خلق الله المطهر لأنه يحبنا ارفع الصلوات لموتاك فهم بأمس الحاجة إليها
لماذا نصلّي لمن رحلوا عنّا؟ وكيف يجب الصّلاة لراحة أنفسهم؟ وما هو المطهر؟
أسئلة كثيرة تجول في خاطر الكثيرين على مرّ العصور خصوصًا عند تذكارهم من رحلوا والصّلاة لراحة أنفسهم بين يدي الرّب الرّحوم.
زرت مرّة كنيسة صغيرة بنيت عام 1870 وسط مقبرة في وودستوك بماريلاند. ما لفت انتباهي هناك عبارة كتبت على مدخل الكنيسة تقول:” هنا تعتز الجماعة المسيحية برفاة من رحلوا عنّا كتذكارات من السّماء”.
بقايا الأنفس التي رحلت عن هذه الدّنيا إذًا هي “تذكارات من السّماء” لهذا السّبب نقوم بزيارة المقابر.
الصّلاة التي نتلوها لتذكار الموتى والقدّاديس التي نقدّمها على نيتهم ومراحل درب الصّليب وصلاة الوردية وغيرها من الصّلوات كلّها بمثابة توسّل لله. فمن خلال هذه الصّلوات نطلب أن تتحد نفس المؤمن في السّماء بعناق أبدي مع الثّالوث القدّوس الآب والإبن والرّوح القدس.
من أجل هذا العناق الأبدي كُوِّن الإنسان وصُلب السيد المسيح ومات وقُبر وقام. ومن أجل هذا العناق الأبدي بين الإنسان وخالقه نصلّي للأنفس التي رحلت عنّا آملين ان تنعم برحمة الله.
يتساءل الكثيرون لما لا تتّحد تلك الأنفس بالله مباشرةً بعد انتقالها من هذا العالم؟ الإجابة على هذا الموضوع مرتبطة بمدى جهوزيتنا، تحضيراتنا، تحرّرنا من الخطيئة، وقناعتنا بما تطلق عليه الكنيسة “القصاص المؤقت بسبب الخطيئة” الذي يمهد توحدّ الإنسان بالله البريء من الخطيئة.
ما هو القصاص المؤقت؟
بتسمية أخرى إن القصاص المؤقت هو بمثابة عدم الجهوزية للإتحاد الأبدي بالثّالوث الأقدس. فمن جهّة تكون النّفس حاضرة لأنها أعربت عن حزنها الشّديد لاقترافها الخطيئة التي تكون قد غُفرت. ولكن بطبيعة الحال لا تكون النّفس عادة بكامل جهوزيتها للقاء الخالق لأن محبّتها لله عند لحظة الممات قد لا تكون مثالية.
قد تكون النّفس حاضرة للقاء الآب السّماوي من النّاحية الرّوحية أي أن خطياها مغفورة إلّا أنها تحتاج إلى القليل من التّعديلات قبل الإنتقال إلى أحضان الله المُحبّة والأبدية.
إن المطهر هوبمثابة علاج لحالة عدم الجهوزية التي قد تمرّ بها النّفس. إنّها عملية تطهير للنّفس.
إذا نقوم بالصّلاة لأنفس الموتى طالبين من الله أن يساعدها على تخطّي هذه المرحلة. كل ما يخصّ الأنفس يتعلّق بمحبّة الله ونعمه ففي يده وحده خلاص النّفوس.
ويعتبر القدّاس أحد أهم الصّلوات وأكثرها فعالية من أجل الموتى. الإحتفال بالذبيحة الإلهية يعيد تجسيد فداء المسيح للعالم على الصّليب ومن هذا المنطلق نطلب خلال القدّاس أن تعانق رحمة الله أنفس الموتى وتجعل مصيرها شبيهًا لمصير المسيح الذي قام من بين الأموات وجلس عن يمين الآب.
ومن الجدير ذكره أن الأموات أيضًا يستطيعون الصّلاة من أجلنا نحن الأحياء. فهم في حضرة الله ويستطيعون طلب النّعم لأجلنا منه مباشرة.
لذلك فإن الصّلاة على نية نفس اتحدّت مع الله بشكل نهائي وأبدي لا تذهب سدًّى. كل الصّلوات فعّالة وفي هذه الحالة سترتد الصّلوات على من يتلوها وعلى العالم بشكل نعم غير متوقعة.
في مصادفة أخرى كنت برفقة كاهن متقدّم في السّن والإيمان في إحدى المقابر فاستذكر الكاهن تلك العبارة المحفورة على مدخل الكنيسة وسط مقبرة وودستوك فقال لي:”تذكّر أنه لا يوجد صلوات تكفي الموتى.” يا له من كلام حكيم!!!