منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 23 - 12 - 2019, 02:49 PM
الصورة الرمزية حياة بالمسيح
 
حياة بالمسيح Female
..::| العضوية الذهبية |::..

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  حياة بالمسيح غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 122674
تـاريخ التسجيـل : Jul 2015
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : حضن بابا يسوع وماما القديسة العذراء مريم
المشاركـــــــات : 1,658

المسيح إله كامل وإنسان كامل، إله-إنسان، أي أن الطبيعة البشرية تتّحد بالطبيعة الإلهية في شخص الكلمة وعليه فالمسيح يُعرَف "بطبيعتين من دون تغيّر أو تشوش أو انقسام أو انفصال". يوجَد هذا التعليم في إحدى القطع الوالدية في المعزَي من وضع القديس يوحنا الدمشقي "لكنه حفظ خواص الطبيعتين من دون اختلاف أو امتزاج أو تشوّش"، أي أن كلّ طبيعة احتفظت بخصائصها فلم تتغيّر أي منهما ولم تتشوشا مع بعضهما ولا انفصلتا عن بعضهما.

ينبغي أن ننظر تالياً إلى التعابير "من دون تغيّر"، "من دون تشوّش"، "من دون انقسام" بحسب تعليم القديس يوحنا الدمشقي، لأن سر كون المسيح إلهاً-إنساناً مخبأ فيها. "من دون تغيّر" تعني أن أيّاً من الطبيعتين لم تخسر صفاتها. في حادثة موت لعازر وإقامته، ذرفت الطبيعة البشرية الدموع، لأن الدموع هي من صفات الطبيعة البشرية، وأعطت الطبيعة الإلهية الحياة للعازر، لأن منحَ الحياة هي من خصائص الطبيعة الإلهية. إذاً، في المسيح بقي غيرُ المخلوق غيرَ مخلوق، غير مائت، غير مقيّد وغير منظور. "من دون تشوّش" تعني أنه ليس هناك أي تشويش بين قوى كلٍ من الطبيعتين. في حادثة لعازر، لم تعطِ الطبيعة البشرية الحياة، ولا الطبيعة الإلهية ذرفت الدموع. كل العجائب أجرتها الألوهة لكن ليس من دون الجسد، وكل ما هو دونها من الأمور أقيم بالجسد لكن ليس من دون الألوهة. الحقيقة هي أنّ في المسيح ليس من تشوّش بين قوى الطبيعتين. تُضفي الألوهة مجدها على الجسد، لكنها تبقى غير مجرَّبَة وبدون مشاركة أهواء الجسد.

ضروري تفحّص عبارتي "من دون تغيّر" و"من دون تشوّش" بالمقابلة مع العبارة الثالثة "من دون انقسام". هذا يعني أنّه لا يمكن فصل الطبيعتين أو تقسيمهما، ولا هما منفصلتان. في المسيح، تعمل كل طبيعة "في شركة مع الأخرى". في مثال لعازر نقول أن الطبيعة البشرية بكَت والطبيعة الإلهية أقامت لعازر، لكن الطبيعتين كانتا متحدتين بسبب الأقنوم. إذاً، المسيح أقام لعازر. عندما تألّم الجسد، كانت الألوهة متّحدة بالجسد، لكنها بقيت بلا تأثّر. وعندما كانت ألوهة الكلمة تعمل، كان نوس المسيح المقدّس مرتبطاً بها، مدركاً لما كان يجري. بسبب الاتحاد الأقنومي، المسيح، لكونه إلهاً، لم يعمل الأشياء البشرية بطريقة بشرية، ولم يعمل الأشياء الإلهية بطريقة إلهية، إذ في الوقت نفسه كان إنساناً. هذا نتيجة لحقيقة أن الطبيعتين كانتا متحدتين أقنومياً، أي من دون تغيّر ولا تشوش ولا انقسام، فيما عملت كل منهما في شركة مع الأخرى في أقنوم الكلمة.

