إن الرب يهمه الخادم قبل الخدمة. والإعداد والتدريب يحتاج إلى وقت، وهذا سيُصقل شخصية الخادم ويضبط أفكاره وعواطفه وانفعالاته وإرادته وقراراته. وإذ ذاك يستطيع الله، بعد أن يُفَرِّغه من ذاته، أن يستخدمه الاستخدام الناجح. وهناك فارق كبير بين أن نخدم بحماس وطاقة نفسية أو جسدية ونعتمد على قدراتنا الطبيعية، حتى لو كانت الدوافع مُقدَّسة، وبين أن نخدم بطاقة روحية معتمدين على قوة الروح القدس، مدركين أننا أوانٍٍ خزفية. وما أخطر أن ندفع شخصًا للخدمة قبل الأوان وقبل الإعداد الإلهي الكافي له، لأن هذا سينتج شخصًا مُشَوَّهًا يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي.
إن الخدمة هي حياة كاملة مُكرَّسة للرب وليست بعض الأنشطة التي تُمارَس.
يقول الرسول بولس: «فأطلب إليكم برأفة الله أن تُقدِّموا أجسادكم ذبيحة حيَّة مُقدَّسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية (خدمتكم العاقلة)». (رو 1:12). أي أن نخدم الرب كعبيد، والعبد هو بجملته مِلك سيده. ولا يمكن فصل الخدمة عن الحياة بتفاصيلها. والخادم هو خادم أينما وُجِد. أمام الناس هو خادم، وبعيدًا عن الناس هو أيضًا خادم؛ لأنه يخدم أمام الرب.
والخدمة هي رؤية مُعطاة من الله للخادم وليست وظيفة يشغلها الخادم.
وبدون رؤية هناك الجموح والتخبُّط. والرؤية تتبلور في محضر الله وتزداد وضوحًا شيئًا فشيئًا، والمطلوب هو الطاعة والحساسية الروحية والتمييز. والخدمة تُؤخذ من الرب شخصيًا وليست تكليفًا من الناس أو دعوة من كنيسة محلية. وكذلك الخدمة ليست تقليدًا للآخرين. فإن خطة الله والبرنامج الإلهي له يختلف عن الآخرين. يقول بولس: «حتى أُتَمِّم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع» (أع24:20).
والخدمة تثقُّل وليست هواية مُحَبَّبة تُمَارَس في الأوساط الروحية.
إن الشخص يشعر أنه مُلزَم ومديون أن يفعل هذه الخدمة ولا يهدأ أو يستريح إلا عندما يُتمِّمها. قال الرب لبطرس: «ارع غنمي»، وهو شعر أنها أمانة في عنقه.
والخدمة الصحيحة تستمد قوَّتها من الشركة الفعَّالة مع الله.
فالخادم ليس آلة أو ماكينة. وكم نُخطئ في حق الرب والنفوس إذا لم نأخذ وقتًا كافيًا أمام الرب لنؤدِّي أي خدمة حتى لو كانت بسيطة. إننا بدون الرب لا نقدر أن نعمل شيئًا. وكل ما نعمله بدونه محكومٌ عليه بالفشل. وكم من أشخاص يهرعون إلى الخدمة والرب لم يرسلهم. كما يقول في إرميا: «لم أرسل الأنبياء بل هم جروا ... ولو وقفوا في مجلسي لأخبروا شعبي بكلامي» (إر 21:23، 22).
ومن خلال هذه المفاهيم الصحيحة عن الخدمة، نستطيع أن ندرك أهمية الانتظار والتأنِّي وعدم التسرع والاندفاع، والإعداد والتدريب والنضوج، ومعرفة ماذا يريد الرب منا. وكما قال أحدهم: < قبل أن نكلِّم الآخرين عن الله يجب أن نكلِّم الله عن الآخرين، وقبل الكل يجب أن نسمع كلام الله من جهة أنفسنا