تهدئة العاصفة
آ23. ولمّا صعدَ يسوعُ إلى السفينة صعدَ معه تلاميذُه.
آ24. وإذا باضطراب عظيم حدثَ في البحر حتّى كادتِ الأمواجُ تُغطّي السفينةَ. ويسوعُ كان نائمًا. وروى مر 4: 37: ودخلت الأمواج السفينة حتّى أوشكت أن تمتلئ، ويسوع كان نائمًا في مؤخَّر السفينة على وسادة. وروى لو 8: 23: وأوشكت السفينة أن تغرق. وقد أراد الله حصول هذا الاضطراب ليبيِّن المسيح قدرته وكونه سيِّد البحر كالأرض. كما قال أوريجانوس* في ميمر 6 في أمور مختلفة. وليمرِّن تلاميذه على احتمال اضطهادات الناس وعواصف الأرياح والاضطرابات، كما قال تاوافيلكتوس*. وقال فم الذهب* اضطراب البحر بالمعنى الأدبيّ كان صورة للتجارب العتيدة في الكنيسة. فالسفينة بين الأمواج كناية عن الكنيسة والنفس في التجارب. وسبيل المتجرِّب أن يصنع ما يصنعه النوتيّ عند اضطراب البحر. فالنوتيّ يضمُّ القلوع، ويعمِّق في البحر مبتعدًا عن الأرض، ويُلقي ما كان ثقيلاً في البحر، ويفرغ جهده بمجانبة الخطر. والمتجرِّب يلزمه أن يماثله بضمِّه قلوع الشهوات، والانعكاف على الصوم والتقشُّفات، وبابتعاده عن العالم والأمور العالميَّة، وبإلقائه بالتوبة والاعتراف حِمل الخطايا الثقيل وبمجانبته الأسباب القريبة للخطأ. وقد نام المخلِّص حينئذٍ باختياره، وكان نومه طبيعيًّا ليشتدَّ الريح ويعظم الاضطراب لتظهر عظمةُ قوَّته بتسكينه.
آ25. فتقدَّم تلاميذُه وأيقظوه قائلين له: يا رب نجِّنا فإنَّنا نهلك. لم يكن ينبغي من التلاميذ أن يخافوا لأنَّ الربَّ معهم، إلاّ أنَّ إيمانهم ورجاءهم كانا حتّى ذلك الوقت ضعيفين. وروى مر 4: 38 أنَّهم قالوا له: يا عظيمنا، أما يهمُّك حالنا ونحن قد شارفنا الهلاك؟
آ26. فقال لهم يسوع: ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان؟ ألا تؤمنون بأنّي وإن كنت نائمًا فيمكنني أن أنجِّيكم؟ أو لأنَّ الناسوت نام تظنُّون اللاهوت قد نام أيضًا. فيدعوهم قليلي الإيمان، لأنَّهم لم يؤمنوا إيمانًا كاملاً بأنَّه إله، ولأنَّهم لم يثقوا بأنَّه يخلِّصهم وإن كان نائمًا. وهذا قاله لهم قبل تسكين البحر كما رواه متّى هنا إذ قال: فنهض حينئذٍ وزجر الرياح والبحر فصار هدوء عظيم. وإن رواه مرقس ولوقا بعد تسكين البحر، فكان يجب إزالة خوفهم قبل تسكين الاضطراب، وأن يوقظ إيمانهم ليستحقُّوا الأعجوبة، كما قال يانسانيوس* وغيره.
آ27. فتعجَّب الناس قائلين: من هذا؟ فإنَّ الريح والبحر يطيعانه. لا يريد بالناس التلاميذ، بل النوتيَّة وباقي من كانوا في السفينة التي كان فيها، وفي السفن الأخرى، إذ من عادته أن يسمّي الرسل رسلاً أو تلاميذ. ومع ذلك روى مرقس أنَّهم خافوا خوفًا عظيمًا وقال بعضهم لبعض: من هو هذا الذي يطيعه البحر والرياح؟ وروى لوقا أنَّه قال لهم: أين إيمانكم؟ أمّا هم فخافوا متعجِّبين، إذ يقول أحدهم للآخر: من هذا الذي يأمر الرياح والبحر فتطيعه؟ دون أن يذكر الإنجيليّان الناس أو الرسل. قال إيرونيموس*: من زعم أنَّ المراد بالناس التلاميذ، ينبغي أن يقول إنَّهم دُعوا ناسًا لأنَّهم لم يكونوا عرفوا بعد قدرة المخلِّص.