السؤال : ما معني حرية مجد أولاد الله التي ذكرها القديس بولس الرسول في ( رو8 : 21 ) . وما حددوها ؟ ومتى نصل اليها ؟ وهل يستطيع رجل أن ينام الى جوار امراة غريبة ، ولا يتعب روحيا، لأنه وصل الى مستوي حرية مجد أولاد الله ؟ ( اذ قد سمعنا من واعظ مثل هذا الكلام عن نفسه )
الإجابة :
لكي تفهم العبارة التي قالها القديس بولس الرسول ، يحسن أن تقرأ الفقرة كلها كما وردت في ( رو8 : 18 ، 25 ) .
انه يتكلم عن المجد العتيد فينا ( ع18 ) ، ونتوقعه بالصبر ( ع25 ) . هذا من جهته | كل الخليقة تئن وتتمخض معا الى الان | ونحن الذين لنا باكورة الروح ، نحن أنفسنا أيضا نئن في أنفسنا ، متوقعين التبني فداء أجسادنا | ( ع22 : 23 ) .
الخليقة حاليا قد أخضعت لبطل . ولكنها ستعتق من عبودية الفساد الى حرية مجد أولاد الله ( رو8 : 20 ، 21 ) .
نحن لا نعيش حاليا في حرية مجد أولاد الله . بل نرجو هذا ، ونتوقعه بالصبر .
نتوقع وننتظر أن هذه الطبيعة البشرية سوف تعتق من عبودية الفساد . ولكن متى يحدث هذا ؟ أنه يحدث في القيامة . | حينما يقام الموتي عديمي فساد | . حينما هذا الجسد الفاسد | يلبس عدم فساد . وهذا المائت يلبس عدم موت | ( 1كو15 : 52 ، 53 ) .
اذن حرية مجد أولاد الله ، تكون في الأبدية ، بعد القيامة .
على الأرض هنا ، ليست أجسادنا في حالة المجد ، بل ان الرسول يقول عن الجسد في الموت والقيامة | يزرع في فساد ، ويقام في عدم فساد . يزرع في هوان ، ويقام في مجد .يزرع في ضعف ويقام في قوة | ( 1كو15 : 42 ، 43 ) .
ليس ههنا طبيعة الجسد الممجدة . هنا الجسد يشتهي ضد الروح ، والروح ضد الجسد . وهذان يقاوم أحدهما الاخر ، حتى تفعلون ما لا تريدون | ( غل5 : 16 ، 17 ) .
ولكننا سندخل في حرية مجد أولاد الله ، في القيامة ، حينما تعتق طبيعتنا من عبودية الفساد ، حينما نقام بأجساد روحانية .
لنا على الأرض حرية ، حينما نتحرر تماما من سيطرة الخطية ، والعادات والأفكار لرديئة ، وكل شهوات القلب الخاطئة ، وكل انحراف الغرائز والمشاعر .. ولكن هذه الحرية لا ندعيها لأنفسنا ، وانما توهب لنا من الله ، كما قال الرب : | ، حينما نتحرر تماما من سيطرة الخطية ، والعادات والأفكار لرديئة ، وكل شهوات القلب الخاطئة ، وكل انحراف الغرائز والمشاعر .. ولكن هذه الحرية لا ندعيها لأنفسنا ، وانما توهب لنا من الله ، كما قال الرب : | ن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا | ( يو8 : 36 ) .
والرسول في هذا الاصحاح ( رو8 ) ، الذي يتكلم فيه عن حرية مجد أولاد الله ( رو8 )
انما من أول الاصحاح ، يتحدث بتفصيل عن الجسد وخطورة انحرافاته ، حينما يسلك الانسان حسب الجسد :
فيقول ان | اهتمام الجسد هو موت | ، | اهتمام الجسد هو عداوة لله | | الذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله | ( رو8 : 6 ، 8 ) . ويقول أيضا | ان عشتم حسب الجسد فستموتون | ( رو8 : 13 ) .. ويتطور الى أن يتحدث عن المجد العتيد أن يستعلن فينا ، بعتق الخليقة من عبودية الفساد ( رو8 : 18 ، 21 ) .
