الثمرة التي ينتظرها الله من المسيحيين
كل الأشياء المنظورة قد خلقها الله لتتناسب مع حياة الإنسان على الأرض، لأجل أن يفرح ويتنعم ويستخدم كل شيء بلياقة وطهارة وتدبير حسن ممجداً الله الحي الذي خلقه بفيض صلاحه ليكون محبوبه الخاص، لذلك أعطاه ناموس البرّ ليحفظ حياته من العطب، ليسلك الإنسان بما يتفق مع طبيعة خلقته، حافظاً الحياة التي نالها من الله القدوس، لذلك نجد أن هناك ناموس طبيعي مزروعاً في الإنسان يقوم ضميره ويحكم عقله، وهذا الناموس الطبيعي هو كائن في ضميره يحركه نحو الحق ويجعله يعي إنسانيته التي هي حياته الخاصة، ولكن حينما سقط وانحرف عن الطريق الطبيعي المرسوم له من الله في قداسة وطهارة ونقاوة السيرة، فأن ما في باطنه تشوه وأصبح مشوش، لذلك مهما ما فعل من برّ فهو ينقصه نعمة الحياة وقوتها الحافظة، لأنه دائماً مهدد بسلطان الموت الذي يعمل في أبناء المعصية وكل من لم يتطبع بناموس روح الحياة، لذلك كان الإنسان مُطالب دائماً أن يقوِّم طريقة ويحيا وفق ناموس الأخلاق مُحَكِماً عقله ناظراً للوصية المقدسة التي أُعطيت له من الله في صورة كلمات عشر ليحفظها لا بعقله وفكره إنما بأعماله التي تدل على حفظه للوصية، لذلك فأن العهد القديم كله وضع الإنسان تحت مؤدب ليقومه ويظهر ما فيه من عيوب داخليه، لذلك صرخ داود النبي عن حاجة شديدة للتجديد قائلاً: [ قلباً نقياً أخلق فيَّ يا الله وروحاً مستقيماً جدد في داخلي ] (مزمور 51: 10) ...
لذلك حينما جاء المسيح الرب، القيامة والحياة، ووهبنا قوة الخلاص والفداء الأبدي، فإن الله يطلب ثمرة أخرى وبراً آخر يختلف عن برّ الناموس والكتبة والفريسيين: [ أن لم يزد بركم عن الكتبة والفريسيين فلن تدخلوا ملكوت السماوات ] (متى 5: 20)، لذلك يا إخوتي أن من يُريد أن يكون حبيباً خاصاً لله، وأبناً لله في الابن الوحيد، ينبغي عليه أن يفعل شيئاً يفوق بقية الناس من جهة أعمال البرّ والقداسة وكل الأخلاق الحميدة والسيرة المقدسة !!!
وما هذا الذي يُعطيه الإنسان ليفوق الإنسان الطبيعي العادي الذي يتوافق مع صلاح الناموس ووصايا العهد القديم !!! بصراحة تامه هو أن يعطي ذاته عذراء عفيفة للمسيح الرب !!!
وقد وضع لنا الله مثالاً لعذراوية النفس في القداسة، وهي العذراء القديسة مريم، التي صارت إناء خاص للكلمة، هكذا يُريدنا الله كلنا أن نكون مخصصين له ليقطن فينا ونكون هيكله الخاص جداً، اي نصير أورشليم الجديدة ولنلاحظ ماذا يقول الرسول للجميع: [ فإني أُغار عليكم غيرة الله، لأني خطبتكم لرجلٌ واحد لأُقدم عذراء عفيفة للمسيح ] (2كورنثوس 11: 2)...
