انبا بولا صاحب الجهاد الحسن

[walaa farouk]

الأنبا بولا أول السواح




إن الفم يتعطر وإن القلم يتبارك عند ذكر سيرة عملاق مثل الأنبا بولا
، والأنبا بولا يتشابه مع خليله الانبا أنطونيوس في عدة النقط:
- في انحدارهما من أسرة غنية.
- في اتعاظهم من الموت.
- سكناهم في مقبرة في بداية انعزالهما عن العالم.
- الكنيسة بتلقب الاتنين بلقب (محبي أولادهما).
- اهتمامهم بالعالم وبالكنيسة سواء بالسؤال عن أحوالها
أو بتعضيدها ضد الهرطقات والاضطهادات.
- الأتنين كانوا قادة مؤسسين لمنهج جديد، فأنبا أنطونيوس أول الرهبان وأنبا بولا أول السواح.

أنبا أنطونيوس اتعظ من موت أبوه وقاله "أين غناك وجبروتك
، أنت تركت العالم بغير إرادتك وانا اتركه بإرادتي"،
أما أنبا بولا فكان رايح للقاضي يحكم بينه وبين أخوه
في مقدار الميراث، وفي الطريق لقى جنازة رجل غني،
فتنهد وقال "مالي إذن ومال هذا العالم الفاني،
سأتركه وأنا عريان"، وطلب من أخوه انهم يرجعوا،
وفي الطريق غافل أخوه وهرب، وراح سكن في مقبرة لمدة ثلاث ايام يصلي بلجاجة لله ليرشده في طريقه، وبالفعل يتحنن الله ويرسل ملاك يرشد القديس لمكان خلوته في البرية الشرقية، ويتسلح القديس بالصلاه والنسك والتقشف، ويبدأ يعمل لنفسه ثوب من الليف لا يعطي راحة ولا رفاهية للجسد المخادع محب الراحة..

وبالرغم من التقشف الشديد للقديس إلا إننا نلاحظ في نسك الأنبا بولا أنه كان نسك يميل للاعتدال، وربنا كان مبارك ده، يعني نصف رغيف كل يوم مقارنة بقديسين كانوا بيصوموا أيام كاملة وأحيانا بيكسروا الأسبوع، والمبدأ الرهباني بيقول الطريق الوسطى خلصت كثيرين،
وده يلفت نظرنا إن كل إنسان له منهج يتناسب مع إمكانياته، ومش دايما الافراط في النسك بيكون له نتايج ايجابية، ولكن ربما تكون مواهب تختلف من إنسان للأخر.

أنبا بولا كان مستكشف طريق السياحة أمام الرهبنة القبطية، عبقريتة الروحية الفطرية واستثمار الروح القدس في قامته النقية افرزت للعالم هذا الطريق الملوكي البديع في الجهاد المسيحي ضد شهوات العالم، أنبا بولا استكشف الطريق للعالم وفتح باب ذهبي يسبي الذهن والكيان بمحبة الله، ومن يومها والعالم تعرف للمرة الأولى على منهج السياحة الروحية، وأصبحت براري مصر تفيض بأفراد وجماعات من السواح
، وزي ما طالعنا في سير شهيرة زي سيرة الأنبا ميصائيل السائح ازاي ممكن مجموعة من القديسين السواح ممكن يكونوا عايشين مع بعض، وممكن كمان الروح القدس يرشدهم لقديس ما في دير صاحب سيرة متميزة فيروحوا يدعوه للانضمام ليهم، فياخد إذن رئيس الدير وينطلق في رحلة السياحة الروحية التي تتفوق على العقل والمنطق والمادة والجسد وقوانين الطبيعة.

أنبا بولا عاش تسعين سنة في البرية، يعني 1080 شهر
، يعني 32850 يوم، حاجة فوق العقل والمنطق الإنساني، لكن المسيحي اللي بيحب كنيستة وبينتعش وبيفرح بالعبادة يقدر نسبيا يفهم سر الأنبا بولا، وإن الزمن الكبير ده بالنسباله كان زي رحلة ترفيهية لطفل مقبل على الحياة، يعني كان زمن ممتع بانساحقات قلبية، ودموع توبة وميطانيات، واختبارات محبة الله العظيمة، ورؤى ومعجزات، ودعم سمائي متكرر، ولا شك إنه زي أي حد ربنا سمحله بتجارب تمحيص وتفحيص لغاية ما بدأت أموره تستقر بنعمة الله..

يا إخوتي الأنبا بولا يليق جدا أن نطلق عليه صاحب الجهاد الحسن
، يليق بينا إننا واحنا منغمسين في همومنا اليومية
أي كانت نفتكر الأنبا بولا وهو واقف وباصص لعمق الصحرا
ليل ونهار وأسم الله لا يفارق لسانه، يليق بينا كل ما نتذكر أسمه فتتعطر أذهاننا برائحة طيب أفعاله النقيه إننا نقول السلام لك يا أنا بولا والسلام لجهادك الحسن وعظم محبتك للملك المسيح، يليق بينا إننا نحاول بجرأة إننا نتذوق حلاوة الله اللي خلت واحد زي الأنبا بولا لا يمل ولا يكل من الوجود في حضرة الله كل هذه السنين بلا فتور.

ربنا لما حب يتكلم عن حبيبه بولا مع الأنبا أنطونيوس قاله كلام عملي مفيهوش مبالغة، اتكلم زي ما أي حد بيتكلم عن صديق عزيز علاقته بيه وطيدة، قالة هاعرفك بقديس لا يستحق العالم كله وطاه قدميه، قاله بسبب صلواته أنا بنزل الندى والمطر على الأرض، قاله بسبب طهارته فإن النيل يأتي في موعده..

أنبا بولا لما تنيح حب يتنيح في هدوء وصمت زي حياته ما كانت هادية وصامته، ولما جسده احتاج للدفن ربنا بعت أسدين يسجدوا لأنبا أنطونيوس ويحفروا الأرض لجسد أنبا بولا، لأنه بالحقيقة كان أسد في إيمان واتكاله على الله والحياة في القفر بلا خوف أو تردد..

وأخيرا أنبا بولا من القديسين اللي ليهم كاريزما خاصة جدا، لأنه كشفيع في محبيه هو شفيع جدع جدا، لكنه هاديء الأفعال، ممكن تتكلم معاه وتصاحبه، وبعدين تنساه وتنغمس في هموم حياتك، وفجاه تلاقيه بيفكرك بنفسه بطريقة لا تخلو من البساطة والحياء، وتلاقيه فاكرك وفاكر طلباتك وبيقولك أتفضل حبيبي أنا مش ناسيك..
اقتربوا إلى هذا القديس الفريد ذو السيرة العذبة،
وقصة حياته من أجمل ما سطر لنا الروح القدس في تعامله مع طبيعتنا البشرية الضعيفة..

بركة شفاعته وجهاده الحسن فلتشملنا جميعا..

[Mary Naeem]

بركة شفاعته وجهاده الحسن فلتشملنا جميعا

[walaa farouk]

ميرسى على مرورك الغالى