التكلم بألسنة _ أغسطينوس
موهبة التكلم بألسنه
القديس أوغسطينوس
حسنا الآن ، أيها الإخوة ، لكون الإنسان المعمَد في المسيح ويؤمن بالمسيح لا يتكلم في الوقت الحاضر بألسنة جميع الشعوب، هل يجب أن يُعتقد بسبب ذلك أنه لم يتقبل الروح القدس؟
حاشا أن تُجرب قلوبنا بمثل هذا الفكر الغادر.
فنحن على يقين بأن كل إنسان مُعمد يتقبل الروح، ولكن بقدر ما تُحضر النفس للينبوع وعاءً كبيراً من الإيمان بقدر ما تمتلئ.
وبالتالي قد يسأل شخص ما، بما أن الروح يحل الآن أيضاً ويتقبله المعمد، فلماذا لا يتكلم أحد بألسنة جميع الأمم؟
لأن الكنيسة ذاتها الآن هي التي تتكلم بلغات جميع الشعوب.
كانت الكنيسة في البداية منحصرة في أمة واحدة، عندما كانت تتكلم بألسنة جميع الشعوب. ومن خلال التكلم بألسنة الجميع كانت تشير إلى المستقبل، الذي فيه سوف تتكلم من خلال إنتشارها ونموها في العالم أجمع بلغات جميع الناس.
أما الشخص الذي هو خارج الكنيسة، لا يتقبل الروح القدس الآن، لكونه مقطوعاً ومفصولاً عن وحدة الأعضاء - الوحدة التي تتكلم بألسنة الجميع. إن كان ليس له الروح، دعه يتراجع عن مزاعمه. أما إذا كان له الروح، فدعه يعطي العلامة التي أعطيت آنذاك. ماذا أقصد بقولي هذا؟ أقصد دعه يتكلم بألسنة الجميع.
هو يجيبني قائلاً: "حسناً، هل تتكلم أنت الآن بجميع اللغات؟
أجاوبه بكل وضوح، بأن كل لغة من اللغات تخصني، إذ أن كل اللغات تنتمي إلى هذا الجسد الذي أنا عضو من بين أعضائه.
الكنيسة المنتشرة في كل الأمم تتكلم بجميع اللغات، الكنيسة هي جسد المسيح، وأنت عضو في هذا الجسد. لذلك، بما أنك عضو في هذا الجسد – الذي يتكلم بجميع الألسنة – آمن أنك تتكلم بجميع اللغات. إذ أن إتحاد الأعضاء ينشئ وحدانية القلب من خلال المحبة، وهذه الوحدة تتكلم كما يتكلم شخص واحد.
ولذلك، نحن أيضاً نتقبل الروح القدس إذا كنا نحب الكنيسة، إذا كنا متحدين بعضنا مع بعض بالمحبة، إذا كنا نبتهج ونفرح بإيمان واسم الكنيسة الجامعة. دعونا نؤمن أيها الأخوة، أنه بقدر ما يحب كل واحد كنيسة المسيح، بقدر ما يحصل على الروح القدس. لأن الروح قد أعطي – كما يقول الرسول – للإستعلان. أي إستعلان؟ "ولكنه لكل واحد يُعطى إظهار الروح للمنفعة، فإنه لواحد يعطى بالروح كلام حكمة، ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد، ولآخر إيمان بالروح الواحد، ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد، ولآخر عمل قوات .." (1 كو 12).
مواهب كثيرة قد أعطيت للإستعلان، لكن ربما ليس لديك أي موهبة من كل هذه المواهب التي ذكرتها.
إذا كنت تحب، فلا تظن أنك لا تقتني شيء، لأنك إذا كنت تحب الوحدة، أي شخص في الكنيسة لديه موهبة إنما يقتنيها أيضاً من أجلك. أنزع عنك الحسد وما لدي يكون لك، دعني أنزع عني الحسد وما لديك يكون لي. الحسد يفرق أما الرُشد القويم فيُجمِّع.
في الجسد، العين فقط ترى، لكن هل ترى العين فقط لنفسها؟ بل ترى أيضاً من أجل اليد، وترى أيضاً من أجل القدم، وترى من أجل الأعضاء الأخرى، لأنه إذا جاءت ضربة ما ضد القدم، فالعين لا تحول نظرها بعيداً بحيث لا تُحذر بذلك مسبقاً. وأيضاً، في الجسد، اليد فقط تعمل، لكن هل هي تعمل فقط لنفسها؟ بل تعمل من أجل العين، لأنه إذا جاءت ضربة ما قادمة في إتجاه الوجه لا اليد، هل تقول اليد: "لن أحرك يدي، لأن الضربة غير موجهة لي"؟ هكذا أيضاً القدم بالسير تخدم جميع الأعضاء، واللسان أيضاً يتحدث عن الجميع في حين تصمت بقية الأعضاء.
لذلك، نحن نقتني الروح القدس إذا كنا نحب الكنيسة، ونحبها إذا كنا في داخل نطاق وحدتها ومحبتها. إذ أن الرسول نفسه، بعدما تكلم عن المواهب المتعددة المعطاة لأناس مختلفة، مثل الوظائف التي تخص كل عضو من الأعضاء، قال أيضاً: "وأيضاً أريكم طريقاً أفضل"، ثم بدأ في التكلم عن المحبة. (1 كو 13). ووضع المحبة فوق ألسنة الناس والملائكة، ووضعها فوق معجزات الإيمان، ووضعها فوق المعرفة والنبوة، ووضعها حتى فوق أعمال الرحمة العظيمة التي من خلالها يوزع الإنسان ما يمتلكه على الفقراء، وأخيراً وضع المحبة حتى فوق التألم بالجسد، فهو وضع المحبة فوق كل مثل هذه الأشياء العظيمة.