بعد اتحاد الطبيعتين اقنومياً صار هناك شخص واحد، أقنوم واحد. نسطوريوس، بالتفكير الفلسفي، أعلن أن لكل طبيعة شخصها. لقد قال أن باتحاد الطبيعتين، اتّخذ المسيح شخصين، الإلهي والبشري، وصنع شخصاً ثالثاً سمّاه "شخص التدبير" أو "الوجود الشرعي". وعليه فإن شخص المسيح لا يعيَّن لا بشخص الإله ولا بشخص المسيح، إذ عندما تنفصل الطبيعتان يكفّ الشخصان عن الوجود. لقد رفضت الكنيسة هذه النظرات الهرطوقية. إتّحاد الطبيعتين تمّ في شخص الكلمة. بحسب ما يقول القديس يوحنا الدمشقي، كلمة الله نفسه صار شخصاً في الجسد، "كلمة الله نفسه عُرِف شخصاً بالجسد". المسيح واحد، إله تامّ وإنسان تامّ، وهو معبود كاملاً مصنوعاً من الطبيعتين الإلهية والبشرية. لهذا نحن نكرّم الجسد أيضاً، بالتحديد لأن كلمة الله صار شخصاً فيه. هذا يعني أن المسيح لم يكن مكوّناً من شخصين، ولا هو أُعطي الوجود الشرعي بعد الاتحاد، بل بما أن الإلهي صار متحداً بالطبيعة البشرية من دون تغيّر أو تشوّش أو انفصال في أقنوم الكلمة، فإن كلمة الله صار شخصاً في الجسد أيضاً.

علاوة على ذلك، اخترقت الطبيعتان بعضهما البعض في المسيح وتداخلتا من دون أن تخسرا هويتيهما. لكن ينبغي أن يُقال هذا الكلام من وجهة نظر أنّ التبادل يأتي من الطبيعة الإلهية، لأنّها تعبر في كل شيء لكونها غير مخلوقة ولا يمكن لأي شيء أن يخترقها. إذاً، هناك وحدة وتداخل للطبيعتين، لكن هذا يأتي من الطبيعة الإلهية، تماماً كما أن الشمس تضفي قواها علينا من دون أن يكون لها أي حصة في قوانا. بالتأكيد، كما أن للمسيح طبيعتين، فله أيضاً قوتين وإرادتين. تنتمي القوى إلى الطبائع وليس إلى الأقنوم. لكن هذه القوى تعمل من خلال الشخص المشترك، أقنوم الكلمة. تماماً كما أن الطبيعتين لا تتحركان بالاستقلال عن بعض في أقنوم الكلمة، الأمر نفسه ينطبق على القوى.
إن العقيدة الخريستولوجية (المتعلقة بشخص المسيح) مهمة جداً لأنها ترتبط بالإكليسيولوجيا (التعليم حول الكنيسة). لقد علّق الآباء أهمية كبيرة على التعليم الخريستولوجي لأنّه إذا تغيّر، يتغيّر معه تلقائياً التعليم الخريستولوجي الأنثروبولوجي والخلاصي. في تغيّر من هذا النوع تتحوّل الكنيسة إلى مؤسسة بشرية وتنظيم أو تجمّع ديني، ويخسر الإنسان هدف حياته إذ يبتعد عن طريق الخلاص الحقيقية. في شرحنا لبعض أوجه العقيدة الخريستولوجية، علينا أن نشير إلى العلاقة بين عبارتي "طبيعة مركّبة" و"أقنوم مركّب"، لأن مناقشة الفرق بينهما كانت موجودة وما تزال.

يقول أصحاب الطبيعة الواحدة بأنّ بعد الاتّحاد، اتّحدت الطبيعتان في المسيح لتشكّلا طبيعة واحدة يسمّونها "طبيعة مركّبة". بهذا المنظار يبررون النظرة بأن الطبيعة البشرية ابتلعَتها الطبيعة الإلهية. لكن هذه النظرة تحرّف مبدأ "من دون تغيّر". بحسب القديس يوحنا الدمشقي، الطبيعة المركّبة، كونها شيئاً مختلفاً عن الطبيعتين الأصليتين، ليست من نفس جوهر أيّ من الطبيعتين الإلهية أو البشرية. مثلاً، هو يشير إلى تركيبة الجسد البشري من أربعة عناصر، النار والهواء والماء والتراب. بعد تكوّنه، يصير الجسد شيئاً مختلفاً عن النار والهواء والماء والتراب. إذاً، إن استعملنا عبارة "طبيعة مركّبة" للمسيح، فلن يكون المسيح من طبيعة الآب في الألوهة، ولا من طبيعة أمه وطبيعتنا في البشرية. وعليه، لن يكون ممكناً أن ندعوه لا إلهاً ولا إنساناً.

القديس يوحنا الدمشقي، وهو ركن أساسي في التقليد الأرثوذكسي، ينبذ عبارة "طبيعة مركّبة" ويُدخِل عبارة "أقنوم مركّب". بالتأكيد، هذه العبارة بحاجة للتفسير بطريقة أرثوذكسية، إذ يمكن تشويهها أيضاً. فلنرَ كيف يمكننا أن نتكلّم عن "أقنوم مركَب" بطريقة أرثوذكسية.

