محمد فؤاد
داخل غرفة بوابة الأمن بميناء الإسكندرية، القريبة من موقع عقار المنشية الذي انهار، أمس السبت، جلس محافظ الإسكندرية الدكتور أسامة الفولي، يتابع عملية رفع الأنقاض، وفي ظل هذه الأجواء الكارثية، حاورت «الشروق»، المحافظ الذي قدم استقالته 5 مرات بسبب غياب قوة القانون، وحالة الفوضى التي أجبرته على إدارة شؤون المحافظة من غرفة وصالة، بعد احتلال أحد المواطنين لاستراحته الرئيسية... وإلى نص الحوار.
- · المواطن السكندري لا يشعر بوجودك في المحافظة، ما قولك؟
** من حق المواطن السكندري أن يشعر بذلك؛ لأنه تخيل أن كل مسؤول بعد الثورة يملك الصلاحيات التي تساعده على حل المشكلات، ولكن كيف يحدث ذلك في ظل عجز قوات الشرطة والجيش عن مواجهة الانفلات، وفي ظل تبعية غالبية مرافق المحافظة من صرف صحي، وكهرباء، ومياه للشركات القابضة وكل دور المحافظة هو التنسيق فقط؟
** نعم؛ لأنني شعرت أن طموحات المواطن السكندري أكبر مني، ولأن صراخي لا يسمعه أحد، خاصة حينما طالبت بقوانين رادعة تعيد للشارع انضباطه، لا سيما مع البلطجية الذين اشتغلوا جميعًا في مجال المقاولات، ووصل بهم الفجور إلى البناء في وسط الشارع بلا حرج أو حياء، ولهذا أتمنى ردعهم بأي قانون، حتى لو كان قانون الطوارئ.
لقد توليتُ المسؤولية في أغسطس 2011، وسط ظروف عصيبة جعلت من تولي أي منصب وقتها ابتلاء، لكنني تحملت المسؤولية من أجل الوطن، وخلال تلك الفترة كانت هناك مشكلات كبيرة في ديوان عام المحافظة؛ بسبب الأجهزة المعاونة، التي لم تكن قادرة على المساعدة، بسبب قلة الإمكانات المتاحة، وهو ما دفعني لتقديم استقالة مكتوبة، وتم رفضها، وحاولت الاستمرار رغم كل الصعوبات.
** أدير كافة شؤون المحافظة من داخل شقة مكونة من غرفة وصالة بشارع فؤاد، بعد أن تم احتلال الاستراحة الخاصة بالمحافظة، من قبل مواطن يدّعي أن لديه مستحقات لدى المحافظة تقدر بنحو 17 مليون جنيه، ويرفض الخروج إلا بعد سدادها، ولا أخفيك أن قوات الأمن لا تستطيع إخراجه، إلا بقرار من النيابة العامة.
** المشكلة الأساسية تكمن في الانفلات السلوكي منذ الثورة، والتي لم تتغير رغم الاستقرار بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وتفشي السلوك الإجرامي، وأصبح مسلكًا عامًا بين فئة البلطجية وأصحاب المصالح، التي أرادت أن تحقق أكبر مكاسب ممكنة قبل أن تسترد الدولة هيبتها، فضلا عن شعور المواطنين بأنهم مهما فعلوا، فلن يستطيع الأمن الاقتراب منهم.
** هذا السلوك أدى إلى تشويه المدينة بالكامل، بعد أن هيمن البلطجية على كل شيء فراحوا يهدمون الفيلات والعقارات ذات الطراز المعماري المتميز، ويفترشون الشوارع الرئيسية، ويلقون برديم عقاراتهم المخالفة في الطرقات، ويحاولون الاستيلاء على أراضي الدولة.
** ظاهرة البناء المخالف فاقت كل حدود السيطرة؛ لأن من يقوم بها مجموعة من البلطجية والمجرمين، الذين لن يتوقفوا إلا بقانون رادع يعتقلهم جميعا، فالدور الذي نقوم به الآن يقتصر على قيام الأحياء بتحرير المخالفات، وإصدار قرارات الإزالة التي لا يتم تنفيذها بالطبع.
عدد العقارات المخالفة قبل الثورة وتحديدًا حتى 31 يناير 2010 بلغ 12 ألف و300 عقار مخالف، أما بعد الثورة فما تم حصره حتى الآن من عقارات مخالفة بلغ 8 آلاف عقار مخالف، زادت على ما قبل الثورة، بالإضافة إلى البيوت القديمة المتهالكة التي قام قاطنوها بالبناء فوقها لعدم قدرتهم على شراء شقق جديدة لأبنائهم.
** الشرطة العسكرية وقوات الأمن دائمًا ما تجد نفسها في مواجهة مع الأهالي؛ فالبلطجية يقومون بتحصين أنفسهم بكافة أنواع الأسلحة البيضاء، والآلية، ويستعينون بالكلاب المتوحشة وبالنساء المسجلات خطر، من أجل الضغط على قوات الأمن، وتهديدهم بأنه في حال الاشتباك معهم سينتج عن ذلك شلال من الدماء.
** عقار المنشية بداية لسيناريو كارثي، وأحذر من انفجار قنابل موقوتة باللبان والجمرك والعطارين لتهالك الأبنية، والكارثة الأكبر في ضيق الشوارع الموجود بها تلك العقارات المخالفة، والتي تحول دون رفع الأنقاض.
** قررنا صرف تعويضات فورية لأسر الضحايا، بواقع 10 آلاف جنيه للمتوفى و5 آلاف للمصاب.
** مازالت الأمور حتى الآن غير مستقرة، رغم اجتماع رئيس الجمهورية مع جميع المحافظين، ومديري الأمن، وتأكيده على أهمية توفير الأمن بأسرع وقت ممكن، إلا أن المشكلة الأساسية تكمن في أن الأمن يقوم بعشر وظائف غير دوره الرئيسي، جميعها تتعلق بمحاولات السيطرة على الانفلات السلوكي؛ من احتجاجات وقطع طرق واعتصامات.
** لم تتوقف بالطبع.. وكانت زيارة الرئيس مرسي إلى الإسكندرية للاحتفال بتخريج دفعة القوات البحرية، معرضة إلى كارثة ومهددة بالإلغاء، بعد أن هدد أهالي الطابية، وعمال مصنع أبو قير للأسمدة، بإيقاف خزانات المياه المسؤولة عن تبريد ماكينات المصنع، وإيقافها لمدة ساعتين، للمطالبة بفرص عمل لأبنائهم، وهو ما هدد بانبعاث مادة الأمونيا بسبب الحرارة، لتشكل سحابة سامة على بعد أمتار من مقر الاحتفال.
** قوات الأمن والشرطة العسكرية كانت مشغولة بتأمين الرئيس، والمشير، وأنا تفاوضت مع الأهالي بشكل إنساني، ووصل الأمر إلى تقديم تعهد كتابى مني بحل هذه المشكلة، لتلافي الكارثة.
