رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إنسف..تخلص من تاريخك القديم سألني ابني بينما السيارة تقطع الطرقات المؤدية إلى مدرسته في بداية الترم الدراسي الثاني وكان التاريخ من المواد المقرر عليه دراستها لهذا الترم: ما هي الجدوى من دراسة التاريخ؟ فيم يهمني أنا إن كان فلان الفلاني قد تولى رئاسة الوزراء من عام كذا إلى عام كذا، وكيف تفيدني معرفة شيء كهذا في حياتي العملية فيما بعد؟ هل تظنين اني سأعمل بوظيفة تتطلب أن أعرف متى تأسس الإتحاد الكندي أو كيف تم تقسيم المستعمرات البريطانية إلى محافظات؟ إن دراسة التاريخ ما هي إلا مجرد تضييع وقت وحشو المخ بمعلومات لا لزوم لها. وابتسمت حال سماعي لتلك المقدمة الساذجة التي يتحفني بمثلها من وقت لآخر، لا لشئ إلا لمحاولة أن يدفع عن نفسه عبء المذاكرة ولربما أيضاً نجح في أن يثير أعصابي ويحرق دمي علي الصبح. وبالرغم من أن كلينا يعلم علم اليقين أن تلك المناقشة السفسطائية ستؤول –كغيرها- الى لا شيء، ولكني مع ذلك رحبت بالحوارلأنها بصراحة فرصة من الفرص النادرة التي نتبادل فيها جملاً طويلة تخرج عن نطاق المقطع الواحد.. وتنحنحت واستعديت لإلقاء محاضرة من النوع الذي ألقيه عادةً في مثل تلك المواقف. بدأت بإقتباس قول الفيلسوف الالماني اودو مركارد "إن المستقبل في حاجة إلي الماضي".. وان كل المجهودات التي تبذلها البشرية اليوم لبناء مستقبل أفضل سيكون مصيرها التخبط إن لم تبن على أساس تاريخي راسخ وقلت اننا إن لم نعرف تاريخ من سبقونا لما استطعنا أن نبني على انجازاتهم ونطور حضارة العالم إلى الشكل الذي أصبحت عليه الآن. واخذت استرسل في الكلام إلى أن اكتشفت أن الحوار قد أصبح من طرف واحد وانني فقدت إنتباهه فقررت عندئذٍ أن أنهي حديثي وقلت فيما يشبه الهمس: قد تكون معلومات لا لزوم لها ولكنها على الأقل غير مغلوطة! وسرحت بذهني في الماضي البعيد، في مادة التاريخ التي كانت تدرس لنا في المدرسة. وتداعي إلى الذاكرة كمٌ هائل من معلومات خاطئة وضعت خصيصاً من أجل تشويه او تنزيه طرف ما على حساب الحقيقة فأدى الأمر إلى إختلاق تاريخ مزور لم نعد ندري ما الحقيقة فيه وما الكذب.حقب طويلة من التاريخ الفرعوني والتاريخ القبطي تم محوها بجرة قلم ولم نعرف عن التاريخ المصري بأكمله سوى تلك الصراعات المباركة على الخلافة الإسلامية. شخصيات مستبدة فاسدة تسلطت الأضواء على عبقريتها لمجرد أنها بلغت كرسي الحكم وشخصيات أخرى همشت ووضعت في مزبلة التاريخ لمجرد خلق الذرائع لإسقاطها. تواردت إلى خاطري امثلة عن مواقف رسخت في أذهاننا رسوخ الدهر ثم إتضح زيفها فيما بعد كقصة الأسلحة الفاسدة والحكايا التي روجت عن خيانة وفسق وعمالة الملك فاروق والتي إستخدمت ظلماً من أجل تعبئة النفوس ضده ولتحويل عملية الإنقلاب عليهإلي عمل بطولي مجيد. وذلك الموقف الشهير لأحمد عرابي إبان الثورة العرابية عندما وقف معتلياً حصانه أمام قصر عابدينوجملته الخالدة للخديو توفيق: لقد خلقنا الله احراراً ولم يخلقنا تراثاً أو عقاراً.. فوالله الذي لا إله إلا هو اننا سوف لا نورث أو نستعبد بعد اليوم. وتذكرت في ذلك مقالاً قرأته لسناء البيسي تقول فيه أن من يبحثفي المراجعسيكتشف إن ذلكالحوار قد شط في الخيال ولم يحدث أن قيل وان مصدره المباشر هو مذكرات أحمد عرابي نفسه. أحداث مفبركة ووقائع مغلوطة آن الاوان أن ننسفها كلهابما فيها من تزوير وأن نبدأ من اليوم في صنع تاريخ واقعي مستوفي للمصداقية العلمية والتأريخية ولا يخضع لضغوط تنأى به بعيداً عن الحقيقة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|