كان أقنوم ابن الله وكلمته قبل التجسّد بسيطاً، غير مركّب، بلا جسد، غير مخلوق، غير مرئي ولا ملموس، غير محدد، له كل ما كان للآب مختلفاً عنه بشكل الوجود، لأن الآب ليس مولوداً فيما الابن مولود. لكن بعد التجسّد صار كلمة الله مركّباً بمعنى أنّه مكوّن من الألوهة والبشرية. فالآن، بعد التجسّد، أقنوم المسيح، كونه من الطبيعتين، هو غير مخلوق في ألوهته ومخلوقاً في بشريته، غير منظور في ألوهيته منظور في بشريته. إذا رفضنا عبارة "أقنوم مركّب" نقع في النسطورية إذ سوف يكون عندنا شخصان في المسيح، أو في الطبيعة الواحدة إذ سوف نقبل تغيّر الطبيعتين وتشوشهما. إذاً، في المسيح اتّحدت الطبيعتان "في أقنوم واحد مركّب". في أي حال، في الكلام عن الأقنوم المركَب نعني أنه مركّب من "طبيعتين كاملتين، من الألوهة والبشرية". بالتأكيد، يمكن للبعض أن يفهم هذه العبارة بطريقة هرطوقية أي أن يقبل أن أقنوماً واحداً مركَباً من أقنومين، إلهي وبشري، أو أن يقبل وجود أقنوم من طبيعتين. لكن عبارة "أقنوم مركَب" تزيل كل أسواء التفسيرات الهرطوقية. فهي عن أقنوم من طبيعتين معروف بطبيعتين. في التقليد الأرثوذكسي، عندما نتحدّث عن "أقنوم مركَب"، نعني ليس فقط الأقنوم المكوّن من "طبيعتين كاملتين"، بل أيضاً الأقنوم الذي يعمل ويُعرَف "بطبيعتين". وهكذا نتلافى كلاً من النسطورية والطبيعة والواحدة.
ننشد في سحرية عيد الميلاد "لهذا فيما نقدّم ما هو أفضل من الجزية الأرضية، أعني الأقوال اللاهوتية المستقيمة الرأي". لا يقدّم التجسّد الإلهي الأفكار التقوية أو التحاليل العاطفية أو النفسية. حتى هذه التحاليل يمكن أن تقدّم شيئاً ما مناسباً لمستوى العصر المادي أو الروحي، لكن في النهاية سرّ التجسد ينبغي دراسته في جو اللاهوت الأرثوذكسي. كيف يمكن أن يكون خلاف ذلك وعندنا اتّحاد للطبيعتين الإلهية والبشرية في أقنوم الكلمة، تألّه الطبيعة البشرية، وأمور جديدة ومتناقضة لا يمكن للفكر البشري أن يدركها؟

بعد كل الذي قلناه، يمكن أن ننظر إلى النقاط الأربع التالية، التي تظهر مقاربة شخصية لهذا العيد العظيم، "رأس" أعياد السيد:

أولاً، المغارة التي وُلِد فيها المسيح هي نموذج للكنيسة. يقول القديس أثناسيوس الكبير تصويرياً بأن الغرفة الصغيرة التي انتظرت العذراء فيها ولادة المسيح هي نموذج الكنيسة. المذود هو الهيكل، يوسف هو الخادم، المجوس هم الإكليروس، الرعاة هم الشمامسة، الملائكة هم الكهنة، الرب هو الأسقف، العذراء هي العرش، الحُفَر هي الكؤوس، التجسّد هو اللباس، الشاروبيم هم المراوح، الروح القدس هو القرابين، الآب الذي يظلل كل شيء بقدرته هو الحجاب الذي يغطّي القربان. الكنيسة هي جسد المسيح الإله-الإنسان الذي حُمِل في رحم العذراء، وُلِد، تجلّى، تألّم، صُلِب، قام وصعد إلى السما. يُحتَفَل في القداس الإلهي بهذا السر العظيم ونُعطى إمكانية المشاركة في نعمة المسيح. ليست الكنيسة مؤسسة بشرية ولا هي طقس استذكار وإشباع لحاجة مشاعرنا.
ثانياً، الطبيعتان الإلهية والبشرية متحدتان دائماً في أقنوم الكلمة من دون تغيّر أو تشوش أو انقسام أو انفصال. هذا يعني أنّهما لم تنفصلا ولن تنفصلا. كون الطبيعة البشرية غير منفصلة عن الإلهية وكون الإله-الإنسان موجود دائماً في كل زمان، يمكننا الآن أن نشترك في جسد السيّد المؤلَّه، وباشتراكنا بجسد المسيح ودمه الإلهيين نصير جسداً واحداً ودماً واحداً مع المسيح.
ثالثاً، كوننا نسجد لسرّ التجسّد العظيم، وخاصةً لأننا نشترك بجسد المسيح ودمه، علينا أن نضلل هيرودوس كما فعل المجوس. يقول الإنجيلي متّى أن المجوس "إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ فِي حُلْمٍ أَنْ لاَ يَرْجِعُوا إِلَى هِيرُودُسَ، انْصَرَفُوا فِي طَرِيق أُخْرَى إِلَى كُورَتِهِمْ." (متى 12:2). كلمة "هيرودوس" في العبرية تعني "من الجِلد". لهذا يقول القديس نيقوديموس الأثوسي أنّ علينا أن نضلل أفكار الجسد وملذاته. إلى هذا، علينا أن نخدع شيطان الفكر الذي يمنعنا من السير في طريق الخلاص. علينا أن نعود من طريق أخرى، بالفضائل، إلى أرضنا الأصلية، أي الفردوس. هذا يعني أننا مطالبون بعيش حياة أسرارية ونسكية. كل الذي يحيون نسكياً يُعطَون أن يتّحدوا بالمسيح في الأسرار.
رابعاً، عندما يسلك إنسان أسرارياً ونسكياً، في تناغم مع روح التقليد الأرثوذكسي، يختبر روحياً أحداث التجسّد الإلهي، وبصورة أكثر شمولاً في مجمل كيانه. فلا يعود يرى الأحداث خارجياً بل داخلياً. يقول القديس سمعان اللاهوتي الحديث بأنّه عندما يطهّر الإنسان قلبه ويستنير، يستقبل المسيح في داخله ويفهم وثباته كمثل طفل. يُدرَك المسيح كطفل في داخله ويولَد بالفضائل فيحيا الإنسان كل هذه الأحداث في كيانه. بالتأكيد، فقط في المسيح تتحد الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية أقنومياً. لكن الشخص المتقدّس يتلقّى أيضاً قوة الله في طبيعته ويصير عضواً في جسد المسيح. هكذا، يفهم كيف تعمل نعمة الله في طبيعته وماهية إفراغ الذات وماهية تألّه الطبيعة البشرية.
إن تجسّد الأقنوم الثاني من الثالوث القدوس هدف إلى تأليه الطبيعة البشرية. من ناحية ثانية، ينبغي أن يتألّه أيضاً أقنوم كل منّا. إن لم نستعجل التألّه، يكون الأمر بالنسبة لنا وكأن المسيح لم يتجسّد.
حتفل العالم المسيحي في مشارق الأرض ومغاربها بعيد ميلاد الرب يسوع بالجسد، عيد الإله المتأنّس، عيد المحبّة اللامتناهية، عيد الفرح ومصدر السلام وينبوع الرجاء بمستقبلٍ أفضل.

لقد وُلد المخلّص بالجسد في هدأة الليل، في قريةٍ صغيرةٍ وديعةٍ من فلسطين، هي بيت لحم. وجاءت الملائكة تبشّر رعاةً كانوا هناك، يسبّحون الله، وينشدون قائلين: “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر” (لو 2: 14). إنّه نشيدٌ تردّده ليتورجيا الأرض في كنائسها كافّةً، وها هو الطقس السرياني يعلنه صباح كلّ يومٍ ليرفع المؤمنين إلى الله، مستذكرين ليلة ميلاد ابنه الكلمة الذي أضحى بشراً، متّخذاً في التاريخ اسم يسوع.

الميلاد مجد الله بيسوع وبشرى الفرح

ظهر مجد الله بشخص يسوع المسيح، على أن يظهر في كلّ إنسانٍ حيٍّ مستنيرٍ بسرّ الكلمة المتجسّد. لكنّ هذا المجد وهذه الإستنارة لن يتمّا، ما لم “يملأ سلام المسيح قلوب البشر” (كول 3: 15)، فيستعيد الإنسان بهاء صورة الله فيه، ويسطع من خلاله مجد الله في العالم، على رجاء التمتُّع به وجهاً لوجه في ملكوته السماوي.

مجد الله في السماء هو الإنسان الحيّ على الأرض، المخلوق على صورة الله ومثاله. يسوع ابن الله وكلمته المتأنّس، هو الإنسان الكامل في إنسانيته، الذي بتجسُّده، وبموته فداءً عن البشر، وبقيامته لتبريرهم ومنحهم عربون الحياة الجديدة، أتمّ تدبير الله الخلاصي الشامل للبشرية جمعاء، وحقّق مجد الله. وجاءته الشهادة من الأعالي، يوم معموديته في نهر الأردن على يد يوحنّا المعمدان، ويوم تجلّيه على جبل طابور بأبهى مجد ألوهته: “هذا هو ابني الحبيب، الذي عنه رضيت، فله اسمعوا” (متى 3: 17).

