القدّيس البار ثيودوسيوس الأنطاكي (القرن5م)
5 شباط شرقي (18 شباط غربي)
يُلقب بالأنطاكي تمييزاً له عن ثيودوسيوس البار رئيس أديرة فلسطين (11 كانون الثاني). عاش في النصف الثاني من القرن الرابع ورقد قرابة العام 412م. يعرف أيضاً بثيودوسيوس الصخرة أوسكوبلوس نسبة إلى المكان الذي نسك فيه. يقع هذا المكان بقرب روسوس الكيليكية، في واد صغير ينحدر نحو البحر. أصله أنطاكي. أهله ذوو حسب ونسب لم ينقصه شيء من أسباب حياة الرغد في العالم. رغم ذلك ترك كل شيء وخرج يبحث عن اللؤلؤة الواحدة الكثيرة الثمن (مت13:46). استقر في قلاية صغيرة ابتناها لنفسه وانصرف بالكلية إلى حياة التوبة. لبس المسح وافترش العراء. اعتاد أن يحمل السلاسل حول عنقه ويديه وحقويه. كان صارماً في أصوامه، قوّاماً في أسهاره. وقد أضاف إلى أصوامه وأسهاره وأتعابه عمل اليدين. اشتغل تارة في صنع المرواح وتارة في صنع السلال. عمل في استصلاح الأراضي وزراعتها سدّاً لحاجته. لم يمرّ عليه وقت طويل حتى اهتدى الناس إليه. ذاع صيته لا في الجوار وحسب، صاروا يأتون إليه من كل ناحية يطلبون الإنضواء تحت لوائه. لم يكن، لمحبته، ليَرُدّ المقبلين إليه. صار له عدد كبير من التلاميذ. علّمهم ما كان قد مارسه، التقشّف والسهر والصلاة. كل شيء ما خلا حمل السلاسل. أنشأهم على الصلاة وعمل اليدين. كان يقول لهم: "لا يجوز أن الرجال العائشين في العالم يكدّون ويتعبون في إعالة أولادهم ونسائهم، فضلاً عن تأديتهم ما يتوجّب عليهم من فروض كتأدية الجزية وتقدمة بواكيرهم لله وإعانة الفقراء بحسب مقدورهم، ونحن لا نسعى بأتعابنا لسدّ احتياجاتنا الضرورية، رغم أننا نستعمل من الطعام أقلّه وأرخصه ومن الثياب أحقرها، فنبقى مكتوفي الأيدي نستغلّ عمل أيدي الآخرين". على هذا الأساس كان كل أبنائه يعملون، بعضهم في صناعة الأشرعة وبعضهم في صناعة عربات الخيل. بعضهم في السلال وبعضهم في حراثة الأرض. وإذ كانت إقامتهم بقرب البحر فقد بنوا مركباً لنقل منتجات الدير وجلب ما يحتاجون إليه. الضيافة كانت بنداً مهماً من بنود قانون حياتهم. فلقد رتّب ثيودوسيوس أن يصار كل سنة، يوم الخميس العظيم، إلى توزيع الحسنات على فقراء تلك النواحي. كان كل محتاج ينال صاعاً من القمح ونصف ليتر من الخمر وأربعة ليترات ونصف من العسل ومواد غذائية أخرى. هذه العادة المباركة استمرت في الدير سنوات طويلة بعد رقاد قدّيس الله. يوحنا موسكوس أتى على ذكرها في القرن السادس أو السابع. قال أن الله عاقب رهبان الدير لأنهم شاؤوا في زمن الضيق أن يعطّلوا التقليد المسلم إليهم من أبيهم. دير القدّيس ثيودوسيوس تم بناؤه عند أسفل صخرة ضخمة. لذا سمّي "دير الصخرة". لم يكن في المكان ماء. كان على الرهبان أن يُحضروه من بعيد وكانوا يتكبّدون في ذلك مشاقاً. أما موضع الصخرة فكان جافاً تماماً. وقد حفر القدّيس مجرى للماء بين الصخرة والدير كما لو كان الماء موفوراً وشاء جرّه. فلما جهز المجرى صعد ليلاً إلى أعلى الصخرة ورفع إلى ربّه صلاة حارة واثقة، ثم ضرب الصخرة بعصاه فانفجرت المياه، كما في عهد موسى، وجرت في القناة. يوحنا موسكوس ذكر أنها كانت ما تزال فيّاضة بعد مائة وخمسين عاماً من وفاة قدّيس الله. وذكر أيضاً أن بعض الرهبان رغبوا في إقامة خزان لها في الدير. وبعدما رضخ رئيس الدير لهم وصنعوا ما أرادوا جفّت المياه ولم تعد إلا بعدما أزالوا الخزّان كما ليكون اتكال الدير على أفضال الله كاملاً نظير أبيهم ثيودوسيوس. كذلك ورد أن الايصوريين الذين روّعوا البلاد بغزواتهم وسرقاتهم وجرائمهم أتوا إلى موضع القدّيس مرتين، لكنهم لم يتعرّضوا له بأذى. اكتفوا ببعض الخبز وطلب صلاته. انتقل قدّيس الله بعد ذلك إلى أنطاكية بناء لطلب الرؤساء لئلا يوجد مجرّباً لله ويسمح الله للإيصوريين بخطفه على غرار ما فعلوا ببعض الأساقفة ثم طالبوا بفدية باهظة لإطلاقهم. أقام بقرب نهر العاصي إلى أن وافته المنيّة قرابة العام 412م. دُفن في كنيسة القدّيس يوليانوس، في المدفن عينه الذي ضمّ رفات القدّيس أفرهات.
طروبارية القدّيس ثيودوسيوس باللحن الثامن
لِلبَرِيَّةِ غَيْرِ الـمُثْمِرَةِ بِمَجارِي دُمُوعِكَ أَمْرَعْتَ. وبِالتَّنَهُّداتِ التي مِنَ الأَعْماق أَثْمَرْتَ بِأَتْعابِكَ إِلى مِئَةِ ضِعْفٍ. فَصِرْتَ كَوكَباً لِلمَسْكونَةِ مُتَلأْلِئاً بِالعَجائِب. يا أَبانا البارَّ ثيودوسيوس فَتَشَفَّعْ إِلى المَسِيحِ الإِلَهِ أَنْ يُخَلِّصَ نُفُوسَنا.