وفي الاصحاح السابق له ( رو7 9 ، يتحدث أيضا عن الجسد وحروبه الصعبة فيقول :
| أما أنا فجسدي مبيع تحت الخطية .. انى أعلم أنه ليس ساكنا في ، أي في جسدي شئ صالح | ( رو7 : 14 ، 18 ) .
ويشرح هذه الطبيعة التي لم تعتق بعد من عبودية الفساد ، فيقول | لأني لست أفعل الصالح الذي أريده بل الشر الذي لست أريده ، فاياه أفعل .. فلست بعد أفعله أنا ، بل الخطية الساكنة في ( رو8 : 19 ، 20 ) . ويشرح سبب ذلك فيقول : | أري ناموسا اخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ، ويسبيني الى ناموس الخطية الكائن في أعضائي . ويحي أنا الانسان الشقي ، من ينقذني من جسد هذا الموت | ( رو8 : 23 ، 24 ) .
ثم يتدرج الى الاصحاح الثامن . فيتحدث عن خطورة السلوك عن الجسد ، وعن الطبيعة التي أخضعت للبطل . وعن انتظارنا أن تعتق من عبودية الفساد ، الى حرية مجد أولاد الله ( رو8 : 20 ، 21 ) .
نحن على الأرض في فترة اختبار ، ونحتاج الى جهاد ، لكي تنتصر الروح على الجسد .
فنسلك حسب الروح ، وليس حسب الجسد ( رو8 : 1 ) . ولكي نقدم أجسادنا ذبيحة حية مقدسة | ( رو12 : 1 ) . ولكي بالروح نميت أعمال الجسد ( رو8 : 13 ) . وهذا الأمر يحتاج بلا شك الى جهاد والى نعمة . وان لم تجاهد ، سوف نتعرض الى توبيخ القديس بولس نفسه الذي قال :
| لم تقاوموا بعد حتى الدم ، مجاهدين ضد الخطية | ( عب12 : 4 ) .
فهل الذين يحتاجون الى هذا الجهاد حتى الدم ، قد وصلوا بعد الى حرية مجد أولاد الله ؟! ان القديس بولس أرسل هذا التوبيخ الى العبرانيين الذين قال لهم | أيها الأخوة القديسون ، شركاء الدعوة السماوية | ( عب3 : 1 ) .
فان كان أولئك القديسون لم يصلوا بعد الى حرية مجد أولاد الله ، بل يقول لهم الرسول | ان سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم | ( عب3 : 7 ، 15 ) . فماذا نقول نحن عن أنفسنا ، وعن جيلنا الذي نعيش فيه بكل حروبه ...
ان هذه التي قال عنها القديس بطرس الرسول | أصحوا واسهروا . لأن ابليس خصمكم كأسد زائر ، يجول ملتمسا من يبتلعه هو . فقاوموه راسخين في الايمان ، عالمين أن نفس هذه الالام تجري على أخوتكم الذين في العالم | ( بط5 : 8 ، 9 ) . فهل نفعل عن الصحو والسهر والمقاومة ضد هذه الالام معتمدين على أننا قد وصلنا الى حرية مجد أولاد الله ؟! وكيف يجوز لرجل متدين ، أن يسمح لنفسه بأن ينام الى جوار امراة غريبة ليست من محارمه ، بحجة حرية مجد أولاد الله ، ناسيا قول الكتاب عن الخطية انها :
| طرحت كثيرين جرحي ، وكل قتلاها أقوياء | ( أم7 : 26 ) .
وكيف ينسي ايضا قول الكتاب عن هذه المحاربات النسائية | أيأخذ لانسان نارا في حضنه ، ولا تحترق ثيابه ؟! أو يمشي انسان على الجمر ولا تكتوي رجلاه ؟! هكذا من يدخل على امراة صاحبة | ( أم6 : 27 ، 28 ) .