لقد بلغ خبر ميلاد الرب يسوع رعاة بيت لحم الفقراء البسطاء بلسان الملاك: “إنّي أبشّركم بفرحٍ عظيمٍ، يكون للعالم كلّه: لقد وُلد لكم المخلّص، هو المسيح الرب” (لو2: 10 و11). فصدّقوا وأسرعوا إلى حيث وُلد، وآمنوا وسجدوا له. المسيح خبرٌ مفرحٌ نحمله لجميع الناس: “إذهبوا في الأرض كلّها وأعلنوا بشارتي إلى الخلق أجمعين” (مر 16: 15). وعادوا يمجّدون الله ويهلّلون، مواصلين بدورهم الأنشودة الملائكية.

هكذا أصبح الرعاة، وقد أشرق عليهم مجد الربّ، أوّل من استودعهم الله بشرى الخلاص، وأوّل المشاهدين المتأمّلين سرّ الكلمة، وأوّل المبشّرين بالفرح العظيم، وأوّل الممجّدين لله في ليتورجية العهد الجديد.

وقد أجاد الطقس السرياني بالتعبير عن اختلاط تسابيح الملائكة بتهاليل الرعاة يوم الميلاد:

“ܙܳܚܘ ܬܶܓܡ̈ܶܐ ܕܢܽܘܪ̈ܳܢܶܐ ܡܶܢ ܪ̈ܰܘܡܶܐ ܕܰܠܥܶܠ܆ ܘܥܰܡ ܟܶܢܫ̈ܶܐ ܥܰܦܪ̈ܳܢܶܐ ܒܰܪܘܳܙܳܐ ܗܰܠܶܠܘ. ܠܰܡܫܺܝܚܳܐ ܡܶܣܬܰܟܝܳܢܳܐ܆ ܡܶܠܬܶܗ ܕܰܐܒܳܐ ܫܡܰܝܳܢܳܐ܆ ܕܰܨܒܳܐ ܘܶܐܬܺܝܠܶܕ ܒܓܰܘ ܐܳܦܰܪܬܳܐ: ܬܶܫܒܽܘܚܬܳܐ ܠܰܐܠܳܗܳܐ ܒܪܰܘܡܳܐ ܘܒܰܐܪܥܳܐ ܫܰܝܢܳܐ ܘܰܫܠܳܡܳܐ ܘܣܰܒܪܳܐ ܠܐ̱ܢܳܫܽܘܬܳܐ”.

وترجمته: “تحرّكت طغمات النورانيين منحدرةً من الأعالي، ورنّمت بابتهاجٍ مع جموع الترابيين، للمسيح المنتظَر، كلمة الآب السماوي، الذي شاء ووُلد في أفراثا: المجد لله في العلى وفي الأرض الأمان والسلام والرجاء للبشرية”.الميلاد تمجيدٌ

الميلاد تجسد للمسيح الإله بالإنسان

بلغ خبر ميلاد يسوع مجوس المشرق الأغنياء العلماء من خلال نجمٍ ظهر في سماء بلاد فارس، فقرأوا فيه ميلاد ملك الأزمنة الجديدة. صدّقوا وساروا على هدي النجم حتى بيت لحم، فرأوا وآمنوا وسجدوا وقدّموا له هداياهم، الذهب لأنّه هو الملك، والمرّ إذ هو الفادي، واللبان أي البخور لكونه الإله والكاهن. وبهذا احتفلوا مع يوسف ومريم بحلول “ملء الزمان” (غلا 4: 4) لإتمام عمل الله الخلاصي.

وها نحن هنا اليوم نواصل هذه المسيرة، كما سوانا في كلّ كنائس الأرض، فنحتفل بعيد ميلاد الرب يسوع، معلنين إيماننا، راجين أن يكون لقاؤنا بالمسيح، لقاء إيمانٍ وتجدُّدٍ في العيش والسلوك، مثل الرعاة والمجوس، لا مجرّد ذكرى سطحية. وهكذا نواصل السماع والرؤية ونقل الخبر ورفع آيات التسبيح والتمجيد، من أجل عالمٍ يتخبّط في الظلمات، وقد وافاه “الشارق من العلى” (لو 1: 78).

