الأدب النوبي:
إن "نوبي" العصر الحاضر لا يكتب، كما أن أسلافه لم يكتبوا إلا القليل. حتى في عهود الفراعنة، كانت الهيروغليفية المنقوشة على المعابد النوبية هيروغليفية ركيكة حتى ليصعب فهمها. وفيما قبل المسيحية تركت المباني التي أقامها حكام النوبة، خالية من الكتابة أو بنقوش قليلة باللغة النوبية مكتوبة بحروف هيروغليفية. وفي بداية العهد المسيحي بدأت الكتابة بحروف متصلة شبيهة بالديموطيقية المصرية التي أخذت عنها أبجديتها. وبعد أن أصبحت النوبة بلادًا مسيحية (في القرن السادس) بدأ نظام جديد من الكتابة بالحروف اليونانية والقبطية. وقد وجد لبسيوس لوحين -من هذا النوع- على النيل الأزرق، كما اكتشف عدد آخر منها بعد ذلك، لكن لم يمكن قراءة هذه الكتابة النوبية حتى 1916، ففي تلك السنة وجد دكتور كارل شميدت في القاهرة، قصاصتين من الرقوق التي كانت ملكًا لأحد المسيحيين النوبيين من القرن الثامن أو التاسع. تشتمل إحدى القصاصتين على مقتطفات من العهد الجديد، وذلك بمقارنتها بالنصوص اليونانية والقبطية. وبالمقابلة بين "الخرطوشات" (أسماء الأعلام داخل أطر محددة) المكتوبة بلغتين، أمكن فك طلاسم اللغة النوبية. وقد توالت الاكتشافات بعد ذلك، ولا شك في أنه ستتم ترجمة هذه المخطوطات الهامة التي تضم "تاريخ لهجة أفريقية زنجية طيلة ألفي عام"، كما ستكشف عن التاريخ المفقود للكنيسة المسيحية في السودان. أما القصاصة الأخرى التي وجدها شميدث، فتحتوي على ترنيمة الصليب (وتمثل أقدم الترانيم الإثيوبية):
الصليب هو رجاء المسيحيين
الصليب هو قيامة الأموات
الصليب هو طبيب المرضى
الصليب هو محرر العبيد … الخ.
وقد بدأ بوركهاردت (1813) ثم كاليورد ووادنجتون (1821) الأبحاث العلمية في آثار النوبة، ثم لبسيوس (1840). ولكن أهم الاكتشافات بدأتها جامعة شيكاغو (1905-1907)، ثم واصلتها (1907-1910) بعثة الأكاديمية الملكية ببرلين وجامعة بنسلفانيا وجامعة ليفربول.