اين يمكن ان اراه؟
الصليب هو الطريق الوحيد المؤدِّي إلى القيامة والحياة.. إذ أنه هو الوحيد الذي يضبط الإنسان في الطريق الضيّق، وبالتالي يُثبِّت أقدامه في طريق الحياة الأبدية.
+ لهذا فإن الصليب هو نعمة من الله لحياة الإنسان.. أو على حدّ قول معلمنا بطرس الرسول: "فإن تألّمتم من أجل الخير فهذه نعمة من عند الله" (1بط20:2). وأن نتألّم من أجل يسوع فهذه "هِبَة"(في29:1) لأن بالصليب نتذوّق الألم، ونتذكّر ونحسّ كم تألّم الله من أجلنا، فنتلامس مع محبته..
+ أيضًا عندما يتألّم الإنسان يتمجّد الله في حياته بقوة.. فكل واحد يجتاز درجات في الصليب يرى قوّة الله تظهر في حياته.. طوال الفترة التي نحمل فيها الصليب لا تفارقنا قوة الله..
أما إذا هربنا من الصليب إلى الراحة والترف، فإننا نضعف وتتخلّى عنا النعمة الإلهية فنسقط بكل سهولة..
مثال: داود المُهان المظلوم المُطارد من شاول كان قويًا جبارًا منتصرًا ثابتًا في الله؛ وعندما تراخى عن الجهاد وأعطى ظهره للصليب، وترك الجيش يحارب، واستلقى على سريره ثم صعد ليتمشى على السطح، وتجوَّل بعينين حائرتين جائعتين.. سقط وكان سقوطه عظيمًا..!
+ الصليب أيضًا يُنقِّي ويرفع.. فهو يُصفِّي من النفس الكثير من الشوائب، ويقطع روابط الكثير من الخطايا.. ولذلك مَن يُعَلَّق على الصليب يمكنه أن يرتفع على قمة هذا العالم..
أمثلة: 1- القديس أغسطينوس يقول "وضعت قدمي على قمّة هذا العالم عندما صرت لا أخاف شيئًا ولا أشتهي شيئًا".. وكانت هذه هي إحساساته الصادقة بعد أن "صلب الجسد مع الأهواء والشهوات" (راجع غل24:5).
2- يوسف الصديق "جُرِح في بيت أحبائه" (زك6:13) وتشاور أخوته على قتله، ورموه في البئر، ثم باعوه كعبد بثمن بخس.. وظُلِم ظُلمًا عنيفًا من امرأة فوطيفار وأُلقِيّ في السجن.. ولكن كان هذا هو الطريق إلى الارتفاع والمجد حتى صار مُتَسَلِّطًا على كل أرض مصر.. وقال عنه أخوته أنه "سيد الأرض" (تك30:42).. فهذا المجد هو ثمرة الصليب والتمسُّك بالإيمان وعِشرة الله رغم كل الظروف المؤلمة..
3- القديس مقاريوس الكبير.. تعرّض في بداية حياته لصليب رهيب.. اتهموه بالاعتداء على فتاة، وأهانوه وضربوه لدرجة الموت.. احتمل الصليب فعزّاه الله.. وعندما ظهرت الحقيقة وأرادوا أن يكرموه هرب من الكرامة رافضًا التنازل عن الصليب.. وهنا ظهـر له الشاروبيم، وفتح لـه وادي النطرون، وتحوّلت المنطقة لسماء ثانية بالرهبنة والتسبيح على مدى العصور.. وظهر أن مَن يرفض تعزيات العالم تنسكب عليه تعزيات السماء.. ومَن يحمل الصليب يرتفع إلى المجد..!
4- الأنبا أبرام أسقف الفيوم.. طردوه من دير المحرق بدعوى أنه يبدِّد أموال الدير، إذ كان يعمل أعمال رحمة كثيرة.. فالتجأ لدير البرموس، فرحب به رئيسه في ذلك الوقت القمص يوحنا الناسخ وتلامس مع روحانيّته.. وعندما أُختير القمص يوحنا الناسخ ليكون بابا الإسكندرية باسم الأنبا كيرلس الخامس، رسم الأنبا أبرام أسقفًا على الفيوم عام 1881م، وهكذا وُضِع النور على المنارة ليضيء لمصر كلها وللأجيال.. فكان الصليب هو الوسيلة التي يتمجد بها الله في حياة قديسيه..
+ أخيرًا.. عندما نسقط تحت الصليب، سنُفاجَأ أننا نرى المسيح تحت الصليب معنا.. فهو شريك آلامنا الوحيد، يحملها معنا ويسندنا ويُعَزِّينا.. المفاجأة سارّة، بالرغم من أننا نئن تحت ثقل الصليب إلاّ أن رؤية المسيح معنا تبعث في النفس فرحة لا تُقدَّر بثمن... وكأن الإنسان يبحث عن السيد، وقد أعياه البحث، وعندما دبّر الله له الصليب المناسب وضغط عليه فوجئ بأنه يرى السيد بجانبه، فكأن لسان حاله يقول: "هو إنت هنا، وأنا أبحث عنك في كل مكان؟!"، والسيد يردّ: "نعم أنا هنا، وبالذّات في هذا المكان.. شريك المتألمين، أشفي جراحهم، وأحمل معهم أوجاعهم، وأداوي أحزانهم، وأطيِّب خاطرهم.. أنا هنا.. هذا هو المكان الذي ستراني فيه بوضوح أكثر من أيّ مكان آخَر
منقول