يتمجّد المسيح الإله بالإنسان، فكلّ إنسانٍ حيٍّ مدعوٌّ ليحقّق ذاته بكلّ أبعادها الروحية والمادّية، الثقافية والإجتماعية، الإقتصادية والوطنية، فيكون مجدَ الله. الإنسان، كلّ إنسانٍ، هو غاية الخلق، وبالتالي غاية الدولة ومؤسّساتها. ولهذا، تفرض السلطة العامّة على الذين يتولّونها مسؤولية ممارسة سلطتهم ضمن حدود القيم الأخلاقية التي رتّبها الله، وعلى أساس احترام الشخص البشري بحدّ ذاته، وفي دعوته وحقوقه الأساسية وحرّياته الطبيعية، مع حمايتها والدفاع عنها، فيتمكّن من تحقيق ذاته كقيمةٍ مضافةٍ لعائلته ومجتمعه ووطنه. ومن واجب الكنيسة والدولة الإهتمام بتربية جيلٍ مستنيرٍ وملتزمٍ، يكون بنوه وبناته مؤمنين صالحين ومواطنين صالحين ذوي حسٍّ وطني راسخٍ، وبُعدٍ إجتماعي منفتحٍ، وإيمانٍ ثابت.
. الميلاد بداية الخلاص بالمسيح الممجَّد

تحقّق مجد الله بولادة المخلّص: “اليوم وُلد لكم المخلّص” (لو 1: 11)، هو يوم مجد الله الذي يصبح يوم الإنسان. إنّه بداية زمن الخلاص، ونهاية الأزمنة السابقة واكتمالها، والزمن الأخير الحاسم لخلاص جميع الناس. كلّ يومٍ من حياتنا هو صدى لهذا اليوم: هو عمّانوئيل “الله معنا” (مت 1: 23) لخلاصنا. هذه هي رسالة الكنيسة، تواصلها كلّ يومٍ بإعلان إنجيل الخلاص والتحرير.

هذا المخلّص الممجَّد في الأعالي هو “المسيح الربّ” (لو 1: 11) الذي مسحه الروح القدس في طبيعته البشرية، المتّحدة بالشخص الإلهي، نبيّاً وكاهناً وملكاً، والذي يُشرك في مسحة الروح شعب الله الجديد، جاعلاً إيّاه شعب الأنبياء والكهنة والملوك، على ما كتب بطرس الرسول: “أمّا أنتم فإنّكم ذرّيةٌ مختارةٌ وجماعةٌ ملوكيةٌ كهنوتيةٌ، وأمّةٌ مقدّسةٌ، وشعبٌ اقتناه الله للإشادة بآيات الذي دعاكم من الظلمات إلى نوره العجيب (1 بط 2: 9). هو الربّ الذي يخلّص بقدرته الإلهية، يعطي الخيرات ويحرّر من الشرور.

لقد أراد الرب يسوع منذ الدقيقة الأولى لحضوره بيننا، أن يعلن مجده بالتواضع والكفر بمقتنى الدنيا وغناها. فوُلد في مذودٍ، وشعر بما نشعر به من عوامل الطبيعة. لُفّ بأقمطةٍ اتّقاءً من البرد في هذه الأيّام في بيت لحم، وأُضجع في مذودٍ، وهو سيّد الكون، وما فيه من كائنات.

. الميلاد أساس السلام الشامل

بميلاد الله إنساناً في بيت لحم، كانت للعالم رسالةٌ من السماء تؤكّد أنّ الله يحبّ جميع البشر ويمنحهم الرجاء بزمنٍ جديدٍ، هو زمن السلام، وأنّ حبّه الذي تجلّى بملئه في الإبن المتأنّس، الذي هو “الله ظهر في الجسد” (1 تيم 3: 16)، هو أساس السلام الشامل. فمن يقبل الإبن بكلّ قلبه، يصالحه الإبن مع الله الآب السماوي ومع ذاته، ويجدّد العلاقات بين الناس، ويذكي العطش إلى الأخوّة القادرة على تجاوُز تجربة الكبرياء والعنف. هذه الرسالة السماوية تدعو البشرية كي تؤلّف عائلةً واحدةً على قاعدة العلاقات المتناغمة بين الأشخاص والشعوب، والإنفتاح على الله المتسامي، وتعزيز كرامة الإنسان، واحترام الطبيعة.

