنه قد انقضى عليها وقت طويل ، تحولت معه العظام إلى رميم ، وسأل اللّه النبى : أتحيا هذه العظام ؟ .. ووقع النبى فى حرج كبير ، إذ أنه حسب فهمه البشرى لا يمكن أن تقوم هذه العظام وتنهض مرة أخرى ، إذا كانت مرثا قد صرخت فيما يشبه الاحتجاج » عندما قال المسيح أمام قبر لعازر .. إرفعوا الحجر ، وهى تقول : « ياسيد قد أنتن لأنه له أربعة أيام » !! .. " يو 11 : 39 " فكيف يمكن لحزقيال أن يرى العظام اليابسة تعود إلى الحياة مرة أخرى ؟!! ... على أنه إذ انتهى إلى هذا الرأى وقبله فكأنما هو يحد من قدرة اللّه وسلطانه العظيم ، ... ومن ثم قال : « ياسيد الرب أنت تعلم » " خر 37 : 3 " وجرت القصة بأن اللّه طلب من النبى أن يتنبأ على العظام فتحيا ، - ومن الغريب أن اللّه ما يزال اليوم يفعل معنا - نحن الوعاظ وخدام اللّه الأمر عينه ، عندما يطلب إلينا أن نكلم الموتى بالذنوب والخطايا ، ونناديهم بالحياة بقوة اللّه وأمره ، ... على أن اللّه يريد أن يؤكد - مع ذلك - أن الوعظ فى ذاته ، لا يعطى الحياة ، ... وأن الواعظ المقتدر البليغ قد يبلغ وعظه الأذن ، وقد يحدث فى السامعين رعشاً ، وقد تقارب العظام بعضها إلى بعض ، وقد تكتسى باللحم والعصب ، ... ولكنها مع ذلك لا تأخذ الحياة ، ... وما أكثر ما يحدث هذا فى الاجتماعات الكبيرة التى يتأثر فيها الحاضرون ، وتأخذهم الرعشة من جراء الكلمة الإلهية ، ... ويصل إليهم الإحساس بصورة ما ، وتبدو الأمور كما لو أننا على أبواب نهضة عظيمة !! . لكن التأثر هنا وقتى ، ويظل الميت ميتاً ، إلى أن يدخل روح اللّه بقوته العظيمة من الرياح الأربع : « الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتى ولا إلى أين تذهب ، هكذا كل من ولد من الروح » ... " يو 3 : 8 " وهنا يبدو البرهان العظيم أمام حزقيال ، إذ أن الموتى لم يقوموا فحسب ، بل قاموا على أقدامهم جيشاً عظيماً جداً جداً!! .. وإذا كانت هذه الرؤيا عند النبى القديم تتحدث عن الحياة التى دبت فى المسبيين ليعودوا إلى وطنهم وبلادهم ، فإنها تتحدث إلينا ، كما قال أحدهم عن عمل اللّه فى الموتى بشتى صور حياتهم ، إذ حيث يكون هناك قلب ميت ، أو كنيسة ميتة ، أو مدرسة أحد ميتة ، أو اجتماع شباب ميت ، أو قضية ميتة ، أو حق ميت ، فإن من واجبنا أن نتشدد ونتشجع ، لأن العظام اليابسة ستتحرك . واللحم سيكسيها ، والعصب سيتأتى إليها ، وروح اللّه سينهضها من الموت المخيف إلى الحياة القوية .. رابعاً : العودة إلى العبادة فى هيكل اللّه : وهذا ينقلنا إلى الأصحاحات الأخيرة من سفر حزقيال (من الأربعين إلى الثامن والأربعين ) ونحن نشغل هناك برؤيا الهيكل الجديد الذى يحل محل الهيكل المدمر ، وقد كان على حزقيال ، وقد بلغ على الأغلب منتصف السبعين عاما المحددة لعدوة المسبيين - أن يتحدث عن بناء الهيكل ، وعودة العبادة فيه ، ... ومع أن زربابل بنى الهيكل الذى أقيمت فيه العبادة ، لكن هيكل زربابل لم يكن بنفس الصورة أو المقاييس ، بل إن هيكل زربابل لم يكن شيئاً إلى جانب هيكل سليمان القديم ، .... وقد دفع هذا الشراح إلى أن يروا فى رؤيا حزقيال شيئاً أعظم من هيكل سليمان ، وهيكل زربابل ، فاليهود إلى اليوم ، يحلمون ببناء الهيكل على الصورة التى رآها حزقيال ، والذين يأخذون بنظرية المجئ الثانى قبل الألف سنة . يتصورون الأمر كذلك ، ... وإن كنا من جانبنا لا نأخذ بها الرأى ، بل نعتقد أن مجد هذا الهيكل العظيم يتحقق فى كنيسة المسيح التى خرجت عن الحدود اليهودية ، وانطلقت فى آفاق الأرض ، وقد اتسعت جنباتها لتضم كل الممالك والأمم والشعوب والألسنة ، ولعله من الملاحظ أن الأمة اليهودية لم تعرف فى أمجد تاريخها ، الحدود المذكورة فى نبوات حزقيال واتساعها ، وأنه لا يمكن أن تتحقق هذه بالمعنى الواسع العظيم ، إلا فى المفهوم الروحى فى يسوع المسيح ، والدليل على ذلك مستمد من نبوات حزقيال نفسها، وإلا فما معنى القول : « وداود عبدى يكون ملكاً عليهم ويكون لجميعهم راع واحد فيسلكون فى أحكامى ويحفظون فرائضى ويعلمون بها » ؟ .. "حز 37 : 24 " ويستحيل حرفيا أن يكون داود ملكاً ، إلا إذا كان المقصود هو ابن داود ، ابن اللّه الرب يسوع المسيح !! .. خامسا : مياه نهر الحياة : والذى يؤكد هذا المعنى هو رؤيا حزقيال للحياة الخارجة نحو المشرق من تحت عتبة الهيكل ، والمياه تزداد عمقاً كل ألف ذراع ، فهى فى أول الأمر مياه إلى الكعبين ، ثم إلى الركبتين ، ثم إلى الحقوين ، ثم إلى نهر سباحة طام لا يمكن عبوره ، على ما جاء فى الأصحاح السابع والأربعين ، ... ومن الملاحظ بادئ ذى بدء أن المياه تخرج من تحت عتبة المقدس ، أو فى لغة أخرى من المكان الذى يرمز إلى حضور اللّه ، ... المياه التى وصفها إشعياء « مياه شيلوه الجارية » " إش 8 : 6 " أو هى خير اللّه وإحسانه وبركاته على ما جاء فى وصف إرميا بالقول : « الرب ينبوع المياه الحية » " إر 17 : 13 " وإذا كانت هذه المياه قد بدأت هادئة متدرجة فإنها لم تلبث أن تحولت بعد ستة قرون - كما قال أحد المفسرين - إلى نهر المسيحية الذى لا يعبر ، فى خلاص المسيح للجنس البشرى بفعل الروح القدس الفعال والعظيم،!!.. وقد كان على النهر أن يمر فى البرية حتى يبلغ البحر الميت ، ... وقد كان اليهود فى ذلك الوقت ، أشبه بالبرية ، والبحر الميت ، وكل إنسان أو أمة يبتعد عن السيد المسيح ليس إلا ميتاً حتى يأتى نهر الحياة بالشفاء والإثمار !! .. وحقاً قال السيد المبارك : « أما أنا فقد أتيت لتكون لهم حيــــاة وليكون لهم أفضل » " يو 10 : 10".. فإذا كانت الرؤيا قد تحققت جزئياً ومبدئياً فى عودة اليهود من السبى ، وبعث الحياة فيهم - فإنها قد تحققت فى المعنى الأعمق والأكمل فى موكب الجنس البشرى ، وهو يأخذ طريقه فى المسيح ، حتى نصل إلى الشاطئ الأبدى .. « وأرانى نهراً صافياً من ماء حياة لامعاً كبلور خارجاً من عرش اللّه والخروف فى وسط سوقها وعلى النهر من هنا ومن هناك شجرة حياة تصنع اثنتى عشرة ثمرة وتعطى كل شهر ثمرها . وورق الشجرة لشفاء الأمم . ولا تكون لعنة ما فى ما بعد . وعرش اللّه والخروف يكون فيها وعبيده يخدمونه . وهم سينظرون وجهه واسمه على جباههم . ولا يكون ليل هناك ولا يحتاجون إلى سراج أو نور شمس لأن الرب الإله ينير عليهم وهم سيملكون إلى أبد الآبدين » .." رؤ 22 : 1 - 5 " . ونحن نذكر حزقيال فى المنظر الأول عند نهر خابور ، وهو يقول : « فجئت إلى المسبيين عند تل أبيب الساكنين عند نهر خابور ، وحيث سكنوا هناك سكنت » " خر 3 : 15 "- لعلنا نذكر منظراً أعظم وأبهى وأجل بما لا يقاس ، إذ نذكر ذاك الذى جاء إلينا فى الجسد نحن المسبين بسبى أقسى وأشد ، وحيث سكنا ، هناك سكن ، حتى صعد إلى هضبة الجلجثة ليموت على خشبة الصليب ، ويحررنا من استعباد أقسى وأمر من استعباد بابل ، لنهتف أمام عرشه العظيم فى صيحة النصر : « سقطت سقطت بابل العظيمة » .. " رؤ 18 : 2 " .. « أفرحى لها أيتها السماء والرسل القديسون والأنبياء لأن الرب قد دانها دينونتكم » " رؤ 18 : 02 " ... آمين فآمين .. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
رقم 40 في قصة حزقيال النبي في الكتاب المقدس |
يونان النبى من شخصيات من الكتاب المقدس |
إيليا النبى النارى - شخصيات الكتاب المقدس |
من شخصيات الكتاب المقدس زكريا النبي |
من شخصيات الكتاب المقدس إرميا النبى |