ان المتواضعين المحترسين ، الذين يهربون من هذه العثرات ، هم الذين ينجون من الخطية . وهنا اذكر موقف القديس الأنبا بيشوي حينما حدثه تلاميذه عن تحدي امراته خاطئة له ، فرجع الى الوراء ثلاث خطوات ، وهو يرسم نفسه الصليب . فقال له تلاميذه | هل أنت يا أبانا تخشي هذه المرأة ؟! | فأجاب باتضاع :
ان المرأة هي التي أسقطت ادم وشمشون وداود وسليمان ، من هو بيشوي المسكين حتى يقف أمامها ؟!
قال هذا على الرغم من قداسته ، وعلى الرغم من أنه بعد ذلك استطاع أن ينقذ تلميذه اسحق منها ...
ان الانسان المتدين ، الذي ينام الى جوار امراة غريبة ، بحجة حرية مد أولاد الله هو أولا لم يفهم معني هذه الاية ، وثانيا هو ينسى أن ابليس عدونا يجول كأسد زائر لكي يبتلعه هو أو يبتلع المرأة . وينسي المرأة . وينسي أنه قد يفقد ما يدعيه لنفسه من حرية ومجد ، ويفقد ما له من تدين .
حقا انها حرب من الشيطان ، يدفع بها انسانا متدينا الى مجازفة خطيرة كهذه ، محاربا اياه يسئ تفسيرها .
وكأنه يقول له | اطرح نفسك الى أسفل ، فتحملك الملائكة | ( مت4 : 6 ) . ان قال هكذا فينبغي أن يجييب بعبارة السيد المسيح | مكتوب أيضا : لا تجرب الرب الهك | ( مت4 : 7 ) .. من الخطر حقا ، ومن الخطأ أيضا ، أن يرتئي أحد فوق ما ينبغي أن يرتئي | ( رو12 : 3 ) . وليس من الحكمة ولا من الحكمة ولا من الروحانية ، أن يلقي أحد نفسه في جب الأسود ، ويقول : لابد أن الله سيرسل ملاكه ، ليسد أفواه الأسد !! ( دا6 : 22 ) .
حرب الشيطان تبدأ أولا بالكبرياء ، فيقنع انسانا أنه قد وصل الى حرية مجد أولاد الله .
فاذا ما قبل منه هذا الفكر واقتنع به ، وحينئذ يشعره بأنه قد وصل بهذا المجد الى درجة من العصمة ، ارتفع بها فوق مستوي السقوط ، ولم تعد كل الحروب والعثرات بقادرة عليه !! وهكذا توقعه في الكبرياء والثقة بالذات ، وبالتالي في عدم الحرص ، وفي عدم السهر على خلاص نفسه ، وحينئذ يضربه الشيطان الضربة التي يسقطه بها ، كما قال الكتاب :
| قبل الكسر الكبرياء . وقبل السقوط تشامخ الروح | ( 16 : 18 ) .
لقد منحنا الله حرية ، ولكنه لم يمنحنا عصمة ..
وقد منحنا نعمة وقوة ، ولكنه لم يمنع الحروب الروحية عنا بل قد علمنا أن نقول كل يوم | لا تدخلنا في تجربة . لكن نجنا من الشرير | . فنحن اذن نطلب المعونة الالهية كل يوم . وهذا يدل على أننا غير معصومين . ولم نصل بعد الى هذا المجد ، الذي قد أنعتق تماما من عبودية الفساد ، ومن جسد هذا الموت ( رو7 : 24 .
هنا وأختم بعبارة هامة قالها القديس بولس الرسول أيضا :
انكم انما دعيتم الى الحرية أيها الأخوة ، ولكن لا تصيروا الحرية فرصة للجسد | ( غل5 : 13 ) .