لكنّ البشرية تُصاب بخسارةٍ كبرى بسبب الحروب المتتالية والنزاعات وموجات القتل والتهجير التي تزرع وراءها البؤس والجوع والأمراض والتقهقر الإجتماعي والإقتصادي، وقد ولّدت هذه المآسي منطق الظلم والإستضعاف، الذي تغذّيه رغبةٌ جامحةٌ في التسلّط على الآخرين واستغلالهم. وإذا بالحروب تتسبّب غالباً بحروبٍ أخرى، لأنّها تشعل أحقاداً عميقةً، وتخلق أوضاعاً من الظلم، وتدوس كرامة الأشخاص وحقوقهم. ومن البديهي أنّ من ينتهك الحقوق الإنسانية إنّما ينتهك الضمير الإنساني، بل البشرية ذاتها.

ومع ذلك لنا بالميلاد رجاءٌ أنّ السلام ممكنٌ، ويجب التماسه كعطيّةٍ من الله، وبناؤه يوماً بعد يومٍ بأعمال عدالةٍ ومحبّةٍ، وبمعونة الله وهدي روحه القدّوس. وسيكون سلامٌ بمقدار ما تكتشف البشرية بأسرها دعوتها الأصلية لتكون عائلةً واحدةً تُحترَم فيها كرامة الأشخاص وحقوقهم، أيّاً كان عرقهم ودينهم وحالتهم. هذا ما تؤمن به الكنيسة، وتدعو إليه بلسان الحبر الروماني، خليفة بطرس، في اليوم الأوّل من كلّ سنةٍ، عبر رسالته وندائه بمناسبة اليوم العالمي للسلام.

الميلاد يمنح العالم عطيّة السلام المبني على روح التضامن

إنّالسلام الذي منحه الرب يسوع للعالم بميلاده يستوجب اقتناع الأفراد والجماعات بأنّهم عائلةٌ واحدةٌ بانتمائهم إلى البشرية الواحدة. فالتضامن الذي يجعل من البشرية عائلةً واحدة، هو روح التضامن الذي يجد نقطة الإرتكاز في مبدأ شمولية خيرات الأرض التي أعدّها الله لجميع الناس. هذا المبدأ لا ينتزع شيئاً من شرعية الملكية الخاصّة، بل يكشف وظيفتها الإجتماعية. لا سلام بدون تضامنٍ وبدون إنماءٍ شاملٍ للإنسان والمجتمع، وهذا الإنماء يقتضي وعياً للقيم الخلقيّة الشاملة، التي بدونها لا مجال لحلّ النزاعات ولتأمين مستقبلٍ أفضل للبشرية. والتضامن الصادق هو قائمٌ على العيش معاً وفق مقاصد الله، وعلى الحوار والتعاون بين الشعوب والثقافات والأديان، وعلى اللقاء بين العقل والإيمان، وبين الحسّ الديني والحسّ الخلقي.

ولأنّ السلام عطيّةٌ من الله لأرضنا، فقد بات الإلتزام به عملاً جوهرياً. فهو كالمبنى في طور بناءٍ دائمٍ، والكلّ مدعوٌّ للإلتزام به: الأهل في العائلة ليعيشوا السلام ويشهدوا له ويربّوا أولادهم عليه، المعلّمون في المدارس والجامعات لينقلوا قيم المعرفة وتراث البشرية التاريخي والثقافي، الرجال والنساء في عالم العمل ليناضلوا في سبيل كرامة العمل البشري على أساس العدالة والمساواة، حكّام الدول لكي يضعوا في قلب عملهم السياسي العزم الثابت على الإلتزام بالنزاهة في ممارسة مسؤولياتهم، العاملون في المنظَّمات الدولية لكي يواصلوا عملهم كفاعلي السلام بالرغم من المخاطر التي تهدّد سلامتهم الشخصية، المؤمنون لكي يعزّزوا بالحوار المسكوني بين معتنقي الأديان قضية المجاهرة بالحقيقة في المحبّة، فيرتقوا معاً نحو حضارة الحياة في العيش الواحد المشترَك.

سلام الميلاد الذي أنشدته ونادت به الملائكة هو “ثمرة العدالة” كما يقول أشعيا النبي (32: 17)، وهو سلامٌ يتحقّق ويتجلّى بعلاقة الإنسان مع ذاته ومع الله والناس.

في حياتنا الإيمانية يبدأ تحقيق السلام من الذات، من السلام الشخصي مع الله والناس، بالتوبة والمصالحة. كلّ واحدٍ منّا يلتزم بتجديد ذاته، سيّما مع بداية كلّ عامٍ جديد. فالأساس هو تجديد الذات بسلام الضمير الآتي من سماع صوت الله في أعماق النفس، وبالسلام مع حالة الإنسان الشخصية الناتج عن الأمانة لدعوته الخاصّة ولواجباته، وبالسلام مع الله بالرجوع إليه من حالة الخطيئة عبر سرّ التوبة والمصالحة ونيل الغذاء من الحياة الجديدة في سرّ الإفخارستيا.

