الرسالة الأولى ليوحنا
الرسالة الأولى وهي أطول الثلاث رسائل ليوحنا فهي خالية من التحية والبركة التي تفتتح وتختم بها الرسائل عادة، والتشابه بينها وبين البشارة الرابعة يدعو إلى الاعتقاد أن مؤلفها هو شخص واحد. ولكن على الرغم من هذا التشابه فهناك تباين أساسي حتى ليرجح البعض أن كاتبها كان تلميذًا ليوحنا الرسول والبشير. وأنها كتبت بين سنة 90-100 مسيحية. والرسالة مقالة أو عظة أكثر منها رسالة. وقد كتبت لدحض البدع، وإظهار الضلالات في الكنيسة عامة. وتثبيت القراء في الإيمان الصحيح ودحض الآراء الخاطئة الملتوية التي روجها نفر من "الأنبياء الكذبة" داخل الكنيسة نفسها (1 يو 4: 1-6). وكان هؤلاء من الغنوسين الذي أنكروا ناسوت المسيح وموته الفعلي.
فقد ذهب هؤلاء إلى أن المسيح لم يجيء "في الجسد" بل في شكل روحاني. وبعبارة أخرى أن المسيح لم يجيء في جسد مادي هيولي، بل في جسد طيفي خيالي ذلك لأنهم اعتبروا المادة شرًا وفصلوا بين الروح والمادة وبين العقيدة المسيحية والحياة المسيحية، وبين المسيح ويسوع التاريخي (2: 22 و 4: 2 و 5: 1 و 20). وقالوا أن حياة الاتضاع التي عاشها المسيح على الأرض لا تنسجم مع مجده السابق الذي كان له قبل نزوله على الأرض، لذلك أنكروا حياته الأرضية الفعلية. لقد ظهر فعلًا في اعتقادهم، وعلم تلاميذه، ولكنه كان كائنًا سماويًا، لا لحمًا ودمًا، ولما كانت هذه النظرية مضادة للعقيدة المسيحية التاريخية، ومعاكسة لها تمامًا، فقد أحدثت أزمة داخلية شديدة في الكنيسة.
وكانت غاية الرسالة دحض تعاليم الهراطقة والمضلين وشرح العقيدة المسيحية شرحًا صحيحًا يتفق وحاجات الناس وما كانوا يترقبونه في ذلك العصر. وكاتبها إلى أمور ثلاثة:
(1) أن المؤمنين يحصلون الآن، في هذا العالم على الحياة الأبدية (5: 12-13). أنهم يعرفون الله ولهم شركة مع الآب والابن.
(2) أن معرفة الله تقوم بحفظ وصاياه، والديانة الحقيقية وتتناول الناحية الأخلاقية والأدبية في الحياة لأن هذه نابعة من تلك. من هنا كانت "للتجسد" أهميته وخطورته، لأنه يضفي معنى إنسانيًا، وشخصيًا وأدبيًا على مفهوم الحياة الأبدية. فالحياة مع الله هي الحياة حسب المثال الذي تركه يسوع في حياته وفي تعاليمه (2: 6)، والخضوع للوصايا الإلهية (2: 7-11).
(3) العلامة الفارقة للحياة الأبدية هي المحبة Agape إي المحبة التي أعلنها يسوع. والحياة الأبدية تقوم بالشركة. من هنا كانت الشركة العلامة المميزة للكنيسة (1: 3).
وقد لخص الرسالة الوحي المسيحي بقوله: "الله محبة". إن لاهوت هذه المحبة أعجب وأبلغ. وأبسط لاهوت عرفه تاريخ الفكر. وقد طلع على العالم بعهد جديد قلب الأوضاع العالمية رأسًا على عقب. وإليه يعود الفضل في إعداد وطن روحي في كنيسة المسيح للمنبوذين والمحتقرين. وإليه يعود الفضل الأول في القضاء على الرق. وفي إقامة منظمات، وتأسيس ملاجئ للفقراء والمرضى والضعفاء. ويعزى ضعف هذه لمحبة في العالم إلى سببين:
السبب الأول: هو قوة البغضاء الهائلة في حياة البشر. والسبب الثاني ضعف الكرازة بها، ذلك لأنها المحبة التي دعاها المسيح والرسل كانت ولا تزال على وجه العموم "نظرية جميلة" لم يعمل بها تمامًا، ومثالًا أعلى لم يحقق. لهذا يهيب كاتب الرسالة بالمسيحيين قائلًا: "يا أولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق".
ويمكن تقسيم الرسالة على النحو التالي:
(1) عنوان الرسالة وآيتها 1: 1-4
(2) ماهية المسيحية 1: 5-2: 28.
(3) الحياة مع الله 2: 29-4: 12
(4) يقينية الإيمان 4: 13-5: 13
(5) خاتمة الرسالة 5: 14-21