“حبة الحِنْطَة إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِير”
إنجيل القدّيس يوحنّا ١٢ / ٢٣ – ٣٠
قالَ الرَبُّ يَسُوع: «لَقَدْ حَانَتِ السَّاعَةُ لِكَي يُمَجَّدَ ٱبْنُ الإِنْسَان.
أَلحَقَّ ٱلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنَّ حَبَّةَ الحِنْطَة، إِنْ لَمْ تَقَعْ في الأَرضِ وتَمُتْ، تَبْقَى وَاحِدَة. وإِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِير.
مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يَفْقِدُهَا، ومَنْ يُبْغِضُهَا في هذَا العَالَمِ يَحْفَظُهَا لِحَيَاةٍ أَبَدِيَّة.
مَنْ يَخْدُمْنِي فَلْيَتْبَعْنِي. وحَيْثُ أَكُونُ أَنَا، فَهُنَاكَ يَكُونُ أَيْضًا خَادِمِي. مَنْ يَخْدُمْنِي يُكَرِّمْهُ الآب.
نَفْسِي الآنَ مُضْطَرِبَة، فَمَاذَا أَقُول؟ يَا أَبَتِ، نَجِّنِي مِنْ هذِهِ السَّاعَة؟ ولكِنْ مِنْ أَجْلِ هذَا بَلَغْتُ إِلى هذِهِ السَّاعَة!
يَا أَبَتِ، مَجِّدِ ٱسْمَكَ». فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُول: «قَدْ مَجَّدْتُ، وسَأُمَجِّد».
وسَمِعَ الجَمْعُ الحَاضِرُ فَقَالُوا: «إِنَّهُ رَعد». وقَالَ آخَرُون: «إِنَّ مَلاكًا خَاطَبَهُ».
أَجَابَ يَسُوعُ وقَال: «مَا كَانَ هذَا الصَّوْتُ مِنْ أَجْلِي، بَلْ مِنْ أَجْلِكُم.
التأمل: “حبة الحِنْطَة…إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِير”.
مارون، الذي يعني السيد الصغير، مات عن العالم، حين صعد الى جبال قورش، مات عن نفسه حين اختار حياة العراء شاهداً ليسوع في أقسى الظروف الحياتية متبتلاً، متنسكاً، ملتحفاً السماء غطاء، متخذاً الارض الوعرة اليابسة فراشاً..
مارون، تلك الحبة التي ماتت لتحيا في المسيح أعطت الملايين من المؤمنين الذين يُدعون “موارنة” تيمناً به، لهم في كل العالم حكايات .. لكن في لبنان لهم ألف حكاية وحكاية..
” حكاية شعب مشى على اليم فطرد الجن من مياهه، ابتكر الأبجدية على شطآنه، كافح الجهل وابتنى أول بيت من حجر، فمكن للحضارة أن تكون، وزرع أول حبة قمح، فأنعش الانسان، وكان لبنان، الجبل الأبيض ملعب النمور وموطن النسائم المبشرة بالحرية”… (ادوار حنين)
لكن هل موارنة اليوم يشبهون موارنة الامس؟
موارنة الامس سكنوا المغاور هرباً من الظلم والاستبداد منتصرين على طغاة الارض بالايمان والزنانير السوداء كما فعل رهبان “قزحيا” حين انتصروا على المحتل عند “جسر المدفون”، وكما حرروا كنيسة مار يوحنا مرقس من دنس العسكر وإفرازات الخيول وغسلوها بعطر الزهور لتعود معبداً … واليوم نخاف من متوحش “داعشي” يأخذ لنفسه صورة فوق جثة بشرية على بعد مئات الاميال، ظناً منه انها مركبة تأخذه الى السماء..
موارنة الامس رهبان صلاة، موارنة اليوم … يلزمنا فحص ضمير..يلزمنا صلاة..
موارنة الامس “صنعوا أهرام الحرية في الجبال الوعرة ليعيشوا أحراراً… موارنة اليوم صنعوا أهرام السلطة.. ليعيشوا عبيداً فيها…
موارنة الامس كانوا شعباً وكنيسة وأرضاً.. موارنة اليوم أصبحوا عدة شعوب متناحرة يزورون الكنائس في المناسبات خصوصا “الجنازات”.. ويبيعون الارض في كل المناسبات..
لكن يعود لنا “مارون” في كل سنة ملتحفاً بثوبه الرهباني لينتفض فينا وعلينا.. كي يستيقظ فينا “مارد” الايمان الذي جعل من اجدادنا “جبابرة” هذا الشرق.. في العبادة.. في القداسة.. في العلم .. في العملِ..
صلي لنا يا أبانا مارون كي نعود الى جذورنا وأصالتنا، الى كنائسنا وأديرتنا، الى حقولنا في السهول والجبال والوديان.. كي نعود رواد قداسة.. علماء معرفة.. أبطال ساحات..
صلِّي عَنَّا يا مارونُ صلِّي عنّا يَسمَعْ صوتَ الحُبِ يَرضَى اللهُ عَنّا..