فيا إخوتي أعلموا يقيناً أن الرب لم يأتينا في ملء الزمان لنكف عن الخطية فقط، مبتعدين عن طريق الموت مؤمنين به أنه القيامة والحياة منتصرين على عدو كل خير غالبين الموت والفساد وعندنا أخلاق جيده حميدة، بل من يظن ذلك فهو لايزال يحيا على مستوى العهد القديم ويعيش خارج الله، لأن الرب أتانا لنصير آنية مقدسه مخصصه لشخصه العظيم، لأنه يُريد أن يسكن هياكلنا، يُريد أن يأتينا ليصنعنا منزلاً له يُقيم فينا، لذلك قال بفمه الطاهر: [ أجاب يسوع وقال له أن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً ] (يوحنا 14: 23)...
لذلك ولكي ندخل في سرّ يسوع الحقيقي، في سرّ عمل الله العظيم، ينبغي علينا بالضرورة أن نُكرس قلبنا وعقلنا له، رافعين إليه أفكارنا، لكي يعطينا الله الحي – في الخفاء سراً في قلوبنا – حياته ومعونته الخاصة والشخصية جداً، فندخل معه – عملياً – للأمجاد العُليا ونرى ما فوق حيثما هو جالس عن يمين العظمة في الأعالي، فنطلب ما فوق لا ما على الأرض: [ فأن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله ] (كولوسي 3: 1).
فالمسيح الرب لم يقم لنفسه ولم يصعد لذاته ولم يحتاج قط أن يجلس عن يمين الآب لأنه معه في الجوهر والعظمة والمجد الواحد عينه، بل صنع كل هذا لأجلنا نحن، لكي نقوم معه ونحيا معه ونجلس معه في حياتنا اليومية، فكل ما صنعه حسب تدبير الخلاص لأجلنا نحن، لذلك دعانا دعوة خاصة ومقدسة للغاية لنكون عذارى حكيمات عفيفات لشخصه فقط، مثل العذراء التي أتتها بشارة الملاك فقالت أنها أمة الرب، أي عبدة الرب، ليكن لي كقولك، لذلك مكتوب: [ أحسن دعواي وفكني، حسب كلمتك أحيني ] (مزمور 119: 154)، [ حول عيني عن النظر إلى الباطل في طريقك أحيني ] (مزمور 119: 37)، [ هانذا قد اشتهيت وصاياك بعدلك أحيني ] (مزمور 119: 40)، [ تذللت إلى الغاية، يا رب أحيني حسب كلامك ] (مزمور 119: 107)، وما هو كلام الرب الذي بحسبه يُحييني، هو ما نطق به بفمه الطاهر: [ أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا ] (يوحنا 11: 25)، [ بعد قليل لا يراني العالم أيضاً وأما أنتم فترونني إني أنا حي فأنتم ستحيون ] (يوحنا 14: 19).
هذا هو مستوى الإنسان المسيحي أن حياة الله تسري فيه فيحيا بحياته [ لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح ] (فيلبي 1: 21)، اي أنه يلتصق بالله الحي ليكون حياته فعلاً، ومعه يصير روحاً واحداً ينمو إليه كل يوم، ويزداد التصاقاً به فعلاً: [ وأما من التصق بالرب فهو روح واحد ] (1كورنثوس 6: 17)...
وعلى هذا المستوى يعي المسيحي الحقيقي أنه ينبغي أن يغصب نفسه للرب لأنه هو حياته، وذلك لكي ينحصر فيه، وبذلك فإن الرب يحسبه أهلاً للأسرار السماوية ويجمله بأعظم قداسة ونقاوة، ويُعطيه الطعام السماوي والشراب الروحاني، ويجعله شهادة حية وإنجيل مفتوح يسير على الأرض تظهر فيه ملامح الله وتشع منه قيامته، ليكون شاهداً أن الله حي ظهر في الجسد قائماً بمجد عظيم، إله حي قادر أن يُخلص النفس ويلتصق بها فعلاً... فلنعطي له المجد الدائم بتقدمة حياتنا له كذبيحة حية بعبادة عقلية متقدة بالمحبة، بإيمان حي يرى وينظر مجده الخاص آمين