كما أنّ لقاء الجماعة، في الأسرة والمدرسة والجامعة والعمل والرعية وما شابهها، يخلق جوّاً ملائماً ليساعد كلّ شخصٍ في إلقاء نظرةٍ وجدانيةٍ على ذاته، واستخراج ما يجب تغييره وتجديده. ثمّ يُصار إلى تبادُل الأفكار والخبرات، ومن بعدها إلى رسم خطّةٍ مشتركةٍ لبناء السلام الداخلي.

ولا ننسى ما للبُعد الإجتماعي من دورٍ محوري في بناء السلام على مستوى الشخص البشري والمجتمع، على قاعدة المحبّة والعدالة والخير العام، ثقافياً وسياسياً واقتصادياً. وهذا يقتضي السعي الجادّ لاكتشاف الحلول لمشاكل المجتمع، وتأمين حقّ الإنسان بالحرّية والعدالة والإستقرار والعيش الكريم والمساهمة في الحياة العامّة.

يتحدّث قداسة البابا فرنسيس في مستهلّ رسالته لمناسبة اليوم العالمي الثامن والأربعين للسلام في 1/1/2015، بعنوان “لا عبيد بعد الآن بل إخوة”، عن أهمّية البُعد الإجتماعي العلائقي في حياة الإنسان لبناء مجتمعٍ يسوده السلام الأخوي:

“بما أنّ الإنسان هو كائنٌ علائقي، مدعوٌّ ليحقّق ذاته في إطار علاقاتٍ شخصيةٍ تلهمها العدالة والمحبّة، لذا من الأهمّية بمكانٍ لتطوُّره أن يُعترَف بكرامته وحرّيته واستقلاليته التي تستحقّ أن تُحترَم. ولكن للأسف، لأنّ الآفة المنتشرة على الدوام لاستغلال الإنسان من قبل الإنسان تجرح بشكلٍ خطيرٍ حياة الشركة والدعوة لنسج علاقاتٍ شخصيةٍ يطبعها الإحترام والعدالة والمحبّة… لذا يجب العمل في ضوء كلمة الله، لاعتبار جميع البشر إخوةً لا عبيداً بعد الآن”.

ميلاد الرب يسوع نشر الرجاء بين الناس، فالمسيح هو رجاؤنا كما يقول القديس بولس: “أذكروا أنّكم كنتم من دون المسيح… ليس لكم رجاء” (أف 2: 12). لقد كان البشر مكبَّلين بالخطايا قبل مجيء المسيح الذي منحهم الخلاص بحلوله بينهم، وفتح أمامهم مستقبلاً زاهراً. ولا يمكننا نحن البشر أن نرجو هذا الخلاص من أيّ شخصٍ آخر، “فالمسيح يسوع هو رجاؤنا” (1 تيم 1: 1).

إنّ الرجاء المسيحي مرتبطٌ بشوق الإنسان الفطري إلى السعادة، لأنّ المرء يحمل في أعماق ذاته توقاً نحو سعادةٍ لا حدّ لها، لا يمكن إشباعه بواسطة خيرات هذه الدنيا التي تمنح سعادةً آنيّةً وقتيّة. المسيح وحده بإمكانه أن يقدّم الأمل والرجاء لإرواء هذا العطش إلى ملء السعادة
الموضوع منقول للامانة والبركة العامة
رد مع اقتباس
قديم 23 - 12 - 2019, 02:58 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,257,123

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: ماذا تعني ولادة الرب يسوع لك؟

إنّ الرجاء المسيحي مرتبطٌ بشوق الإنسان الفطري إلى السعادة، لأنّ المرء يحمل في أعماق ذاته توقاً نحو سعادةٍ لا حدّ لها، لا يمكن إشباعه بواسطة خيرات هذه الدنيا التي تمنح سعادةً آنيّةً وقتيّة. المسيح وحده بإمكانه أن يقدّم الأمل والرجاء لإرواء هذا العطش إلى ملء السعادة
مشاركة جميلة جدا
ربنا يبارك حياتك
  رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
كيفية ولادة الرب يسوع المسيح
ماذا تعني زيرو ولايت على عبوات المشروبات؟.. ليست كما تعتقد
ولادة يسوع | ولد لكم اليوم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرب
صورة الحكم الذى نطق به بيلاطس والى ولاية الجليل على الرب يسوع
ماذا تعني الآيات في إنجيل يوحنا 1: 1 و 14 عندما تعلن أن يسوع هو كلمة الله؟


الساعة الآن 09:49 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024