وكأن ثورة يناير قد قامت «لتطهير مصر الملوثة» والتى جاء طلاب سلطة وسياسيون لإعادتها إلى جادة الصواب و.. الالتزام باسم الإسلام، وقد تسأل: طيب من الذى أوصلكم إلى الكراسى أيها السادة سوى هذا الشعب الذى اكتشفتم الآن أنه «أهبل» ومن ثم يتحتم فرض الوصاية عليه؟ وهنا تكاد كل الإجابات تصب فى أنها الإرادة الإلهية وأن الهدف الحالى والملح الآن هو نقل مصر من «الطرحة والجلابية» إلى مصر «اللحية والجلابية» ولا أتصور أن يكون هناك فهم بهذا القدر من السطحية للإسلام كما هو الحال بالنسبة لهؤلاء.. والأمر المثير للقلق هو أن مفاهيم التدين الظاهرى تفشت إلى حد يهدد كيان الوطن ووحدته، لا سيما أنه وصل إلى أعلى قيادات فى الدولة، فقد أفزعتنى تصريحات وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم الذى استبعد نتائج التحقيق مع قتلة الشهيد أحمد حسين عيد وفاض حنانه على القتلة «الملتزمين» والتمس لهم العذر فى القتل، حين لم يبادر الشهيد بإعلان «التوبة!؟» عن الجلوس فى الشارع العمومى الذى كان يتوهم أنه آمن، و«يتأسف» للملتزمين! انحياز الوزير كان واضحاً لا يقبل اللبس، فقد وجد الأعذار للقتلة وحمل وزر الجريمة للضحية!!
ولكن أخطر ما فى الأمر أن السيد وزير الداخلية تركنا فى العراء.. مع الملتزمين وجهاً لوجه إلى أن يمزقوا أجسادنا إمعاناً فى الالتزام دون أن يوزع سيادته علينا كتيبات صغيرة نتعرف فيها على مصر ما بعد الثورة وقوانينها وفتاوى ملتزميها إذا أردنا أن «ننفد بجلدنا» كما لم يوضح لنا دور الشرطة وقوات الأمن وعلاقاتنا بهم فى المستقبل.. أى هل ستبقى هذه القوات، أم علينا التوجه بشكاوانا أو طلب حمايتنا من الملتزمين مباشرة؟ كما أن الوزير نفى أن يكون هؤلاء أعضاء فى أى تيار دينى، بينما طل علينا شيوخ ودعاة يؤكدون تنفيذ مخطط جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، بل إن بعض هذه الجماعات نفت انتماء القتلة إليها مما يعنى أنها موجودة وأن الإعلام لا يهول عندما يتحدث عن خطورة هذه التشكيلات الغريبة على مصر وأخطر ما أخشاه -بعد وصف الوزير لهم بالالتزام- أن يبدأ فرز المصريين إلى ملتزمين وغير ملتزمين وإلى أقباط ومسلمين وهو ما أعتبره دعوة صريحة للتدخل الخارجى.. وبدلاً من إغراقنا فى دعاوى التهوين والتهويل، علينا أن نهب جميعاً للدفاع عن وحدة وطننا وحل مشاكله الحياتية المستعصية بدلاً من جره إلى نفق اللحية والجلابية كسمات للالتزام الدينى؟!! الذى لا ينفرد فصيل واحد بمعاييره!! نريد دولة يحكمها القانون!!